مخاوف من تحوّل جبهة جنوب لبنان إلى ساحة لاستقطاب متطرفين

تركيان ولبنانيَّان تم اغتيالهم مع أحد قادة «حماس»

الدخان يتصاعد من موقع قصفته إسرائيل في قرية جبين اللبنانية قرب الحدود (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع قصفته إسرائيل في قرية جبين اللبنانية قرب الحدود (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من تحوّل جبهة جنوب لبنان إلى ساحة لاستقطاب متطرفين

الدخان يتصاعد من موقع قصفته إسرائيل في قرية جبين اللبنانية قرب الحدود (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع قصفته إسرائيل في قرية جبين اللبنانية قرب الحدود (أ.ف.ب)

سلّطت حادثة اغتيال إسرائيل لأحد قادة حركة «حماس» في جنوب لبنان خليل الخراز، مع أشخاص من جنسيات لبنانية وتركيّة، الضوء على وجود حركات متطرفة عند الحدود اللبنانية الجنوبية، واستقطاب «حماس» للشباب المتعاطف مع القضية الفلسطينية والتواق للقتال ضد إسرائيل، غير أن هذا الاستقطاب رسم علامات استفهام عن دور «حزب الله» في تسهيل وصول المقاتلين إلى الجنوب والرسائل التي تنطوي على ذلك.

وكانت «كتائب عز الدين القسام» - الجناح العسكري لحركة «حماس»، أعلنت قبل يومين أن «طائرة إسرائيلية استهدفت بصاروخ سيارة القيادي خليل الخراز، ما أدى إلى استشهاده مع أربعة من رفاقه»، ليتبيّن أن الذين قتلوا معه في السيارة هما اللبنانيان أحمد عوض الملقّب بـ«أبي بكر» وخالد ميناوي، وهما من أبناء مدينة طرابلس (شمال لبنان)، بالإضافة إلى بلال أوزتوك ويعقوب أردال وهما تركيان، وأفادت المعلومات بأنهم «كانوا في مهمّة استطلاعية وجولة على نقاط القتال التي يتحصّن فيها مقاتلو القسّام».

وطرحت هذه الحادثة أسئلة عمّا إذا بدأت «حماس» استقطاب شباب من غير الفلسطينيين وتطويعهم للقتال في صفوفها، إلا أن مصدراً مقرّباً من «حماس» أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة «ليس لديها مخطط لتجنيد مقاتلين في صفوفها من غير الفلسطينيين سواء في لبنان أو في أي مكان». وقال: «لسنا في وارد استقطاب أو تدريب أحد، فلدينا ما يكفي من المجاهدين من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين نذروا أنفسهم للجهاد حتى تحرير أرضهم».

وفتح تصعيد العمليات العسكرية في جنوب لبنان الباب على احتمال انخراط مقاتلين من جنسيات متعددة، وكشف الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد الأيوبي أن التركيين اللذين قتلا في الجنوب أتيا إلى لبنان عن طريق الشاب اللبناني خالد ميناوي، الذي يتقن اللغة التركية ولديه علاقات واسعة بحركات متطرفة. وأشار الأيوبي، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن ميناوي «كان أصغر الموقوفين في ملفّ أحداث الضنية (شمال لبنان) التي شهدت معركة بين الجيش اللبناني ومجموعة متطرفة مطلع عام 2000، ثم شارك في الحرب السورية». وسأل: هل تجنّد «حماس» هؤلاء أو أنها تستقبل أي متحمّس لقتال إسرائيل انطلاقاً من الجبهة اللبنانية؟

 

ويبدو أن موافقة «حزب الله» على دخول هذه المجموعات تنطوي على رسائل متعددة، ورأى الأيوبي أنه «لا يمكننا القفز فوق قبول (حزب الله) لهذه المجموعات»، لافتاً إلى أنه «في ظلّ التفاوض الجديد، والدعوة إلى تطبيق القرار 1701، وعدم السماح بوجود مسلّح لـ(حزب الله) جنوب مجرى نهر الليطاني، فإن الحزب يقول للعالم: (إذا أردتم إزاحتنا عن الواجهة فستكون هذه الجبهة مفتوحة أمام كل المجموعات)، وبالتالي ما نشهده الآن مرتبط بالصورة التي يريد (حزب الله) أن يكونها للمرحلة المقبلة».

وشكّل خبر مقتل أحمد عوض صدمة لدى أبناء طرابلس، وقال أحد الأشخاص الذين يعرفونه عن قرب إن عوض (أبو بكر) هو رجل دين، ومساعد للشيخ سالم الرافعي، خطيب وإمام مسجد التقوى في طرابلس، وكان من أشد الناس توجهاً ضدّ «حزب الله»، ويرفض المساعدات التي يحاول الحزب تقديمها إلى أبناء المناطق الفقيرة في طرابلس منعاً لاستمالتهم».

