زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سُنة العراق يشعرون بالتهميش وبعض الأجهزة الأمنية مخترقة

قال إن «الطريقة المخزية في إعدام صدام منحته مكانة لا يستحقها»

TT

زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سُنة العراق يشعرون بالتهميش وبعض الأجهزة الأمنية مخترقة

بايدن مع زيباري ونوري المالكي في البيت الأبيض عام 2009 (غيتي)
بايدن مع زيباري ونوري المالكي في البيت الأبيض عام 2009 (غيتي)

كان هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، شريكاً في محطات حساسة في شؤون الداخل والخارج معاً. سألته «الشرق الأوسط» عن القرار الأمني والفساد والعلاقات بين المكونات، علاوة على ما سمعه من زعماء عرب بعد قيام النظام الحالي في بلاده. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة:

* هل كان جو بايدن داعماً لبقاء رئيس الوزراء نوري المالكي؟

- التقيت بايدن عشرات المرات. أعرفه من سنة 1992 حين كنا نحاول عمل «لوبي» في الكونغرس الأميركي. وكان متعاطفاً ومؤيداً للتغيير في العراق. زار الإقليم والعراق عشرات المرات. وفي الفترتين الأولى والثانية لرئاسة أوباما كان هو المسؤول عن ملف العراق في كل التفاصيل.

* كان مؤيداً للمالكي؟

- نعم. دعني أوضح الفكرة. أحد الأخطاء التي نتحمل مسؤوليتها كقيادات عراقية، ارتكبناها بعد انتخابات 2010 عندما فازت قائمة الدكتور إياد علاوي بعدد واضح من الأصوات عن القوائم الشيعية، وقائمته كانت حقيقة بها كل الأطياف الشيعية والسنية ومن القوميات الأخرى والأديان. آنذاك، سبحان الله، كانت إيران وأميركا داعمتين للمالكي. ومنطقهم (الأميركيين) حتى أكون منصفاً، كان أن لدينا عملية انتقال وانسحاب قواتنا في 2011 واتفاقية أخرى، فدعونا لا نهز المركب لتستمر العملية، مع التضحية للأسف بنجاح برلماني وانتخابي باهر وواضح للدكتور إياد علاوي.





آنذاك كل القيادات مشت في هذا الاتجاه لنكمل المسيرة، لكن مراجعة للنفس وللتاريخ، أعترف أن هذه المحطة كانت أكبر خطأ استراتيجي وقع.

* هل ظُلِم إياد علاوي؟

- نعم. ظُلِم.

* هناك من يقول إن استبعاد إياد علاوي في العراق واغتيال رفيق الحريري في بيروت ضربا القوى المعتدلة في البلدين...

- هناك أساس لهذا الربط، وليس بعيداً. تعلمت شيئاً في التعامل مع سياسة الشرق الأوسط، وهو أن الأمور متداخلة. لا يمكنك فصل الوضع في لبنان عن الوضع في المنطقة، في إيران في الخليج في سوريا في فلسطين في الأردن. المسائل بها ترابط. لكن هل كان ذلك مبرمجاً، لا يمكنني أن أؤكد.

* هل تعتقد أن الأردن معرض لتهديدات؟

- مُعرّض جداً جداً. مستقبل قوات التحالف الدولي أو الأميركية في العراق... يعني أكثر من طرف. في تقديري، انسحابهم من العراق، هو آخر قلعة لهم، لنفوذهم في الشرق الأوسط. الأمن الأردني أيضاً مهدد. أمن الخليج سيكون مهدداً. الرسائل التي نسمعها من إخواننا في بعض دول الخليج أنهم قلقون أكثر من هذه التقارير والمعلومات والأخبار. وأيضاً الأردن حالياً داخل في معركة مع المخدرات ومع القوى التي تستهدف أراضيه. للمرة الأولى يُضرب الأردن بمسيّرات عراقية. القاعدة الأميركية «تاور 22» هي داخل الأراضي الأردنية. والقوات موجودة بموافقه المملكة الأردنية الهاشمية. تسمع منهم أنهم يشعرون بأنهم مهددون حقيقة في هذا الموضوع.

بايدن مع زيباري ونوري المالكي في البيت الأبيض عام 2009 (غيتي)

* هل هناك خطر أن نرى ذات يوم قوات «البيشمركة» تحمل السلاح وتصطدم بـ«الحشد الشعبي» مثلاً؟

- هذا احتمال بعيد المدى. لا أتصور أن القيادة الكردية عندها أي تفكير في هذا الموضوع، ولا هم. لكن في 2017، حصلت اصطدامات دموية. بعد عملية الاستفتاء في الإقليم حاولوا الهجوم على الإقليم من طريق كركوك إلى أربيل وصدتهم «البيشمركة» ومنعتهم، وأيضاً في منطقه زاخو في دهوك حاولوا التقدم للإمساك بالمعبر الأساسي في إبراهيم الخليل، الرابط الحيوي بين تركيا والعراق. اصطدمنا معهم لأننا شعرنا بتهديد وجودي ولم يكن أمامنا إلا أن نتصدى.

* هل عملياً تقول الفصائل اليوم لكم ما قاله طارق عزيز ذات يوم أن ليس لكم في كركوك إلا حق البكاء عليها؟

- لا والله. هذه الانتخابات الأخيرة، إذا لاحظت، كان الانطباع السائد بأنه بعد هذه السنوات والتغيرات الإدارية ونقل الموظفين والتغيير الديموغرافي أنه ربما أثر، لكن الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات أكدت أن الوجود الكردي في كركوك لا يزال قوياً. التصويت عبّر عن حالة توازن بين الكتلة الكردية والكتلة العربية والتركمانية. هذا الحلم باق على أساس الدستور. فصل الدستور في كيفية حل قضايا الحدود الداخلية أو المناطق المتنازع عليها.

فساد بمئات المليارات

* هناك مئات المليارات من الدولارات تبخّرت في العراق. أين ذهبت؟ مجرد فساد أم تمويل نزاعات إقليمية؟

- مع الأسف حدثت عمليات فساد كبيرة جداً. حتى في زماننا وحتى في زمن المالكي وعلاوي والجعفري أو الحكومات الأخرى زمن حيدر العبادي، لم يكن الفساد بهذه الصورة وبهذه الأحجام الكبيرة لسرقة المال العام. يعني سابقاً ربما تصير حالات فساد ببضعة آلاف الدولارات أو «فليسات». حالياً ملايين ومليارات يعني تُسرق في قضايا فساد وأيضاً ممكن تستخدم في تمويل حروب ونزاعات إقليمية. وارد جداً جداً.

* يُحكى عن 400 مليار دولار.

- صحيح. هذا الرقم صحيح ومثبت. تعلمت من المالية أن يكون كل شيء مثبتاً.

* أورد هذا الرقم الدكتور أحمد الجلبي وهو تابَع قضايا الفساد واتُهم بالفساد...

- أشهد له أنه كان إنساناً نظيفاً. نعم كانت عليه مشكلة في بنك البتراء في الأردن في ظروف الحرب العراقية - الإيرانية وقتها. لكن أشهد له بعد وفاته ومعرفة عائلته أنه لم يترك لهم شيئاً إطلاقاً. حين كنت وزيراً للمالية وكان المرحوم رئيس اللجنة المالية، عملنا معاً على قضايا فساد واضحة ومحددة. بنك من البنوك نهب رئيسه التنفيذي خلال سنتين تقريباً حوالي 6 مليارات دولار. أين ذهبت هذه الأموال؟ حين تابعناها وقتها وجدنا أنها ذهبت إلى عمان وإلى بيروت.

* نُقلت إلى بيروت بأي هدف؟

- هذا هو السؤال حقيقةً. وتعقبناها بحكم المعلومات والبيانات المتوفرة. وبعد كل هذه السنوات وزارة الخزانة الأميركية اكتشفت هذه السرقة ووضعت على هذا البنك وربما بنوك أخرى.

أحد التهديدات الكبيرة على استقرار العراق هو هذا الفساد المستشري بشكل عجيب وغريب في كل مفاصل المشاريع الحكومية في مجالس المحافظات والميزانيات الانفجارية، وأيضاً مسألة تهميش الآخرين وعدم تحقيق المصالحة لكل من نادى بها، وتأسيس دولة قانون يثق بها الناس والمستثمرون. مثلاً مجال النفط الذي هو أساس اعتماد اقتصاد العراق، تركته معظم الشركات الغربية والأوروبية بسبب عدم الاستقرار والثقة بهذا النظام المصرفي والقانوني.

