بعد اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى... ألغام كثيرة في طريق التهدئة الحقيقية

إسرائيل تعلن رفضها عودة سكان غزة من الجنوب إلى الشمال

قوات إسرائيلية في شمال غزة الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية في شمال غزة الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
TT
20

بعد اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى... ألغام كثيرة في طريق التهدئة الحقيقية

قوات إسرائيلية في شمال غزة الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية في شمال غزة الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

في الوقت الذي يبني فيه الكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين، ومعهم ملايين البشر، آمالاً بنجاح اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس»، تخيّم أجواء من القلق من أن يتبدد هذا الأمل جراء انفجار الألغام الكثيرة المفروشة في الميدان.

فقد حصل وتعثّر تطبيق الهدن في الماضي لأسباب تافهة، وأدت إلى اشتعال القتال من جديد. وخلال العملية الحربية على غزة، سنة 2014، التي سمّتها إسرائيل «الجرف الصامد» وسمّتها «حماس» «العصف المأكول» وسمّتها «الجهاد الإسلامي» «البنيان المرصوص»، تم خرق الهدنة 17 مرة خلال 54 يوماً. وكان كل طرف يتهم الآخر، ولديه ما يكفي من الأسباب والحجج والذرائع. لذلك، ينبغي ألا يكون مفاجئاً أن يتم تكرار المشهد، خصوصاً أن هناك شعوراً لدى كل طرف بأن موافقته على الهدنة تفسّر لدى شعبه بأنه تعبير عن ضعف، وربما أكثر من ذلك، وأن الطرف الآخر يخبئ نوايا خبيثة ويعد المطبات والكمائن.

لقد تم بناء الاتفاق، الذي يفترض بدء تطبيقه في العاشرة من صبيحة الخميس، على شكوك متبادلة، لذلك تقرر أن تدوم الهدنة 4 أيام، يتم خلالها إطلاق سراح دفعة من الأسرى في كل يوم. فإذا حصل خلل، تسقط الهدنة. ولكن، إذا نفذت بنجاح، فإن إطلاق سراح مزيد من الأسرى لدى «حماس» سيؤدي إلى تمديد الهدنة لأيام أخرى، بمقدار عدد المحررين.

إسرائيل تنطلق من جهتها من منطلق أن «حماس» تحتاج إلى الهدنة أكثر من حاجتها إلى إطلاق سراح الأسرى، وتقول إن قادة «حماس»، وتحديداً يحيى السنوار، لا يكترثون للمواطنين في غزة بقدر اهتمامهم بضمان حكمهم في غزة. ولذلك تقول إن «حماس» ستعمل فقط على إطالة الهدنة، حتى تعيد ترتيب أمورها وتموينها وتثق بأن الهدنة المؤقتة ستتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار. ولذلك، فإنها ستعرقل مسار التهدئة الحالي بمختلف الحجج. وتهدد باستئناف إطلاق النار حال خرق الهدنة وتؤكد في الوقت ذاته أنها ستستأنف بأي حال الحرب بعد الهدنة لإبادة «حماس».

اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس»
اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس»

«حماس» من جهتها لا تثق بجدية إسرائيل في الهدنة وحتى في تبادل الأسرى من المدنيين. وهي إلى جانب استغلال الهدنة لأغراض الصمود في وجه الحرب الإسرائيلية إذا استؤنفت، ستسعى إلى استغلال ورقة الضغط الموجعة لإسرائيل، الأسرى، ليس فقط لإطالة الهدنة، بل أيضاً لدفع إسرائيل إلى التخلي بالتدريج عن هدفها المعلن، حول التصفية والإبادة. ومشكلتها أنها تفعل ذلك ليس من خلال رؤية واقعية، بل بخطاب هجومي بلا تواضع، وبلا قراءة لخريطة العالم والأجواء المعادية لها في كثير من الدول، بسبب تصرفات غير قليلة من أفرادها في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ضد المدنيين. وإطلاق سراح أطفال تم أسرهم لدى «حماس»، أحدهم رضيع وأحدهم يتيم وبينهم ابن ثلاث سنوات، لا يضيف لـ«حماس» تقديراً، بحسب ما يقول حتى مَن يدعمها. ورغم ذلك، ففي «حماس» يتحدثون عن انتصار ساحق على إسرائيل، وكأنهم لا يرون دمار غزة ومليوني شخص يعانون مختلف صنوف العذابات و13 ألف قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحى.

