التصعيد الجوي الإسرائيلي يعيد التذكير بقصف المنازل في حرب 2006

المقاتلات تحلق فوق بيروت والشمال... و«حزب الله» يستهدف مركز قيادة بمسيّرات

دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)
دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)
TT

التصعيد الجوي الإسرائيلي يعيد التذكير بقصف المنازل في حرب 2006

دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)
دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)

أعادت الغارات الجوية الإسرائيلية المتزامنة على مناطق في جنوب لبنان التذكير بوتيرة المعارك التي شهدها الجنوب في حرب عام 2006، وذلك في أعنف تصعيد تشهده المنطقة منذ شهرين، بموازاة استخدام «حزب الله» طائرة مسيّرة مفخخة انفجرت في موقع قيادة إسرائيلي على بعد كيلومترين من المنطقة الحدودية، فيما حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق بيروت وشمال لبنان.

ولم تشهد المنطقة الحدودية قصفاً جوياً مكثفاً منذ بداية الحرب في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شبيهاً بما شهدته الأحد، حيث دوت انفجارات عنيفة في المنطقة الحدودية الواقعة بين بلدتي يارون وكونين ومدينة بنت جبيل على جولتين متقاربتين، تبين أنها ناتجة عن غارات جوية. ووثق مقطع فيديو نشره ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، نحو 6 غارات جوية في وقت واحد استهدفت مناطق مفتوحة مكسوة بالغطاء الحرجي في المنطقة.

وبعد أقل من ساعتين، استهدفت غارات جوية حياً سكنياً في بلدة عيترون الحدودية أدت إلى تدمير عدة منازل وتضرر منازل أخرى، وقضت على مربع سكني بالكامل، فيما هرعت طواقم الإسعاف إلى المكان، حيث تم انتشال 4 جرحى من الحي، حسبما أفادت مصادر ميدانية، في وقت حلقت مقاتلات إسرائيلية على علو متوسط ومرتفع فوق بيروت والضاحية الجنوبية وجبل لبنان، ووصلت إلى شماله.

وقالت مصادر ميدانية في الجنوب لـ«الشرق الأوسط»، إن وتيرة القصف الجوي «هي الأعنف منذ بدء الحرب في الجنوب»، موضحة أنه في الأيام العشرة السابقة التي تكثف فيها القصف، «اعتمدت فيها القوات الإسرائيلية على القصف المدفعي والغارات بالمسيرات، بينما كانت تقع غارات جوية ضخمة في أوقات ومناطق متباعدة».

وقالت المصادر إن ما تبدل يوم الأحد أن «وتيرة القصف في القطاع الأوسط كانت الأعنف، واعتمدت فيها إسرائيل على الغارات الجوية بشكل أساسي، بما يعيد إلى الأذهان مشاهد وتطورات حرب عام 2006»، حيث كانت الغارات الجوية أساس الحملة العسكرية في الحرب، واستهدفت فيها المنازل والأحياء السكنية بشكل مكثف في الجنوب والضاحية.

دخان غارة إسرائيلية على بلدة يارون الحدودية (أ.ب)

وبدا من سياق القصف أن الجيش الإسرائيلي وسّع مساحة الغطاء الناري، خصوصاً في القطاع الأوسط، حيث لم يخلُ يوماً من عمليات عسكرية لـ«حزب الله» في المنطقة باتجاه مواقع إسرائيلية محاذية، وانتقل الجيش الإسرائيلي من استهداف المناطق المفتوحة في الحدود إلى المنازل والأحياء السكنية. وتكرر استهداف المواقع المأهولة بالغارات الجوية خلال الأيام الماضية، حيث يأتي استهداف الحي السكني في عيترون بعد ثلاثة أيام على استهداف مماثل في عيتا الشعب. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن هذه الغارات على عيترون «تسببت بتدمير حي كامل في بلدة عيترون، حيث سويت العديد من المنازل الآمنة بالأرض، وتضرر عدد كبير آخر وحضرت إلى المكان طواقم إغاثة».

«حزب الله» يوسع أهدافه

في المقابل، وسّع «حزب الله» مروحة أهدافه، حيث أعلن عن هجوم جوي بطائرات ‏مسيرة انقضاضية على مقر قيادة مستحدث للجيش الإسرائيلي في القطاع الغربي جنوب ‏ثكنة يعرا، وقال إن المسيرات «أصابت أهدافها بدقة وأوقعت إصابات مؤكدة في صفوف العدو»، حسبما جاء في البيان.

وقال الجيش الإسرائيلي بدوره، إن «أهدافاً جوية مشبوهة» عبرت من لبنان، وتم اعتراض اثنين منها. وأضاف أن جنديين إسرائيليين أصيبا بجروح متوسطة، فيما أصيب عدد آخر بجروح طفيفة جراء الشظايا واستنشاق الدخان.

