زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سمعنا في طهران كلاماً صريحاً يفسر دور الميليشيات

قال إنه قلق على مستقبل العراق وإقليم كردستان... وعدَّ الطلاق بين بغداد وواشنطن صعباً جداً

TT

زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سمعنا في طهران كلاماً صريحاً يفسر دور الميليشيات

الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وزيباري مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي خلال زيارة لطهران في 2003 (غيتي)
الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وزيباري مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي خلال زيارة لطهران في 2003 (غيتي)

استبعد هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، انزلاق العلاقات العراقية - الأميركية نحو الطلاق نظراً إلى ما يمكن أن يرتبه ذلك من تبعات أمنية واقتصادية. وأعرب في الوقت نفسه عن قلقه بسبب التدخلات وسياسات الاستئثار ومشاعر التهميش ومحاولات تقويض إقليم كردستان الذي ولد استناداً إلى الدستور الحالي. ولأن زيباري كان حاضراً لدى ولادة نظام ما بعد صدام حسين وتولى حقيبة الخارجية على مدى 11 عاماً، حاورته «الشرق الأوسط» حول هذه الملفات، وهنا نص الحلقة الأولى:

* هل أنت قلق على مستقبل العراق؟

- نعم، أنا قِلق حقيقةً لأن العراق بعد سقوط نظام صدام حسين - مع الأسف الشديد رغم كل الجهود اللي بذلناها - لم يستقر، ولم يحظ بالأمن والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي لكي ينهض من جديد بعد سنوات الحروب والمعارك مع الجيران ومع الداخل. أنا قلق حقيقة لأنه مع الأسف لم تتشكل لدينا حكومة جيدة، أي أن الحكم الرشيد لم يتحقق في هذا البلد. في بلد الرشيد.

* هل ما نشهده حالياً هو معركة طرد الجنود الأميركيين من العراق؟

- هي معركة صراع نفوذ بين قوة إقليمية هي الجمهورية الإسلامية تحديداً وأميركا على الأرض العراقية بسبب تداعيات الحرب في غزة واضطراب منطقة الشرق الأوسط. فمسألة الوجود الأميركي أصبحت القضية الشماعة لإنهاء وجودهم، في حين أنه ما زالت هناك حاجة لتواجدهم بسبب الأمن الإقليمي ككل، وليس أمن العراق.

كنت من المفاوضين الأساسيين في اتفاقية سحب القوات الأميركية واتفاقية الإطار الاستراتيجي، فعندي خلفية ودالة على هذا الموضوع. أصبح الموضوع مسيساً، ولو أنه لا تزال هناك حاجه أمنية عراقية لهم وأعدادهم قليلة. لكن أصبحت قضية سياسية.

10 فبراير (شباط) الجاري كان نقطة تحول في تقديري لأن البرلمان العراقي أراد أن يعقد جلسة بنصاب كامل لإقرار أو تمرير قرار بطردهم فوراً. لكن لم تكن هناك الاستجابة المطلوبة، لا من الكتل السنية العربية ولا الكتلة الكردية بأجمعها، ولا حتى من معظم الكتل الشيعية. يعني من أكثر من 230 نائباً، حضر فقط حوالي 75 نائباً، لذلك لم يحصل إجماع أو توافق أو نصاب، وأُجِّل الموضوع.

هذا الموضوع تنفيذي، وليس تشريعياً. يعني الحكومة هي التي تقرر. خروج أو بقاء القوات الأميركية موضوع له علاقة بالتزامات دولية عراقية والتزامات لها علاقة بالاقتصاد الوطني العراقي، لذلك لا يمكن النظر إلى هذا الموضوع بشكل أحادي. كثير من الدول في المنطقة عندها قواعد وتواجد عسكري أجنبي، ليس أميركياً فقط، بل أيضاً بريطاني وفرنسي. لكن هذا حصل بموافقة هذه الحكومات. هذه الحكومات لا تزال حكومات سيادية والعلاقة منظمة. نحن أيضاً في العراق لدينا تنظيم لهذه العلاقة. لكن الموضوع مسيّس بالدرجة الأولى.

صعوبة الطلاق مع أميركا

* هل يستطيع العراق حالياً احتمال الطلاق مع أميركا؟

- من الصعب جداً جداً حقيقة لارتباط العلاقة الأميركية بالعراق وبالمنطقة بقضايا دولية وإقليمية واقتصادية، فلذلك الطلاق والانفكاك من هذه العلاقة صعب. كل البلدان تحتاج إلى دعم. في اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تفاوضنا حولها معهم، منحونا الكثير من الفرص والمجالات لدعم الاقتصاد والأمن والقدرات العراقية، لكن مع شديد الأسف، الحكومات العراقية المتتالية لم تستفد من هذه الفرصة المتاحة.

* كنت وزيراً للخارجية العراقية لمدة 11 سنة. أريد جواباً واضحاً، هل طلبت أميركا إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في العراق؟

- هذا النقاش كان موجوداً في الفترة الانتقالية بين إدارة جورج بوش الابن وإدارة باراك أوباما. ما هو مستقبل هذه القوات؟ كان التفكير أنه أدينا المهمة وأسقطنا النظام وأسسنا لنظام جديد ناشئ. ساعدنا البلد أن يكون لديه عقد اجتماعي هو الدستور، لذلك لندعهم يحلون مشاكلهم بينهم. لكن هناك حاجة بالنسبة لنا للإبقاء على تواجد محدود، فهذا كان أساس التفاوض. بدأنا المفاوضات في 2007 وأكملنا الاتفاقية لخروجهم في 2011 عندما جاءت إدارة أوباما.

