استمرار تعطيل انتخاب الرئيس يُدخل لبنان في «غيبوبة» سياسية

لافتقاده مقومات الصمود للتعايش مع فراغ مديد

كرسي الرئاسة اللبنانية في قاعة السفراء بقصر بعبدا (غيتي)
كرسي الرئاسة اللبنانية في قاعة السفراء بقصر بعبدا (غيتي)
TT

استمرار تعطيل انتخاب الرئيس يُدخل لبنان في «غيبوبة» سياسية

كرسي الرئاسة اللبنانية في قاعة السفراء بقصر بعبدا (غيتي)
كرسي الرئاسة اللبنانية في قاعة السفراء بقصر بعبدا (غيتي)

يقف لبنان على مسافة شهر من مرور عام على الشغور في سدة الرئاسة الأولى من دون أن يلوح في الأفق ما يدعو للتفاؤل بأن انتخاب رئيس للجمهورية أصبح وشيكاً، إلا في حال عاد الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان إلى بيروت في زيارة رابعة، حاملاً بيده عصاه السحرية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزُّم لتفعيل مسعاه بحثاً عن رئيس توافقي من خارج المنافسة بين رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور لمصلحة مرشح توافقي يتحلى بالمواصفات التي حددتها اللجنة الخماسية.

ولا يبدو حتى الساعة أن الشغور الرئاسي لن يتمدّد طويلاً، وهذا ما تُجمع عليه الكتل النيابية المعنية بانتخاب الرئيس من موقع اختلافها حول الخيارات الرئاسية، رغم المبادرات الناشطة والمتعددة مع دخول قطر على خط الوساطات في محاولة تود من خلالها استطلاع المواقف، وتجميع المعطيات، وصولاً لاستدراج الكتل النيابية لتسمية مرشحين من خارج فرنجية وأزعور، وإن كانت ليست في وارد التشويش على المهمة الموكلة إلى لودريان بحثاً عن الخيار الرئاسي الثالث بدعم من اللجنة الخماسية التي تضم، إضافة إلى فرنسا وقطر، الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر.

«الخيار الثالث»

فدولة قطر التي لا تتطلع، من خلال موفدها إلى بيروت جاسم بن فهد آل ثاني، للقيام بدور منافس للودريان، بمقدار ما تهدف إلى تزخيم المبادرة التي ترعاها اللجنة الخماسية لحث الكتل النيابية على إنهاء الشغور الرئاسي بذهابها إلى الخيار الثالث.

ومع أن الموفد القطري حرص على استمزاج آراء الكتل النيابية بسؤالها عن موقفها حيال ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، والنائب نعمت أفرام، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، لأنها من الأسماء المصنّفة من وجهة نظره في خانة الخيار الثالث، فإنه حرص، كما تقول مصادر مواكبة للقاءاته لـ«الشرق الأوسط»، على استدراج العروض بإلحاق أسماء جديدة باللائحة التي عرضها من باب استطلاع آراء الكتل النيابية لتوسيع مروحة الخيارات الرئاسية من دون أن يقدّم نفسه على أنه البديل للودريان، وأن لديه إصراراً للتكامل معه لوضع حد لاستمرار الشغور الرئاسي.

وبالنسبة إلى ما تردد بأن الموفد القطري يمهّد الطريق أمام مجيء وزير الدولة القطري محمد بن عبد العزيز الخليفي إلى بيروت فور انتهاء لودريان من جولته الرابعة على الكتل النيابية فإنه لن يخرج عن الإطار الذي رسمته الخماسية باعتماد الخيار الرئاسي الثالث لإنهاء الشغور الرئاسي.

أما بخصوص ما أشيع بأن الموفد القطري حاول استمزاج رأي فرنجية حول مدى استعداده للعزوف عن ترشّحه للرئاسة في مقابل إشراكه بوصفه واحداً من الأساسيين في التسوية السياسية التي تلي انتخاب الرئيس، فقد تبين، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بأن لا صحة لما قيل حول قيام الموفد القطري بتقديم لائحة من الإغراءات السياسية للحصول على موافقته بخروجه من السباق الرئاسي. 

وكشف المصدر النيابي في معرض دحضه كل ما تردد في هذا الخصوص، بأن ما أشيع لا يمت بصلة إلى الحقيقة، وسأل: كيف يروّج البعض لمثل هذه الأخبار استباقاً للقاء فرنجية بالموفد القطري؟ وبالتالي من أين استمد هؤلاء «معلوماتهم» استباقاً للاجتماع المرتقب بينهما؟ 

ولفت إلى أن الموفد القطري سعى لاستمزاج رأي «حزب الله» عندما التقى المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل حول موقفه في حال أن فرنجية اتخذ قراره بخروجه من المنافسة الرئاسية، وقال إنه صارحه بقوله: ما عليك إلا الذهاب إلى فرنجية للوقوف على رأيه، وبعدها لكل حادث حديث، ونحن لن نسمح بأن ننوب عن حليفنا في الإجابة عن سؤال يتعلق به شخصياً، مع تأكيدنا أننا نتمسك بتأييده، وأن لا مجال للعودة عن قرارنا، إلا في حال اتخذ قراره بملء إرادته بعزوفه عن الترشُّح ونحن من جانبنا نحترم ما يقرره. 

