العاروري في عيون إسرائيل

المسؤول عن إعادة العلاقات مع إيران والسعي لإنهاء الانقسام الفلسطيني

العاروري في عيون إسرائيل
TT

العاروري في عيون إسرائيل

العاروري في عيون إسرائيل

رغم أن إسرائيل تعرف جيداً أن اغتيال نائب رئيس حركة «حماس»، صالح العاروري، مثل كل الاغتيالات التي قامت بها على مدار سنين وعقود مضت، لن يحقق لها مكاسب استراتيجية، وتجربتها تدل على أن كل من تغتاله سيحل محله قائد آخر يعبئ مكانه بجدارة، بل يفوق سلفه بدرجات، فإنها تعتبره إنجازاً كبيراً في الحرب، يصلح حتى أن يكون «صورة النصر». وهي تعتبر أن هذا الاغتيال يعتبر أهم عملية اغتيال قامت بها منذ اغتيال أحمد الجعبري، نائب القائد العام لـ«كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس» والقائد الفعلي لها على الأرض، في سنة 2012. بل إنها تعتبر اغتياله عملية تأخرت أكثر من اللازم، كونه عرف كيف يخدع إسرائيل ويؤذيها ويمس بمخططاتها.

في إسرائيل يعرفون العاروري جيداً، ليس فقط من خلال جمع المعلومات الاستخبارية حوله. فقد عايشوه من خلال نشاطاته منذ كان شاباً صغيراً، في قريته عارورة في الضفة الغربية، ثم لدى مشاركته في تأسيس حركة «حماس» وقيادة نشاطها في كلية الشريعة الإسلامية في الخليل في سنة 1985. ولكنها عرفته أكثر من خلال اعتقاله الطويل في سجونها، بدءاً من اعتقاله الإداري في الفترة الممتدة بين عامي (1990 ـ 1992)، ثم سجنه في عام 1992 بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام في الضفة الغربية والحكم عليه بالسجن 15 عاماً لدوره في تخطيط عمليات خطف وقتل إسرائيليين. ثم اعتقاله مجدداً في سنة 2007.

من «الحركة الأسيرة» إلى «حماس»

لقد رأوا فيه شخصية قيادية ذات رؤيا وطنية فلسطينية تتغلب على رؤيته الإسلامية، وبرز ذلك في نشاطه في قيادة «الحركة الأسيرة»، ورأوا أنه أقام تحالفات مع ممثلي الفصائل الأخرى، بمن فيها «فتح»، بخلاف يحيى السنوار، الذي يرون أنه كان على خصومة معه. ورأوا فيه تحيزاً للضفة الغربية، لدرجة أنه أقام كتائب الحركة في الضفة الغربية باسم مختلف هو «كتائب الشهيد عبد الله عزام»، لكي يميزها عن «كتائب الشهيد القسام» في قطاع غزة، وبعد تدخل الشيخ أحمد ياسين، تنازل عن التسمية المستقلة وقبل بوضعها تحت قيادة «القسام».

ولاحظ الإسرائيليون أيضاً أن العاروري يهتم بالمجتمع اليهودي، فتعلم داخل السجن اللغة العبرية، وقرأ العديد من الكتب العبرية، من خلال مبدأ «اعرف عدوك». وكان مزعجاً لمصلحة السجون من خلال الإضرابات العديدة التي قادها بهدف تحسين أوضاع وشروط اعتقال الأسرى، والتي رضخت فيها السلطات الإسرائيلية. لذلك، وافقت على «التخلص» منه في عام 2010، حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه وإبعاده خارج فلسطين.

فعلى الصعيد العسكري، نظم العاروري عمليات مسلحة كثيرة، واخترع طرق مقاومة جديدة، من ضمنها صناعة صواريخ في مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس، وصنع عبوات ناسفة ضخمة تتجرأ على تفجير وتدمير آليات إسرائيلية عند مهاجمة المخيمات، ونقل تجربة حفر الأنفاق تحت الأرض إلى المخيمات، وتجربة نصب الكمائن، ثم تطوير آليات للعمليات الفردية بأبسط الأدوات، من الطعن بالسكين إلى الدهس بالسيارات.