* هل استدرجت إيران، أميركا، إلى تبادل الضربات في العراق؟

- أشك حقيقةً. لا أؤمن بنظرية المؤامرة. ضربات «الحشد» ضد المصالح الأميركية بدأت قبل «طوفان الأقصى». الرد الأميركي كان خفيفاً ومتقطعاً أكثر من اللازم، وكانت العملية تجري وكأنها وفق قياسات معينة. أن تضرب ولكن لا تقتل. لكن بعد العملية الأخيرة التي قُتل فيها ثلاثة من الأميركيين وجُرح أكثر من 40 اضطروا إلى الرد. طبيعي ربما هناك تواصل بين إيران وبين أميركا من خلال القطريين والعُمانيين وتبادل رسائل. لكن الأميركيين أثبتوا أن لديهم الردع، وعندما تستهدف مصالحهم لن يتوقفوا عند أي شيء. وقعت عمليتان في قلب بغداد ضد قيادات عملياتية مهمة من «كتائب حزب الله» ومن «النجباء».

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

هل استدرجت إيران أميركا؟ حين تسمع الخطاب الإيراني والخطاب الأميركي، كلا الطرفين يقول لا نريد التصعيد. لكن في حروب غير منضبطة كهذه، يمكن أن تحصل أخطاء. يعني ما يجري في باب المندب وفي خليج عدن وفي البحر الأحمر، إذا ضرب صاروخ بحري مدمرة أو سفينة أميركية أو بريطانية، يمكن أن يغير قواعد اللعبة. باب المفاجآت موجود.

* هل تعتقد أن طريقه إعدام صدام حسين وموعد إعدامه وما فُعل بجثته دفع إلى إبقائه حياً لدى جزء من العراقيين؟

- تابعت ورافقت هذا الموضوع. لم ألتق صدام حسين. في إحدى جلسات محاكمته، وباعتباري واحداً ممن تضرروا شخصياً منه بسبب قتله ثلاثة من إخواني بسبب نشاطنا السياسي والمعارض، طلب مني كثير من الأصدقاء أن أشاهد إحدى الجلسات، فذهبت وشاهدت إحدى الجلسات فقط. أما طريقة إعدامه وتوقيت إعدامه فكانا أمراً مخزياً حقيقة. رغم كل الجرائم التي حُوكم عليها، فإن هذه الطريقة البشعة في الإخراج أعطته مكانةً لا يستحقها، كي أكون دقيقاً وواضحاً. لم تكن طريقة فروسية أو نبيلة لأخذ القصاص منه بهذا الأسلوب وبهذه البشاعة. نعم كان لها تأثير على كثير من الناس أنه ظُلم أو غُدر. هناك انطباع كهذا.

أما إذا تسألني عما إذا كنا نادمين على تغيير النظام، فأقول لك: لا والله. كانت أمامنا فرصة حقيقية لتغيير هذا البلد وجعله إحدى قصص النجاح في المنطقة بإمكانياته وقدراته وعلاقاته وانفتاح العالم عليه وحسن النوايا الذي كان موجوداً دولياً وعربياً وإسلامياً لمساعدتنا في الخروج من عنق الزجاجة.

* هل فاجأكم المجتمع العراقي؟ دورات انتخابية عدة انتهت بما يسميه البعض دولة الفصائل.

- الخلل ليس بالنظام الديمقراطي الذي اتبعناه. أعتقد أن هذا النظام مناسب. تنفيذه أو تطبيقه جرى بشكل خاطئ جداً. يعني في الانتخابات أغلبية فائزة وتأتي المحكمة الاتحادية وتقول: لا، أنتم الفائزون. الكتل الأخرى التي تشكل، واستنسخوا لنا تجربة الثلث المعطل من لبنان. هذا هو الخلل. في آخر مرة كان الأخوه العرب السنة منكفئين وغير مؤمنين بالانتخابات، لكن كل المؤشرات والأرقام والحقائق التي ظهرت في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، أظهرت مشاركة سنية قوية جداً جداً، في الأنبار وفي بغداد وفي ديالى وفي صلاح الدين وفي كركوك وفي الموصل. هذا مؤشر أن الناس تريد التغيير من خلال صناديق الاقتراع واختيار ممثليهم.

أما مسألة وجود فصائل خارجة على القانون، فهذا عمل السلطة التنفيذية، يعني رئيس الحكومة أو القائد العام للقوات المسلحة المفروض أن يمنع هذا الشيء. كل رؤساء الحكومات طرحوا موضوع حصر السلاح بيد الدولة، وإلى الآن غير قادرين أو «عاجزين»، لأن الفصائل لديها إمكانيات ونفوذ وتأثير أقوى. هنا الخلل حقيقة في المشهد العراقي.

* يعني الدولة تقيم في عهدة الفصائل بدل أن يحدث العكس؟

- نعم. تمويلها كلها من الدولة. حتى هذه الفصائل المقاومة قسم منها رواتبها من الدولة. هناك خلل الحقيقة في هذا الجانب.

* كنت وزيراً للمالية. كم يبلغ عدد من يتقاضون رواتب من الدولة العراقية؟

- شيء مهول الحقيقة. لا أذكر الرقم النهائي. أتصور أن الموظفين في الخدمة العامة والمتقاعدين ومتلقي الرعاية الاجتماعية فوق الـ8 ملايين. شيء من هذا القبيل. شيء مهول. يعني خلال حكومة (رئيس الوزراء الحالي) السيد محمد شياع السوداني التي صار لها أكثر من سنة وظفوا 700 ألف موظف في القطاع العام للدولة.

تجربة السوداني

* كيف ترى تجربة حكومة السوداني؟

- السوداني جاء كمرشح توافقي وليست عنده كتلة ولا حزب سياسي. وكان موظفاً إدارياً متدرجاً عاش في العراق ولم يعش في الخارج. كان وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية ولحقوق الإنسان عملنا معاً حوالي سبع أو ثماني سنوات. لفترة كان وزير مالية بالوكالة. أعرفه شخصياً. إنسان طيب ونواياه سليمة. لكن النوايا الطيبة وحدها غير كافية لحكم بلد مثل العراق.

عنده ضغوطات، لكن عنده صلاحية للتحرك، وعنده مجال. هو المسؤول التنفيذي الأول في الدولة، أي أقوى شخصية في نظامنا السياسي. القائد العام للقوات المسلحة وعنده صلاحيات وإمكانيات ممكن يتجاوز بعض القيود التي تفرض عليه. في تقديري عنده هذه الصلاحية والفرصة. كل الأطراف الأخرى تحتاجه أكثر مما يحتاجها، ومع الأسف لا يستخدم ورقة القوة هذه للجم أو تحجيم التصرفات أو الاعتداءات أو الانتهاكات.

* رئيس الوزراء العراقي هو فعلياً القائد العام للقوات المسلحة؟

- نعم. هو فعلياً يجب أن يكون القائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور. لكن مع الأسف الشديد، حتى في الأجهزة الأمنية صار تغلغل وولاءات فرعية ومذهبية. هذا ما ذكره لي قبل أيام (رئيس الوزراء السابق) السيد مصطفى الكاظمي أنه لم يكن يستطيع السيطرة على القوات الأمنية التابعة من الفرقة الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب وقوات الجيش والنخبة إلى آخره. لكن هذه من مهمتك. في سبيل أن تقود البلد، لا بد من أن تحتكر قوة العنف الموجودة عندك.

قبر صدام و«تهريب جثته»

* هل هناك مكان معروف لقبر صدام حسين؟

- حين أُعدم، طلب أقاربُه وذووه استلام الجثة لدفنها في تكريت. آنذاك صارت الموافقة، لكن بعدها خرجت قصص وروايات. أمانة لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد أنه هل ما زال هناك أم هل جاء جماعة المقاومة والبعثيون أخذوه وطلعوا بالجثة إلى الخارج، ولاحقاً سيرجعونه مرة أخرى.

عراقيون يقرأون الفاتحة عند قبر صدام حسين في العوجة بتكريت عام 2007 (غيتي)

* هل هناك رواية تقول إنه أُخرج إلى خارج البلد؟

- هناك تقارير تقول ذلك. السيدة رغد ابنة الرئيس صدام تفكر هكذا.

* أن البعثيين أخرجوا جثته؟

- نعم. حتى لا يُنتهك أكثر من قبل (خصومه). لكن حقيقة لا أعرف.

* أُبعدت عن الانتخابات على مختلف مستوياتها بقرار من المحكمة الاتحادية. هل تجزم اليوم لـ«الشرق الأوسط» أنك غير ضالع في أي قضية فساد؟

- أنا أؤكد لك أنني غير ضالع في أي قضية فساد. وأيضاً أنا حضرت أمام محاكم النزاهة وبرأت ساحتي من كل التهم التي وجهوها لي. والشيء بالشيء يُذكر، حالياً هناك دراسة قانونية حول حالتي، وكيف أن المحكمة الاتحادية ظلمتني وتغاضت عن حقوقي السياسية والدستورية في هذا القرار الجائر التعسفي الذي كان مسيساً. لكن أنا لم تسجل عليّ أي قضية في هذه المحاكم وفي هذه الادعاءات التي ساقوها إطلاقاً، والحمد لله.





* الملا مصطفى البارزاني كان زوج أختك، وأنت خال مسعود البارزاني؟

- نعم. صحيح صحيح.