أوباما بين قواته في قاعدة «فيكتوري» الأميركية ببغداد عام 2009 (غيتي)

في الوقت نفسه، وقعنا اتفاقية الإطار الاستراتيجي للصداقة والتعاون التنموي والاقتصادي مع الولايات المتحدة. كان هناك نقاش حاد بين القيادات العسكرية التي عملت في العراق، وغالبية قيادات الجيش الأميركي حالياً خدمت في العراق. لذلك كان لديهم خوف أو قلق أن الانسحاب المفاجئ وبهذه الطريقة وعدم إبقاء بعض القوات للمساعدة، سيهدد مصالح أميركا، بالنسبة للإرهاب أو للقوى الأخرى الطامعة في العراق. لكن أوباما قرر سحبهم ولم ينتبه إلى هذه النصيحة، وأنا حكيت معه حوالي 45 دقيقة.

* ماذا دار بينكما؟

- هو كان في حملته الانتخابية والعراق كان قضية أساسية في الانتخابات وقتها. كان جون ماكين هو المرشح الجمهوري. والعراق كان محط اهتمام بارز بالنسبة إلى المعسكرين. اتصل بي (أوباما) بالهاتف، وكان في رحلة انتخابية لإحدى الولايات. رسالتي له كانت أننا نعتقد أن العراق لم يتعاف بالكامل، يعني ليس بلداً اعتيادياً أو طبيعياً. هناك تهديدات إرهابية وتهديدات أمنية. لذلك لا نشجعك أن تتسرع في سحب القوات بشكل كامل. نحتاج إلى هذه المساعدة ومساعدتكم في تدريب وتأهيل قواتنا العسكرية. هو أخذ الموضوع بمعنى أنه: لا، أنا جئت لأخلص أميركا من الحروب الخارجية. في أفغانستان والعراق. نريد أن نركز على الوضع الداخلي. كانت هناك أزمة مالية في السوق العالمية.

أيضاً في تلك الفترة رأى السيد نوري المالكي رئيس الوزراء أن الانسحاب أصبح حقيقة. وبدأ يتبلور لديه التوجه لمزيد من الهيمنة والسيطرة والابتعاد عن روح الدستور والديمقراطية والحريات، تجاه السنة والأكراد والرواتب واستهداف قيادات سنية في وقتها. هذا أدى إلى شعور كبير بالتهميش من المجتمع السني. كانت الحرب الأهلية في سوريا قائمة وبدأ «داعش» ينمو داخل الأراضي السورية، ثم انتقل إلى العراق.

بعدما كانت الحكومة تدعي بأن لديها قوات كافية ومدربة لا تحتاج إلى مساعدة أجنبية، رأينا أن هذا الجيش وهذه الفرق وهذا التسليح الأميركي الممتاز انهار خلال أيام عندما احتل «داعش» الموصل وتوجه إلى كركوك وصلاح الدين، وكان على أبواب سامراء وبغداد مهددة. حقيقة هذا الجيش ذاب في صحاري العراق.

آنذاك وقعت المهمة عليّ أيضاً حين كنت وزيراً للخارجية. كنت وزيراً صاحب قرار، ولست مجرد فاترينة (واجهة) محل. حين استشعرنا أن هناك تهديداً حقيقياً للحكومة وللبلد، وافقنا مع الأميركيين على تبادل مذكرات لطلب المساعدة لأن هذا الخطر داهم وغير متوقع. ولا تزال هناك تحقيقات حول كيف صارت الدعوة آنذاك حين عادوا في 2014 وساعدونا. ساعدوا أربيل عاصمة إقليم كردستان التي كانت مهددةً من «داعش». سامراء كانت مهددة.

الأميركيون بتواجدهم، وبعدها بتشكل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب من العديد من الدول وصلت إلى أكثر من 60 دولة في قرارات أممية ومؤتمرات، أساس وجودهم هو الذي اتفقنا عليه. طبيعي أي إلغاء لهذا التفاهم - حتى أزيدك من الشعر بيتاً - يحتاج موافقة الطرفين ويحتاج إلى فترة زمنية وإشعار للطرف الآخر بمدة لا تقل عن سنة. في أميركا هذه السنة انتخابية، وصعب جداً على أي رئيس أن يتخذ قراراً كهذا والمنطقة مشتعلة ولا نعرف أين تتجه الأمور. في تقديري لا يستطيع العراق الطلاق في هذه العلاقة.

رواية إيران لصناعة الوكلاء

* هل هناك دقة في القول إن الحروب الموازية التي انطلقت بعد «طوفان الأقصى» في البحر الأحمر والعراق وسوريا ولبنان أكدت أن هذا الجزء من العالم العربي صار قراره إيرانياً؟

- إيران مؤثرة جداً في إقليمنا من اليمن إلى غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق. ولا ينكرون هذا. أعلنوا عن محور المقاومة منذ سنين. وأنا كانت لدي نقاشات مع الراحل (قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني) الجنرال قاسم سليماني الذي استهدفته القوات الأميركية في مطار بغداد في 2020، ومع علي لاريجاني الذي كان رئيس البرلمان الإيراني، ومستشار الإمام الخامنئي وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي في 2007-2008.

الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد مستقبلاً زيباري في طهران أبريل 2007 (غيتي)

كنا في زيارات مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى طهران ونتناقش معهم، فأحد طلباتهم كان أنه «أنتم يا أكراد ويا شيعة تخلصتم من الديكتاتورية، فالمفروض ألا تثقوا بالاستكبار العالمي وبالأميركيين. مفروض أنتم أيضاً تصيرون جزءاً من محور المقاومة».

* كلام من كان هذا؟

- هذا كلام القياديين الثلاثة الذين ذكرت أسماءهم معي شخصياً. فجوابي كان أنه نحن لا نحتاج أن ندخل محور المقاومة وصراعات جديدة وحروباً أخرى. نحن تعبنا من الحروب ومن المغامرات وعندنا فرصة لبناء بلدنا ونريد منكم أن تساعدونا في هذا المجال. أنتم تريدون أن نصبح مقاومة على من حررونا. هذا شيء غير منطقي ولا أتصور أن أحداً سيقبل بهذا الاتجاه.

لكن الفرصة جاءت بعد تمدد «داعش». وصارت دعوة السيد الإمام السيستاني للدفاع عن العراق ضد «داعش» والجهاد الكفائي فرصة لتشكيل قوات «الحشد الشعبي». طبيعي كثير من النوايا ومن تطوعوا كانوا جادين وحقيقيين في هذا الموضوع. لكن (الإيرانيين) تدخلوا وشكلوا ميليشيات تابعة لهم واستفادوا من هذا الغطاء الديني والحكومي. حالياً «الحشد الشعبي» أصبح واقعاً وقوة موازية للجيش، وربما أقوى في تسليحه وفي إمكانياته.

قصة محور المقاومة نحن ناقشناها معهم مطولاً، (وكانوا يقولون لنا) أولاً إن نظام الجمهورية الإسلامية مهدد من الاستكبار العالمي ومن الصهيونية العالمية، لذلك نحتاج إلى أن نحمي نظامنا ونقاتل خصومنا وأعداءنا خارج بلدنا، ونشكل قوات غير نظامية. كان هذا أحد طروحات قاسم سليماني، أنه ربما لا نقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن في الحروب غير التقليدية ممكن أن نهزمهم بالاعتماد على قوات محلية نحن ندربها ونهيئها. وهذا هو ما يحدث في المنطقة.

إيران موجودة وهذه القوى التابعة لها أو القريبة منها فعالة. معظمها منظمات خارج الدولة. وطبيعي أن هناك آراء مختلفة حول كيفية التعامل مع هذا. قسم يقول: يجب أن نترك هذه الميليشيات ونتصدى للرأس، وهذا طرح الإسرائيليين. ونظرية أخرى ترى ضرورة تحجيم هذه المجموعات المحلية التي تؤذينا وتقوم بالاعتداء على حكوماتها الوطنية. فهذا الجدل موجود.

لدي قراءة مفادها أنه كما غيرت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 السياسة الدولية بضرب البرجين في أميركا، أعتقد أن ما أحدثه «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ربما يغير قواعد اللعبة والسياسة في منطقة الشرق الأوسط لأن ما حصل كان مختلفاً كلية عن كل الأحداث والمواجهات السابقة إطلاقاً. لذلك كنت من المتوقعين أنه هذه الحرب ستتوسع وتتمدد، ولن تبقى في غزة أو في الضفة الغربية فقط. وفعلاً هذا ما حصل، من البحر الأحمر وباب المندب إلى غزة إلى جنوب لبنان إلى الجولان إلى القائم إلى شمال شرق سوريا. تقريباً ممكن وضعها في نفس الإطار.

تهديد سليماني للرئيس العراقي

* هل يحمل النظام العراقي بعد صدام حسين بصمات قاسم سليماني؟

- هو كان مؤثراً، حقيقة. كان مؤثراً. أذكر حادثة مع (رئيس الوزراء اللبناني الراحل) المرحوم الشهيد رفيق الحريري. ذكرها لي في أكثر من مناسبة، وكان ينصحني حقيقة أنه «ديروا بالكم» (انتبهوا) النظام السوري عنده أجندة في العراق والنظام الإيراني عنده أجندة في العراق. لكن الأجندتين مختلفتان. ربما تلتقيان في الهدف النهائي لمشاكسة الأميركيين. لكن فعلاً هذه نصيحة ظهرت صحيحة. بعد سنين رأيناها. نفوذ الإيرانيين تمدد وتوسع أكثر بالتأكيد، ودخل مفاصل مالية واقتصادية وأمنية وحكومية وبرلمانية، وعلى مستوى القضاء. عندهم نفوذ لا أحد يستطيع أن ينكره.

