إسرائيل تواصل قصف غزة... وسقوط عشرات القتلى والجرحى

أشخاص يقفون بالقرب من جثث الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الغارات الإسرائيلية على مدرسة بشرق خان يونس (رويترز)
أشخاص يقفون بالقرب من جثث الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الغارات الإسرائيلية على مدرسة بشرق خان يونس (رويترز)
TT

إسرائيل تواصل قصف غزة... وسقوط عشرات القتلى والجرحى

أشخاص يقفون بالقرب من جثث الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الغارات الإسرائيلية على مدرسة بشرق خان يونس (رويترز)
أشخاص يقفون بالقرب من جثث الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الغارات الإسرائيلية على مدرسة بشرق خان يونس (رويترز)

واصلت القوات الإسرائيلية ضرباتها في قطاع غزة خلال الليل حتى فجر اليوم (الأربعاء)، بينما تحدثت وسائل إعلام فلسطينية عن سقوط عشرات بين قتيل وجريح، في قصف مكثف على شمال ووسط وجنوب القطاع، وفقاً لـ«وكالة أنباء العالم العربي».

وأفادت «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية» بمقتل 6 أشخاص وإصابة آخرين في قصف على منزلين بمخيم النصيرات وسط القطاع، بينما تحدثت وكالة «فلسطين اليوم» الإخبارية عن مقتل 7 أشخاص في قصف إسرائيلي على منزل بمخيم النصيرات.

أيضاً، ذكرت «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية» أن 3 أشخاص قُتلوا، وآخرين أصيبوا، في غارة جوية على منزل في المخيم الغربي بخان يونس.

فلسطينيون يبحثون عن جثث وناجين بين أنقاض منزل مدمر جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على دير البلح جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأشارت الوكالة الفلسطينية إلى تواصل القصف المدفعي على أحياء التفاح والدرج والشجاعية في مدينة غزة، وعلى شرقي خان يونس والفخاري وخزاعة وعبسان، بينما قالت إن القوات الإسرائيلية أطلقت وابلاً من القنابل الفسفورية والدخانية باتجاه وسط مخيم جباليا شمالي القطاع.

ونقلت الوكالة عن مصادر في الدفاع المدني أن عدداً كبيراً من القتلى والجرحى «دُفنوا تحت الأنقاض وسط صعوبات انتشالهم»، مشيرة إلى ارتفاع حصيلة القتلى في القطاع منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) إلى نحو 16 ألفاً و250 قتيلاً، بينهم أكثر من 1240 قتيلاً منذ انتهاء الهدنة الإنسانية المؤقتة.

كما أشارت الوكالة الفلسطينية إلى اعتقال القوات الإسرائيلية 35 من العاملين في المجال الطبي.

من جهة أخرى، نقلت إذاعة «صوت فلسطين» عن وزارة الصحة الفلسطينية القول إن القوات الإسرائيلية لم تتوقف عن قصف محيط مستشفى «كمال عدوان» ومخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وتحدثت عن نحو 70 قذيفة مدفعية أُطلقت باتجاه المستشفى الليلة الماضية.

قتيلان في الضفة

في الضفة الغربية، أفاد التلفزيون الفلسطيني بمقتل شخصين برصاص القوات الإسرائيلية، أحدهما من بلدة طمون والآخر من مخيم الفارعة، التابعين لمحافظة طوباس شمال الضفة.

في غضون ذلك، أفادت الوكالة الفلسطينية بانسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة جنين ومخيمها، بعد 9 ساعات من بدء عملية هناك اعتقلت خلالها 18 شخصاً.

وقالت الوكالة إن 7 فلسطينيين، بينهم سيدة وطفلة، أصيبوا برصاص القوات التي كانت مدعومة بأكثر من 40 آلية عسكرية وجرافات.

وأوضحت أن القوات انتشرت خلال التوغل في حي الزهراء ودوار الداخلية، وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، وشنت حملة مداهمات واسعة في المدينة ومخيمها، وحوّلت عدداً من المنازل إلى نقاط عسكرية.