* لو تذكر لي بعبارات قليلة شيئاً عن الملا مصطفى عن شخصيته وأهمية دوره.

- شخصية تاريخية فريدة حقيقةً. لا يمكن استنساخها. رغم صلة القرابة، لكن أنا التقيته حين كنت شاباً طموحاً، وهو من ساعدني على إكمال دراستي في الأردن من خلال اتصاله الشخصي مع جلالة الملك حسين. بعض المسائل التي أتذكرها عنه أنه كان يحثني على التعلم وإنهاء الدراسة. قال إن كردستان الحلم لن تتحقق إلا بجهود ناس مثقفين متعلمين.

الصفة الأخرى التي كان يحثني عليها دائماً هي التواضع، ونحن عشائر وقبائل. التواضع وعدم الاستكبار وعدم إظهار أنك قريب منا وأنك ابن عائلة وما إلى ذلك. كان متواضعاً جداً. النقطة الأخرى هي واقعيته. كان إنساناً واقعياً. كان ثورياً لكن بطريقة تطورية.

هناك مقولة يرددها صدام أن التاريخ يكتبه المنتصر. لكن هذا ليس صحيحاً. قيادات كثيرة لم تحقق النصر، لكن بقيت قيادات مهمة في الذاكرة الشعبية في رمزيتها وفي دورها. ويمكنني أن أسوق لك الكثير من هذه الحالات. الملا مصطفى كان شخصية فريدة، ليس فقط على مستوى أكراد العراق، بل أيضاً على مستوى الكرد في تركيا وفي سوريا وفي إيران وفي القوقاز وغيرها. شخصية فذة.

مسعود بارزاني وجلال طالباني أمام رسم للملا مصطفى بارزاني عام 1992 (غيتي)

* الملا مصطفى لم يحقق حلم الإقليم. حققه مسعود بارزاني. كيف تنظر إلى تجربة العمل بقيادة مسعود؟

- تجربة ناجحة، وهو دائماً يفتخر أنه لن يصل إلى مستوى أو مرتبة والده في الجاذبية والقيادة. لكن أيضاً هو تَعِب شخصياً كثيراً على بناء هذا الإقليم، وما تحقق على يديه كبير. لكنه إلى الآن غير مرتاح لهذا الموضوع، صرف كل جهده. تجاوز السبعين، وللمفارقة يصادف ميلاده نفس يوم ميلاد الحزب الديمقراطي الكردستاني في مهاباد.

لذلك حقيقةً هو بنى شيئاً بالتعاون مع الآخرين، حتى لا نحرم الآخرين خاصة الرئيس الراحل مام جلال طالباني. حققنا وحدة كردية وكافحنا معاً في بغداد من أجل تأسيس النظام الجديد والدستور والحقوق والإقليم. وحالياً مثل ما ذكرنا، هذا الإقليم حقوقه القانونية والدستورية مستهدفة. عندنا معركه أخرى كيف نحافظ على ما بنيناه ونطور أيضاً. وبالنسبه إلى العراق، الإقليم كان قصة نجاح باعتراف الجميع والعراقيين والزوار والمقيمين. في أربيل وفي دهوك وفي السليمانية، عشرات الآلاف من العوائل العربية السنية وحتى الشيعية. ومعظم الوزراء والمسؤولين الأمنيين الكبار عوائلهم وأبناؤهم وبيوتهم في الإقليم بسبب الأمن والاستقرار الذي يحظى به.

* هل تشعر أن مستقبل المكون السني صعبٌ في العراق؟

- صعب. بدأوا يستشعرون بأنهم مهمشون وأيضاً مهجرون في ديارهم، في كثير من المناطق لا يزال المواطنون السنة ممنوع عليهم العودة إلى مناطقهم... في جرف الصخر، في حزام بغداد، في ديالى، وفي مناطق أخرى. أيضاً زادت النعرة المذهبية والطائفية مع الأسف الشديد في الفترات الأخيرة وغياب حكم رشيد. هناك طروحات أحياناً منهم تطالب بإقليم سني. هذا يسمح به الدستور. لكن هناك استشعاراً أن هذا خطر وتهديد للحكم الشيعي إذا السنة أسسوا إقليماً وإقليم كردستان موجود، آنذاك ستصبح الأمور صعبةً بالنسبة لهم. هناك تفكير من هذا.

* هل لدى السنة حالياً شعور بأن الحكم الحالي هو حكم شيعي؟

- نعم. عندهم شعور قوي بذلك. بعض القيادات منهم متعاونة مع فصائل، لكن عندهم هذا الشعور بالغبن والتهميش لأسباب طائفية لا أقل ولا أكثر.

* في السابق كان يُقال: لا صديق للأكراد إلا الجبال. هل هذا صحيح؟

- هذا ليس صحيحاً. أثبتت الأحداث خصوصاً بعد الهجرة المليونية بعد حرب الكويت وانتفاضة الضمير العالمي لمساعدة الكرد وحمايتهم في أميركا وأوروبا أن لدينا أصدقاء غير الجبال. لكن أفضل أصدقاء هم الكرد أنفسهم. في كل بلد أساس النجاح وحدة الصف الكردي. هناك خلافات سياسية حزبية تاريخية، لكن على القضايا الجوهرية ممكن نتفق.

عرفات ومبارك والأسد وصالح

* رجلان كانا يحلمان بدولة. كان ياسر عرفات يحلم، وكان مسعود بارزاني يحلم. وأنت تعرف الرجلين. هل هناك نقاط مشتركة بينهما؟

- نعم. أعرف الرجلين. والنقاط المشتركة التي لاحظتها بينهما هي مبدئيتهما على المبادئ الأساسية لحركاتهم الوطنية والتحررية. بقي الأمل متوقداً عندهما رغم كل الصعاب والظروف والتهجير والتنكيل. لم يفقدوا الأمل بهذا الحلم في يوم من الأيام.

حسني مبارك قال لزيباري: المتغطي بالأميركان عريان خلال أحد لقاءاتهما (غيتي)

* هل كانت بينهما علاقة شخصية؟

- كانت بينهما علاقة شخصية قريبة ووثيقة جداً. أتذكر بعدما تعرض السيد مسعود البارزاني لمحاولة اغتيال في فيينا في 1979، كان من ساعده هو المرحوم ياسر عرفات ومنظمة «فتح» في إجراء التسهيلات لنقله إلى طهران.

* أعطاه جوازات سفر؟

- أعطاه جوازات سفر وحماية.

* كانت لدى ياسر عرفات القدرة على إعطاء جوازات سفر لبنانية ويمنية...

- وتونسية. هذا كان جزءاً من النضال السري. كلنا اشتغلنا في هذه المسائل، فكان من ضرورات الحياة والعمل.

* هل استخدمت جوازات سفر وأسماء مستعارة؟

- أنا استخدمت جوازات سفر ليبية ويمنية جنوبية وسورية.

* مَن مِن القادة العرب كان لك معه موقف طريف؟

- والله مع معظمهم. مع سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت. علاقتنا كانت ممتازة. كان إنساناً كريماً وشيخاً فاضلاً ونبيلاً وأميراً للدبلوماسية العربية. كانت هناك مسألة التعويضات التي ينبغي أن يدفعها العراق للكويت. دفعنا أموالاً هائلةً، وفي فترة من الفترات كنا مضغوطين، وهذه النسبة يجب أن ندفعها. فذهبت إليه وقلت أحاول. لعل وعسى. قلت له: سمو الأمير، هل ممكن أن تؤجل لنا القسط هذه السنة أو تعفينا؟ نحن نظام جديد نؤمن باستقلال الكويت وحقوقه وكل الالتزامات التي علينا. رد قائلاً: «يعني معالي الوزير، أنت شايف واحد تجيه فلوس من حيث لا يدري ويقول لا أريدها».

عندي حادثة أخرى مع الشيخ حمد أمير دولة قطر. كنت ممثل العراق في أحد المؤتمرات بليبيا التي كان يترأسها المرحوم معمر القذافي. الرئيس ورئيس الوزراء لم يحضرا، وأنا كنت من المشجعين والمطالبين بحق العراق باستضافة القمة العربية في بغداد. وكانت هناك معارضة شديدة من المرحوم القذافي نفسه على أساس أن البلد محتل وما إلى ذلك.