حين كنت أتعامل معهم كنت أقول لهم تعاملوا معنا كما نحن كدولة تحترمونها. تعالوا من الباب تعرفون كيف، ونحن مستعدون أن نتعاون معكم. عندنا حدود مشتركة 1400 كيلو متر، وثقافة ودين وتاريخ. كل شيء عندنا. لكن أهم شيء أنه لا بد من أن تحترموا أن هؤلاء، حلفاءكم وأصدقاءكم، يريدون بناء بلد مختلف عن عراق صدام. هذا الموضوع كان النقطة الأولى والأخيرة في اتصالاتنا معهم.

على كلٍ، تغيرت الأمور كلية بعد 2014. لذلك لم يشهد العراق استقراراً سياسياً أو أمنياً أو مجتمعياً. أخطاء داخلية من القيادات العراقية. لا نلوم الأميركيين أو الإيرانيين أو تركيا أو دولاً أخرى. لا بد من تشخيص هذه الأخطاء الداخلية العراقية من القيادات التي كانت لديها فرص للانفلات من هذا الماضي، لكن لم تنجح.

* هل فكر الجيش الأميركي في اغتيال قاسم سليماني أثناء فترة احتلال العراق؟

- هناك أسرار كثيرة هنا حقيقة. لكن هو كان يتردد على بغداد والإقليم ومحافظات أخرى. وهو شخص عملياتي، يعني منظر استراتيجي لكن عملياتي ميداني وجريء. في الفترة الأخيرة، زياراته كُشفت وصار عنده مكاتب ومستشارون ودوام تقريباً في المنطقة الخضراء. يعني أصبحت شبه علنية. أتصور نُبه أنه أنت لست بعيداً عن الاستهداف. وصار ما صار. هذا الموضوع (قتل سليماني) كان نتاج متابعة دقيقة وليس يوم حدوثه. أتصور كانت هناك متابعة دقيقة لكل نشاطاته وتحركاته. وصلته رسائل أن وضعك غير آمن.

* هل كان أسلوب قاسم سليماني يحمل رسائل تهديد؟

- هو كان دبلوماسياً حقيقةً في طبيعته، لكن بالنسبة إلى الأهداف التي يريد تحقيقها لا يتنازل. استخدم التهديد مع الرئيس السابق مام جلال (جلال طالباني).

الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وزيباري مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي خلال زيارة لطهران في 2003 (غيتي)

* متى؟

- استخدم التهديد في رسالة مكتوبة عندما كانت هناك جهود ومحاولات من الأكراد والسنة وبعض قيادات الشيعة لسحب الثقة من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بعد التمادي ومحاولة التسلط والهيمنة والابتعاد عن المشتركات التي اتفقنا عليها. آنذاك كان تدخله (سليماني) حاسماً جداً في منع حصول ذلك.

مستقبل إقليم كردستان العراق

* هل أنت قلق على إقليم كردستان العراق؟

- نعم. قلق وقلق جداً على مستقبل إقليم كردستان الذي بُني بأنهار من الدماء والتضحيات والمقاومة وبالسياسة الواقعية والدبلوماسية. التهديد الأكبر على الإقليم حالياً هو من القرارات التعسفية للمحكمة الاتحادية العراقية مع الأسف الشديد. أساس الإقليم والاعتراف به ككيان دستوري هو الدستور الذي حدد الاختصاصات الحصرية للحكومة الفيدرالية وللإقليم.

هناك هجمة حقيقةً من كل النواحي. أمنياً، نرى من يهدد الإقليم بالمسيرات والصواريخ، ومصالح الإقليم الاقتصادية والمصافي وحركة الطيران التجاري والشركات الأجنبية لتقويض اقتصاد الإقليم. أيضاً مسألة تصدير النفط المتوقف، من إيقاف تصدير نفط الإقليم خسر العراق 7 مليارات دولار، كان يفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة، وجزء منها حصة الإقليم.

أيضاً يتدخلون على كل المستويات، من مسألة الانتخابات وحقوق الإقليم الدستورية وحصة الإقليم من الموازنة العامة للبلد. السبب أن الإقليم ربما لديه استقلالية في اتخاذ القرار وفي المشاركة في بعض القرارات، لكن عنده استقلالية يعني إذا لم يعجبنا شيء نقول لا وعندنا الشجاعة. ربما هذا التوجه لا يرضي الآخرين الذين اعتادوا «نعم سيدي» في كل شيء يؤمرون به.

أيضاً، طبيعي أن الإقليم عنده مشاكل، ولا أخفي عليك حتى أكون واقعياً وصريحاً. دائماً الإقليم كان قوياً حين كانت القوى الكردية موحدة أو تتبنى خطاباً واحداً أو موقفاً واحداً. حالياً عندنا في القضايا الاستراتيجية وحدة عمل وتفكير، لكن هناك قضايا داخلية غير محلولة.

الهدف الأساسي للإقليم الذي نسعى من أجله هو إعادة شرعنة مؤسسات الإقليم بإجراء انتخابات برلمانية إقليمية جديدة. كان المفروض في فبراير (شباط)، وحالياً أجلت إلى مايو (أيار). لا نعرف إلى متى ستبقى هذه الانتخابات أسيرة لقرارات المحكمة الاتحادية لتعطيل هذه الشرعية. نحن نعمل في سبيل إجراء هذه الانتخابات في أسرع وقت ممكن.