مهندس المصالحة مع إيران وسوريا

وعلى الصعيد السياسي، بادر إلى مصالحة مع إيران وسوريا و«حزب الله»، بعدما ساد خلاف طويل مع هذا المحور بسبب موقف «حماس» السلبي من ممارسات نظام الأسد خلال هبّة 2010. وكان يدفع نحو المصالحة الفلسطينية الداخلية إلى حد ما في الضفة الغربية، ويتعاون مع حركة «فتح» وغيرها من الفصائل.

الصحافي ناحوم بارنياع، كتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (الأربعاء) أن «صالح العاروري كسب عن حق مكانه في قائمة المرشحين للتصفية، حتى لو لم يكن مشاركاً شخصياً في تخطيط وتنفيذ المذبحة في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، فإن موجة الإرهاب الحماسية في الضفة مسجلة كلها على اسمه. وهو، مثل يحيى السنوار، زميله وخصمه في غزة، كان يعتمر قبعتين على رأسه: قبعة سياسية وقبعة عسكرية. وفي مهنتيه المتوازيتين، كان عدواً وحشياً وابن موت. وينبغي الافتراض أن جهاز الأمن فرح أمس في أعقاب تصفية العاروري. الفرحة مفهومة تماماً. قبل كل شيء، الحساب الدموي صفي: لا يوجد ما هو أكثر إنسانية، وأكثر طبيعية، من الرغبة في الثأر ممن هو مسؤول عن قتل عشرات، وربما مئات الإسرائيليين. ثانيا، علّمت التصفية قادة حماس أن الإعلانات على لسان محافل إسرائيلية عن استئناف التصفيات جدية وقابلة للتنفيذ. وثالثا، نصر الله بات يعرف الآن أنه حتى بعد ضربة 7 أكتوبر، تعرف إسرائيل كيف تدخل إليه في البيت، إلى قلب الضاحية الشيعية في بيروت».

وكتب طال ليف رام في «معاريف» أن «إسرائيل قصدت من التصفية في لبنان قيادة حماس، وكذلك توجيه رسالة إلى (حزب الله) ودولة لبنان، وبشكل غير مباشر، ربما أيضاً، لدول وقوى عظمى أخرى، بحيث تمارس ضغطاً مباشراً على حكومة لبنان، في محاولة قد تكون الأخيرة لكبح (حزب الله) من أن يجر لبنان الذي يعيش على أي حال في حالة فوضى سلطوية واقتصادية، إلى الحرب. ولكن تصفية شخصية رفيعة المستوى كالعاروري كانت أيضاً ذات معنى عملياتي بالنسبة لإسرائيل في كل ما يتعلق بالإرهاب في الضفة. فعدا الحساب الطويل جداً لإسرائيل مع العاروري ومع مسؤولين آخرين ذوي أهمية بالنسبة لقدرة (حماس) العسكرية في الضفة وغزة على حد سواء، فإن العاروري، كرئيس للذراع العسكرية لحماس في الضفة، هو ذو أهمية خاصة. فقد عرف كيف يربط جيداً بين معرفته الطويلة للضفة وإسرائيل، وبين خلق ارتباطات مع قيادة الحرس الثوري الإيراني و(حزب الله)، لغرض توثيق التعاون».

وكتب يوآف ليمور، المعلق العسكري في صحيفة «يسرائيل هيوم»، إن «تصفية صالح العاروري هي إنجاز عملياتي مبهر، في وقت الحرب، لكنها تزيد الخطر من توسيع المعركة بين إسرائيل و(حزب الله) أيضاً. لقد كان العاروري عنصراً هاماً في حماس، ماضيه مليء بإرسال مخربين لعمليات إرهابية، وإن لم يكن ينفذ بنفسه العمليات. وقد أعلن مسؤولون كبار في إسرائيل غير مرة في الماضي أن العاروري هو (ابن موت). ولكن بعد هجمة 7 أكتوبر أصبح هدفاً للتصفية، إلى جانب رفاقه في قيادة حماس في غزة وفي الخارج. ومع أن هذه هي الضربة الأشد لحماس منذ سنين طويلة، فإن هذه المرة كانت المراهنة أعلى بكثير، إذ إنها تطرح السؤال: هل سيرى (حزب الله) في العملية الذريعة لبدء معركة شاملة تخرج عن مجال المناوشة المتواصلة منذ نحو تسعين يوماً؟».


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

المشرق العربي مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها؛ لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».