الدوائر العقارية في جبل لبنان تستأنف عملها لرفد الخزينة بالمال

الموظفون عادوا إلى عملهم رغم استمرار ملاحقتهم قضائياً

من اعتصام سابق أمام الدوائر العقارية للمطالبة بعودتها للعمل (الوكالة الوطنية للإعلام)
من اعتصام سابق أمام الدوائر العقارية للمطالبة بعودتها للعمل (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

الدوائر العقارية في جبل لبنان تستأنف عملها لرفد الخزينة بالمال

من اعتصام سابق أمام الدوائر العقارية للمطالبة بعودتها للعمل (الوكالة الوطنية للإعلام)
من اعتصام سابق أمام الدوائر العقارية للمطالبة بعودتها للعمل (الوكالة الوطنية للإعلام)

استأنفت الدوائر العقارية في جبل لبنان عملها بعد توقّف قسري دام 14 شهراً، وذلك على خلفية الملاحقات القضائية التي طالت عشرات الموظفين في هذه الدوائر، وتوقيف عدد كبير منهم بشبهات الفساد، غير أن المتضررين من إقفال هذه الدوائر، خصوصاً من المقاولين والمواطنين، يخشون أن تكون العودة مؤقتة؛ الأمر الذي يراكم خسائرهم.

وأوقف القضاء اللبناني منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022 العشرات من موظفي أمانات السجل العقاري في دوائر بعبدا وعاليه والشوف والمتن وجونية وجبيل، بعد ثبوت تقاضيهم منافع مالية وتحقيقهم مكاسب مالية طائلة لقاء إنجاز المعاملات، وتسببت الملاحقات في فرار آخرين من العدالة وملازمة باقي الموظفين منازلهم خوفاً من استدعائهم وتوقيفهم لاحقاً، ما أدى إلى إقفال الدوائر المذكورة بشكل كلّي، وأثر سلباً على إيرادات الخزينة وعلى المواطنين.

وكادت الملاحقات القضائية تؤدي إلى إقالة موظفي الدوائر العقارية من وظائفهم، لولا تدخّل مباشر من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، ومسارعة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير المال يوسف الخليل، لإيجاد المخارج القانونية لها؛ إذ إن القانون ينص على أنه «إذا انقطع موظف عن عمله مدة 15 يوماً يُعدّ مستقيلاً حكماً». وقد صدر قرار عن مجلس الوزراء اللبناني عالج هذه الإشكالية، بعد أخذ رأي مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي، وعدّ القرار أن «الاستغناء عن هؤلاء الموظفين من شأنه أن يؤدي إلى توقف العمل نهائياً في أمانات السجل العقاري». ورأى أنه «إذا كان الموظف موقوفاً وأُخلي سبيله يمكنه معاودة العمل بشكل طبيعي، إلى أن يصدر حكم مبرم بإدانته. أما المتوارون عن الأنظار، فيُفترض بهم وضع أنفسهم فوراً بتصرف القضاء للبتّ بأمرهم، وقد لا يرى القضاء مانعاً في إعادته إلى الوظيفة، في ضوء الظروف الاستثنائية التي تعيشها إدارات الدولة».

وحمّل نواب من كسروان وجبيل والمتن (جبل لبنان) الحكومة ورئيسها مسؤولية إقفال الدوائر العقارية في مناطقهم، وطالبوا بـ«التعاطي مع جبل لبنان أسوة بباقي المناطق». غير أن مصدراً مقرباً من رئيس الحكومة ذكّر بأن المشكلة ليست عند رئيس الحكومة، بل في مكان آخر. ولفت المصدر إلى أن المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضي سامر ليشع، الذي يضع يده على التحقيق بالملفّ العقاري «وجّه كتاباً إلى رئاسة الحكومة طلب فيه عَدّ الموظفين الموقوفين مستقيلين، لأن فترة انقطاعهم عن العمل تجاوزت الـ15 يوماً». وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الطلب أثار غضب البطريرك الراعي، الذي حذّر من إقالة هؤلاء الموظفين، وأغلبهم من المسيحيين، لأن ذلك يُعدّ أكبر ضربة للوجود المسيحي في إدارات الدولة»، مشيراً إلى أن الرئيس ميقاتي «عالج هذه القضية بالتعاون مع وزارة المال، وأعاد العمل إلى هذه المؤسسات بما يضمن استمراريتها ويحول دون إلحاق الظلم بالموظفين».

الإعلان عن استئناف العمل لا يعني فتح الدوائر أمام المراجعات، ولا تسهيل مهمّة مَن يرغب في تسجيل منزل أو مؤسسة في الوقت الراهن، لأن الأولوية الآن للملفات المكدّسة منذ ما قبل الإقفال. وكشف رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، أن العمل في الدوائر العقارية في جبل لبنان «بدأ منذ أيام داخلها، إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء، الذي أجاز لوزارة المال تمكين عدد من موظفي العقارية في جبل لبنان من العودة إلى عملهم». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل بدأ داخل الدوائر من دون فتحها أمام الناس حالياً، بهدف إنجاز الملفات المتراكمة قبل البدء باستقبال معاملات جديدة»، مشيراً إلى أن الحكومة «اتخذت قراراً برفد هذه الدوائر بأعداد من الموظفين بشكل مؤقت، ليصبح استئناف العمل دائماً، وليس ظرفياً أو مؤقتاً، لذا ننبه إلى ضرورة استمرار التنفيذ دون انقطاع».

وأكد كنعان أن «إقفال هذه الدوائر على مدى 14 شهراً حرم الخزينة من إيرادات تفوق الـ10 آلاف مليار ليرة، أي أكثر من 100 مليون دولار أميركي».