وقال الشخص الذي رفض ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» إن المعلومات «تفيد بأن عوض هو أحد الأشخاص الذين فتحوا باب التطوّع للقتال ضدّ إسرائيل»، لافتاً إلى أن «المعلومات المتواترة تؤكد أن زيارته للجنوب ومعه خالد ميناوي، هي استطلاع ميداني للبلدات السنيّة في جنوب لبنان، والقيام بنشاط، ولو من خلال الدعم اللوجيستي لمقاتلي (حماس) في جنوب لبنان بالمال والطعام والملابس وغيرها». وأوضح أن ميناوي «قريب جداً من أبو بكر، ولديه محل تجاري صغير داخل سوق القمح الشعبي وسط طرابلس، ويتردد دائماً على تركيا لشراء البضائع».

من جهته، اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة أن «حزب الله» على دراية بما يجري في الجنوب، وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الحزب «يحاول أن يقول إن نظرية وحدة الساحات التي لم تطبق على صعيد الاشتباكات في الجبهة اللبنانية، بما يتناسب مع ما يجري في غزة، تطبق الآن بوجود مقاتلين من كافة الفصائل والتوجهات في جنوب لبنان».

وأضاف حمادة: «لا أعتقد أن هناك مقاتلين يدخلون إلى جنوب لبنان من دون التنسيق مع (حزب الله)، كما أن الذين يأتون من تركيا إلى لبنان لا يدخلون بأسلحتهم الفردية». وتابع: «الواقع يفيد بوجود عمليات مشتركة بين كلّ هذه الفصائل، بعلم الحزب والتنسيق معه، والآن يحصل استثمار سياسي في هذا الموضوع».


مقالات ذات صلة

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي نجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)

«الاشتراكي» يتبنى ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية اللبنانية

أعلنت كتلة «اللقاء الديمقراطي» تأييدها لقائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية في خطوة لافتة ومتقدمة عن كل الأفرقاء السياسيين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستقبلاً رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

تركيا ولبنان يتفقان على «العمل معاً» في سوريا

أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأربعاء، أن أنقرة وبيروت «اتفقتا على العمل معاً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
TT

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد. ورغم الأزمات الداخلية والدولية الكثيرة التي يواجهها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حالياً، ومنها الأزمة الاقتصادية، والتوتر حول الملف النووي، فإن فقدان النفوذ المفاجئ في سوريا بعد سقوط الأسد لصالح جماعات المعارضة المسلحة هو ما يشغل المسؤولين الإيرانيين بشكل أكبر، وفق ما ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية.

فعلى المدى القريب، تسعى طهران لاستعادة بعض نفوذها مع حكام دمشق الجدد، إذ يصرُّ الدبلوماسيون الإيرانيون على أنهم لم يكونوا مرتبطين بشكل وثيق بالأسد، وقد أُصيبوا بخيبة أمل من رفضه تقديم تنازلات.

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مقابلة أخيراً: «لقد توصَّلنا منذ زمن بعيد إلى استنتاج مفاده بأن استمرار الحكم في سوريا سيواجه تحدياً أساسياً، وكان من المتوقع أن يظهر المسؤولون الحكوميون مرونة تجاه السماح للمعارضة بالمشارَكة في السلطة، ولكن هذا لم يحدث». وأضاف: «كانت طهران دائماً على اتصال مباشر مع وفد المعارضة السورية. ومنذ عام 2011، كنا نقترح على سوريا ضرورة بدء محادثات سياسية مع تلك المجموعات المعارضة التي لم تكن مرتبطة بالإرهاب».

في الوقت نفسه، أصرَّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني، على أنَّ إيران دخلت سوريا في عام 2012 بناءً على طلب الأسد، فقط للمساعدة في هزيمة تنظيم «داعش»، قائلاً: «وجودنا كان استشارياً، ولم نكن أبداً في سوريا للدفاع عن مجموعة أو فرد بعينه. كان الأهم بالنسبة لنا هو المساعدة في الحفاظ على وحدة الأراضي والاستقرار في سوريا». لكن هذه التفسيرات لم تجد استجابةً تُذكر في دمشق، وتظل إيران واحدة من الدول القليلة التي انتقدها أحمد الشرع، زعيم «هيئة تحرير الشام».

