منذ إعادة العمل بمؤسسات مجالس المحافظات في العراق بعد توقف دام نحو 10 سنوات، وإجراء الانتخابات الخاصة بها في عام 2023، لم تشهد التشكيلات الجديدة استقراراً ملحوظاً.
واستغرقت العملية شهوراً بعد الانتخابات التي جرت في يناير (كانون الثاني) 2023، حتى تم انتخاب رؤساء المجالس ومن ثم المحافظين في عدد من المحافظات.
واستمر التنافس والتأرجح بين الأحزاب والقوى السياسية المهيمنة في بعض المحافظات مثل ديالى وكركوك، مما ألقى بظلال من عدم الاستقرار على سير العملية السياسية في تلك المناطق.
ورغم أن بعض المحافظات، مثل بغداد ونينوى شمال العراق، تمكنت من التوصل إلى صيغ توافقية بين الأحزاب والقوى المتنفذة فيها، فإن الوضع ظل مشوباً بالخلافات في محافظات أخرى، منها محافظة ذي قار جنوب العراق، حيث استمرار التوترات بين مجلس المحافظة والمحافظ.
أما في بغداد، فقد كانت الأزمة الأخيرة في سلسلة من التوترات التي تتعلق بالإقالات والطعنات القانونية. فقد أُعيد رئيس مجلس محافظة بغداد، عمار القيسي، إلى منصبه من قِبَل القضاء الإداري بعد أيام قليلة من إقالته من قِبَل المجلس الذي انتخب خصمه، عمار الحمداني، المنتمي إلى حزب «تقدم» الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي.
وكانت تلك الحادثة أشبه بمشهد سوريالي، حيث تلقى الحمداني التهاني بعد انتخابه رئيساً للمجلس، بينما أعلن القيسي عن قرار المحكمة بعودته إلى منصبه في اليوم التالي.
وتنص الوثيقة الصادرة عن محكمة القضاء الإداري على أن المحكمة قررت «إيقاف إجراءات إقالة طالب الأمر الولائي من منصب رئيس مجلس محافظة بغداد»، وأشارت إلى أن شروط إصدار الأمر الولائي متوافرة، وأنه لا يمكن تدارك الأضرار الناجمة عن تنفيذ قرار الإقالة. وبناءً على ذلك، قررت المحكمة إيقاف إجراءات الإقالة حتى يتم حسم الدعوى.
وكان مجلس محافظة بغداد قد صوّت في الأسبوع الماضي على إقالة القيسي من منصبه، وهو القرار الذي عدَّه القيسي «جاء نتيجة دوافع سياسية معروفة».
شراكة مستحيلة
من بغداد إلى نينوى، مروراً بكركوك وديالى وذي قار، يتكرر مشهد الإقالات والطعون، في مشهد يعبر عن عمق الصراع السياسي بين الأحزاب العراقية.
وبات هذا الصراع يعكس التحديات التي تواجه الحكم المحلي في العراق، حيث تصبح الشراكة بين المحافظين ورؤساء المجالس شبه مستحيلة، نظراً لاختلاف الانتماءات الحزبية والقومية والمذهبية، بسبب التنوع العرقي والديني والمذهبي في البلاد.
ولم تُحسم بعد مسألة الطعون المتبادلة بين رئيس المجلس والمجلس الذي صوت على إقالته، بما في ذلك القرار الذي اتخذه رئيس المجلس المقال، عمار القيسي، الذي أعاده القضاء الإداري مؤقتاً إلى منصبه.
هذا القرار جاء في وقت ما زالت فيه القضية معلقة، خصوصاً مع الطعن الذي قدمه محافظ بغداد، عبد المطلب العلوي، ضد إحالته على التقاعد بدعوى بلوغه السن القانوني.
في هذا السياق، اعترض ائتلاف إدارة الدولة، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على قرار إقالة العلوي، حيث قدم الأخير طعناً أمام القضاء الإداري، موضحاً أن إحالته للتقاعد غير قانونية لأنه منتخب وبدرجة خاصة، ولا ينطبق عليه مفهوم السن القانوني للتقاعد. كما أشار في بيانه إلى أن «قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم المعدل» لم يحدد سناً معيناً لإحالة المحافظ إلى التقاعد.
ويستمر مبدأ «الشراكة المستحيلة» في عدد من المحافظات، بين بعض القيادات السياسية، سواء كانت لأسباب حزبية، كما في بغداد ونينوى وذي قار، أو قومية مذهبية، كما في ديالى وكركوك.
هذا التحدي السياسي ترك تأثيراً واضحاً على أداء تلك المحافظات، حيث بدا العمل الإداري فيها متعثراً، وغير قادر على إنجاز البرامج التي تعهدت بها. في نينوى، أكدت كتلة نينوى المستقبل، يوم السبت، رفضها لاستجواب وإقالة رئيس مجلس المحافظة، أحمد الحاصود، وهي الخيارات التي لوحت بها كتلة نينوى الموحدة في المجلس.
وبحسب مصادر مطلعة في نينوى، فإن هناك تحركات لإعادة ترتيب الخريطة السياسية داخل المجلس، حيث بدأ تحالف «نينوى المستقبل»، الذي كان يضم 16 عضواً، يواجه انشقاقات محتملة مع ظهور توجهات جديدة داخل بعض أعضائه، بما في ذلك الأعضاء المنتمون إلى الإطار التنسيقي.
تعليق عضوية
على الرغم من أن الخلاف في محافظة ذي قار جنوب العراق قد تصاعد ليصبح صراعاً سياسياً داخل قوى «الإطار التنسيقي الشيعي» بعد إقالة المحافظ مرتضى الإبراهيمي، الذي ينتمي إلى تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، فإن الصراع في محافظتي ديالى وكركوك كان أيضاً صراعاً مركباً على الصعيدين الحزبي والسياسي والقومي.
ففي ذي قار، وبعد تسريبات صوتية تخص المحافظ الإبراهيمي، التي أدت إلى إقالته بعد تظاهرات حاشدة، قام زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، بزيارة المحافظة الأسبوع الماضي في محاولة للبحث عن حل وسط، ليعلن بعدها تعليق عضويته في قيادة الإطار التنسيقي. ورغم أن الوساطات أسفرت عن عودة الإبراهيمي إلى منصبه، فإن أزمة الحكم في المحافظة لا تزال مستمرة، تماماً كما هو الحال في محافظتي كركوك وديالى، حيث يستمر التوافق الهش بين مجالس المحافظات والمحافظين بعد تسويات صعبة بين القيادات السياسية والحزبية في العراق.