الأمير فيصل بن فرحان وجان إيف لودريان مجتمعين في الرياض الخميس بحضور العلولا والبخاري (واس)

وأكد المصدر النيابي أن الثنائي الشيعي لا يزال يتمسك حتى الساعة بترشيح فرنجية، ونقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قوله بأن دعوته لحوار نيابي غير مشروط مدة أسبوع يليه انعقاد البرلمان في جلسات متتالية لانتخاب الرئيس تبقى الممر الإلزامي لإخراج الاستحقاق الرئاسي من المراوحة، تاركاً القرار النهائي للنواب، وليتحمل كل طرف وزر قراره، وأنا لا أستجدي أحداً للحوار، ولن أدخل في سجال سياسي مع الذين اعترضوا على دعوتي. 

لذلك فإن التوافق على انتخاب رئيس من خارج الانقسامات السياسية لا يزال يصطدم بحائط مسدود، ولا يبدو في ضوء المعطيات المحلية أن هناك إمكانية لإحداث خرق في الملف الرئاسي، وبالتالي يبقى الانتظار، كما يقول مصدر نيابي، سيد الموقف، بينما يتواصل الجهد القطري بلا ضجيج لعل موفد الدوحة إلى لبنان يتمكن من تعطيل مفاعيل الألغام السياسية المؤدية إلى ترحيل انتخاب الرئيس. 

وعليه فإن وقف ترحيل انتخاب الرئيس يبقى عالقاً على خشبة عدم نضوج الظروف الدولية والإقليمية لتسهيل إخراجه من التعطيل، بالتلازم مع انقطاع التواصل بين الكتل النيابية بحثاً عن الخيار الرئاسي الثالث في ظل تمسك الثنائي الشيعي بدعم ترشيح فرنجية. 

 

 

فالمشكلة ليست محصورة محلياً فحسب، وإنما هي معطوفة على ما يدور في المنطقة من تطورات تدخل الآن في مرحلة جديدة في ضوء المفاوضات غير المباشرة الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، على أساس أن «حزب الله» لن يبيع موافقته على الخيار الرئاسي الثالث ما لم تحصل إيران على ما تريده لكسر الحصار الدولي المفروض عليها، سواء من واشنطن أو دول الاتحاد الأوروبي. 

وإلى أن تنضج الظروف الخارجية لفك أسر الاستحقاق الرئاسي من «الاحتجاز»، فإن لبنان يمضي حالياً في غيبوبة سياسية جراء تعطيل جلسات الانتخاب، إلا إذا حصلت مفاجأة من العيار الثقيل تدفع باتجاه تأمين التوافق الدولي للعبور به إلى مرحلة التعافي، بدءاً بالإفراج عن اسم الرئيس العتيد قبل فوات الأوان، لأن إبقاءه على لائحة الانتظار يعني حكماً تدحرجه بسرعة نحو الأسوأ لافتقاده إلى ما تبقّى لديه من مقومات الصمود للتعايش مع فراغ رئاسي مديد.


مقالات ذات صلة

مصادر تكشف أولويات «حزب الله» المقبلة... تقييم وتحقيقات وتشييع قيادات

المشرق العربي صورة الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله على أوتوستراد بيروت - الجنوب (إ.ب.أ)

مصادر تكشف أولويات «حزب الله» المقبلة... تقييم وتحقيقات وتشييع قيادات

يتفرغ «حزب الله» لإعادة ترتيب بيته الداخلي باستكمال بنيانه السياسي والتنظيمي.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

ميقاتي: الجيش سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الاثنين، إن الجيش اللبناني سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد انسحاب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

الشرع: سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان

تعهد القائد العام للإدارة الجديدة بسوريا أحمد الشرع الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير

تقرير: فلسطينيون يرفعون دعوى قضائية ضد شركة بريطانية بسبب توريد النفط إلى إسرائيل

ناقلة نفط ترسو في ميناء إيلات جنوب إسرائيل (أرشيفية)
ناقلة نفط ترسو في ميناء إيلات جنوب إسرائيل (أرشيفية)
TT

تقرير: فلسطينيون يرفعون دعوى قضائية ضد شركة بريطانية بسبب توريد النفط إلى إسرائيل

ناقلة نفط ترسو في ميناء إيلات جنوب إسرائيل (أرشيفية)
ناقلة نفط ترسو في ميناء إيلات جنوب إسرائيل (أرشيفية)

قالت صحيفة «غارديان» البريطانية إن فلسطينيين من ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة رفعوا دعوى قضائية ضد شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية لتشغيلها خط أنابيب يزود إسرائيل بالنفط الخام.

