بلدة الغجر... بؤرة توتر جديدة بين لبنان وإسرائيل

نواب «التغيير» شجبوا موقف الحكومة «المتراخي والمتخاذل أمام الحدث الخطير»

جنود إسرائيليون يتمترسون خلف الشريط الشائك في بلدة الغجر قبل أيام (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يتمترسون خلف الشريط الشائك في بلدة الغجر قبل أيام (أ.ف.ب)
TT

بلدة الغجر... بؤرة توتر جديدة بين لبنان وإسرائيل

جنود إسرائيليون يتمترسون خلف الشريط الشائك في بلدة الغجر قبل أيام (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون يتمترسون خلف الشريط الشائك في بلدة الغجر قبل أيام (أ.ف.ب)

أضاءت زيارة خمسة من نواب كتلة «التغيير» في لبنان إلى محيط بلدة الغجر المحتلة في جنوب شرقي لبنان، على التوتر الناتج عن ضم الجيش الإسرائيلي لمساحات واسعة من الأراضي اللبنانية؛ إذ شجبوا موقف الحكومة اللبنانية «المتراخي والمتخاذل أمام هذا الحدث الخطير»، وطالبوها بـ«الضغط لرفع هذا التعدي الغاصِب والسافر فوراً»، وذلك بعدما باتت نقطة توتر جديدة بين لبنان وإسرائيل.

وثبت الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية سياجاً جديداً ضمّ كامل الجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر إلى الأراضي المحتلة، كما أقام منشآت استخباراتية موجهة نحو الأراضي اللبنانية، وثبت سياجاً معدنياً في محيط كامل الجزء اللبناني المحتل. وتقول مصادر لبنانية إن «ما يحصل هو خطر؛ لأن إسرائيل تسعى لتنفيذ خطة مبيتة لضم المنطقة المحتلة قبل اجتماع مجلس الأمن الدولي للتمديد لقوات (اليونيفيل) في أغسطس (آب) المقبل، ولمنع الدولة اللبنانية من الدخول في حال أي تعديل من قبل مجلس الأمن»، مؤكدة أن ما يجري «هو احتلال ظاهر وواضح».

وكانت الخارجية اللبنانية دعت الأطراف الدولية المهتمة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين والاستقرار في الجنوب والشرق الأوسط إلى «الضغط على إسرائيل للعودة عن خطواتها الاستفزازية»، في حين اعتبر «حزب الله» التطور الأخير «احتلالاً كاملاً للقسم اللبناني من بلدة الغجر بقوة ‏السلاح وفرض الأمر الواقع».

زيارة نواب «التغيير»

خلف متوسطاً حمدان وعون في «الغجر» (الوكالة الوطنية)

وزار النواب ملحم خلف، ونجاة عون، وإلياس جرادي، وياسين ياسين، وفراس حمدان، تخوم البلدة المحاصرة، وقالوا في بيان اليوم (الأحد) إنّ «قَضم العدو الإسرائيلي للجزء الشمالي مِن بلدة الغجر هو عدوان بالغ الخطورة على ‫لبنان، وإمعان في الاعتداء المتمادي على ‫السيادة اللبنانية، وانتهاك صارخ لكل المواثيق والقرارات الدولية، الأمر الذي لا يمكن السكوت عنه ولا يمكن تجاهله».

وقالوا في البيان: «إنّنا نوجد اليوم في قرية الغجر، كما حضرنا منذ سنة إلى الناقورة تأكيداً على حقوق لبنان وأحقيته بالخط (29)، لنعود ونؤكد على تمسّكنا بكلّ ذرة تراب من بلدنا، وبكلّ نقطة مياه من بحره؛ ولا مفاضلة بين منطقة وأُخرى، ولا تمييز بين مواطن وآخر»، مؤكدين أنّ «مفهوم السيادة لا يتجزّأ، وكلّنا مسؤولون عن كلّ الأراضي اللبنانية، ولا مساومة ولا تفريط بأيّ شبرٍ مِن أرض ومياه وطننا ولا بأي ثرواتٍ سيادية تعود لكلّ الشعب اللبناني».

وشجب النواب «موقف الحكومة اللبنانية الخجول والمتراخي والمتخاذل أمام هذا الحدث الخطير، وندعوها مجدداً إلى استنفاد كل الوسائل الضاغطة، من دون أي تلكّؤ، لرفع هذا التعدي الغاصِب والسافر فوراً». وأهاب النواب بالدور البطولي للجيش اللبناني في التصدي لإسرائيل وأطماعها، ودعوه إلى «تثبيت قدرته على مقاومة الاحتلال وتكريس شرعية الجيش على كل الأراضي اللبنانية وجدارته على مواجهة كافة المعتدين على كرامة لبنان وأمنه واستقراره».