وقالت إن القوات قصفت منزلاً بمنطقة الساحة في مخيم جنين بصاروخ، ما أدى إلى اشتعال النيران وإلحاق أضرار جسيمة بالمنزل. وذكرت أن التيار الكهربائي انقطع عن أحياء من مدينة جنين بعد استهداف القوات محولات الكهرباء بالرصاص.

متظاهرون فلسطينيون يهربون من الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته القوات الإسرائيلية خلال اشتباكات بالقرب من مدينة رام الله بالضفة (أ.ب)

إسرائيل تلغي تأشيرة المنسقة الأممية

وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في رسالة نشرها عبر منصة «إكس» اليوم، أنه قرر إلغاء تأشيرة إقامة المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية لين هاستينغز، بسبب ما قال إنه عدم إدانتها حركة «حماس».

وقال كوهين: «لا يمكن لشخص لم يدن (حماس) على المذبحة الوحشية التي قُتل فيها 1200 إسرائيلي، وعلى خطف الأطفال وكبار السن، وعلى الانتهاكات المروعة، واستخدام سكان غزة دروعاً بشرية، وبدلاً من ذلك يدين إسرائيل... أن يعمل في الأمم المتحدة؛ ولا يمكنه دخول إسرائيل».

من جهتها، اعتبرت حركة «حماس» في بيان أن إلغاء إقامة المنسّقة الأممية جاء «بسبب رفضها تبني رواية الاحتلال الكاذبة ضد حركة (حماس)».

ووصفت الحركة هذا الإجراء بأنه «استمرار لنهج الغطرسة والنظرة الاستعلائية للصهاينة الذين يحاولون فرض روايتهم المضلّلة والمكذوبة، للتغطية على حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يرتكبونها ضد شعبنا الفلسطيني».

ودعت الحركة المجتمع الدولي إلى «موقف حازم ضد سياسة الابتزاز الصهيونية، وعدم احترامها للهياكل والشخصيات الأممية».

يأتي هذا في الوقت الذي حذرت فيه منظمة «أطباء بلا حدود» من أن كميات الوقود والإمدادات الطبية في مستشفى «الأقصى» بالمنطقة الوسطى من قطاع غزة وصلت إلى مستويات منخفضة للغاية بسبب إغلاق الطرق.

وقالت المنظمة إن مئات المرضى في المستشفى يحتاجون رعاية طارئة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، مشيرة إلى أن المستشفى يستقبل في المتوسط ما بين 150 و200 جريح بسبب الحرب يومياً، منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

ونقلت المنظمة عبر منصة «إكس» عن منسقة الطوارئ ماري ريفيال القول إن 700 مريض وصلوا إلى مستشفى «الأقصى» وإن مرضى جدد يصلون طوال الوقت، والإمدادات الأساسية لعلاجهم نفدت.

وحذرت من أن نقص الأدوية والوقود قد يؤدي إلى عدم قدرة المستشفى على توفير العمليات الجراحية المنقذة للحياة أو العناية المركزة، مؤكدة ضرورة تسهيل وصول الإمدادات الإنسانية.

وقالت إن المستشفى يحتاج بشكل عاجل لأدوات جراحية؛ كما أكدت ضرورة رفع الحصار عن غزة وتوفير الإمدادات والمساعدات الإنسانية الطبية بشكل عاجل إلى القطاع كله.

الدخان يتصاعد جراء القصف الإسرائيلي وسط المعارك المستمرة في غزة (أ.ف.ب)

لا مفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين

من جانبه، نفى باسم نعيم، عضو مكتب العلاقات الدولية بحركة «حماس»، وجود أي مفاوضات أو مباحثات بشأن إطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة في الوقت الحالي.

وقال نعيم في تصريحات لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن «إسرائيل لن تحصل على أي شيء إلا بشروط المقاومة، وبشروط الشعب الفلسطيني».

وبينما اعتبر أنه لم تبقَ هناك أي مساحة أو هامش للتفاوض، قال نعيم: «لدينا أسرى في السجون الإسرائيلية، ولن يتم إطلاق سراح الرهائن لدينا؛ خصوصاً الجنود، إلا إذا تم إطلاق سراح أسرانا بالكامل».

وأضاف: «(حماس) قدمت عرضاً للإفراج عن الكل مقابل الكل، وما زال العرض قائماً؛ لكن لا يمكن التفاوض تحت القصف».