أصررت أنا على أن هذا حق بلدي وأنني أطلب مساعدتك. وأيدوني أمير دولة الكويت والرئيس المصري الراحل حسني مبارك والإماراتيون والأردنيون. كلهم وقفوا وقالوا إن هذا حق والعراق من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، والآن أصبح عنده حكومة واستقرار. فالخلاف كان على القواعد الأجنبية، فقلت إنه إذا كان هناك تواجد أميركي فهو منظم بقانون. هناك دول عربية أخرى عندها قواعد، فلماذا تضع اللوم علينا فقط؟

المرحوم الشيخ صباح قال: أنا والله ما عندي أميركية. عندي فقط فرنسية وبريطانية. الشيخ حمد قال: أنا عندي أميركية، العديد وسالمية. فرد القذافي قائلاً: كل الأمه العربية محتلة ونحن لا نعرف بهذا الموضوع؟

جاءني الشيخ حمد، وقال لي: معالي الوزير أريد أن أسألك سؤالاً؟ من أين جئت بجرأة المحاججة؟ قلت له: أنا عندي قضية بلدي فلذلك أدافع عنها. سألني سؤالاً آخر: لماذا صار ما صار بالعراق؟ كان منبراً للعلم والحضارة والثقافة... قلت له: لا نلوم إلا أنفسنا. نحن لا نحترم بلدنا ونفسنا، فلذلك هذا ما حدث مع الأسف الشديد.





* ماذا قال لك الرئيس مبارك عن الأميركيين؟

- قال: لا تثق بهم. المتغطي بهم عريان. قلت له: «بس ما في غيرهم». كانت عنده روح الدعابة. كل مرة كنت أذهب إلى مصر لاجتماعات الجامعة، أطلب لقاءً ثنائياً من خلال (رئيس المخابرات) المرحوم عمر سليمان أو وزير الخارجية الأستاذ أحمد أبو الغيط، وكان فوراً يعطيني موعداً أو مقابلةً. كان محباً للعراق جداً جداً. وخدم في الحبانية خلال حرب 1967. كان الرئيس مبارك في قاعدة عسكرية عراقية في الحبانية في الأنبار في 1967.

* هل كانت لك مواقف مع الرئيس بشار الأسد؟

- الرجل كان يحترمني وكان بيننا احترام متبادل والتقيته أكثر من مرة. ذات مرة ذهبت للقائه في قصر الشعب بجبل قاسيون. واستقبلني. كان معه (نائب الرئيس السابق) فاروق الشرع. لا أذكر ما إذا كان (وزير الخارجية السابق) المرحوم وليد المعلم موجوداً أم لا. اشتكيت وقلت له فخامة الرئيس، هؤلاء المتشددون أو المجاهدون أو الإرهابيون كلهم يأتون عن طريق مطار دمشق أو عن طريق الحدود البرية، ويفجرون أماكن شيعية وسنية ويقتلون المواطنين، ونحن نعرف قوة الأجهزة الأمنية وتعدديتها.





قال: نحن لا علاقة لنا. لدينا أجهزة أمنية قوية، لكن لا نسمح لهم، وهناك تعليمات. قلت إن لدينا أدلة ومعلومات وهذه البيانات من أجهزتنا الأمنية تفيد بأن معظمهم يدخلون عن طريقكم. رد قائلاً: نحن دولة عربية لا نطلب تأشيرات لكل مواطن عربي يأتي إلى هنا، وربما يستخدمون ذلك.

قلت له: فخامة الرئيس أنا عشت في دمشق لبضع سنوات وأعرف كيف الدولة السورية والأجهزة الأمنية تعمل. كنت أجلب وفوداً أو صحافيين أدخلهم إلى كردستان العراق إلى شمال العراق عن طريق سوريا والقامشلي، ووزير خارجيتك لم يكن يعرف عنها. قال: ما شاء الله. تعرف بلدي أحسن مني.

* كيف كان الرئيس علي عبد الله صالح؟

- كان ظريفاً جداً جداً. كانت بيننا علاقة مودة في مؤتمرات القمة وبعض الاجتماعات. كان مجاملاً. زرته أكثر من مرة، وفي إحدى المرات كان زعلان. قال: أنتم جئتم على دبابات أميركية، ولا يوجد استقلال للبلد وما إلى ذلك. فقلت له: يا فخامة الرئيس، نحن حين كنا نواجه صدام وحدنا، لم تكن هناك قوات أميركية ولا هم يحزنون. في انتفاضة 1991 تقريباً 15 محافظة ثارت ضد صدام من الشعب نفسه، وتدخل الأميركيون لصالح صدام حتى يمنعوا هذا. صحيح الأميركيون ساعدونا. لكنهم كانوا على تواصل معكم في هذه الحرب. معظم الطائرات الحربية الأميركية انطلقت من قواعد عربية ضد صدام.


مقالات ذات صلة

حراس بارزاني يفجرون جدلاً قومياً حاداً في تركيا

شؤون إقليمية عناصر من «البيشمركة» بالزي الرسمي والأسلحة رافقوا بارزاني خلال تحركاته في بلدة جيزرة جنوب شرقي تركيا يوم 29 نوفمبر الماضي (إعلام تركي)

حراس بارزاني يفجرون جدلاً قومياً حاداً في تركيا

فجرت زيارة أجراها مسعود بارزاني، زعيم «الحزب الديمقراطي» في إقليم كردستان العراق، إلى تركيا يرافقه حراس من قوات «البيشمركة» أزمةً سياسيةً وجدلاً شعبياً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني خلال مراسم افتتاح القنصلية الأميركية في أربيل بإقليم كردستان العراق (شبكة روداو)

واشنطن للتعاون مع الشركاء العراقيين لتقويض الميليشيات الإيرانية

قالت الولايات المتحدة إنها تكثف تعاونها مع بغداد وأربيل لمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران من تقويض استقرار العراق.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي حقل نفطي في البصرة بالعراق (أرشيفية - رويترز)

مصادر: مقتل شخصين برصاص الأمن عند مصفاة قرب أربيل بشمال العراق

قالت مصادر أمنية وطبية، السبت، إن شخصين على الأقل قُتلا برصاص قوات أمن إقليم كردستان العراق، خلال احتجاج أمام مصفاة على الطريق إلى مدينة أربيل الشمالية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي حقل «كورمور» للغاز بعد هجوم صاروخي في محافظة السليمانية شمال العراق 27 نوفمبر 2025 (رويترز)

ترقب في العراق لنتائج التحقيق بهجوم «كورمور»

أنهت لجنة تحقيق مشتركة بين بغداد وأربيل أعمالها بشأن الهجوم الذي استهدف حقل «كورمور» الغازي في السليمانية (شمال البلاد)، فيما تستمر التكهنات بشأن النتائج.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي حقل «كورمور» للغاز بعد هجوم صاروخي بالقرب من جمجمال في محافظة السليمانية (رويترز)

إقليم كردستان يطلب دعماً دفاعياً بعد الهجوم على «كورمور»

شهد إقليم كردستان اضطراباً واسعاً في إمدادات الطاقة بعد توقف ضخ الغاز من حقل «كورمور»، إثر هجوم بطائرة مسيّرة أدى إلى اندلاع حريق كبير داخل المنشأة.

حمزة مصطفى (بغداد)

مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
TT

مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم (الجمعة)، إن فلسطينياً قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وأضافت في بيان: «استشهاد الشاب بهاء عبد الرحمن راشد (38 عاماً) في بلدة أودلا، جنوب نابلس».

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية: «إن قوات الاحتلال اقتحمت وسط القرية ومحيط المسجد القديم في أودلا، وأطلقت الرصاص الحي وقنابل الغاز السام والصوت تزامناً مع خروج المصلين من المسجد؛ ما أدى إلى اندلاع مواجهات».

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)

وأضافت على موقعها أن هذه المواجهات أدت إلى «إصابة شاب بالرصاص الحي بالرأس أُعلن استشهاده لاحقاً».


من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
TT

من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)

نشرت وكالة «رويترز» تحقيقاً من دمشق، اليوم (الجمعة)، ذكرت فيه أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين، أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة واستعادة بعض ما فقدوه من نفوذ.

وقال أربعة أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فر إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو. لكن شخصيات بارزة أخرى في دائرته المقربة بينهم شقيقه لم تتقبل فكرة فقدان السلطة.

وجدت «رويترز»، بحسب ما جاء في تحقيقها، أن اثنين كانا من أقرب رجال الأسد، وهما اللواء كمال حسن وابن خاله الملياردير رامي مخلوف، يحاولان تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان تضم أفراداً من الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد. ويموّل الرجلان وفصائل أخرى تتنافس على النفوذ أكثر من 50 ألف مقاتل أملاً في كسب ولائهم.

وقال الأشخاص الأربعة إن ماهر، شقيق الأسد، المقيم أيضاً في موسكو والذي لا يزال يحتفظ بولاء آلاف الجنود السابقين، لم يقدّم بعد أموالاً أو يوجّه أي أوامر.

ويسعى حسن ومخلوف حثيثاً للسيطرة على شبكة من 14 غرفة قيادة تحت الأرض شُيّدت عند الساحل السوري قرب نهاية حكم الأسد، بالإضافة إلى مخابئ أسلحة. وأكد ضابطان ومحافظ إحدى المحافظات السورية وجود غرف القيادة السرية التي تظهر تفاصيلها في صور اطلعت عليها «رويترز».