وأكد النواب «وجوب قيام وتثبيت دولة مسؤولة عن كلّ مواطنيها، تحميهم وتدافع عنهم، وتمارس عبر مؤسّساتها الدّستوريّة سيادتها الفاعلة وسلطتها الحازمة بعدالة على كامل أراضيها، وتصون حدودها بكلّ المعايير الوطنيّة».

أزمة منذ 23 عاماً

وبلدة الغجر الواقعة على السفح الغربي لجبل الشيخ، احتلتها إسرائيل في عام 1967، ويسكنها مواطنون سوريون. وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، تبين أن السكان تمددوا منها إلى داخل الأراضي اللبنانية المعروفة الآن باسم الجزء الشمالي من بلدة الغجر، حيث أقاموا بعض العمران، فتم فصل البلدة بشريط شائك وعوملت بترتيب خاص؛ إذ يُسمح للسكان بالعبور بالاتجاهين، حيث انسحبت القوات الإسرائيلية من الجانب اللبناني عام 2000، في حين لم يدخل الجيش اللبناني إلى الجزء اللبناني لكونه لا يسكنه مواطنون لبنانيون، بل سكان يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولا يحتك الجيش اللبناني بهم بسبب هذه الحساسية.

دورية للقوات الدولية في محاذاة بلدة الغجر قبل أيام (أ.ب)

وإثر حرب يوليو (تموز) 2006، أعادت إسرائيل احتلال الجزء اللبناني، ويقول الممثل السابق للحكومة اللبنانية مع قوات «اليونيفيل» اللواء عبد الرحمن شحيتلي، إنه بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عقب حرب يوليو 2006، «لم تنسحب إسرائيل من (الغجر) وبقيت النقطة (B14) الحدودية، محتلة، وأخضعت إسرائيل مساحات واسعة إضافية لسيطرتها»، لافتاً إلى أن المساحات الواقعة حول المنطقة المأهولة التي ضمتها إسرائيل، هي مساحات فارغة من السكان ومزروعة بالألغام الإسرائيلية.

وتبلغ مساحة المنطقة المحتلة في «الغجر» 787400 متر مربع، تنقسم إلى منطقة مسكونة بمساحة 192 ألفاً و300 متر مربع، ومنطقة غير مسكونة بمساحة 595100 متر مربع. وتقع البلدة مع الأراضي المحتلة الملحقة بها، على حافة طريق في لبنان يمتد من بلدة الماري في جنوب شرقي لبنان، إلى بلدة العباسية.

حقائق

787400 متر مربع محتلة

من الأراضي اللبنانية في بلدة الغجر، وتنقسم إلى منطقة مسكونة بمساحة 192 ألفاً و300 متر مربع، ومنطقة غير مسكونة بمساحة 595100 متر مربع.

وقال شحيتلي الذي ترأس وفد لبنان الدائم إلى اللجنة الثلاثية في الناقورة بين عامي 2006 و2013: «أجرينا مفاوضات لتنسحب إسرائيل من المنطقة، لكنها كل مرة كانت تتذرع بحجة، وعندما توصلنا إلى اتفاق نهائي مع (اليونيفيل) يقضي بالانسحاب الإسرائيلي منها، ودخول الدولة اللبنانية بسلطاتها المدنية إليها، وبقوة رمزية للجيش؛ وافق الإسرائيليون قبل أن يتراجعوا لاحقاً بذريعة أن السكان الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية اعترضوا لدى المحكمة العليا في تل أبيب، ورفضوا قرار الانسحاب». وقال إن إسرائيل «تحكم المنطقة بالنار، وأجبرت (اليونيفيل) على منع أي لبناني يمر على الطريق المحاذي للقسم الشمالي من (الغجر)، علماً أنها منطقة لبنانية وخارج أي نزاع حدودي».

مبادرة «اليونيفيل»

في عام 2010، حملت قوات «اليونيفيل» خطة للدولة اللبنانية، تقضي بانسحاب عسكري من المنطقة وإبقائها تحت السيطرة المدنية لإسرائيل. وبموجب الخطة، يُمنع على الدولة اللبنانية الدخول إلى المنطقة، في حين تقدم إسرائيل الخدمات للسكان في الجزء اللبناني المحتل، وللمنطقة المحتلة غير المأهولة عبر المؤسسات المدنية، كذلك تقضي الخطة بأن لا تكون المنطقة خاضعة لقوات «اليونيفيل» ولا يوجدون فيها؛ بمعنى أنها لن تكون منطقة محايدة تحت سيطرة أممية، وهو ما يصفه شحيتلي بأنه «خطة لإبقاء المنطقة تحت احتلال مدني إسرائيلي»، لكن الدولة اللبنانية رفضت الخطة بالكامل وأصرت على ترسيم الخط وفق القانون الدولي والخط الأزرق الذي قطع البلدة بشكل ثلثين للبنان وثلث تحت سيطرة إسرائيل. ويشير شحيتلي إلى أن موقف الدولة اللبنانية في ذلك الوقت «أكد ضرورة انسحاب إسرائيل بالكامل، وتنفذ الدولة اللبنانية الإجراءات اللازمة للمحافظة على السكان الموجودين في الجانب اللبناني في (الغجر) من دون شرط إسرائيلي مسبق». وقال شحيتلي: «ما يجري الآن، هو تنفيذ للخطة السابقة، ويحاولون تطبيق ما طلبوه بالتدرج، وفق سياسة خطوة بخطوة»، لافتاً إلى أن ما يجري «هو استراتيجية إسرائيلية للاستحواذ على المنطقة الشمالية عبر خطة تصعيد لا تنزلق إلى حرب، عبر إدخال أطراف ثالثة على خط التفاوض».