في المقابل، قالت شبكة «سي إن إن» الأميركية اليوم، إن مسؤولين أميركيين يتوقعون أن تستمر المرحلة الحالية من العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة عدة أسابيع، قبل انحسار كثافتها والتركيز على مسلحي وقيادات حركة «حماس» في وقت لاحق، من المحتمل أن يكون بحلول يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكنها نقلت عن مسؤول في الإدارة الأميركية، وصفته بالبارز دون ذكر اسمه، أن الإدارة الأميركية لديها مخاوف بشأن ما ستتكشف عنه العملية الإسرائيلية في الأسابيع القادمة.

ونقلت الشبكة عن عدة مسؤولين في الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة حذرت إسرائيل في مناقشات وصفتها بالصعبة والمباشرة من أنها «لا يمكنها تكرار التكتيكات المدمرة التي استخدمتها في الشمال (في شمال قطاع غزة) وأنها يجب أن تفعل المزيد من أجل الحد من سقوط قتلى في صفوف المدنيين».

وأضافت أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بأن الرأي العام العالمي أصبح يعارض بشكل متزايد عمليتها التي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، وأن الوقت الذي يمكن لها أن تستمر خلاله على النحو الذي تمضي عليه حالياً «مع المحافظة على دعم دولي مؤثر» يتقلص بسرعة.

ونقلت الشبكة عن مسؤول أميركي وصفته بالبارز أن هدف إسرائيل المعلن، والمتمثل في إضعاف حركة «حماس» إلى الدرجة التي تجعلها غير قادرة على تكرار هجوم السابع من أكتوبر أبداً: «من غير المرجح أن يتحقق بنهاية هذا العام».

وأضاف المسؤول: «من المتوقع أن تواصل إسرائيل سعيها إلى تحقيق هذا الهدف في المرحلة التالية من الصراع، وهو ما يراه مسؤولون أميركيون حملة أطول أجلاً».

جنود إسرائيليون ينتشرون داخل قطاع غزة وسط استمرار القتال (رويترز)

أميركا تخشى تصعيد التوترات

وقال البيت الأبيض في بيان اليوم، إن فيل غوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كامالا هاريس، بحث في إسرائيل الوضع في الضفة الغربية، وأعرب عن القلق من الخطوات التي قد تؤدي لتصعيد التوترات، بما في ذلك عنف المستوطنين.

وذكر البيت الأبيض في بيان أن غوردون بحث أيضاً في إسرائيل جهود إعادة الإعمار والأمن والحكم في قطاع غزة، بعد انتهاء القتال الدائر هناك، وأوضح المبادئ التي وضعتها الإدارة الأميركية لغزة ما بعد الحرب.

وكان موقع «أكسيوس» قد نقل في وقت سابق اليوم عن مسؤولَين أميركيين اثنين أن إسرائيل تبدي الآن استعداداً أكبر لمناقشة الخطط الخاصة بغزة ما بعد الحرب، وأن واشنطن تريد تجنب حدوث أي فراغ في الحكم والأمن في القطاع يسمح لحركة «حماس» بالنهوض مرة أخرى.

وأكد غوردون ضرورة أن يكون لدى الشعب الفلسطيني أفق سياسي واضح؛ كما أكد الالتزام بحل الدولتين، حسب البيان الذي أضاف أنه بحث جهود الولايات المتحدة لردع أي عدوان، والمساعدة في منع التصعيد الإقليمي.

وأشار بيان البيت الأبيض إلى أن هاريس وجهت غوردون عقب لقائها زعماء عرب في دبي يوم السبت الماضي، بالتوجه إلى إسرائيل يومي الرابع والخامس من ديسمبر الجاري، لإطلاع المسؤولين الإسرائيليين على مستجدات اجتماعاتها ومواصلة المشاورات بشأن الصراع مع حركة «حماس».

وحسب «أكسيوس»، فقد قال المسؤولان الأميركيان إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أعربت لمسؤولين إسرائيليين عن قلقها من مواصلة العملية البرية في جنوب غزة، كما حدث شمال القطاع.