شابان سوريان يقفان على تلة في داريا مُطلّة على القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد في دمشق أواخر أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

يواصل حسن، رئيس المخابرات العسكرية في عهد بشار الأسد، بلا كلل إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل صوتية إلى قيادات ومستشارين يعبّر فيها بغضب شديد عن فقدان نفوذه ويرسم رؤى طموحة للطريقة التي سيحكم بها الساحل السوري، موطن غالبية السكان العلويين وقاعدة نفوذ الأسد السابقة.

واستغل مخلوف، ابن خال الأسد، إمبراطوريته التجارية في تمويل الرئيس المخلوع خلال الحرب الأهلية قبل أن يصطدم بأقاربه الأكثر نفوذاً وينتهي به الأمر تحت الإقامة الجبرية لسنوات. ويصوّر مخلوف نفسه في أحاديثه ورسائله لأتباعه على أنه «المُخِلص» الذي سيعود إلى السلطة بعد أن يقود «المعركة الكبرى». ويستند في ذلك إلى خطاب ديني ويربط الأحداث بنبوءات تتعلق بنهاية الزمان.

وذكرت «رويترز» أن حسن ومخلوف لم يردا على طلبات للتعليق على هذا التقرير. ولم يتسن الوصول إلى بشار وماهر الأسد. كما حاولت «رويترز» الحصول على تعقيب منهما عبر وسطاء ولم تتلق أي رد.

من منفاهما في موسكو يرسم الرجلان صورة لسوريا مقسّمة ويريد كل منهما السيطرة على المناطق ذات الأغلبية العلوية. وتوصلت «رويترز» إلى أن كليهما ينفق ملايين الدولارات لتشكيل قوات موالية له. وهناك ممثلون لهما في أكثر من دولة.

وللتصدي لهما، استعانت الحكومة السورية الجديدة بشخص آخر كان موالياً للأسد، هو صديق طفولة للرئيس الجديد أحمد الشرع. وكان هذا الرجل، خالد الأحمد، قائداً لقوات شبه عسكرية في عهد الأسد قبل أن يغيّر ولاءه في منتصف الحرب بعدما انقلب الرئيس المخلوع عليه.

جانب من تظاهرات العلويين في اللاذقية في 25 نوفمبر الماضي (رويترز)

وتتمثل مهمة هذا الرجل في إقناع العلويين، سواء الجنود السابقين أو المدنيين، بأن مستقبلهم مع سوريا الجديدة.

وقالت الباحثة أنصار شحود، التي درست الأوضاع في سوريا لأكثر من عقد: «ما يجري هو امتداد لصراع القوة الذي كان سائداً في نظام الأسد. فالمنافسة مستمرة للآن، لكن بدلاً من أن تكون بهدف التزلف للأسد، باتت بهدف خلق بديل له يقود المجتمع العلوي».

وتستند تفاصيل المخطط إلى مقابلات مع 48 شخصاً على دراية مباشرة به اشترطوا جميعاً عدم نشر أسمائهم. وراجعت «رويترز» أيضاً السجلات المالية والوثائق العملياتية والرسائل الصوتية والنصية المتبادلة.

وقال أحمد الشامي، محافظ طرطوس الواقعة على الساحل السوري، إن السلطات السورية على دراية بالخطوط العريضة لهذه المخططات ومستعدة للتصدي لها. وأكد وجود شبكة غرف القيادة أيضاً، لكنه قال إنها «ضعفت بشكل كبير».

وأضاف الشامي لـ «رويترز»، رداً على أسئلة مفصلة حول المخطط: «نحن على يقين بأنهم غير قادرين على تنفيذ أي شيء فعال، نظراً لعدم امتلاكهم أدوات قوية على الأرض وضعف إمكانياتهم».

ولم تستجب وزارة الداخلية اللبنانية ووزارة الخارجية الروسية لطلبات الحصول على تعقيب. وصرح مسؤول إماراتي بأن حكومته ملتزمة بمنع استخدام أراضيها في «جميع أشكال التدفقات المالية غير المشروعة».

وقد تزعزع أي انتفاضة استقرار الحكومة السورية الجديدة في الوقت الذي تلقي فيه الولايات المتحدة وقوى إقليمية بثقلها خلف الشرع الذي أطاح بالأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، ويخوض الآن غمار مشهد سياسي متصدع.

وقد تشعل أي انتفاضة أيضاً شرارة موجة جديدة من العنف الطائفي الدموي الذي عصف بسوريا الجديدة خلال العام المنصرم.

صورة ضخمة لبشار الأسد على الأرض بعد هروبه ملقاة على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر العام الماضي (أ.ب)

وتبدو فرص نجاح أي انتفاضة ضئيلة في الوقت الراهن.

فالمتآمران الرئيسيان، حسن ومخلوف، على خلاف شديد، وتتضاءل آمالهما في كسب دعم روسيا التي كانت من قبل أقوى داعم سياسي وعسكري للأسد. وكثير من العلويين في سوريا، الذين عانوا أيضاً في عهد الأسد، لا يثقون بالرجلين والحكومة الجديدة تعمل على إحباط خططهما.

وفي بيان مقتضب رداً على نتائج «رويترز»، قال الأحمد، المسؤول عن ملف العلويين في الحكومة السورية، إن «العمل على تحقيق التعافي واقتلاع جذور الكراهية الطائفية وتكريم الموتى هو السبيل الوحيد نحو سوريا قادرة على التصالح مع نفسها من جديد».

يزعم حسن إنه يسيطر على 12 ألف مقاتل، بينما يقول مخلوف إنه يسيطر على 54 ألف مقاتل على الأقل، وفقاً لوثائق داخلية لفصائلهما. وذكر قادة على الأرض أن المقاتلين يتقاضون أجوراً زهيدة ويتلقون أموالاً من الجانبين. وأشار الشامي، محافظ طرطوس، إلى أن عدد المقاتلين المحتملين «في حدود عشرات الآلاف».

ولا يبدو أن حسن أو مخلوف قد حشدا أي قوات حتى الآن. ولم تتمكن «رويترز» من تأكيد أعداد المقاتلين أو تحديد خطط عمل بعينها.

وفي المقابلات، قال مقربون من حسن ومخلوف إنهما يدركان أن عشرات الآلاف من العلويين السوريين قد يتعرضون لانتقام عنيف إذا نفّذا مخططاتهما ضد القيادة السورية الجديدة. وتولت الحكومة الجديدة السلطة بعد أن خرجت منتصرة في الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 14 عاماً وأغرقت البلاد في موجات من الاقتتال الطائفي.

وفي مارس (آذار)، قتلت قوات تابعة للحكومة ما يقرب من 1500 مدني على ساحل البحر المتوسط بعد فشل انتفاضة في بلدة علوية. وتعهد حسن ومخلوف بحماية العلويين من انعدام الأمن المستمر منذ ذلك الشهر والذي أدى إلى عمليات قتل وخطف شبه يومية.

وانفجر غضب العلويين تجاه الحكومة الجديدة في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما خرج الآلاف إلى شوارع حمص ومدن ساحلية للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي، والإفراج عن المعتقلين، وإعادة نساء مختطفات. وشكّلت هذه الاحتجاجات أول مظاهرات واسعة النطاق تشهدها سوريا منذ سقوط الأسد.

لم يكن مخلوف أو حسن وراء هذه الاحتجاجات بل رجل دين يعارض كلا الرجلين ودعا الناس علناً إلى التظاهر سلمياً.

وهاجم مخلوف رجل الدين في اليوم التالي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً «هذه التحركات لن تجلب إلا البلاء لأن الوقت لم يحن بعد».

مقاتل من المعارضة يحمل صاروخاً مضاداً للطائرات أمام صورة مزقها الرصاص للرئيس السابق بشار الأسد (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال أحد كبار المنسقين العسكريين التابعين لحسن لـ «رويترز» إن القتال هو السبيل الوحيد لاستعادة كرامة العلويين.

وأضاف المنسق، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية في عهد الأسد ويقيم حالياً في لبنان: «نحمد الله أنه حتى الآن لم يمت علويون أكثر من الذين ماتوا برغم كل ما حصل. يمكن أن يموت ألف أو ألفان، ولكن يجب أن يكون هناك كبش فداء لنحمي الطائفة».

ووفقاً لوثائق بتاريخ يناير (كانون الثاني) 2025 اطلعت عليها «رويترز»، وضعت قوات موالية للأسد خططاً أولية لبناء قوة شبه عسكرية قوامها 5780 مقاتلاً وتزويدهم بالعتاد من مراكز القيادة السرية. وهذه المراكز هي بالأساس مخازن كبيرة مجهزة بأسلحة وطاقة شمسية وإنترنت وأجهزة تحديد المواقع (جي.بي.إس) ومعدات اتصال لاسلكية.

لم يُنفذ شيء من تلك الخطة. وكشف مصدران وصور اطلعت عليها «رويترز» أن غرف القيادة، المنتشرة على شريط من الساحل السوري يمتد حوالي 180 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، لا تزال موجودة لكنها شبه معطلة.

