أغلبية سكان دمشق عاجزون عن تأمين متطلبات أبنائهم الدراسية

البعض يتجه إلى الدراسة والعمل... وآخرون يزوجون بناتهم مبكراً

طالبات يدخلن إلى الصفوف الدراسية في أول يوم للسنة الدراسية الأحد (سانا)
طالبات يدخلن إلى الصفوف الدراسية في أول يوم للسنة الدراسية الأحد (سانا)
TT

أغلبية سكان دمشق عاجزون عن تأمين متطلبات أبنائهم الدراسية

طالبات يدخلن إلى الصفوف الدراسية في أول يوم للسنة الدراسية الأحد (سانا)
طالبات يدخلن إلى الصفوف الدراسية في أول يوم للسنة الدراسية الأحد (سانا)

مع بدء العام الدراسي الجديد في مناطق النظام السوري، تسيطر مخاوف على السواد الأعظم في دمشق بشأن مستقبل أبنائهم بسبب عدم القدرة على تأمين متطلباتهم لمتابعة دراستهم، مع تعمق معاناتهم المعيشية إلى قعر جديد طوال الوقت.

وبينما يتوجه البعض إلى زج أبنائه في العمل بالترافق مع مواصلة دراستهم، وآخرون يجبرون على تزويج بناتهم القاصرات، تحمّل باحثة اجتماعية الحكومة، التي أوصلت العملية التعليمية إلى الحضيض، المسؤولية عن عجز الأسر عن تأمين متطلبات أبنائهم، بسبب عدم قدرة الحكومة عن توفير نفقات التعليم، ورمي الجزء الأكبر منها على كاهل الأسر المعدمة مادياً.

وافتتحت المدارس في مناطق سيطرة النظام أبوابها، اليوم الأحد، وتوجه أكثر من 3 ملايين و700 ألف طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة، وفق ما ذكرت وكالة (سانا) الرسمية.

الزي المدرسي للبنين والبنات معروض في محل بدمشق (الشرق الأوسط)

وبخلاف سنوات ما قبل الحرب، عندما كانت معظم الأسواق، تشهد قبل أسبوع من بدء العام الدراسي الجديد، سيولاً بشرية تتزاحم أقدامها على الأرصفة ووسط الأسواق، لشراء احتياجات الأبناء المدرسية، تراجعت الحركة خلال هذا الموسم إلى حد كبير، وبدت الصدمة واضحة على وجوه الناس في الأسواق، بسبب ارتفاع تكاليف مستلزمات الطالب إلى مستويات خيالية لا قدرة لهم عليها، وسط شكوى أصحاب المحال من ضعف غير معهود في الإقبال على الشراء.

استعارة من الأقارب

«أبو يوسف» موظف حكومي وأب لثلاثة أولاد، اثنان في المرحلة الابتدائية والأخر في مرحلة التعليم الثانوي، يؤكد لنا أثناء تواجده في سوق بإحدى مناطق دمشق الجنوبية، أن الموظف ليست لديه القدرة على شراء ملابس مدرسة لولد واحد، في ظل هذه الأسعار التي يمكن تتسبب له «بالصدمة وحتى الجلطة».

ودون أي إخفاء للأمر، يوضح أنه بالنسبة لطفليه الصغيرين تدبر أمرهما بملابس مدرسية قديمة «ماشي حالها» من عند أقاربه، بينما تمكنت زوجته من الحصول على حقيبتين قديمتين من الجيران، ولكن المشكلة بحسب الرجل، في تدبير أمر ابنه بالمرحلة الثانوية.

يضيف الرجل وابنه الذي نجح إلى الصف العاشر إلى جانبه «الراتب 160 ألف و(ثمن) البنطال والقميص الوسط، أكثر من 175 ألف. ومنذ أسبوع أجول على الأسواق وهو معي ولم نشترِ شيئاً لأن الأسعار نار». ويتابع أن هناك جمعية وعدت أمه بأن تؤمن له ثياباً وحذاءً وقرطاسية الأسبوع المقبل، على حين بدا الحزن على وجه ابنه الذي كان يردد وهو يحبس دموعه عبارة «بابا صحتك بالدنيا... بلا المدرسة... بلا المدرسة».

