يرصد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري ردود الفعل النيابية على دعوته للحوار لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من المراوحة التي يدور فيها، ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه. ويتمنى بري أن تلقى دعوته، كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، استجابة من جميع الكتل النيابية، وتحديداً من تلك التي سارعت إلى تسجيل تحفّظها على الدعوة، برغم أن الحوار يبقى محصوراً بإنجاز الاستحقاق الرئاسي لقطع الطريق على من يحاول توظيفه للدخول في أمور تتجاوز إنجازه إلى المس بـ«اتفاق الطائف» الذي يُفترض أن يبقى في منأى عن التجاذبات السياسية.
وتؤكد المصادر النيابية أن الحوار يبقى الخيار الوحيد للعبور بانتخاب الرئيس إلى بر الأمان. وتقول إن انتخابه هو الآن موضع تجاذب بين طرحين؛ الأول يتمسك بالحوار كشرط لإخراج إنجاز الاستحقاق الرئاسي من دوامة التعطيل، والآخر يرى عكس ذلك ويصر على انتخابه قبل الحوار.
صيغة بشرطين
وتلفت إلى أن بري بتجديده الدعوة للحوار ابتدع صيغة توخى من خلالها إدراج الشرطين في سلة واحدة تراعي مطلب الفريقين، ويُفترض أن يلقى تأييداً من جميع الكتل النيابية لتفادي الانقسام حول الأولويات. وتقول إن عملية الدمج تقوم على حوار يستمر لأسبوع لانتخاب الرئيس، تليه الدعوة لعقد جلسات متتالية أو مفتوحة لانتخابه.
وتؤكد أن بري أدرج انتخاب الرئيس كمادة وحيدة على جدول أعمال الحوار لقطع الطريق على استدراج العروض للبحث في أمور لا طائل منها الآن سوى إضاعة الوقت. وتنقل عنه قوله إن لا شيء مطروحاً غير انتخاب الرئيس ونقطة على السطر، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته في إنهاء الشغور الرئاسي.
وتضيف؛ يمكن أن يؤدي الحوار إلى التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وفي حال تعذّر التفاهم، نذهب إلى البرلمان بمرشحَيْن أو أكثر ونحتكم في النهاية إلى تصويت النواب، مع أن مجرد التوافق يعني حكماً أن الطريق ستكون معبّدة أمام تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة العتيدة ليأتي بحكومة جامعة تأخذ على عاتقها الانتقال بالبلد من مرحلة التأزم إلى التعافي، مدعومة برزمة من الإصلاحات التي تؤهلها لإعادة إدراج اسم لبنان على لائحة الاهتمام الدولي.
وتكشف المصادر النيابية أن دعوة بري للحوار تنسجم مع إصرار المجتمع الدولي وعلى رأسه اللجنة الخماسية على ضرورة إنهاء الشغور الرئاسي اليوم قبل الغد، لأنه من غير الجائز أن يتحول لبنان إلى دولة منكوبة من دون أن يبادر المجلس النيابي إلى التحرك لملاقاته في منتصف الطريق. وتقول إن الدول الأعضاء في «اللجنة الخماسية» المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر لم تنفك عن دعوتنا لانتخاب الرئيس، لأن من دونه لا يمكن أن نعيد الانتظام إلى المؤسسات الدستورية.
لا التفاف
وتنفي أن تأتي دعوة بري للحوار في سياق الالتفاف على المهمة التي أوكلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موفده الخاص إلى لبنان وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان. وتقول إنه لا شيء يمنع من تطرية الأجواء استباقاً لعودته إلى بيروت في النصف الثاني من سبتمبر (أيلول) الحالي، مع أن رسالته إلى النواب بخصوص سؤالهم عن المواصفات التي يفترض أن يتحلى بها رئيس الجمهورية العتيد وأولويات المرحلة المقبلة، أدت إلى انقسام في الإجابة عليها.
وتقول إن بعض الكتل النيابية التي أجابت على رسالة لودريان، ومنها كتلة «اللقاء الديمقراطي» برئاسة تيمور وليد جنبلاط، أجابت برسالة مماثلة لم تأتِ على ذكر سؤاليه للنواب، وركّزت على تأييدها للحوار المؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
وتؤكد المصادر النيابية أن بري يترك للنواب فرصة للإجابة على دعوته، ليقرر لاحقاً طبيعة الخطوة التي يتبعها. وتقول إنه لا مجال للتريث بذريعة استيضاحه حول جملة من الأمور ذات الصلة المباشرة بدعوته للحوار طالما أن جدول أعماله سيكون محصوراً ببند وحيد يتعلق بانتخاب الرئيس، من دون إلحاقه ببنود أخرى تأخذ الحوار إلى مكان آخر يتعارض والهدف المرجو منه.
وتوقعت أن بري لن يكون مقيّداً بدعوة النواب، ممن تسلّموا الرسالة التي أودعهم إياها لودريان، للمشاركة في الحوار، لأن مجرد جلوس 38 نائباً بين رؤساء الكتل النيابية والمستقلين إلى طاولة الحوار يعني أنه سيتحول إلى حوار للطرشان لوجود صعوبة في تبادل الآراء على خلفية حصرها بانتخاب الرئيس.
15 مدعواً
وترى أن بري يفضّل، في حال حسم أمره بتوجيه الدعوة للحوار، أن تبقى الدعوات محصورة بـ15 مدعواً يمثلون رؤساء الكتل والنواب المستقلين. وتقول إنه سبق له أن نصح لودريان، قبل أن يوجّه رسالته إلى النواب، بضرورة حصر الدعوة بعدد يسمح بالتفاعل بين المدعوين بعيداً عن لجوئهم إلى المزايدات الشعبوية، لأنه لا مصلحة أن يكون العدد فضفاضاً طالما أنه لا مانع من تقليصه من دون أن يؤدي إلى خفض تمثيل المستقلين أو إحداث خلل يعطي الأرجحية في الحضور لفريق على آخر.
لذلك، فإن دعوة بري للحوار تلقى تجاوباً من قبل كتل نيابية ومستقلين من غير المنتمين إلى محور الممانعة، وكان لافتاً الاستعداد الذي أبداه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بتلبية دعوته للحوار، مع أن رئيس المجلس كان خصّه دون سواه بحملة من الانتقادات في خطابه الذي ألقاه في الذكرى الـ45 لتغييب الإمام السيد موسى الصدر.
ويبقى السؤال؛ كيف سيتصرف بري في حال أن الذين رفضوا التعاطي بإيجابية مع رسالة لودريان هم أنفسهم من يعترضون على دعوته للحوار، رغم أن الميثاقية النيابية مؤمّنة بمشاركة «التيار الوطني» و«اللقاء الديمقراطي» وبفائض غير مسبوق من النواب السنّة، فهل يفعلها رئيس المجلس؟ أم أنه يفضّل التريث مكتفياً بتسجيل نقطة في مرمى المعارضة على خلفية عدم قدرتها على كسب تأييد نواب من خارج محورها لوجهة نظرها؟