وظهرت في صورة غرفة بها خمسة صناديق مكدسة، ثلاثة منها كانت مفتوحة وبداخلها مجموعة من بنادق إيه.كيه-47 (كلاشنيكوف) وذخيرة وعبوات ناسفة. احتوت الغرفة أيضاً على ثلاثة أجهزة كمبيوتر، وجهازين لوحيين، ومجموعة من أجهزة اللاسلكي، وبنك طاقة (باور بنك). وفي المنتصف، وُضعت طاولة خشبية تعلوها خريطة كبيرة.

وقال أحد المصدرين، وهو ضابط يراقب جاهزية الغرف، إن هذه المراكز بالنسبة لحسن ومخلوف «هي جزيرة الكنز، وكلهم مثل القوارب يحاولون أن يصلوا إليها».

وقال الشامي، محافظ طرطوس، إن الشبكة حقيقية لكنها لا تشكل خطراً يُذكر. وأضاف: «هذه المراكز ضعُفت بشكل كبير بعد التحرير... ولا يوجد قلق من استمرار وجودها».

فر كبار المسؤولين العسكريين وشخصيات حكومية بارزة إلى الخارج في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لكن القادة من المستوى المتوسط بقوا ​​في سوريا ولجأ معظمهم إلى المناطق الساحلية التي يهيمن عليها العلويون الذين يشكلون ما يزيد قليلاً على 10 في المائة من سكان سوريا.

وبدأ هؤلاء الضباط في تجنيد مقاتلين، وفقاً لقائد متقاعد شارك في ذلك. وقال القائد: «الجيش والعسكر كانوا أرضية خصبة. آلاف الشباب من الطائفة كانوا مجندين في الجيش الذي انحل فجأة وقت السقوط، وفجأة وجدوا أنفسهم بلا شيء».

رفع صورة رئيس المجلس الأعلى للعلويين في سوريا غزال الغزال خلال تظاهرة في اللاذقية في نوفمبر الماضي (رويترز)

ثم جاءت الانتفاضة الفاشلة في السادس من مارس (آذار)، عندما نصبت وحدة علوية تعمل بشكل مستقل، كميناً لقوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في ريف اللاذقية، مما أسفر عن مقتل 12 رجلاً وأسر أكثر من 150، وفقاً للضابط الذي قاد الكمين -وهو برتبة عميد- وغادر منذ ذلك الحين إلى لبنان.

وقالت الحكومة السورية الجديدة إن المئات من قواتها الأمنية لقوا حتفهم في القتال الذي اندلع بعد ذلك. وأكد المقاتلون الموالون للأسد ذلك إلى حد كبير.

وذكر العميد أن 128 من القوات الموالية للأسد لقوا حتفهم في الانتفاضة التي أحبطتها الحكومة الجديدة، لكنها أشعلت شرارة أعمال انتقامية أودت بحياة ما يقرب من 1500 علوي.

وقال ضباط كانوا هناك إن التحرك لم يبدأه أو يقوده حسن أو مخلوف، لكن تلك الأيام مثّلت نقطة تحوّل شرعا بعدها في تنظيم صفوفهما.

خلاف داخل عائلة الأسد

بدأ مخلوف في التاسع من مارس (آذار) يُطلق على نفسه «فتى الساحل المؤيد بقوة من الله، لنصرة المظلومين، وتقديم يد العون للمحتاجين«. وقال في بيان «عدنا، والعودُ أحمد». ولم يذكر البيان أنه في موسكو.

هيمن مخلوف على الاقتصاد السوري لأكثر من عقدين بثروات قدرتها الحكومة البريطانية بأكثر من مليار دولار في قطاعات متنوعة، مثل الاتصالات والبناء والسياحة. وموّل مخلوف وحدات الجيش السوري والفصائل المتحالفة معه خلال النزاع الأهلي الذي اندلع في عام 2011.

وأعلن مخلوف ذلك عندما بدا انتصار الأسد مؤكداً في عام 2019، لكن الأسد بعد ذلك بقليل استولى على شركات ابن خاله بحجة أنها مدينة للدولة ووضعه قيد الإقامة الجبرية لسنوات.

هرب مخلوف إلى لبنان في سيارة إسعاف ليلة الثامن من ديسمبر 2024 مع سقوط دمشق في أيدي مقاتلين يقودهم الشرع.

وقال أربعة مقربين من العائلة ومسؤول في الجمارك مطلع على الأحداث إن إيهاب، شقيق مخلوف، حاول الفرار في تلك الليلة بسيارته الفارهة من طراز مازيراتي، لكنه قُتل بالرصاص قرب الحدود وسُرقت ملايين الدولارات التي كانت بحوزته نقداً. لم تتمكن «رويترز» من التحقق بشكل مستقل من أحداث تلك الليلة.

وذكر تسعة مساعدين وأقارب أن مخلوف يعيش حالياً في طابق خاص بفندق راديسون الفاخر في موسكو تحت حراسة أمنية مشددة. ويستشهد كثيراً بآيات من القرآن الكريم في أحاديثه التي يُسهب فيها كثيراً ولا يترك مجالاً للآخرين للرد أو المشاركة. وقالوا إنه أصبح متديناً جداً خلال سنوات الإقامة الجبرية، واستغل وقت العزلة في كتابة سلسلة من ثلاثة مجلدات عن التفسير والتراث الإسلامي.

ولم يرد فندق راديسون في موسكو أو المقر الرئيسي للمجموعة في بروكسل على طلب للحصول على تعقيب.

وكشفت منشورات مخلوف على فيسبوك ورسائله على واتساب إلى مقربين عن اعتقاده بأن الله منحه المال والنفوذ ليتمكن من لعب دور المنقذ في نبوءة دينية عن معركة هرمجدون في دمشق.

صورة ممزقة لماهر الأسد ملقاة على الأرض في فيلته في بلدة يعفور (أ.ف.ب)

ويعتقد مخلوف أن نهاية العالم ستكون بعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وكشف مدير مالي وإيصالات وكشوف رواتب اطلعت عليها «رويترز» أن مخلوف يحوّل أموالاً عن طريق مديري أعمال يثق بهم في 3 دول إلى ضباط علويين لدفع الرواتب وشراء معدات. تُظهر الوثائق أن الأموال تُحوّل عبر ضابطين سوريين بارزين اجتمع شمل مخلوف بهما في موسكو هما سهيل الحسن وقحطان خليل وكان كل منهما يحمل رتبة لواء.

زعم الحسن وخليل، في وثائق اطلعت عليها «رويترز»، أنهما شكلا قوة موالية لمخلوف يبلغ قوامها 54053 شخصاً يرغبون في القتال، من بينهم 18 ألف ضابط، موزعين على 80 كتيبة ومجموعات في وحول مدن حمص وحماة وطرطوس واللاذقية. لكن العديد من الجنود الذين تم تجنيدهم في عهد الأسد تركوا القتال عندما سقط حكمه.

ولم يرد الحسن ولا خليل على طلبات للتعليق بشأن دورهما في تحويل الأموال.

وأكد مسؤول إماراتي أن الحكومة تمارس رقابة صارمة على جميع قطاعاتها الاقتصادية، وتدعم بشكل كامل أمن وسيادة سوريا على كافة أراضيها.

وقال أحد المديرين الماليين لمخلوف لـ «رويترز» إنه أنفق ستة ملايين دولار على الأقل على الرواتب. وأظهرت كشوف الرواتب وإيصالات استلامها، والتي أعدها مساعدوه الماليون في لبنان، أن مخلوف أنفق 976705 دولارات في مايو (أيار)، وأن مجموعة من خمسة آلاف مقاتل تلقت 150 ألف دولار في أغسطس (آب).

وذكر خمسة قادة لمجموعات عسكرية في سوريا، ممن يتقاضون رواتب من مخلوف ويقودون حوالي خُمس أتباعه، أن إجمالي عدد القوات حقيقي. لكن تمويل مخلوف لا يلبي احتياجاتهم، إذ لا يتجاوز 20 إلى 30 دولاراً شهريا لكل مقاتل.

بالإضافة إلى ذلك، سعى فريق مخلوف لتوفير أسلحة. فقد حددوا المواقع المحتملة لعشرات المخابئ من عهد الأسد، والتي تضم بضعة آلاف من الأسلحة، وفقاً لمخططات اطلعت عليها «رويترز». وهذه المخزونات غير تلك الموجودة في غرف القيادة السرية.

كما أجروا محادثات مع مهربين في سوريا للحصول على أسلحة جديدة، لكن أشخاصاً مطلعين على المناقشات قالوا إنهم لا يعرفون ما إذا كانت أسلحة جديدة قد تم شراؤها أو تسليمها بالفعل.

وذكر القادة العسكريون الخمسة أنهم يقودون في المجمل حوالي 12 ألف رجل في مراحل مختلفة من الجاهزية. وقال أحدهم لـ «رويترز» إن الوقت لم يحن بعد للتحرك.