وبينما كانت محال بيع الألبسة المدرسية والحقائب والأحذية بكامل جهوزيتها، لاستقبال الزبائن، لاحظنا أن معظمها كان خالياً إلا من أصحابها والعاملين فيها. يقول لنا أحدهم: «الغالبية تسأل عن الأسعار وعندما تسمع بها تغادر مباشرة. من بين كل 15 زبوناً، قد يشتري واحد قميصاً أو بنطالاً بعد مجادلة طويلة على السعر، فالناس وضعها المادي سيء للغاية»، لافتاً إلى أن أرباحه اليومية بالكاد تغطي بدل إيجار المحل وأجور العمال والضرائب ومصروف عائلته اليومي.

ازدياد شريحة الفقراء

بحسب تقارير أممية صدرت منذ أشهر، يعيش أكثر من 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، واتسعت هذه الشريحة وفق باحثين محليين، بعد قرار زيادة الرواتب الذي أعلنت عنه الحكومة السورية بداية أغسطس (آب) الماضي، الذي صاحبه قرار آخر بزيادة أسعار الوقود بنسب مضاعفة، مما أدى إلى ارتفاع جديد غير مسبوق بأسعار جميع السلع والخدمات.

تسوق احتياجات التلاميذ من محل في دمشق (رويترز)

وتذكر دراسات أجرتها صحيفة «قاسيون» المحلية، أن متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، قفز خلال النصف الثاني من أغسطس (آب) إلى نحو 10.38 مليون ليرة، مقارنة مع نحو 6.56 مليون ليرة في بداية يوليو (تموز).

أما الحد الأدنى لتكاليف المعيشة، بحسب «قاسيون»، فقد وصل في أغسطس إلى نحو 6.45 مليون ليرة من نحو 4.1 مليون ليرة في الشهر الذي سبقه. في المقابل، ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى 185.9 ألف ليرة سورية؛ أي أقل من 13.6 دولار شهرياً.

المستلزمات المدرسية

خلال جولتنا، تبين أن سعر بنطال المرحلتين الثانوية والتعليم الأساسي - الحلقة الثانية (من الصف السابع حتى التاسع)، يتدرج حسب الجودة من 80 ألف ليرة إلى 200 ألف، والقميص من 65 ألف حتى 150 ألف، بينما الأحذية تتراوح أسعارها ما بين 50 و100 ألف، والحقائب ما بين 100 ألف إلى 200 ألف، واللباس الرياضي ما بين 100 ألف و200 ألف.

وبذلك تصل تكلفة شراء لوازم الطالب الواحد، من لباس مدرسي وحذاء وحقيبة ولباس رياضي بالحد الأدنى، إلى 400 ألف ليرة سورية.

ولا تنته تكاليف مستلزمات الطالب عند ذلك، فهو بحاجة إلى القرطاسية التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، وقد تكون بحاجة الى تجديدها أكثر من مرة خلال العام الدراسي، إذ يصل سعر دفتر السلك الجيد 200 ورقة، الذي يخصصه البعض للمرحلة الثانوية إلى 30 ألف ليرة، عدا عن الكتب المدرسية التي يتجاوز ثمن أقل نسخة منها للمرحلة الثانوية 50 ألف ليرة، لتتعدى تكاليف مستلزمات الطالب المدرسية أكثر من نصف مليون ليرة.

توظيف الأبناء

في ظل هذه الحال، تتجه كثير من العائلات في سبيل متابعة أبنائها لدراستهم، إلى توظيفهم في عمل مسائي بعد انتهاء دوامهم المدرسي. وتوضح «مريم»، التي لديها ولدان في مرحلة التعليم الأساسي - الحلقة الثانية، أن عائلتها «تعيش على تبرعات أهل الخير»، وهي بالكاد تكفي لإيجار المنزل والأكل. وتضيف: «طوال العطلة الصيفية كانا يعملان في محل بقالة، وقد اتفقت مع صاحبه أن يواصلا العمل لديه أثناء العام الدراسي، ولكن في الفترة المسائية بعد أن يعودا من المدرسة»، مشددة على أنه إذا لم تتصرف على هذا النحو، فإن «سامر» و«إياد» لن يتابعا دراستهما.