* من يعاقب الإقليم؟ هل هي القوى التي سلمت ذات يوم بوجود الإقليم لإزاحة صدام ثم تراجعت حين صارت في السلطة؟

- أساساً هي هذه القوى. وربما بإيحاءات خارجية إقليمية. واضح جداً لأن هذه هي القيادات نفسها التي كنا نحميها ونحتضنها في زمن المعارضة. حقيقة بعدما صاروا في السلطة يشعرون بأنهم ليسوا بحاجة إلى مشاركة الآخرين الذين ساعدوهم. هذه النظرة موجودة ولن تؤدي إلى استقرار العراق. نظرة أن البلد صار لنا والحكومة لنا ولا نحتاج الآخرين أثبتت فشلها، في تجربة صدام حسين ومن قبله. العراق لا ينجح إلا بتوافق وطني واحترام مكوناته. وأن يشعر كل طرف بأنه جزء من هذه الحالة.

* تقول إن المحكمة الاتحادية سلاح. بيد من؟

- المجموعة نفسها التي فكرت أنها لا تحتاج الآخرين، وممكن نسيس أو نستخدم هذه المحكمة كسلاح ضد خصومنا وأعدائنا. هناك كلام طويل وعريض عن دستورية هذه المحكمة أساساً. تسأل أكبر خبراء في القانون الدستوري فيقولون إن هذه المحكمة شكلت لأغراض ونوايا معينة. حالياً الهيمنة من قبل الأطراف المسلحة وبعض الفصائل التي بيدها القوة والسلاح، وعندها من جانب آخر القضاء والمحكمة الاتحادية. يتحكمون في كثير من الأمور والمسائل. أرجع إلى سؤالك الأول: نعم، نحن قلقون على مستقبل الإقليم ومستقبل العراق أيضاً.

* هل يكون الكلام دقيقاً إذا قلنا إن العراق يتجه مجدداً إلى أزمة مكونات؟ المحكمة الاتحادية أزاحت رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وأخرجتك من السباقات الانتخابية؟ هل هناك مشكلة في علاقات الفصائل الشيعية بالمكونين السني والكردي؟

- هناك مشاكل حقيقةً. لا أخفيك. وهناك حوارات أيضاً جادة وحقيقية. من الذي وراء قصف أربيل أو مطار أربيل أو مصالحنا في السليمانية وبعض منشآتنا الحيوية؟

* قالوا إنهم قصفوا «الموساد»...

- هذا كذب وافتراء. حتى المسؤولون العراقيون الذين زاروا الموقع حين وقع هذا الهجوم الصاروخي الباليستي على رجل أعمال مع عائلته مع أطفاله وقتلت طفلة عمرها أقل من سنة (رأوا) أن هذا كذب فظيع. «الموساد» موجود في كثير من الدول ويعمل بسرية وبطرقه الخاصة ولا يحتاج إلى يافطات وعناوين يقعد ويخطط. «الموساد» موجود ويضرب فيهم في قلب طهران، وموجود في كثير من العواصم الأخرى.

هذه هي المرة الثانية التي يكررون فيها هذا الافتراء الفاضح جداً الذي ليس له أي أساس. طلبنا منهم وقلنا لهم أنتم لديكم في أربيل قنصلية كبيرة ونتواصل معكم وبيننا زيارات مشتركة ونحن طرف في لجنة أمنية مع الحكومة العراقية معكم، وهذا الاتفاق الأمني يؤكد أنه إذا شعر طرف بوجود تهديد فيجب أن يبلغ الطرف الآخر. كل هذا لم يفعلوه.

هذه كانت رسالة. قصف أربيل كان رسالة لإظهار قوتهم في إصابة الأهداف عن بعد. في يوم ضربوا ثلاث دول: باكستان، والعراق في أربيل، وسوريا في إدلب، حتى يرسلوا هذه الرسالة إلى أميركا وإسرائيل أن «عندنا قوة ردع إذا تجرأتم علينا».

* الصواريخ التي أصابت أربيل انطلقت من الأراضي الإيرانية؟

- نعم. واعترفوا بها. اعترف بها «الحرس الثوري» الإيراني وأصدر بياناً رسمياً أعلن المسؤولية عنها.

مبنى متضرر جراء الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل الشهر الماضي (أ.ف.ب)

* كيف سيعيش الإقليم وكل جيرانه يخافون منه أو يقلقهم على الأقل؟ يعني تركيا لا تريده وسوريا لا تريده وإيران لا تريده، وإذا بغداد رفضته؟

- في 1991 واجهنا هذا التحدي كقيادات شاركت في هذا الإقليم ومتابعته. كان تحدياً كبيراً حين أرادت قيادة «الجبهة الكردستانية» في 1992 إجراء انتخابات داخل العراق في الإقليم، اجتمعت دول الجوار سوريا وتركيا وإيران لمحاصرة وخنق هذا الإقليم. حتى أميركا أقرب حلفائنا وأصدقائنا لم تكن مؤيدة لفكرة الانتخابات. لكن للمرة الأولى اتخذت القيادة الكردية قراراً سليماً وشجاعاً بالسير باتجاه الانتخابات واتفقنا على نتائج الانتخابات وقمنا بتأسيس مؤسسات الإقليم.