وبما ينفي أي خلفية سياسيّة لتعطيل هذه الإدارات، عزا كنعان سبب التوقف القسري لعمل أمانات السجل العقاري في الدوائر المذكورة، إلى «القرارات القضائية التي أفضت إلى توقيف عشرات الموظفين، وإجراء ملاحقات غيابية بحق آخرين، وملازمة مَن تبقى منهم بيوتهم خوفاً من أن تشملهم التوقيفات لاحقاً»، لكنّه استغرب في الوقت نفسه «عدم تحرّك الحكومة في حينه، كما إقفال دوائر أساسيّة أخرى من أمانات السجل العقاري ومصلحة تسجيل السيارات، والامتناع عن توفير الطوابع الأميرية، وهذه المصادر الثلاثة تؤمن نصف الموازنة». ودعا كنعان إلى «معالجة هذه المسألة بمسؤولية عالية بدلاً من محاولات زيادة الضرائب والرسوم على المواطن».


مقالات ذات صلة

ميقاتي: الجيش سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

ميقاتي: الجيش سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الاثنين، إن الجيش اللبناني سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد انسحاب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

الشرع: سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان

تعهد القائد العام للإدارة الجديدة بسوريا أحمد الشرع الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)
جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)
جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)

أمرت إسرائيل، اليوم (الأحد)، بإغلاق وإخلاء أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في منطقة محاصرة في شمال قطاع غزة، مما أجبر المسعفين على البحث عن طريقة لإجلاء مئات المرضى والموظفين بأمان، وفق ما أوردته وكالة «رويترز».

وقال مدير مستشفى «كمال عدوان» في بيت لاهيا، حسام أبو صفية، للوكالة في رسالة نصية إن الامتثال لأمر الإغلاق «شبه مستحيل» بسبب نقص سيارات الإسعاف اللازمة لنقل المرضى. وأضاف: «لدينا حالياً ما يقرب من 400 مدني داخل المستشفى، بما في ذلك الأطفال في وحدة حديثي الولادة الذين تعتمد حياتهم على الأكسجين والحاضنات. لا يمكننا إجلاء هؤلاء المرضى بأمان دون المساعدة والمعدات والوقت». وأوضح: «نرسل هذه الرسالة تحت القصف الشديد والاستهداف المباشر لخزانات الوقود، والتي إذا أصيبت ستتسبب في انفجار كبير وإصابات جماعية للمدنيين في الداخل».

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق على تصريحات أبو صفية. وكان الجيش قال، أول من أمس، إنه أرسل وقوداً وإمدادات غذائية إلى المستشفى، وساعد في إجلاء أكثر من 100 مريض ومقدم رعاية إلى مستشفيات أخرى في غزة، بعضهم بالتنسيق مع الصليب الأحمر، حفاظاً على سلامتهم. والمستشفى هو أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل جزئياً في شمال قطاع غزة، وهي منطقة تحاصرها إسرائيل منذ ثلاثة أشهر تقريباً في واحدة من أكثر العمليات قسوة في الحرب المستمرة منذ 14 شهراً.

وقال أبو صفية إن الجيش الإسرائيلي أمر بإجلاء المرضى والموظفين إلى مستشفى آخر وضعه أسوأ. وأظهرت صور من داخل المستشفى تكدس المرضى على أسرّة في الممرات لإبعادهم عن النوافذ. ولم يتسنَّ للوكالة التحقق من صحة هذه الصور بعدُ.

وتقول إسرائيل إن حصارها لثلاث مناطق في شمال غزة، وهي بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، يأتي في إطار عملية لاستهداف مسلحي «حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية» (حماس). ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بالسعي إلى إخلاء المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قتال من أماكن قريبة

وبثت حركة «حماس»، اليوم، مقطعاً مصوراً قالت إنه جرى تصويره في شمال قطاع غزة. وظهر في المقطع مقاتلون متمركزون داخل مبانٍ مدمرة ووسط أكوام من الحطام، وكانوا يرتدون ملابس مدنية ويطلقون مقذوفات على قوات إسرائيلية. وقال الجيش الإسرائيلي، اليوم، إن القوات التي تنفذ عمليات في بيت حانون قصفت مسلحين وبنى تحتية تابعة للحركة. وقالت حركتا «حماس» و«الجهاد» إنهما تسببتا في خسائر بشرية في صفوف القوات الإسرائيلية.

من جهة أخرى، ذكرت البطريركية اللاتينية في القدس ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن إسرائيل سمحت لبطريرك القدس للاتين بدخول غزة اليوم. وجاء ذلك بعد أن قال البابا فرنسيس بابا الفاتيكان أمس إن البطريرك مُنع من الدخول.

وفي مناطق أخرى في قطاع غزة، قال مسعفون إن غارات عسكرية إسرائيلية في أنحاء قطاع غزة أسفرت عن مقتل 24 فلسطينياً على الأقل. وقُتل ثمانية، بعضهم أطفال، في مدرسة تؤوي عائلات نازحة في مدينة غزة. وقال الجيش الإسرائيلي إن الضربة استهدفت مسلحين من «حماس» يعملون من مركز قيادة داخل المدرسة. وتنفي «حماس» وجود مقاتليها بين المدنيين.

وكثف الوسطاء جهودهم في الأسابيع القليلة الماضية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بعد أشهر من تعطل المحادثات. وشنت إسرائيل الحملة العسكرية على غزة بعد أن اقتحم مقاتلون بقيادة «حماس» بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في هجوم تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

ويُعتقد أن نحو نصف عدد الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة، وعددهم 100، لم يلقوا حتفهم بعدُ. وتقول السلطات في قطاع غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة قتلت حتى الآن أكثر من 45259 فلسطينياً، وأسفرت عن نزوح معظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتدمير أغلب القطاع الساحلي.