شهر عسل قصير

الرئيسان التركي والإيراني التقيا في القاهرة على هامش قمة «دول الثماني» لبحث الوضع في سوريا (الرئاسة التركية)

ويدعي كثير من المسؤولين الإيرانيين أنَّ الإنجازات التي تستمتع بها تركيا حالياً في سوريا قد تكون قصيرة الأجل، حيث ستبدأ مصالح أنقرة في التباين مع الحكومة التي تقودها «هيئة تحرير الشام». وقال ناصر مكارم شيرازي، أحد المراجع الدينية في إيران: «علينا متابعة القضية السورية بالأمل، ونعلم أن هذا الوضع لن يستمر؛ لأن الحكام الحاليين في سوريا لن يبقوا متحدين مع بعضهم بعضاً». كما توقَّعت صحيفة «جوان» المحافظة أن «فترة شهر العسل الحالية في سوريا ستنتهي بسبب تنوع الجماعات، والمشكلات الاقتصادية، وانعدام الأمن، وتنوع الفاعلين».

تلقي إيران رسمياً باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في انهيار نظام الأسد، لكن الاستياء الإيراني من دور أنقرة أيضاً واضح جداً. وفي خطابه الذي ردَّ فيه على سقوط الأسد، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، إن «دولة مجاورة لسوريا لعبت دوراً واضحاً في تشكيل الأحداث، وتواصل ذلك الآن».

ونشرت وكالة «فارس» للأنباء ملصقاً يُظهِر زعيم «هيئة تحرير الشام» متحالفاً مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي جو بايدن. كما تساءلت اللجنة الاستراتيجية العليا للعلاقات الخارجية، عمّا إذا كانت «هيئة تحرير الشام» ستظل حليفة لتركيا لفترة طويلة. وقالت: «على الرغم من أن تركيا من الفائزين الرئيسيين من سقوط بشار الأسد على المدى القصير، فإن أنقرة لا يمكنها أبداً جلب حكومة متحالفة معها إلى السلطة في سوريا حتى لو حاولت (هيئة تحرير الشام) تشكيل حكومة مستقرة، وهو أمر مستحيل، وعلى المدى المتوسط ستصبح تهديداً كبيراً لتركيا، التي تشترك بحدود طولها 830 كيلومتراً مع سوريا».

الاعتماد على تركيا

المدفعية التركية في حالة تأهب على الحدود مع تركيا قبالة عين العرب (إعلام تركي)

وتوقَّع الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، مستقبلاً قاتماً لسوريا وتركيا، قائلاً: «في الأسابيع الأخيرة، تم تدمير كل القوة العسكرية لسوريا على يد إسرائيل، وللأسف لم يرد المقاتلون وتركيا بشكل مناسب على إسرائيل. وستستغرق إعادة بناء الجيش السوري والقوات المسلحة سنوات».

وأشار محسن بهاروند، السفير الإيراني السابق لدى بريطانيا، إلى أن حكومة دمشق الجديدة قد تجد نفسها معتمدة بشكل مفرط على تركيا. وقال: «إذا حاولت الحكومة المركزية في سوريا تعزيز سلطتها وسيادتها من خلال التدخل العسكري والمساعدة من الدول الأجنبية - بما في ذلك تركيا - فإن سوريا، أو أجزاء رئيسية منها، ستُحتل من قبل تركيا، وستدخل تركيا في مستنقع ستتكبد منه تكاليف بشرية واقتصادية باهظة».

وتوقع بهاروند حدوث توترات بين تركيا و«هيئة تحرير الشام»، خصوصاً حول كيفية التعامل مع مطالب الأكراد السوريين في شمال شرقي البلاد بشكل من أشكال الحكم الذاتي. وأضاف أن «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا مستعدٌّ لشنِّ هجوم ضد «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية في عين العرب (كوباني)، وهي بلدة سورية ذات أغلبية كردية على الحدود الشمالية مع تركيا.

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، يوم الأربعاء، إنه إذا تمت معالجة القضية بشكل صحيح، فلن تسعى أنقرة إلى تدخل عسكري، مضيفاً: «هناك إدارة جديدة في دمشق، وأعتقد بأن هذا الأمر في المقام الأول هو من مسؤوليتها الآن».

وعلى نطاق أوسع، يدفع التغيير في سوريا إيران إلى تسريع إعادة التفكير في سياستها الخارجية. وتتركز المراجعة حول ما إذا كان ضعف ما يُسمى «محور المقاومة» يتطلب من إيران أن تصبح دولة نووية، من خلال بناء علاقات أفضل في المنطقة. ولسنوات عدة، كان القادة الإيرانيون يقولون إن «الدفاع عن إيران يجب أن يبدأ من خارج حدودها»، لكن عدداً من الدبلوماسيين الغربيين يرون أن هذه الاستراتيجية الباهظة التكلفة أصبحت الآن بالية إلى حد كبير، والطريقة التي تشرح بها إيران تراجعها في سوريا ستكون حاسمة في تحديد ما سيحل محل تلك الاستراتيجية.