وأشار المسؤولان الأميركيان إلى أنه ما زال هناك اختلاف بين رؤيتي الولايات المتحدة وإسرائيل لغزة ما بعد الحرب، وخصوصاً الدور الذي ستلعبه السلطة الفلسطينية.

ونقل الموقع عن مسؤول أميركي وصفه بالبارز أن هناك حاجة لدعم السلطة الفلسطينية وتقويتها، لكي تتمكن من حكم القطاع.

ومن المقرر أن يزور غوردون رام الله في الضفة الغربية اليوم لعقاد لقاءات مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية، حسب بيان البيت الأبيض.


مقالات ذات صلة

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا فلسطينيون يتفقدون موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)

«وساطة غزة» في عام... هدنة واحدة وجولات «متعثرة»

تحركات واتصالات واجتماعات على مدار عام، منذ 7 أكتوبر 2023، لإنهاء الحرب في غزة، لم تسفر إلا عن هدنة واحدة لمدة أسبوع.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية البرلمان التركي (أرشيفية)

تركيا: جلسة برلمانية خاصة لحرب غزة وتطورات الشرق الأوسط

يعقد البرلمان التركي جلسة خاصة لمناقشات التطورات في منطقة الشرق الأوسط بعد عام من الحرب في غزة، وتصعيد إسرائيل عدوانها وتوسيعه إلى لبنان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة ترفع صورهم خلال احتجاج قرب مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس يوم 30 سبتمبر (إ.ب.أ)

عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة تنفّذ إضراباً عن الطعام

بدأ أفراد في عائلات الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة إضراباً عن الطعام، متهمين حكومة بنيامين نتنياهو بأنها أهملت قضيتهم في ظل حرب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
TT

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة، في حين كانت القوات الإسرائيلية تلحق الدمار من حولهم.

وأدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون من أصل 2.3 مليون فلسطيني من سكان القطاع، ومقتل أكثر من 41 ألف شخص، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

ومنذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرت أسرة أبو جراد سبع مرات، وانتقلت من «حياة الطبقة المتوسطة المريحة إلى الخراب»، وفقاً لوصفها.

وقال أبو جراد لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «حياتنا الآن تختلف تماماً عن حياتنا في منزلنا في بيت حانون بشمال غزة. منزلنا كان مليئاً بالراحة والحب والعاطفة والأمان. كان المكان الذي يجتمع فيه الأحباء حول طاولة المطبخ أو على السطح في أمسيات الصيف وسط رائحة الورود وأزهار الياسمين».

وأضاف: «إن منزلك هو وطنك. كل شيء جيد في حياتنا كان في المنزل، كل شيء، الأسرة، والجيران، وإخوتي الذين كانوا حولي. إننا نفتقد كل ذلك».

قبل الحرب: حياة مريحة

كانت حياة أسرة أبو جراد في بيت حانون هادئة قبل الحرب. فقد كان أبو جراد يخرج كل صباح للعمل سائق تاكسي. وكانت زوجته تقضي معظم يومها في الأعمال المنزلية. وكانت أصغر بناتهما، لانا، قد بدأت الصف الأول الابتدائي، في حين أن هدى، التي تبلغ من العمر 18 عاماً، كانت في سنتها الأولى في الجامعة. أما أكبرهن، بلسم، فقد أنجبت طفلها الأول قبل بدء الحرب مباشرة.

7 أكتوبر: الهجوم

في صباح يوم 7 أكتوبر، سمعت الأسرة أخبار هجوم «حماس» على إسرائيل، الذي قُتل فيه نحو 1200 شخص واختُطف 250.

وأدركت الأسرة حينها أن الرد الإسرائيلي سيكون سريعاً وأن منزلهم، الذي يبعد نحو 2 كيلومتر فقط عن السياج الحدودي مع إسرائيل، سيكون على خط المواجهة.

وبحلول الساعة 9 صباحاً، حزم أبو جراد وزوجته وبناتهما وشقيقته ما في وسعهم وهربوا، حيث أصدر الجيش الإسرائيلي أحد أوامره الأولى بالإخلاء.

أدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون شخص (أ.ب)

7 - 13 أكتوبر: الإقامة مع والدي الزوجة

مثل العديد من الأسر الفلسطينية التي نزحت من منازلها، حاولت أسرة أبو جراد في البداية البقاء بالقرب من البيت. وذهبوا للإقامة مع والدي الزوجة، في بيت لاهيا على بعد كيلومتر واحد.

وقالت الزوجة: «كان المكان مريحاً للغاية، لأكون صادقة. شعرت وكأنني في المنزل. لكننا كنا نعيش في خوف ورعب».

وبالفعل، تعرضت بيت لاهيا لقصف كثيف. على مدار الأيام الستة التي قضوها هناك، فقد قامت إسرائيل بـ9 غارات على البلدة على الأقل، مما أسفر عن مقتل العشرات.

واخترقت الشظايا خزانات المياه في منزل والدي الزوجة. وتحطمت النوافذ بينما تجمعت العائلة في الداخل، الأمر الذي دفع الأسرة للنزوح مرة أخرى.

13- 15 أكتوبر: اللجوء إلى المستشفى

توجهت الأسرة إلى مستشفى القدس للإقامة بها بعد ترك منزل أسرة الزوجة.

وكان المبنى ومحيطه مكتظاً بآلاف الأشخاص. ففي جميع أنحاء شمال غزة، لجأت الأسر إلى المستشفيات، على أمل أن يكونوا في مأمن.

ووجدت الأسرة مساحة صغيرة على الأرض، بالكاد يكفي للنوم ​​وسط الطاقم الطبي المحموم الذي يكافح مع الجرحى.

وقالت الزوجة: «كانت ليلة سوداء وكانت هناك ضربات إسرائيلية متواصلة، ورأينا القتلى والجرحى متناثرين على الأرض».

وفي اليوم التالي لوصولهم، أصابت ضربة إسرائيلية منزلاً على بعد بضع مئات من الأمتار من المستشفى، مما أسفر عن مقتل طبيب بارز وحوالي عشرين فرداً من عائلته، الكثير منهم من الأطفال.

وأمر الجيش الإسرائيلي جميع المدنيين بعد ذلك بمغادرة شمال غزة، مما أدى إلى توجه مئات الآلاف من الأشخاص جنوباً، من بينهم أسرة أبو جراد.

15 أكتوبر - 26 ديسمبر (كانون الأول): مدرسة مكتظة

سارت الأسرة 10 كيلومترات حتى وصلت إلى مدرسة إعدادية للبنات تديرها الأمم المتحدة في مخيم النصيرات للاجئين.

وكان كل فصل دراسي وممر مكتظاً بالعائلات القادمة من الشمال. ووجدت الأسرة مساحة صغيرة في فصل دراسي يضم بالفعل أكثر من 100 امرأة وطفل. وللحفاظ على الخصوصية، انتقل أبو جراد للعيش مع الرجال في خيام بالخارج، في ساحة المدرسة.

كان هذا مكان إقامتهم لأكثر من 10 أسابيع. كانت الزوجة وبناتها ينمن على الأرض، دون مساحة كافية حتى لتمديد أرجلهن. ومع حلول الشتاء، لم يكن هناك ما يكفي من البطانيات.

وقالت الزوجة إن الحمامات كانت أسوأ شيء في الأمر. فلم يكن هناك سوى عدد قليل من المراحيض التي يستخدمها الآلاف من الناس.

وأشارت إلى أن الاستحمام كان بمثابة «معجزة». فقد ظل الناس عاجزين عن الاستحمام لأسابيع. وانتشرت الأمراض الجلدية على نطاق واسع.

ويومياً، كانت البنات يذهبن عند الفجر للانتظار في الطوابير أمام المخابز القليلة الموجودة بالمنطقة، ويعدن بعد الظهر، وفي بعض الأحيان يحملن رغيف خبز واحداً فقط. وفي أحد الأيام، سار أبو جراد وبناته مسافة 5 كيلومترات إلى مدينة دير البلح، بحثاً عن مياه صالحة للشرب.

وقال أبو جراد: «لولا أهل دير البلح الطيبين الذين أشفقوا علينا وأعطونا نصف غالون من المياه، لكنا عدنا بلا شيء».

