رغم ارتفاع وتيرة تبادل القصف والتصعيد بين جماعة «حزب الله» اللبنانية وإسرائيل في الآونة الأخيرة، عبر استهداف مواقع لقيادات عسكرية إسرائيلية أو رصد إسرائيل قياديين في الجماعة واغتيالهم، تُظهر مؤشرات أخرى إمكانية الحديث حول النقاط الخلافية بشأن الحدود البرية جنوب لبنان ومعالجتها.
ووفقا لوكالة أنباء العالم العربي، كان الحراك الدبلوماسي في لبنان في بداية المعارك في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) يُحذّر من اتساع رقعة الحرب، ويؤكد ضرورة الالتزام بالقرار الدولي 1701، ومن ثم بدء طرح إمكانية التوجه نحو إنهاء الخلافات على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، في انتظار زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، خلال الفترة المقبلة وما إذا كان سيحمل الرجل معه تصوراً واقتراحات لحلها.
وقال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، في كلمة خلال حفل تأبين أحد أعضاء الحزب الأسبوع الماضي: «إننا اليوم في لبنان أمام فرصة تاريخية للتحرير الكامل لكل شبر من أرضنا المحتلة، من نقطة (ب 1) حتى بقية مزارع شبعا بعد وقف العدوان على غزة».
ويرى العميد المتقاعد منير شحادة، منسق الحكومة اللبنانية لدى قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) سابقاً، أن حديث نصر الله ليس ناتجاً عن الحرب على غزة والمعارك في جنوب لبنان فقط.
وقال شحادة لوكالة أنباء العالم العربي: «المسألة تعود إلى زيارة آموس هوكشتاين في أغسطس (آب) الماضي إلى لبنان، إذ كانت زيارته بهدف معالجة الخلافات على الحدود البرية، كون الإدارة الأميركية ارتأت أنه بعد ترسيم الحدود البحرية لماذا لا نعالج مشكلة الحدود البرية».
حل النقاط الخلافية
وأضاف شحادة: «إسرائيل كانت موافقة، وبدأت ترضخ للحديث عن النقطة (ب 1) وهي أول نقطة على الشاطئ بين لبنان وفلسطين في منطقة الناقورة، التي كانت إسرائيل ترفض الحديث حولها قبل الترسيم البحري».
وتابع: «لكن بعد زيارة المبعوث الأميركي، أصبحت إسرائيل مستعدّة للحديث عن هذه النقطة والجزء الشمالي من قرية الغجر ومزارع شبعا؛ ويعود السبب إلى الخيمتين اللتين نصبهما (حزب الله) في منطقة بسطرة بمزارع شبعا جنوباً، إذ شكّلا حينها ضغطاً كبيراً على إسرائيل».
ورأى أن «الإسرائيليين لم يكونوا على استعداد لانتزاع الخيمتين، لأنهم أدركوا أن (حزب الله) على أتمّ الاستعداد للمواجهة العسكرية، فحاولوا بطرق دبلوماسية حل المسألة إلى أن جاء هوكشتاين حاملاً أفكاراً لمعالجة الحدود البرية».
وأردف العميد شحادة قائلاً: «ما تحدث به نصر الله لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة استعداد إسرائيلي لحل مشكلة الحدود البرية المتمثلة في النقاط الـ13 المتحفَّظ عليها ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا».
وأوضح شحادة الشروط التي شدد عليها نصر الله في كلمته المتعلقة بمسألة الحدود الجنوبية، قائلاً إن «الشرط الأول أنه لا وقف للعمليات في الجنوب قبل وقف العدوان على غزة؛ والشرط الثاني معالجة الخلافات على الحدود البرية واسترجاع الأراضي اللبنانية كافة؛ والثالث منع الخروقات الجوية والبحرية والبرية، فيُمنع تحليق طائرات التجسس أو استخدام الأجواء اللبنانية لقصف مواقع عسكرية في سوريا».
وأضاف: «لا نعرف إلى أين تتّجه التطورات، خصوصاً مع التصعيد الإسرائيلي المتواصل في استهدافاته خلال الأيام الماضية؛ لكن لو فرضنا توقف العدوان على غزة، فإسرائيل كانت مستعدة لمعالجة مشكلة الحدود البرية مسبقاً، فكيف مع اشتداد المعارك؟!».
وحول مسألة مزارع شبعا، التي يرى البعض أنها موضع خلاف، إن كانت سورية أم لبنانية، أوضح العميد شحادة أن الموفد الأميركي طرح أنه «من ضمن معالجة الحدود البرية الحديث عن مزارع شبعا».