آنذاك، نقلنا نفس الفكرة للإيرانيين والأتراك والسوريين: نحن لسنا تهديداً. نحن يمكن أن نكون عامل مساعدة واستقرار، ولن نفعل شيئاً ضد مصالحكم الأمنية القومية العليا على الإطلاق. وأثبتت التجربة طوال سنوات عمل مؤسسات الإقليم أننا عملنا على تهدئة مخاوف دول الجوار الأمنية. الإقليم دستوري منذ 2005 حين صار تصويت شعب العراق كله، وأصبح لهذا الإقليم أساس قانوني ودستوري معترف به في العراق.

* هل وجدتم صعوبة مثلاً في إقناع الرئيس بشار الأسد بالإقليم؟

- حاولت. أنا تحاورت مع سيادة الرئيس أكثر من مرة حول هذا الموضوع. لكنهم (السوريون) لم يكونوا مقتنعين إطلاقاً بهذا الشيء. فكرة الدولة الاتحادية أو الفيدرالية يرونها مرحلة أولى لتقسيم الأوطان، ولم يخفوا ذلك إطلاقاً. لذلك في اللقاءات أو النقاشات لم يكونوا مؤيدين لها.

* هل لديك شعور بأن هذه الخرائط تنتهي دائماً بمعاقبه أكرادها؟

- نرجع إلى القصف الصاروخي الإيراني الأخير على أربيل. قلت لك الرسالة. لكن الجمهورية الإسلامية ربما لا تستطيع أن تواجه دولاً كبرى مثل أميركا، وحتى إسرائيل تتجنبها وتحاربها بوسائل أخرى وطرق أخرى. لكن في سبيل إظهار قوتها عند شعبها وتنفيذ وعودها بأنها ستنتقم مما حصل من هجوم إرهابي في كرمان واستهداف قيادات من «الحرس الثوري» في دمشق، وقيادات في «حزب الله» و«حماس» في بيروت وجنوب لبنان، جاء الانتقام عندنا، لأن عندهم تصوراً خاطئاً من خلال نظرية المؤامرة الكونية أن الإقليم هو إسرائيل الثانية. وانطلاقاً من ذلك يعاقبوننا.

«لا يستهين أحد بأميركا»

* إذا تصاعدت هذه العمليات، هل تعتقد أن أميركا مستعده للدفاع عن الإقليم؟

- الأميركيون عندهم تواجد في الإقليم كما في بغداد وفي الأنبار. إذا تلاحظ، الفصائل المسلحة دائماً تستهدف أربيل وحرير وقاعدة عين الأسد في الأنبار. لماذا لا يأتي أحد على ذكر قاعدة «فيكتوري» في مطار بغداد، وهي أكبر قاعدة؟ يظهر أن لديهم مصالح في الحركة والطيران وقضايا تهريب الأموال. لا يريدون مشاكل.

الأميركيون دائماً يؤكدون أنهم موجودون بموافقة من الحكومة العراقية. وهذا صحيح وشرحت لك الخلفية. بالنسبة لهم: إذا أصيب أي من مصالحنا أو استهدفت قنصليتنا الأكبر ربما في العالم أو منشآتنا الموجودة في مطار أربيل، فآنذاك نحن سنرد بقوة. وبعد مقتل ثلاثة جنود في قاعدة «تاور 22» في شمال شرق الأردن وهي امتداد لقاعدة التنف، كان الرد الأميركي دقيقاً جداً واستهدفوا القيادات المسؤولة عن هذا العمل.

هذا الردع خفف من الهجمات. إذا لاحظت، منذ فترة خفت الهجمات، سواء في شمال شرق سوريا أو على عين الأسد أو أربيل، لأنهم رأوا الحديد حاراً. أميركا عندها قدرات وإمكانيات هائلة، لكن لا يستخف أحد بالإدارات وبالقيادات الأميركية. يعني نفس هذه القيادات الأميركية التي كان معظم الناس يائسين منها، هم أنفسهم من تدخلوا ومنعوا «داعش» من اكتساح أربيل أو بغداد، من نائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن إلى القيادات الأخرى الموجودة، من لويد أوستن وجيك سوليفان. نفس الأشخاص. لا أحد يستهين بهم. هذه دولة مؤسسات ومصالح واستراتيجيات.


مقالات ذات صلة

«الحرس الثوري»: جبهة المقاومة لا تعتمد على أحد ولم نفقد أذرعنا

شؤون إقليمية سلامي يلقي كلمة في مناسبة لقواته (إيرنا)

«الحرس الثوري»: جبهة المقاومة لا تعتمد على أحد ولم نفقد أذرعنا

حذر قائد «الحرس الثوري» الإيراني، حسين سلامي «أعداء» بلاده من أن «الخطأ الأول سيكون خطأهم الأخير»، قائلاً إن «جبهة المقاومة لا تعتمد على أحد».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
خاص حاجز أمني للنظام السابق على طريق القزاز - ببيلا إلى «السيدة زينب» وقد خلا من المظاهر المسلحة (الشرق الأوسط)

خاص فكُّ عزلة «السيدة زينب» عن محيطها مع البلدات المجاورة

العزلة المحكمة التي فرضها «الحرس الثوري» الإيراني على بلدة «السيدة زينب» جنوب دمشق انتهت، بحسب جولة «الشرق الأوسط» فيها وفي البلدات المجاورة.