بسطة لبيع القرطاسية المدرسية جنوب دمشق (الشرق الأوسط)

ومع تفاقم الصعوبات المعيشية، تلجأ كثير من العائلات إلى ترميم ملابس وحقائب وأحذية أبنائها التي كانوا يستعملونها في العام السابق لاستخدامها في العام الدراسي الجديد، وتلفت سهير إلى أن أولادها قبلوا على مضض بالأمر، فالبنطال قصير نوعاً ما والصدرية لونها بهُت والحقيبة جرى إصلاحها بصعوبة، وتضيف لنا: «السنة قبلوا ولكن الخوف إذا استمر الغلاء»، فهي ترى أن استمرار الغلاء سيؤدي إلى عجزها عن تأمين تكاليف دراسة أولادها، وبالتالي سيتركون المدرسة ويدمر مستقبلهم.

الزواج بدل التعليم

أما أبو فراس الذي لديه ثلاث فتيات واحدة في مرحلة التعليم الابتدائي، واثنتان في المرحلة الإعدادية، فقد أكد أنه «عاجز تماماً» عن تأمين تكاليف دراستهن، لأن دخله الشهري من العمل مع معلم «بلاط» يكفي فقط تكاليف الأكل، ويوضح لنا، أن الأمر لم يعد سهلاً فتكاليف اللباس والقرطاسية وأجور النقل والدورات التعليمية، «بدها أموال كثيرة وكما ترى العين بصيرة واليد قصيرة». ويضيف والحسرة تخيم على وجهه: «جاء رجل أربعيني منذ أشهر وطلب سوسن (للزواج) ولم تقبل أمها. حالياً إن جاء خاطب سأزوجها».

وتسببت الحرب في سوريا لأكثر من 12 عاماً، بوصول عدد الأطفال المتسربين من التعليم في عموم مناطق البلاد إلى نحو المليونين و400 ألف طفل، وفق تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مايو (أيار) العام الماضي والذي أكد أن هناك أيضاً مليون و600 ألف طفل تحت تهديد خطر التسرب.

تلاميذ مع أهاليهم في محل لملابس المدارس تم التبرع بها من الأهالي (رويترز)

صدمة المواسم

باحثة اجتماعية في مجال التربية والتعليم توجهنا إليها، توضح أن أي موسم (بدء العام الدراسي، المونة، الأعياد...) بات يشكل «هماً كبيراً للأسر» في مناطق النظام بسبب صعوبة الحياة المعيشية وتزايد تفاقمهما يومياً. وتضيف: «ما يحصل في التعليم خطير جداً ويمكن وصفه كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، لأن عجز الأسر عن توفير وجبة الطعام يجبرها على عدم إرسال أبنائها إلى المدارس وزجهم في العمل لمساعدتها في توفير لقمة العيش، وبالتالي هذا الأمر سيزيد نسبة المتسربين من التعليم. عجز الأسر يجبرها أيضاً على تزويج بناتها بعمر صغير للخلاص من تكليف معيشتهن ودراستهن، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة زواج القاصرات»، معتبرة أن استمرار هذه الأوضاع ستسبب حرمان نسبة كبيرة من الجيل الجديد من متابعة تعليمه والقضاء على مستقبله.

وتحمل الباحثة الاجتماعية حكومة النظام الذي «أوصل العملية التعليمية إلى الحضيض»، المسؤولية عن عجز الأسر عن تأمين متطلبات أبنائها لمتابعة تعليمهم، وتقول: «مع الانهيار المستمر لليرة السورية أمام الدولار المترافق مع ارتفاع جنوني في الأسعار، أصبحت تحمل الجزء الأكبر من تلك النفقات للأسر رغم فقرها المدقع». وتضيف: «الحكومة تقول إنها تواصل تقديم الدعم لقطاع التعليم وإن التعليم مجاني، ولكن حتى على مستوى تأمين أوراق المذاكرات باتت تطلب من الطلاب شراءها!. فعن أي دعم تتحدث؟».