ومع استمرار الضربات، قررت الأسرة الذهاب إلى أبعد مدى ممكن، فساروا مسافة 20 كيلومتراً إلى رفح، في أقصى جنوب غزة.

26 ديسمبر - 14 مايو (أيار): الحياة في خيمة

ذاقت أسرة أبو جراد طعم العيش في خيمة لأول مرة في رفح، وقد أقامت خيمتها وسط عشرات الآلاف من الخيام على مشارف المدينة.

وقالت الزوجة: «في الشتاء، كان الأمر أشبه بالجحيم، حيث غمرتنا المياه. وكنا ننام على الأرض، لا شيء تحتنا، ولا أغطية».

وأضافت: «لم يكن لدينا المال لشراء الطعام من الأسواق، حيث ارتفعت الأسعار. وأصيبت بناتنا بنزلات البرد والإسهال، ولم تكن هناك صيدلية قريبة لشراء الدواء. وعشنا بالكامل على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة من الدقيق وغيره من المواد الأساسية».

وقال أبو جراد: «كان شراء حبة طماطم أو خيارة أشبه بالحلم».

ومثل كثيرين غيرهم، كانوا يعتقدون أن رفح هي آخر مكان آمن في غزة. ولكنها لم تكن كذلك.

وفي الأسبوع الأول من شهر مايو، أمرت إسرائيل بإخلاء رفح بالكامل. ثم توغلت قواتها في المدينة. واشتد القصف.

وحاولت الأسرة البقاء لأطول فترة ممكنة هناك. ولكن غارة جوية ضربت مكاناً قريباً، فقتلت أربعة من أبناء عم أبو جراد وفتاة صغيرة.

أسرة فلسطينية تحمل أغراضها أثناء النزوح من قطاع غزة (أ.ب)

16 مايو - 16 أغسطس (آب): «منطقة إنسانية»

نزح أكثر من مليون شخص من رفح هرباً من الهجوم الإسرائيلي، وتفرقوا في جنوب ووسط غزة. وملأت الخيام شواطئ المدن والحقول والأراضي الفارغة وساحات المدارس والمقابر وحتى مكبات النفايات.

وتوجهت أسرة أبو جراد إلى المواصي، التي كانت في السابق بلدة ساحلية، بعد أن أعلنت إسرائيل إنها «منطقة إنسانية» ـ رغم قلة المساعدات أو الغذاء أو الماء.

وفي هذا المكان، كانت الأسرة تستخدم أكواماً من العصي لإشعال النار وطهي الطعام، واستخدموا دلواً من الماء للاستحمام من حين لآخر. وكان الصابون باهظ الثمن. وتسللت العناكب الكبيرة والصراصير والحشرات الأخرى إلى الخيمة.

16 - 26 أغسطس: الفرار إلى البحر

أجبرت غارة شنتها إسرائيل على بعد أقل من كيلومتر أسرة أبو جراد على النزوح مرة أخرى. وتوجهت الأسرة نحو ساحل البحر الأبيض المتوسط، دون أن تعرف أين ستقيم.

لكن، لحسن الحظ، وجدت الأسرة بعض المعارف في إحدى الخيام.

وقال أبو جراد: «باركهم الله، لقد فتحوا خيمتهم لنا وسمحوا لنا بالعيش معهم لمدة 10 أيام».

أواخر أغسطس: لا نهاية في الأفق

عندما عادت الأسر إلى المواصي، وجدت أسرة أبو جراد أن خيمتها قد سُرِقَت وأن طعامها وملابسها اختفت بالكامل.

ومنذ ذلك الحين، تتكرر الأيام دون أي جديد. وتجد الأسرة أن البقاء على قيد الحياة يفقد معناه في صراع يبدو أنه لا نهاية له.

وأصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة إلى أدنى مستوياتها خلال الحرب.

أصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة (أ.ب)

وتحلق الطائرات المسيرة الإسرائيلية فوق رؤوس الأسرة باستمرار، حيث يعيش الجميع في رعب وضغط نفسي مستمر.

وتحلم الأسرة بالعودة إلى منزلها. وقال أبو جراد إنه علم أن منزل شقيقه المجاور دُمر في غارة، وأن منزله تضرر، لكنه لا يعرف حجم الضرر الذي لحق به.