موفق محمد (دمشق )
المشرق العربي طفل سوري خلال احتفالات انتصار الثورة في إدلب أمس (إ.ب.أ)

إيران «ليس لديها اتصال مباشر» مع القيادة الجديدة في سوريا

أكدت إيران الاثنين أنه «ليس لديها اتصال مباشر» مع القيادة الجديدة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ وزارة العدل الأميركية (رويترز)

اتهام ضابط بـ«الحرس الثوري» بجرائم إرهاب لدوره المزعوم في قتل أميركي بالعراق

قالت وزارة العدل الأميركية، الجمعة، إنها اتهمت محمد رضا نوري، الضابط بـ«الحرس الثوري» الإيراني، بارتكاب جرائم قتل وإرهاب؛ لدوره المزعوم في وفاة أميركي بالعراق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال لقاء مجموعة «خاتم الأنبياء» (وكالة مهر الحكومية)

«الحرس الثوري» يحتكر نصف صادرات إيران النفطية

يسيطر «الحرس الثوري» على نصف الصادرات التي تدرّ معظم إيرادات إيران وتمول جماعات تدعمها في الشرق الأوسط، وفقاً لمسؤولين غربيين ومصادر أمنية ومطلعين إيرانيين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«التحالف» يسعى لوقف النار بين أنقرة و«قسد»

عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)
عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)
TT

«التحالف» يسعى لوقف النار بين أنقرة و«قسد»

عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)
عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)

سيّر التحالف الدولي للحرب على «داعش»، بقيادة أميركا، دورية في عين العرب (كوباني) في شمال شرقي سوريا، وأنشأ مركزاً للإشراف على مفاوضات وقف إطلاق النار بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها، التي تسعى للسيطرة على المدينة.

في الوقت ذاته، تقدمت «قسد» باتجاه مدينة منبج، في محافظة حلب، وسيطرت على عدد من القرى، خلال المعارك مع فصائل الجيش الوطني السوري في مسعى لاستعادة السيطرة على المدينة.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن قوات التحالف الدولي سيّرت دورية مؤلفة من عربات عسكرية عدة، الثلاثاء، في عين العرب (كوباني)، وأنشأت عناصر الدورية مبنى مؤقتاً من أجل الإشراف على المفاوضات والوساطة بين القوات التركية والفصائل الموالية وقسد، للحد من التصعيد في المنطقة وتجنيبها الدمار.

دورية أميركية في عين العرب (المرصد السوري)

وكان قائد قوات التحالف الدولي أكد خلال اجتماع في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مع قائد «قسد» مظلوم عبدي، ووجهاء مدينة الرقة ومجلسها المحلي، استمرار بقاء قوات التحالف مدينة الرقة وريفها.

مفاوضات وتصعيد

ولا تزال المفاوضات جارية، بالنسبة لمدينة عين العرب التي تحاول الفصائل الموالية لتركيا السيطرة عليها. ويقول التحالف الدولي إنها حققت تقدماً كبيراً في الآونة الأخيرة، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

في الوقت ذاته، اندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة وقذائف الهاون بين قوات «قسد» ومجلس منبج العسكري التابع لها من جهة، وفصائل «الجيش الوطني» قرب قرية قبر إيمو شرق جسر قره قوزاق، من جهة أخرى. وأفادت وسائل إعلام تركية بمقتل 5 من عناصر الفصائل في الاشتباكات.

قوات «قسد» تتقدم باتجاه منبج مجدداً (المرصد السوري)

كما تقدمت قوات «قسد» لتسيطر على 4 قرى في محيط سد تشرين في ريف حلب الشرقي وباتت على بعد نحو 12 كيلومتراً من مدينة منبج.

ووقعت اشتباكات عنيفة، بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، بين «قسد» والفصائل الموالية لتركيا على محور بلدة دير حافر جنوب شرقي حلب، ومحور جنوب حلب، حيث تمكنت «قسد» من السيطرة على محطة «بابيري» التي تضخ المياه لحلب.

وقصفت القوات التركية والفصائل بالمدفعية الثقيلة عدداً من القرى في ريفي عين عيسى وتل أبيض شمال محافظة الرقة. وقُتل اثنان من الفصائل الموالية لتركيا، خلال تصدي قوات مجلس الرقة العسكري لمحاولة تسلل على قرية أم البراميل شرق عين عيسى.

ودارت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين قوات «مجلس تل تمر العسكري»، التابعة لقسد، والفصائل المتمركزة بمنطقة «نبع السلام»، ما أدى لمقتل 3 عناصر من المهاجمين وجرح آخرين وتدمير سيارة عسكرية تحمل سلاح دوشكا.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن أوامر تركية صدرت بمنع مغادرة المئات من عناصر فصائل الجيش الوطني، مع عائلاتهم، للعودة إلى مناطقهم الأصلية في مناطق متفرقة من سوريا، ممن قدموا إلى مدينة رأس العين في منطقة «نبع السلام» في ريف الحسكة الشمالي الغربي خلال العملية العسكرية التركية التي حملت الاسم ذاته في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

كما تواجه العائلات المُهجّرة، التي نزحت إلى منطقة عفرين إبان عملية «غصن الزيتون» العسكرية التركية عام 2018، ضغوطاً متزايدة لعدم العودة إلى مناطقهم الأصلية، من قبل فصائل «الجيش الوطني» التي تضغط لإبقائهم في المنطقة ومنع عودة السكان الأصليين (غالبيتهم أكراد) إلى منازلهم.

