لبنان يتقدم بمهمة توحيد سعر صرف الليرة

التدابير النقدية تصدر بعد إقرار الموازنة

المقر الرئيسي لمصرف لبنان (أ.ف.ب)
المقر الرئيسي لمصرف لبنان (أ.ف.ب)
TT
20

لبنان يتقدم بمهمة توحيد سعر صرف الليرة

المقر الرئيسي لمصرف لبنان (أ.ف.ب)
المقر الرئيسي لمصرف لبنان (أ.ف.ب)

حقّق لبنان تقدماً مشهوداً في المهمة الصعبة لمعاودة اعتماد سعر صرف موحّد للعملة الوطنية، بما يفضي إلى الخروج المتدرج من الشبكة المعقدة لعمليات التسعير وفوارقها الجسيمة بين حدي السعر الرسمي الساري منذ أول فبراير (شباط) الماضي، البالغ 15 ألف ليرة للدولار الواحد، وبين السعر الواقعي والطاغي على معظم المعاملات النقدية والسوقية، بواقع 90 ألف ليرة لكل دولار.

وتترقب الأوساط المصرفية والمالية، كما أسواق المبادلات لدى شركات ومحلات الصرافة التي استعادت مركزية إدارة عمليات العرض والطلب، بلوغ المحطة الفاصلة للسعر «الموحّد»، بنهاية الشهر الأول من العام المقبل، باعتباره التاريخ الأقصى لإقرار مشروع قانون موازنة عام 2024، سواء عبر الهيئة العامة للمجلس النيابي أو عبر مرسوم تنفيذي نافذ تلجأ إليه الحكومة، كخيار قانوني متاح، توخياً لتسيير إدارة المال العام بمنأى عن القاعدة الاثني عشرية ذات الطابع الاستثنائي، التي تفرض مندرجات موازنة العام الأسبق.

وتشكل معطيات الموازنة مرتكزاً حيوياً في تحديد سعر الصرف الجديد، كونها تفرض السعر السوقي في جباية موارد الخزينة، وبما يشمل كامل منظومات الرسوم والضرائب. كما تتيح في أحد بنودها إمكانية السداد من مخزون الودائع المصرفية بما يوازي نصف السعر السوقي، أي بما يماثل السعر الرسمي الساري حالياً على حصص السحوبات المتاحة للمودعين، والمحددة بسقف 1600 دولار شهرياً يتم صرفها بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار.

وتؤكد حاكمية البنك المركزي أن الربط بين إقرار الموازنة واعتماد سعر صرف جديد يتصف بالموضوعية وبالتزام الضوابط السوقية المنشودة. وبالتالي لا يمكن تكرار سياسات الخطوات المنفردة التي أنتجت فوضى نقدية عارمة عقب انفجار الأزمة المالية التي دخلت للتو عامها الخامس.

ورغم استبدال منصة «بلومبرغ» المنشودة بإدارة مؤسسة دولية ووفق القواعد السوقية، بمنصة «صيرفة» للمبادلات النقدية التي يديرها البنك المركزي، فقد استبقت الحاكمية، بعيد منتصف الشهر الحالي، إقرار الموازنة برفع السعر المرجعي المعتمد عبر المنصة السابقة من 85.5 ألف ليرة إلى 89.5 ألف ليرة، على أن يجري تطبيقه على صرف رواتب القطاع العام بدءاً من الشهر الأول للعام المقبل.

بذلك، يتساوى السعر الجديد لصرف الرواتب، مع مثيله السائد لدى الصرافين. وهو ما يشكّل خطوة نحو تلبية أحد المطالب الإصلاحيّة التي اقترحها صندوق النقد الدولي والمتعلّقة بتوحيد سعر الصرف. وفي حين سيحقق هذا التدبير وفراً جزئياً على المالية العامة ربطاً بتضمينه «حسماً» بقيمة 4 آلاف ليرة لكل دولار من رواتب القطاع العام، فإنه سيؤدّي بالتوازي إلى زيادات موازية في حصيلة الضرائب وفي فواتير السلع الخدماتيّة كالكهرباء والاتصالات.