في ظل قيادات كهذه، تزداد احتمالات خرق الهدنة، لأبسط الأسباب. هناك اتفاق على توفير ما يحتاجه الغزاويون من أغذية ومواد استهلاكية وماء ووقود. الأمم المتحدة تقدر هذه الحاجة بلا أقل من 550 شاحنة. فمن سيعد؟ ومن يضمن؟ وكيف ستوزع؟ ومن يضمن أن يستفيد منها الناس. وهناك مشكلة لم ينتبه إليها المفاوضون، هي تحركات أهل غزة. فإذا أراد مواطنو شمال غزة، الذين اضطروا إلى النزوح جنوباً، إلى السفر شمالاً لمعرفة ما حل ببيوتهم أو أثاثهم أو أموالهم أو حتى أولاد فقدوهم على الطريق أو مسنين لم يتمكنوا من أخذهم معهم أو مرضى أو عاجزين. هؤلاء قررت إسرائيل منعهم من التوجه إلى الشمال. فهل سيكون هذا سبباً في مشكلة؟ وماذا لو توجهوا جنوباً، كما ترغب إسرائيل، إلى الأراضي المصرية؟

فلسطينيون ينزحون من شمال غزة إلى جنوبها الأربعاء (أ.ب)
فلسطينيون ينزحون من شمال غزة إلى جنوبها الأربعاء (أ.ب)

لهذا، فإن الخطر بخرق الهدنة وارد جداً، خصوصاً مع التردد في الموقف الذي شاب القيادة الإسرائيلية حوله. فالمعروف أن نص هذه الاتفاقية كان قد طرح على إسرائيل قبل 5 أسابيع. وقد رفضته. واليوم يحرص قادة إسرائيل على إظهار موافقتهم على أنها تأتي «غصباً عنهم». ولكن في مثل هذه الحالات، يحتاج الناس إلى قائد يقنع الناس بأن قراره صائب وأنه مقتنع به مائة في المائة، وليس مرغماً عليه، بحسب ما يقول سياسيون. يضيفون أن الناس بحاجة إلى قائد بكل معنى الكلمة، يتسم بالشجاعة على الاعتراف بأن كل شيء يؤدي إلى وقف معاناة البشر الأبرياء هو أمر مشرف وليس عاراً. فحقن الدماء دليل قوة وليس ضعفاً، والحروب تنتهي باتفاقيات وبتبادل أسرى. هناك حاجة إلى قادة يعرفون كيف يستنبطون الأمل من الكوارث.


مقالات ذات صلة

شُح السيولة النقدية يعتصر أبناء غزة

خاص طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

شُح السيولة النقدية يعتصر أبناء غزة

يعاني قطاع غزة شُحّاً حادّاً في السيولة النقدية بعدما منعت إسرائيل دخول أي عملات جديدة إليه منذ 7 أكتوبر 2023، مما وضع أهله بين براثن تجار استغلوا الأزمة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية أعضاء محكمة العدل الدولية والمشاركين خلال جلسات الاستماع في محكمة العدل في لاهاي 30 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

أميركا تدافع عن موقف إسرائيل بحظر عمليات مساعدات «الأونروا» في غزة

قالت الولايات المتحدة، اليوم الأربعاء، في جلسة استماع بمحكمة العدل الدولية في لاهاي إنه لا يمكن إجبار إسرائيل على السماح لوكالة «الأونروا» بالعمل في غزة.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
أوروبا مقاتلون من الجناح العسكري لحركة «حماس» (أرشيفية - رويترز)

سويسرا تبدأ تنفيذ حظر «حماس» ابتداء من 15 مايو

أعلنت الحكومة الفيدرالية السويسرية أنه سيجري حظر حركة «حماس» الفلسطينية في سويسرا ابتداء من 15 مايو.

«الشرق الأوسط» (برن)
المشرق العربي مشيعون يصلون بجانب جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

​صحة غزة تعلن ارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 52 ألفاً

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة الأربعاء ارتفاع عدد القتلى جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 52 ألفاً و400 منذ السابع من أكتوبر 2023

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي سببته الحرب الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

مسؤول: لا تقدم في محادثات الأسرى منذ وصول الفريق الإسرائيلي إلى القاهرة

أفاد مصدر إسرائيلي لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» بأنه لم يُحرز أي تقدم في محادثات الأسرى منذ وصول فريق التفاوض الإسرائيلي إلى القاهرة الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (القدس)

الأردن: السجن 20 عاماً لأربعة متهمين في قضية «مخطط الفوضى»