وسخر قائد آخر من الخمسة من مخلوف، ووصفه بأنه يحاول شراء الولاء بمبالغ ضئيلة.

وأكد القادة الخمسة أنهم قبلوا أموالاً من مخلوف ورئيس المخابرات حسن ولا يرون أي مشكلة في تداخل مصادر التمويل.

وقال أحدهم إن «آلاف العلويين ممن كانوا في الجيش أو المدنيين الي طردوا من وظائف بالدولة يعيشون في حالة فقر مدقع... ليست مشكلة أن يأخذ الشخص قرشين من هذه الحيتان التي مصّت دمنا لسنوات».

مقبرة جماعة وإخفاء الفظائع

أدار حسن منظومة الاحتجاز العسكري في عهد الأسد، المعروفة بابتزاز الأموال على نطاق واسع من عائلات السجناء، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2024. وخلص تحقيق أجرته «رويترز» هذا العام إلى أن حسن هو من اقترح نقل مقبرة جماعية تحتوي على آلاف الجثث إلى صحراء الضمير خارج دمشق لإخفاء حجم الفظائع التي ارتكبتها حكومة الأسد.

ومع انهيار جيش الأسد، لجأ حسن إلى السفارة الروسية في دمشق في ديسمبر (كانون الأول) 2024 لمدة أسبوعين تقريباً. وقال شخصان مقربان منه إنه شعر بالغضب إزاء ما اعتبره سوء معاملة من جانب مضيفيه، الذين وفروا له غرفة واحدة بها كرسي خشبي واحد فقط للجلوس عليه.

امرأتان في مدينة حمص يوم 21 نوفمبر مع اقتراب ذكرى مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد (أ.ب)

وذكر في رسالة صوتية عبر تطبيق واتساب إلى دائرته المقربة في الربيع الماضي اطلعت عليها «رويترز»: «ليس كمال حسن الذي يتم إجلاسه على كرسي خشبي لأيام!». وقال ضابط التقى به خلال الصيف إن حسن انتقل في نهاية المطاف للإقامة في فيلا مكونة من ثلاثة طوابق في ضاحية بموسكو. ووفقاً لشخصين مطلعين على تحركات حسن، فإنه قابل ماهر الأسد مرة واحدة منذ ذلك الحين ويحافظ على علاقات وثيقة مع الروس.

وقال منسق عمليات حسن في لبنان إن رئيس المخابرات العسكرية السابق أنفق 1.5 مليون دولار منذ مارس (آذار) على 12 ألف مقاتل في سوريا ولبنان.

وقال حسن في رسالة صوتية أخرى عبر تطبيق واتساب في أبريل (نيسان) الماضي، والتي بدت موجهة إلى القادة، «اصبروا يا أهلي ولا تسلموا سلاحكم... ونحن الذين سنرجع كرامتكم».

وفي منتصف العام، تم الإعلان عن إنشاء منظمة خيرية أطلق عليها اسم «منظمة إنماء سوريا الغربية»، والتي ذكر أحد أوائل منشوراتها على فيسبوك أنها ممولة «من المواطن السوري اللواء كمال حسن«. ووصف ثلاثة ضباط مرتبطين بحسن ومدير لبناني في المنظمة الأمر بأنه غطاء إنساني حتى يتمكن حسن من بناء نفوذ بين العلويين.

وفي أغسطس (آب)، دفعت الجمعية الخيرية 80 ألف دولار لإيواء 40 عائلة علوية سورية، بحسب إعلان عن أول نشاط لها. ووفقا لوثيقة رواتب اطلعت عليها «رويترز»، أرسل حسن في الشهر نفسه 200 ألف دولار نقداً إلى 80 ضابطاً في لبنان.

وذكر مساعد لحسن في موسكو وأحد المتسللين الإلكترونيين، وهو مهندس كمبيوتر، أن حسن قام أيضاً خلال الصيف بتجنيد حوالي 30 متسللاً إلكترونياً كانوا ينتمون في السابق إلى المخابرات العسكرية. وكانت الأوامر الموجهة لهم هي تنفيذ هجمات إلكترونية ضد الحكومة الجديدة وزرع برامج تجسس في أنظمة الكمبيوتر الخاصة بها.

وبحلول سبتمبر (أيلول)، كانت مجموعات بيانات الحكومة السورية التي قال المهندس إن فريقه سرقها معروضة للبيع على شبكة الإنترنت المظلمة (دارك ويب) مقابل ما بين 150 و500 دولار. وعثرت «رويترز» على عدة مجموعات من البيانات التي حددها المهندس على الإنترنت، بما في ذلك قواعد بيانات موظفي وزارتي الاتصالات والصحة.

وقال المهندس إن رئيس المخابرات السابق حسن يخطط لهجوم متعدد الأوجه لاستعادة مكانته في سوريا. وأضاف أن «اللواء كمال يعرف أن الحرب على كل الجبهات وليست فقط على الأرض».

ماهر الأسد

اللاعب الرئيسي المحتمل في محاولات التحريض على الانتفاضة هو ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للديكتاتور السابق.

سيطر ماهر على إمبراطورية تجارية وقاد أقوى وحدة في الجيش السوري وهي الفرقة الرابعة المدرعة. وكشف بحث أجراه معهد نيو لاينز للأبحاث في الولايات المتحدة أن في عهده، اكتسبت الفرقة نفوذاً واستقلالاً مالياً جعلها أشبه بدولة داخل الدولة، إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تفرض عليها عقوبات خاصة.

وقال قائد كبير في الفرقة، موجود الآن في لبنان، إن إمبراطورية ماهر المالية لا تزال تعمل إلى حد كبير باستثناء مبيعاته المزعومة من مخدر الكبتاغون وهو أمفيتامين يُنتج بشكل غير مشروع. ويُعتقد رجل أعمال مقرب من ماهر أن أمواله مخبأة في شركات وهمية داخل سوريا وخارجها.

وذكر القائد أنه بينما يركّز بشار على حياته الخاصة وأعماله، لا يزال ماهر يسعى خلف استعادة النفوذ في سوريا. وأضاف أن الأخ الأصغر لا يستطيع استيعاب كيف يمكن طرد أبناء حافظ الأسد، الرئيس الأسبق ومؤسس حكم العائلة، من سوريا.

ويقول ضابطان في الفرقة إن الكثير من مقاتليها البالغ عددهم 25 ألفاً، داخل سوريا وخارجها، ما زالوا يعتبرون ماهر الأسد قائدهم ويمكنه حشدهم إذا أصدر الأمر.

ولا يسعى مخلوف للحصول على دعم آل الأسد، فقد سخر علناً من أبناء عمته ووصفهم بأنهم «الهاربون». وذكرت ثلاثة مصادر بارزة في كلا المعسكرين أن حسن يعتمد على سنوات من العلاقات الشخصية والتعاون مع آل الأسد، ويسعى للحصول على دعم ماهر.

ووفقاً لستة أشخاص على علم مباشر بمحاولات الرجلين لكسب دعم الكرملين، تحجم روسيا حتى الآن عن دعم حسن ومخلوف. وبينما تؤوي موسكو الرجلين، كانت الحكومة الروسية واضحة في أن أولويتها هي استمرار الوصول إلى القواعد العسكرية التي لا تزال تديرها على الساحل السوري، وفقاً لدبلوماسيين اثنين مطلعين على موقف موسكو.

وفي محاولة للحصول على مساعدة روسيا، تدخلت شخصية رئيسية هي الضابط السوري الكبير أحمد الملا، الذي يحمل الجنسية الروسية منذ بداية الحرب الأهلية. وكشف محضر مكتوب بخط اليد لأحد الاجتماعات اطلعت عليه «رويترز»، أن الملا توسط لعقد اجتماعات غير رسمية منفصلة في موسكو ابتداء من مارس (آذار) بين مسؤولين روس وممثلين عن حسن ومخلوف يقيمان في روسيا. ووفقاً لما ورد فيه، قال الروس «نظموا أنفسكم ودعونا نرى خططكم».

ولم يستجب الملا لطلبات التعليق على دوره في تنظيم الاجتماعات.

لكن شخصين على دراية مباشرة بمواعيد الاجتماعات ذكرا أن هذه الاجتماعات أصبحت نادرة. وقالا إنه لم تُعقد أي لقاءات منذ زيارة الرئيس الشرع لموسكو في أكتوبر (تشرين الأول) سعياً للحصول على دعم الكرملين.

وخلال الزيارة، أثار الشرع قضية حسن ومخلوف مع الحكومة الروسية، وفقاً لما ذكره الشامي محافظ طرطوس. قال الشامي «خلال زيارة السيد الرئيس إلى روسيا، جرى النقاش مع القيادة الروسية حول هذه الشخصيات، إضافة إلى التواصل مع الجانب اللبناني، وقد أبدت الحكومات المذكورة تجاوباً لزيادة التنسيق ومنع أي نشاط لهذه الشخصيات داخل أراضيها».