والمدعون الرئيسون هم أشخاص من أصول فلسطينية عانوا من خسائر فادحة نتيجة للحرب، وكذلك مواطن بريطاني فقد 16 فرداً من عائلته في الغارات الجوية الإسرائيلية، ويواجه أفراد عائلته الناجون في غزة ظروفاً إنسانية مزرية وكذلك طالب بريطاني فلسطيني آخر عانى أقاربه في غزة من الوفيات والتشرد، حيث مات بعضهم بسبب عدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية والإمدادات الأساسية ومن بين المطالبين الآخرين أولئك الذين واجهوا أضراراً جسدية ونفسية كارثية بما في ذلك البتر وفقدان أفراد الأسرة.

وأرسل المدعون خطاباً إلى شركة النفط البريطانية قبل الدعوى، ذكروا فيه أنها تنتهك التزاماتها المعلنة بحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي.

وتمتلك شركة «بي بي» وتدير خط أنابيب باكو - تبليسي - جيهان، والذي تزود أذربيجان من خلاله إسرائيل بالنفط الخام.

ويوفر خط الأنابيب، الذي يمر عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا، حيث يتم نقل النفط بعد ذلك بالسفن، 28 في المائة من إمدادات إسرائيل من النفط الخام.

وتعتبر إمدادات النفط بالغة الأهمية للعملية العسكرية الإسرائيلية، وقد وردت تقارير تفيد بأن النفط من هذا الخط يتم إرساله إلى مصفاة تنتج وقود الطائرات للطائرات العسكرية التي تسقط الذخائر على غزة.

جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

وقال الخطاب إن «إسرائيل تعتمد بشكل كبير على النفط الخام وواردات البترول المكرر لتشغيل أسطولها الضخم من الطائرات المقاتلة والدبابات وغيرها من المركبات العسكرية والعمليات، فضلاً عن الجرافات المتورطة في تطهير المنازل الفلسطينية وبساتين الزيتون لإفساح المجال للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية».

وأضاف: «يذهب بعض الوقود من المصافي مباشرة إلى القوات المسلحة، في حين يبدو أن معظم الباقي يذهب إلى محطات الوقود العادية حيث يمكن للأفراد العسكريين إعادة تزويد مركباتهم بالوقود بموجب عقد حكومي».

ويطلب الخطاب أن يتم الاستماع إلى القضية في محكمة بريطانية حيث إن شركة «بريتيش بتروليوم» والمدعين مقيمون في إنجلترا.

واتهم الخطاب شركة «بريتيش بتروليوم» بأنها «انتهكت المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، فضلاً عن حظر التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العرفي والالتزامات بموجب سياساتها الخاصة، والتي تتطلب من شركة (بي بي) تجنب المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان».

وتابع: «توصلت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب أثناء الصراع في غزة. كما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرارات تطالب بوقف فوري لإطلاق النار».

وقال طيب علي، رئيس قسم القانون الدولي في شركة «بيندمانز» للمحاماة ومدير المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين، وكلاهما يعمل مع المدعين: «يمثل هذا الإجراء القانوني مرحلة جديدة في المساءلة لأولئك المتواطئين في جرائم الحرب المزعومة والجرائم ضد الإنسانية إن الأدلة ضد شركة (بي بي) تثبت فشلها الواضح في الالتزام بسياساتها الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي».

وتابع: «من خلال تسهيل نقل النفط الذي يغذي العمليات العسكرية في غزة، ساهمت شركة (بي بي) في الكارثة الإنسانية التي تتكشف في المنطقة. يسعى عملاؤنا إلى تحقيق العدالة للمعاناة العميقة والخسارة التي تحملوها ويدعون شركة (بي بي) إلى التصرف بمسؤولية من خلال وقف مشاركتها على الفور».

ويطالب الخطاب شركة «بريتيش بتروليوم» بالتوقف فوراً عن توريد وتسهيل إمدادات النفط إلى إسرائيل عبر خط الأنابيب، وأن تقدم شركة النفط إفصاحاً كاملاً عن الوثائق ذات الصلة، بما في ذلك السياسات والعقود وتقييمات المخاطر المتعلقة بعمليات «بريتيش بتروليوم» فيما يتصل بالنفط المورد إلى إسرائيل وأيضاً بالاعتراف بالمسؤولية والالتزام بالوساطة لتقييم الأضرار والاعتذار العلني عن الضرر الذي تسببوا فيه.

ولم تستجب «بريتيش بتروليوم» لطلبات التعليق، بحسب الصحيفة.