أفراد أمن أردنيون يقفون حراسة خارج المحكمة العسكرية في عمّان، الأردن، 21 يونيو 2021 (رويترز)
أفراد أمن أردنيون يقفون حراسة خارج المحكمة العسكرية في عمّان، الأردن، 21 يونيو 2021 (رويترز)
TT
20

الأردن: السجن 20 عاماً لأربعة متهمين في قضية «مخطط الفوضى»

أفراد أمن أردنيون يقفون حراسة خارج المحكمة العسكرية في عمّان، الأردن، 21 يونيو 2021 (رويترز)
أفراد أمن أردنيون يقفون حراسة خارج المحكمة العسكرية في عمّان، الأردن، 21 يونيو 2021 (رويترز)

أصدرت محكمة أمن الدولة في جلسة علنية عقدتها الأربعاء أحكاماً بالأشغال المؤقتة لمدة 20 سنة بحق 4 متهمين من 16 متهماً في قضية ما بات يعرف بـ«مخطط الفوضى».

وكشفت السلطات الأردنية قبل أيام عن مخطط لخلية نظمت وخططت لـ«تصنيع الصواريخ والتجنيد والتدريب وتصنيع الطائرات المسيرة في مناطق من محافظتي العاصمة والزرقاء.

وقضت المحكمة بأحكامها بعد إدانة المتهمين بقضايا حيازة مواد مفرقعة وأسلحة وذخائر بقصد استخدامها على وجه غير مشروع والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر خلافاً لأحكام قانون منع الإرهاب.

وبعد اعتراف عدد من أعضاء «خلية الفوضى» بانتمائهم لجماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن، لتعلن الحكومة قبل أيام باعتبار الجماعة غير شرعية ومحظورة في البلاد بعد سنوات من احتواء نشاطات الجماعة التي صدر قرار باعتبارها جماعة غير مرخصة عام 2020.

وبالعودة للقرار القضائي القابل للطعن لدى محكمة التمييز (أعلى درجات المحاكم)، فقد خلصت المحكمة إلى أن الوقائع الثابتة في تلك الدعاوى تتمثل في إقدام المجرمين على حيازة مواد مفرقعة لغايات استخدامها للقيام بأعمال غير مشروعة من شأنها حتماً وواقعاً الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع الأردني وأمنه للخطر بعد نقلها داخل أراضي المملكة وإخفائها في أكثر من موقع تفادياً لانكشاف أمرهم.

وبينت المحكمة أنه تم إلقاء القبض على المتهمين وضبط المواد المفرقعة والمتفجرة وعدد من قطع الأسلحة والذخائر، بعد إجراءات الأجهزة الأمنية المختصة وأثر المعلومات الواردة بحق المجرمين.

وثبت للمحكمة أن المواد المفرقعة المضبوطة هي عبارة عن مواد شديد الانفجار (متفجرات) وتعتبر من المتفجرات العسكرية ذات الخاصية التدمرية وصالحة للاستخدام وذات أثر قاتل على الأرواح وتشكل ضراراً بالممتلكات والسلامة العامة.

وخلصت المحكمة إلى أنه بالنظر إلى خطورة الأفعال التي أقدم عليهم المجرمون، والتي من شأنها الإخلال بالأمن والأمان وتعريض أمن وسلامة المجتمع للخطر وتهديد أمنه واستقراره والإخلال بالنظام العام وتعريض حياة المواطنين للخطر وجدت من خلال الوقائع المستخلصة بتلك الدعاوى ومدى جسامة الأفعال الآثمة المرتكبة تغليظ العقوبة بحقهم والارتقاء بها إلى حدها الأعلى لكي لا تسول لهم أنفسهم ولغيرهم الإقدام على مثل هذه الأفعال الشنيعة تحقيقاً لمبدأ الردع العام والردع الخاص والحفاظ على أمن وسلامة المجتمع الأردني.

يُذكر أن هذه القضية تعد جزءاً من المخطط الذي أعلنت عنه الحكومة أخيراً وبدأ منذ عام 2021، إذ كانت الأجهزة الأمنية ألقت القبض على المتهمين الأربعة فيها منتصف عام 2023، وأحالت القضية إلى الادعاء العام الذي بدوره أحالها إلى محكمة أمن الدولة، وبدأت منذ شهور إجراءات المحاكمة الخاصة بها، فيما لا تزال القضايا الأخرى التي أعلن عنها مؤخراً منظورة أمام القضاء.