وقال أحد الدبلوماسيين إن اجتماع الشرع في الكرملين «أرسل إشارة إلى المتمردين العلويين: لا أحد في الخارج سيأتي لإنقاذكم».

وتوجد مؤشرات على أن مخلوف، الذي جُمدت حساباته التجارية بسبب العقوبات، يعاني من مشاكل في السيولة النقدية. ولم تصل رواتب شهر أكتوبر تشرين الأول بعد، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على التحويلات.

القائد على الأرض

منذ أعمال القتل التي وقعت في مارس (آذار)، اعتمدت حكومة دمشق بشكل محوري على خالد الأحمد، صديق الطفولة للرئيس الشرع، لمواجهة المؤامرة.

كان الأحمد، العلوي، ذات يوم ضمن الدائرة المقربة للأسد. عمل دبلوماسياً في الظل وأحد مؤسسي قوات الدفاع الوطني، أكبر قوة شبه عسكرية متحالفة مع الأسد.

ومثل مخلوف، اعتقد الأحمد أنه مسؤول عن انتصار الأسد في الحرب الأهلية. لكن الأسد عامله بنفس الطريقة التي عامل بها ابن خاله وجرّده من الامتيازات وأمر بتجنيده، بحسب ما قال مساعدان.

فر الأحمد إلى قبرص، ثم سافر في عام 2021 إلى إدلب بشمال غربي سوريا للقاء صديقه القديم الشرع حسب روايات ثلاثة أشخاص عملوا مع الرجلين. وأضافوا أنهما ناقشا خطة الشرع للإطاحة بالأسد وهو ما تحقق بالفعل في ديسمبر 2024.

واطلعت «رويترز» على رسائل صوتية من الأحمد عبر تطبيق واتساب أواخر عام 2024 أخبر فيها مسؤولين عسكريين بارزين أنه من غير المجدي التمسك بالديكتاتور الخاسر، ووعدهم بالعفو عنهم إذا تخلوا عنه ومنعوا سفك الدماء.

في بيانه لـ «رويترز»، قال الأحمد إن هدفه كان منع المزيد من الصراع الدموي، لكنه أقرّ بعدم قدرته على «تجنيب السوريين المزيد من الخسائر، أو إرث الطائفية التي لا تزال تُخيم على مجتمعنا».

اليوم يعد الأحمد أبرز شخصية علوية في سوريا، ويتنقل بين شقة فاخرة مطلة على البحر في بيروت وفيلا محصنة في دمشق.

يقول الشامي: «يعمل خالد الأحمد بقوة في مسار السلم الأهلي، منطلقاً من الحرص على أبناء الطائفة العلوية ودمجهم في الحكومة الجديدة. ويُعتبر الدور الذي يقوم به دوراً مهماً في تعزيز الثقة بين المكون العلوي والحكومة الجديدة».

وأشار أربعة مساعدين إلى أن الأحمد يموّل وينسق برامج لتوفير فرص عمل وتنمية اقتصادية، لأنه يعتقد أنهما الحل لارتفاع معدلات البطالة المزعزعة للاستقرار التي أعقبت سقوط الأسد، عندما تم حل الجيش وخسر العلويون وظائفهم الحكومية.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت وزارة الداخلية اعتقال خلية في منطقة الساحل قالت إنها ممولة من مخلوف وكانت تخطط لاغتيال صحافيين وناشطين. وبحسب محافظ طرطوس أحمد الشامي، بلغ عدد المعتقلين المرتبطين بمخلوف وحسن «حدود العشرات».

وعلى طول الساحل نفسه، تتراكم معدات عسكرية في غرف تحت الأرض، وفقاً لقائد ميداني يشرف على العديد منها. وقال إنها ستكون جاهزة عند الحاجة، لكنه حتى الآن لا يرى أي جانب يستحق أن ينحاز إليه.


إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
TT

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل، على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112، وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش الإسرائيلي لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وعُقد ليل الخميس - الجمعة، اجتماع مطول بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي كان أعد موازنة وزارته بالتنسيق مع قيادة الجيش الإسرائيلي، التي أكدت الحاجة الماسة لزيادة موازنتها لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وزير الدفاع يسرائيل كاتس طالب بزيادة موازنتة وزارته لمواجهة التحديات (د.ب.أ)

وظهر الجمعة، أقرت الحكومة الإسرائيلية بأغلبية مطلقة الموازنة الجديدة لعام 2026، التي بلغت 662 مليار شيقل، فيما سيبلغ سقف العجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستعرض لاحقاً للتصويت في الهيئة العامة للكنيست.

وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإن تقليص الموازنة المطلوبة من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية، يعدّ انتصاراً لصالح الخزينة العامة، رغم أن رفعها بنحو 20 مليار شيقل، سيرفع العجز في الميزانية التي يتم إعدادها بنسبة 1 في المائة إضافية، ليكون الإجمالي حتى نحو 4 في المائة.

وقال كاتس في تصريح له عقب الاتفاق مع سموتريتش، إن الميزانية المتفق عليها ستعتمد على استدعاء نحو 40 ألف جندي من الاحتياط للخدمة العسكرية خلال متوسط العام المقبل، وإن الهدف من ذلك تخفيف العبء على جنود الاحتياط في ظل واقع الحرب متعددة الجبهات.

وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي طالبت خلال الجلسات التحضيرية لإعداد الموازنة، بالعمل على استدعاء 60 ألف جندي لقوات الاحتياط.

ووفقاً للصحيفة العبرية، فإنه تم الاتفاق على حزمة ميزانية تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة الغربية، بما في ذلك حماية طرق التنقل وتعبيد الطرق، وإنشاء قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي في تلك المناطق، إلى جانب مشاريع تتعلق بالحدود الشرقية مع الأردن، ما يشير إلى وجود اتفاق غير معلن على خفض عدد القوات بالضفة، خصوصاً عند الحدود الشرقية، وتخصيص أموال أكثر بكثير لبناء مزيد من البؤر الاستيطانية، وإعادة تأهيلها وشق طرق لصالحها.

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش شكر وزارة الدفاع على تعاونها في عملية تقليص ميزانيتها (رويترز)

وأشارت الصحيفة إلى أن قانون تجنيد الحريديم المتزمتين، الذي يدرس حالياً للتصويت عليه قريباً في الكنيست، سيتسبب في تكاليف باهظة تصل إلى مليارات الشواقل حتى عام 2026، مبينةً أن الإعفاء من التجنيد سيثقل كاهل جنود الاحتياط وميزانية وزارة الدفاع.

وبينت أن تكلفة نشاط الكتائب النظامية أكثر من نصف تكلفة كتائب الاحتياط، ويبدو أن حل كاتس لسد هذه الفجوة يتمثل في تمديد مدة الخدمة الإلزامية العامة إلى 3 سنوات، بينما سيقر الكنيست قانوناً يعفي الشباب الحريديين من التجنيد الإجباري.

وتشير الصحيفة إلى أن الفجوة في التكاليف بين الكتيبة النظامية والاحتياطية شاسعة لدرجة أنها، في بعض الحسابات، تقترب من 50 في المائة، إذ يكلف كل جندي احتياطي إسرائيل 48 ألف شيقل شهرياً، مقارنةً بنحو نصف هذا المبلغ، في المتوسط، للجندي النظامي في الخدمة الإلزامية، وفقاً لحساب أجرته وزارة المالية العام الماضي. إضافةً إلى ذلك، ووفقاً لحسابات الوزارة، يفترض أن تكون تكلفة 60 ألف جندي احتياطي في أي وقت أقل بكثير، بل وأكثر بكثير، مما هي عليه في سنة غير حربية تعرف بـ«زيادة الخدمة العسكرية»، أي ما يقارب 13 - 14 مليار شيقل في عام 2026.

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

وقدم سموتريتش شكره لوزارة الدفاع الإسرائيلية على تعاونها في عملية تقليص ميزانيتها، معتبراً أنها ستعمل على إعادة مسار النمو، وستوفر أفضلية اقتصادية للإسرائيليين، وتتيح تخفيفاً ضريبياً في إطار الميزانية العامة.

وعقدت الحكومة الإسرائيلية، صباح الخميس، اجتماعاً بحث بشكل أساسي إقرار الميزانية، التي ستحدد مسار الاقتصاد الإسرائيلي خلال عام 2026، وعرض سموتريتش كثيراً من الإصلاحات التي يسعى إلى إقرارها.

وفاجأ سموتريتش، وزراء الحكومة الإسرائيلية، حين أبلغهم بأن العجز السنوي سيبلغ ما بين 3.2 و3.6 في المائة، بينما سيصل إلى نحو 4 في المائة بعد الاتفاق مع وزارة الدفاع.

واحتج أمام مقر الحكومة الإسرائيلية بعض رؤساء بلديات مستوطنات وبلدات غلاف غزة، بعد أن تقرر تقليص الموازنة المخصصة لإعادة الإعمار في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023.