وذكر أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية نفذت «سلسلة واسعة من الضربات على أهداف إرهابية لـ(حزب الله) في الأراضي اللبنانية». وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن نقل مصابين بالمروحيات من المنطقة، من غير الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

وتحدثت وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» عن أن «حزب الله» قام «بمشاغلة الاحتلال في عدة نقاط قبل الهجوم بالمسيّرات على ثكنة يعرا بهدف تعطيل دفاعاته الجوية في القطاع الغربي قبل إطلاق المسيّرات»، وقال إن ثكنة يعرا «تبعد 2 كلم عن الحدود اللبنانية واستهدفتها المقاومة اليوم للمرة الأولى»، في إشارة إلى تحديث الحزب معلوماته الاستخبارية من الداخل الإسرائيلي.

وأعلن الحزب في بيانات منفصلة عن عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في القطاعين الشرقي والغربي، في حين تفعلت القبة الحديدية مساء في محاولة لاعتراض وابل من الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل في القطاع الغربي عند الحدود. كما أعلن تدميره «دشمة في موقع العباد يتحصن فيها جنود العدو الإسرائيلي وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة بين قتيل وجريح»، ولاحقاً استهدافه «تجمعاً لجنود العدو الإسرائيلي في قلعة هونين (قرية هونين اللبنانية المحتلة) ‏بالأسلحة المناسبة وحقّقوا فيه إصابات مباشرة».

ولم تهدأ المدفعية الإسرائيلية منذ الصباح، حيث قصفت أطراف بلدات الفرديس وكفر شوبا وحلتا وحولا ومحيبيب وعيترون ومارون الراس ويارون في القطاعين الشرقي والأوسط، ومن بينها استهداف منزل في ​كفر كلا​ بقذيفتَين إسرائيليّتَين، وإطلاق رشقات نارية غزيرة باتجاه البلدة. وبالتزامن أفيد عن قصف أطراف علما الشعب ورميش والناقورة في القطاع الغربي. وتحدث صحافيون في رميش عن سقوط 5 قذائف في أحراج ملاصقة لفندق يقيم فيه الصحافيون في المنطقة، بينما قال القس طوني إلياس لـ«رويترز» إن الضربات الجوية حطمت نوافذ منازل ومتاجر ومدرسة في قرية رميش. كما أطلقت مسيرة صاروخاً استهدف جوار مسجد بلدة مروحين. وأفادت «الوطنية» بسقوط بقايا صاروخ اعتراضي إسرائيلي قرب مركز اليونيفيل في الناقورة.

«حزب الله» يرفض مطالب إسرائيل

بموازاة التصعيد العسكري، رفض «حزب الله» النقاشات والرسائل الدولية التي تصل إلى لبنان، وتطالب بإبعاد الحزب من المنطقة الحدودية إلى منطقة شمال الليطاني وتطبيق القرار 1701.

ورأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ علي دعموش، أن «العدو الإسرائيلي ليس في موقع من يفرض إرادته على لبنان». وأضاف: «تهديد نتنياهو ووزير حربه للبنان هو تهديد فارغ لا قيمة له، فالعدو يعرف تماماً أننا لا نعبأ بالتهديد والتهويل». وقال إن «المقاومة ستواصل استنزافها للعدو، ولن تتوقف ما لم يتوقف العدوان على غزة ولبنان». وأضاف: «الاعتداءات التي يقوم بها العدو بالغارات والمسيرات والقصف على القرى والبلدات ليست بلا رد، فرد المقاومة قوي ومحكم ودقيق ومؤلم، ولم تبق المقاومة للعدو مكاناً أو موقعاً عسكرياً آمناً على امتداد الحدود اللبنانية الفلسطينية، وهي تحقق إنجازات، وتجبر العدو على دفع أثمان كبيرة، ولن تسمح بتغيير المعادلات أو المس بالسيادة اللبنانية أو بتحقيق أي مكسب لإسرائيل على حساب المقاومة أو على حساب السيادة الوطنية».

صورة وزعها «حزب الله» للنائب حسن فضل الله يتفقد موقع غارة في عيتا الشعب الحدودية (رويترز)

وتكرر الموقف على لسان عضو كتلة الحزب النيابية (الوفاء للمقاومة) النائب حسن فضل الله، أثناء جولة في المنطقة الحدودية، الأحد، حيث قال: «يحاول العدو التسلل بتسريب أحلام بعض الواهمين حول خطوات في المستقبل تتعلق بالوضع في الجنوب ويطلق قادته تهديدات، وهذا كله سيبقى في دائرة الوهم الذي يغرق به العدو ومن هو صدى لتمنياته، فنحن اليوم أمام فشل كبير لجيش الاحتلال في الميدان، سواء في غزة أو الجنوب، وهو أصيب في الصميم وكثرة كلام قادته لا تعيد له الهيبة، بل هي دليل إضافي على تحوله إلى آلة دعائية كاذبة تفضح زيفها الوقائع العسكرية اليومية، ولذلك بدل أن يكثروا من التهديدات الفارغة يخلصون من فشلهم العسكري في غزة أو يوقفون هلع جيشهم على حدودنا».