وتابع: «الحدود البرية مرسَّمة منذ سنة 1923، حينها حددت 38 نقطة بين الناقورة ونهر الوزاني، ثم كانت اتفاقية الهدنة سنة 1949 بين لبنان وإسرائيل التي أكدت الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين وزرعوا بين النقاط السابقة 105 نقاط جديدة تُلزم إسرائيل بالتراجع خلفها؛ لكنّ الخط الأزرق (خط انسحاب إسرائيل سنة 2000) لا يتطابق معها في 13 نقطة، وهي النقاط الخلافية».
تطبيق القرار 1701
من جانبه، قال النائب أشرف بيضون، عضو كتلة التنمية والتحرير: «لبنان يحترم القرارات الدولية؛ والمشكلة في الاحتلال الإسرائيلي لأراضينا، وخرقه سيادتنا بمختلف الأشكال، وانتهاكه القرارات الدولية كافة».
وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي: «كل من يدعو إلى تطبيق القرار 1701 يدرك أن إسرائيل هي التي يجب أن تبدأ في تطبيقه، لأنه يضم 19 بنداً، منها أكثر من 10 بنود تُلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية وتسليم مزراع شبعا لقوات الطوارئ الدولية، والسماح للأهالي بالعودة إليها والانتفاع بحقوقهم فيها، وتسليح الجيش اللبناني ليكون باستطاعته القيام بمهامه إلى جانب القوات الدولية، إضافةً إلى الاعتداءات اليومية على السيادة اللبنانية».
وتابع: «من الواضح أن مساراً يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين) نتنياهو يحاول فيه إغراق الجميع في مستنقع الحرب؛ والأميركيون يسعون في خطٍّ موازٍ ضمن خيار دبلوماسي لمنع تصعيد الأحداث، لأن تبعاته ستكون سلبية على الجميع ولا أحد يريد التطور السلبي، والذي سيدفع ثمنه هو الجانب الإسرائيلي لأنه سيكون من دون حدود».
ويقول بيضون: «إننا أمام هذين الخطين نأمل في انتصار خيار وقف العدوان على غزة والضفة الغربية ولبنان حتى يبدأ مسار حل النقاط الخلافية جنوباً؛ في البداية من النقاط الـ13 المتحفظ عليها في الخط الأزرق وصولاً إلى قرية شمال الغجر اللبنانية المعترَف بها بالقرار 1701 ونقطة B1 (ب 1) في الناقورة حتى مزارع شبعا، التي يجب على الاحتلال تسليمها لقوات الطوارئ الدولية بموجب القرار الدولي».
المعطيات للميدان
أما رولا برو، الباحثة في القانون الدولي الإنساني، فتشير إلى أن معطيات الميدان تفرض نفسها على إمكانية التوجه نحو معالجة النقاط المتحفَّظ عليها جنوباً.
وقالت برو لوكالة أنباء العالم العربي: «الجانب الإسرائيلي يريد انسحاب مقاتلي الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، وهو ما يرفضه الحزب، ونتنياهو، تحت ضغط من سكان مستوطنات الشمال، الذين نزحوا نتيجة ضربات «حزب الله». هذه الأجواء الصعبة قد تؤدي إلى فتح حرب أوسع أو إيجاد حل نهائي؛ لكن بالتأكيد من المستبعد العودة إلى المرحلة السابقة».
وأضافت: «كلّنا ندرك أن ما يحدث خلف الكواليس ليس بالضرورة ينعكس على الإعلام؛ فالتجارب التاريخية واضحة في حرب يوليو (تموز) 2006، إذ كان الهدف الإسرائيلي إنهاء (حزب الله)، ولكنّ هذا لم يحدث».
وتشير الباحثة القانونية إلى أن «تثبيت الحدود البريّة وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة قد يكون الحديث عنه مبكراً، ما دام (حزب الله) ربط الحديث عنه بوقف العدوان على غزة؛ ولكن إنْ فُتح النقاش حوله، فقد لا يكون مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل يتطلب تغييراً في الطرف المقابل، وهو ما بدأ يظهر من خلافات داخل الحكومة (الإسرائيلية) وإمكانية حلها بقرار داخلي أو ضغط أميركي».
وقالت: «لو وضعنا احتمال إتمام المعالجة الحدودية، فما الضمانات التي ستقدَّم لعدم خرقه (أي اتفاق لترسيم الحدود) مستقبلاً من إسرائيل؟ هذا السؤال المركزي يتطلب جواباً من الجانب الأميركي، ثم يبدأ النقاش اللبناني حول تسليح الجيش اللبناني ووضع سياسة دفاعية، لأن كثيراً من الفرقاء سيقولون إنه لا ضرورة لبقاء السلاح بيد (حزب الله) ما دام انتهى سبب وجوده. وبالتالي، نحن أمام مرحلة مختلفة على الصعيدين المحلي والإقليمي لسنوات مقبلة».