مقالات ذات صلة

التعليم في غزة يواجه صعوبات بالغة بعد استئناف الموسم الدراسي

المشرق العربي مدرسة تحولت إلى مركز إيواء للنازحين في جباليا بشمال قطاع غزة يوم 27 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

التعليم في غزة يواجه صعوبات بالغة بعد استئناف الموسم الدراسي

تواجه محاولات الجهات الحكومية في قطاع غزة لإحياء مسيرة التعليم صعوبات بالغة، بعدما توقفت الدراسة لأكثر من عام في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ طلاب يتجمّعون للاحتجاج في حرم جامعة كولومبيا 29 أبريل 2024 في مدينة نيويورك الأميركية (أ.ب)

واشنطن تلغي تمويلاً لجامعة كولومبيا بتهمة معاداة السامية

ألغت إدارة ترمب منحاً وعقوداً بقيمة إجمالية تبلغ 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك بسبب «التقاعس عن مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزيرة التعليم الأميركية ليندا ماكماهون في مبنى «الكابيتول»... (أ.ف.ب)

ترمب يطلق جهود تفكيك وزارة التعليم معترفاً بالحاجة إلى الكونغرس

أطلق الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، جهوداً لتفكيك وزارة التعليم، مع خفض نحو 80 ألف وظيفة في «إدارة شؤون المحاربين القدامى»، وعدد غير محدد من الـ«سي آي إيه».

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مبنى وزارة التعليم وسط تقارير تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ستتخذ خطوات لسحب التمويل من وزارة التعليم الفيدرالية (رويترز)

ترمب يستعد لإلغاء وزارة التعليم: مسودة أمر تنفيذي تُثير الجدل

يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب إصدار أمر تنفيذي قريباً يهدف إلى إلغاء وزارة التعليم، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء إلقائه كلمة في جلسة للكونغرس بمبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن 28 فبراير 2017 (أ.ب)

ترمب يتعهد بتجميد التمويل للمؤسسات التعليمية التي تستضيف «احتجاجات غير قانونية»

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيقطع التمويل الفيدرالي عن أي مؤسسة تعليمية «تسمح بالاحتجاجات غير القانونية»، في منشور له على منصة «تروث سوشيال» الخاصة به.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إسرائيل تعلن استعدادها الدفاع عن الدروز في سوريا

لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)
لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)
TT

إسرائيل تعلن استعدادها الدفاع عن الدروز في سوريا

لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)
لافتة رفعها الدروز السوريون في 25 فبراير: «السويداء لن تكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا» رداً على التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية (أ.ب)

قالت إسرائيل اليوم (الاثنين)، إنها مستعدة للدفاع عن الدروز في سوريا بعد أيام من أعمال عنف قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنها أدت إلى قتل جماعي لأقلية دينية أخرى.

وبدأت أعمال العنف الأسبوع الماضي، بين مقاتلين مرتبطين بالحكومة السورية الجديدة، وقوات موالية للرئيس المخلوع بشار الأسد.

ووصف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر في تصريح للصحافيين، العنف بأنه «مذبحة للمدنيين»، وقال إن إسرائيل «مستعدة، إذا لزم الأمر، للدفاع عن الدروز»، دون أن يقدم تفاصيل عن كيفية ذلك.

شاب من المحتجين أنزل العلم السوري من فوق مبنى محافظة السويداء ورفع الراية الدينية للموحدين الدروز (إكس)

وتوجد أقليات درزية في إسرائيل وسوريا ولبنان.

وقالت الحكومة السورية اليوم (الاثنين)، إنها أتمت عملية عسكرية ضد التمرد الناشئ. وتركزت أعمال العنف في المحافظات الساحلية التي يقطنها معظم أفراد الأقلية العلوية في سوريا.

والأسد ينتمي للطائفة العلوية الشيعية، وحكمت أسرته سوريا لعقود الأغلبية المسلمة السنية.

مظاهرة حاشدة لأهالي السويداء ضد التدخل الإسرائيلي في سوريا بدعوى حماية الدروز (أ.ب)

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب السورية ومقره بريطانيا، إن 973 مدنياً قتلتهم القوات الحكومية والمقاتلون المتحالفون معها. وأضاف أن أكثر من 250 مقاتلاً علوياً قتلوا، كما قتل أيضاً أكثر من 230 من أفراد قوات الأمن الحكومية.