مقالات ذات صلة

إيران تفاوض مباشرة بـ«الورقة اللبنانية» بعد تضعضع حلفائها

المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (أ.ف.ب)

إيران تفاوض مباشرة بـ«الورقة اللبنانية» بعد تضعضع حلفائها

يحرص المسؤولون الإيرانيون في الفترة الأخيرة على بعث رسائل للداخل والدول المعنية بأن إيران ممسكة بالملف اللبناني.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي سحب الدخان تتصاعد من مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية إثر تعرضها للقصف (أ.ب)

غارات إسرائيلية على مناطق جنوبي بيروت بعد إنذارات إخلاء جديدة

استهدفت غارتين إسرائيليتين مناطق في جنوب بيروت، الخميس، بعد نحو ساعة من تحذير الجيش الإسرائيلي لسكان أربعة أحياء في معقل حزب الله بضرورة إخلاء مبان محددة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان لدى استقباله كلير لوجندر في الرياض (واس)

اجتماع سعودي - فرنسي يبحث مستجدات غزة ولبنان

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع كلير لوجندر مستشارة الرئيس الفرنسي للشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، التطورات في قطاع غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي نعيم قاسم الأمين العام لـ«حزب الله» (لقطة من فيديو لكلمته)

نعيم قاسم: نتنياهو لديه مشروع يتخطى غزة ولبنان إلى الشرق الأوسط

قال نعيم قاسم الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، الأربعاء، إنه «لم يعد مهماً كيف بدأت الحرب، وما الذرائع التي سببتها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة بالأقمار الاصطناعية لقرية عيتا الشعب في جنوب لبنان - 24 أكتوبر 2024 (أ.ب)

إسرائيل مسحت 29 بلدة لبنانية من الخريطة

واصلت إسرائيل مسح قرى لبنانية حدودية من الخريطة، بتفخيخها وتفجيرها، في حين تشير التقديرات الأولية للخسائر الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان إلى ما يقارب.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)

إسرائيل تختبر دفاعات «عاصمة الحدود» اللبنانية

مشيّعون يقرأون الفاتحة على أرواح 16 شخصاً قُتلوا بغارة إسرائيلية على بلدة برجا قُبيل مراسم الجنازة في مدينة صور جنوب لبنان أمس (إ.ب.أ)
مشيّعون يقرأون الفاتحة على أرواح 16 شخصاً قُتلوا بغارة إسرائيلية على بلدة برجا قُبيل مراسم الجنازة في مدينة صور جنوب لبنان أمس (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تختبر دفاعات «عاصمة الحدود» اللبنانية

مشيّعون يقرأون الفاتحة على أرواح 16 شخصاً قُتلوا بغارة إسرائيلية على بلدة برجا قُبيل مراسم الجنازة في مدينة صور جنوب لبنان أمس (إ.ب.أ)
مشيّعون يقرأون الفاتحة على أرواح 16 شخصاً قُتلوا بغارة إسرائيلية على بلدة برجا قُبيل مراسم الجنازة في مدينة صور جنوب لبنان أمس (إ.ب.أ)

اختبرت القوات الإسرائيلية على مدى الأيام الماضية، دفاعات «حزب الله» في محيط مدينة بنت جبيل التي تعرف بأنها «عاصمة الحدود»، وأكبر المدن الحدودية في جنوب لبنان، في محاولة لنقل المعركة إلى المدينة بعد فشل التوغل في مدينة الخيام خلال اليومين الماضيين، وذلك في ظل مراوحة في العملية البرية، حولتها إلى «حرب استنزاف» وتراشق صاروخي، بعد أربعة أسابيع على انطلاقها.

ونفذت مجموعات إسرائيلية محاولتي تسلل، إحداها سلكت طريقاً بين يارون ومارون الراس من الجهة الشرقية، بينما حاولت الثانية أن تسلك الطريق الممتد في الحدود بين رميش وعين إبل، وصولاً إلى الأطراف الجنوبية لبنت جبيل. وبدت «كمجموعات استطلاع ومناورة، لكنها لم تدخل إلى أحياء بنت جبيل»، حسبما قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط».

وجاءت تلك المحاولات في أعقاب مراوحة في المعركة البرية. وقالت المصادر إن المعركة «تحوّلت إلى حرب استنزاف، حيث لم تطرأ أي تغيرات على خريطتها منذ أسبوعين، فيما تدخل القوات الإسرائيلية إلى القرى الحدودية مجموعات هندسة، تفخخ المنازل والأحياء، وتفجرها في اليوم التالي».

وتمضي إسرائيل بمواصلة قصفها الجوي الموسع في العمق اللبناني، الذي أسفر عن خسائر بلغت ضعفي خسائر حرب يوليو (تموز) 2006، لناحية الأعداد البشرية التي فاقت الثلاثة آلاف، والتدمير الذي فاق 35 ألف وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل، فضلاً عن خسائر تفوق الـ10 ملايين دولار.