ضرورة الحل السياسي

وبينما تستمر مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، دعا الممثل الخاص للأمم المتحدة في سوريا، غير بيدرسن، إلى إنهاء التوتر بين الفصائل المدعومة من تركيا و«قسد» في شمال شرقي سوريا بالوسائل السياسية.

غير بيدرسن متحدثاً للصحافيين في دمشق الأسبوع الماضي (رويترز)

وقال بيدرسن لـ«رويترز»: «إذا لم يتم التعامل مع الوضع في الشمال الشرقي بشكل صحيح، فقد يكون هذا سيئاً للغاية بالنسبة لسوريا بأكملها، إذا فشلنا هنا، فستكون هناك عواقب وخيمة عندما يتعلق الأمر بإعادة نزوح الناس».

ولفت إلى أن الحل السياسي يتطلب «تنازلات جدية»، وأن قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، وعد، خلال لقائه معه في دمشق الأسبوع الماضي، بترتيبات انتقالية تشمل الجميع.

وأوضح أن الحل السياسي في شمال شرقي سوريا سيكون بمثابة اختبار لسوريا الجديدة بعد أكثر من 50 عاماً من حكم عائلة الأسد، وأن «مسألة إنشاء سوريا جديدة وحرة، بتعبير دبلوماسي، ستكون صعبة للغاية».

إصرار تركي

في المقابل، أكد، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن تركيا ستعمل «بالتأكيد» للقضاء على «هذه العصابة المجرمة» (يقصد «قسد» التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية غالبية قوامها)، ولن نسمح بأن تبقى مصدر تهديد لمنطقتنا.

إردوغان أكد استمرار العمليات التركية ضد «قسد» عقب اجتماع حكومته مساء الاثنين (الرئاسة التركية)

وشدد إردوغان، في تصريحات عقب ترؤسه اجتماع حكومته في أنقرة ليل الاثنين - الثلاثاء، على عزم تركيا على مواصلة تنفيذ «عمليات عسكرية دقيقة» ضد الإرهابيين (حزب العمال الكردستاني - الوحدات الكردية) في سوريا دون إلحاق أي ضرر بالمدنيين، ولن يكون لهم مكان في مستقبل سوريا.

والتقى إردوغان، الثلاثاء، الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، بقصر الرئاسة في أنقرة، الثلاثاء، غداة لقاء جنبلاط مع الشرع في دمشق، الاثنين، وجرى بحث التطورات في سوريا في ظل تقارير عن وساطة يسعى إليها السياسي اللبناني بين تركيا و«قسد»، على خلفية علاقاته الجدية بالإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا.

وفي السياق، بحث وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، ليل الاثنين - الثلاثاء، مستجدات الأوضاع في سوريا، بعد ساعات قليلة من لقاء الصفدي مع الشرع في دمشق، التي زارها فيدان أيضاً يوم الأحد، وأجرى مباحثات مماثلة.

ملف اللاجئين

على صعيد ملف اللاجئين السوريين في تركيا، أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن سلسلة إجراءات جديدة لتسهيل عودته إلى بلادهم بطريقة طوعية وآمنة.

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا متحدثاً عن تسهيلات جديدة للسوريين في المغادرة (من حسابه في «إكس»)

وقال يرلي كايا، خلال لقاء مع محرري وكالة «الأناضول» التركية الرسمية، الثلاثاء، إن السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم يمكنهم أن ينقلوا معهم جميع ممتلكاتهم ومركباتهم.

وأضاف أن السوريين الراغبين في العودة يمكنهم تقديم طلب عبر الموقع الإلكتروني لرئاسة إدارة الهجرة وأخذُ موعد في اليوم نفسه، مشيراً إلى أنه، بتعليمات من الرئيس إردوغان، سيسمح لفرد واحد من كل عائلة سورية مقيمة في تركيا بعبور البوابات الحدودية بين تركيا وسوريا 3 مرات في الفترة من يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) المقبلين، لتسهيل ترتيب أوضاع العائلات عند العودة إلى أماكن إقامتهم في سوريا.

السلطات التركية تسمح للسوريين باصطحاب أمتعتهم معهم عند المغادرة (أ.ف.ب)

وأضاف أنه سيتم إنشاء مكتب لإدارة الهجرة بسفارة تركيا في دمشق وقنصليتها في حلب لتسهيل أمور عودة السوريين.

في الوقت ذاته، أعلنت القنصلية السورية في إسطنبول البدء من، الثلاثاء، في منح تذاكر عبور للسوريين الذين لا يمتلكون جواز سفر أو كانت جوازاتهم منتهية الصلاحية، صالحة لمدة شهر واحد فقط وتستخدم مرة واحدة فقط.

وأشار وزير الداخلية التركي إلى عودة 763 ألفاً و443 سورياً إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن ومنظم منذ عام 2017، وأن عدد العائدين إلى سوريا في آخر 15 يوماً تجاوز 25 ألف شخص.