استطراداً، تبلّغت «الشرق الأوسط» من مصادر مصرفية، أن تدبير احتساب سعر السحوبات من الودائع بواقع 15 ألف ليرة للدولار، سيظل سارياً وضمنياً في الشهر المقبل رغم انتهاء المهلة المحددة، بنهاية العام الحالي للتعميم الخاص الصادر عن البنك المركزي، الذي يحمل الرقم 151، بينما تنحو التوقعات إلى اعتماد سعر المنصة المعدّل، أي 89.5 ليرة، بدءاً من أول فبراير (شباط) المقبل في حال إقرار الموازنة، سواء بالتشريع أو بصدور مرسوم من قبل مجلس الوزراء.

وبهدف الحؤول دون الانزلاق مجدداً إلى تضخيم الكتلة النقدية بالليرة وما ستعكسه تلقائياً من معاودة تحفيز المضاربات النقدية وارتفاع سعر الدولار جراء زيادة حجم الطلب، يرتقب أن يعمد البنك المركزي إلى خفض سقوف السحوبات المتاحة شهرياً من 1600 دولار إلى نحو 300 دولار، أي بما يوازي نحو 27 مليون ليرة.

ومن شأن هذا التدبير أن يحقق مبدأ المساواة نسبياً بين المودعين، قياساً بنحو مائة ألف مستفيد من تطبيقات التعميم رقم 158، الذي يتيح الحصول على 400 دولار شهرياً للمنضوين سابقاً و300 دولار نقداً للجدد من طالبي شمولهم بالاستفادة.

أما الأهم في نتائج التدبيرين، حسب المصادر المصرفية، فيكمن في محاكاة عدالة إعادة الحقوق، ولو بالتدرج الطويل الآجال، إنما من دون أي اقتطاع لصالح نحو 1.4 مليون حساب إدخاري لا تزال قيودهم عالقة في البنوك. وذلك بعدما لحقت خسائر جسيمة بكل الحسابات التي كانت تتعدى المليونين، لا سيما بينها المحررة بالليرة، خلال السنوات الماضية، ولا تزال المعاناة مستمرة فصولاً في التقنين القاسي للإيفاء بحقوق متوجبة.

ورغم إقرارها المبكر في مذكرة رسمية، بأن «نظام الصرف الحالي لم يَعُد مستداماً»، فإن الحكومة فشلت واقعياً في إقرار بدائل ناجعة، بل واصلت الصرف من مخزون الاحتياطات بالعملات الصعبة، وألقت بأثقال المهام على البنك المركزي، لتكتفي بتوصيف «الحاجة إلى إنشاء هيكل نقدي جديد لاستعادة الثقة وكبح جماح التضخم وانخفاض سعر الصرف».

وسبق أن ورد في الاقتراحات الحكومية «الورقية» والمنسقة مع خبراء صندوق الدولي وجوب فرض تدابير مؤقتة لإدارة تدفقات رأس المال لتجنب استمرار خروج رأس المال. وهو الأمر الذي أثقل كاهل المصارف وسعر الصرف بضغوط لا تُحتمل. بينما يستمر مصير مشروع قانون وضع ضوابط استثنائية على الرساميل (كابيتال كونترول) مجهولاً وقيد التمادي بالمماطلة، رغم أولويته في إنشاء مظلة قانونية تشرع عمل المصارف بموجب تدابير مؤقتة لإدارة رأس المال وتطبيق قيود على سحب الودائع.

وتستلزم هذه القيود، وفقاً لـ«الرؤية» الحكومية، إعادة نظر وتقييم تبعاً لتطور الظروف، ويكون تخفيفها التدريجي مرهوناً بتحسن ميزان المدفوعات والسلامة المالية للمصارف. وعلى وجه الخصوص، يجري اعتماد تقييم حدود سحب الودائع، على مستوى سيولة القطاع المالي تبعاً للتطورات المستقبلية بما يضمن إمكانية الالتزام بتلك الحدود بمرور الوقت.


مقالات ذات صلة

قاضٍ لبناني يحيل رياض سلامة إلى المحكمة بتهمة «اختلاس 44 مليون دولار»

المشرق العربي محتجون يحملون لافتات لدعم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خارج قصر العدل في بيروت سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

قاضٍ لبناني يحيل رياض سلامة إلى المحكمة بتهمة «اختلاس 44 مليون دولار»

أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي قراره الظنّي في القضية، بجرم «اختلاس مبلغ 44 مليون دولار من أموال البنك المركزي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو خلال لقائه مع الرئيس اللبناني جوزيف عون الشهر الماضي (الرئاسة اللبنانية)

لبنان يعزّز «الاستجابة» لشروط صندوق النقد الدولي

تظهر الحكومة اللبنانية استجابة لموجبات الإصلاحات الهيكلية، تحضيراً لمفاوضات مفصلية يخوضها الوفد الرسمي المشارك في «اجتماعات الربيع» للبنك وصندوق النقد الدوليين.

علي زين الدين (بيروت)
الاقتصاد حاكم مصرف لبنان المركزي الجديد كريم سعيد (رويترز)

حاكم مصرف لبنان يدعو لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

أكد كريم سعيد حاكم مصرف لبنان المركزي المعين حديثا أن على المصرف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص مصرف لبنان المركزي في منطقة الحمرا (الشرق الأوسط)

خاص تحديات قديمة لحاكم مصرف لبنان الجديد

يواجه الحاكم الجديد لمصرف لبنان المركزي كريم سعيد، لائحة طويلة من الاستحقاقات التي يؤدي تنفيذها إلى إعادة الحياة لاقتصاد لبنان.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد استحقاقات داهمة تواجه الحاكم الجديد لـ«المركزي اللبناني»

استحقاقات داهمة تواجه الحاكم الجديد لـ«المركزي اللبناني»

بلغ استحقاق تعيين الحاكم الجديد لمصرف لبنان المركزي محطته الأخيرة والحاسمة، عقب مبادرة وزير المال ياسين جابر، إلى طرح 3 أسماء لتولي المنصب.

علي زين الدين (بيروت)

«تسجيل مفبرك» يطلق توترات طائفية في سوريا


انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)
انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)
TT
20

«تسجيل مفبرك» يطلق توترات طائفية في سوريا


انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)
انتشار قوات أمن سورية في دمشق أمس عقب اشتباكات طائفية خلّفت عدداً من القتلى (أ.ف.ب)

تسبّب تسجيل صوتي مفبرك، منسوب لأحد مشايخ الدروز في سوريا، وتضمّن إساءات للإسلام، بمقتل ما لا يقل عن 12 شخصاً في اشتباكات بين مسلحين من جرمانا بريف دمشق الجنوبي وأهالي بلدة مجاورة.

وشهد التحريض الطائفي في سوريا تصاعداً خطيراً خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، أدّى إلى اشتعال اشتباكات بمحيط جرمانا، استُخدمت فيها قذائف «الهاون»، وامتدت إلى مناطق يتركز فيها أبناء الطائفة الدرزية. ورصدت «الشرق الأوسط» الوضع في جرمانا، ولاحظت عودة الهدوء إلى محيطها أمس.

وقال المسؤول الإعلامي في وزارة الداخلية إن من بين القتلى اثنين من عناصر جهاز الأمن العام السوري. وشدّدت وزارة الداخلية، في بيان، على أهمية «الالتزام بالنظام العام، وعدم الانجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية». وقالت إنها باشرت تحقيقات مكثفة، تتعلق بالتسجيل الصوتي، وتبين من خلال التحريات الأولية أن الشخص الذي وُجه إليه الاتهام لم تثبت نسبة الصوت إليه»، وأن العمل جارٍ لتحديد «هوية صاحب الصوت ليقدَّم إلى العدالة».

وأفاد بيان صادر عن أهالي جرمانا بأن تحريضاً طائفياً «سبق هذه الجريمة»، محذراً من «الانجرار خلف دعوات الفتنة التي لا تخدم إلا أعداء سوريا ووحدتها».