مزارع شبعا

وينسحب التوتر حول «الغجر»، إلى توتر آخر في منطقة مزارع شبعا حيث يثبت «حزب الله» خيمتين في منطقة حدودية يقول لبنان إنها عائدة له، وتقول إسرائيل إنها منطقة إسرائيلية. وتطالب إسرائيل قوات «اليونيفيل» بإزالتهما.

وتمثل مزارع شبعا نقطة نزاع حدودي آخر منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، إلى جانب تلال كفرشوبا أيضاً، التي تقع جميعها في مثلث الحدود مع سوريا أيضاً.

ويقول شحيتلي إن إسرائيل احتلت مزارع شبعا على ثلاث مراحل: الأولى بين عامي 1967 و1969، والثانية بين عامي 1969 و1972، والثالثة بين عامي 1972 و1990. ويشير إلى أن ذروة التصعيد كانت في 12 أبريل (نيسان) 1989 عندما رفض الأهالي عرضاً إسرائيلياً للتوقيع على صكوك بيع لممتلكاتهم ومغادرة المنطقة. يومها «حضرت قوة إسرائيلية وأرغمت 300 شخص لبناني على مغادرة أراضيهم باتجاه بلدة شبعا، وطُردوا تحت إطلاق الرصاص عليهم»، لافتاً إلى أنه قبل هذه الحادثة «كانت نحو 400 عائلة تقيم في المنطقة بشكل شبه دائم، في حين تقيم 500 عائلة أخرى بشكل موسمي»، موضحاً أن القوات الإسرائيلية «منعت 600 لبناني يمتلكون الأراضي والمزارع، من الاستثمار في ملكياتهم في مزارع شبعا».


مقالات ذات صلة

قتيل و18 جريحاً من الجيش اللبناني في قصف إسرائيلي على حاجز أمني

المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

قتيل و18 جريحاً من الجيش اللبناني في قصف إسرائيلي على حاجز أمني

أفادت وسائل إعلام لبنانية اليوم (الأحد)، بإصابة عدد من العسكريين بعدما استهدفت إسرائيل حاجز العامرية الأمني على طريق الناقورة في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني خلال مناقشته بنود الورقة الأميركية مع الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين (أ.ف.ب)

مساهمة بريطانية في استحداث مراكز عسكرية للجيش اللبناني على الحدود الجنوبية

تصدرت عودة النازحين إلى بلداتهم في جنوب لبنان أولويات المفاوض اللبناني الذي أزال جميع العوائق أمام عودتهم بمجرد التوصل إلى اتفاق لوقف النار.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزف عون (أرشيفية - رويترز)

قائد الجيش اللبناني: وحداتنا منتشرة في الجنوب ولن تتركه

أكد قائد الجيش اللبناني جوزف عون، اليوم (الخميس)، إن قواته منتشرة في جنوب البلاد ولن تتركه فهو جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يظهر إلى جانب وزير الدفاع يسرائيل كاتس ومسؤولين آخرين (أ.ف.ب)

بموجب أي اتفاق لوقف الحرب... إسرائيل تطالب بالحق في مهاجمة «حزب الله»

طالب مسؤولون إسرائيليون، اليوم (الأربعاء)، بحرية مهاجمة «حزب الله» اللبناني، في إطار أي اتفاق لوقف إطلاق النار، الأمر الذي يثير تعقيداً محتملاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - بيروت)
المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

الجيش اللبناني باقٍ في الجنوب رغم توالي الاستهدافات الإسرائيلية

ارتفع عدد شهداء الجيش اللبنانيين الذين قتلوا إلى 42 عنصراً.

بولا أسطيح (بيروت)

جمال مصطفى: نعم... رفض صدام اغتيال الخميني وعدّه ضيفاً

TT

جمال مصطفى: نعم... رفض صدام اغتيال الخميني وعدّه ضيفاً

خرجَ الدكتور جمال مصطفى السلطان، صهرُ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وسكرتيره الثاني، عن صمته وروَى لـ«الشرق الأوسط» وقائعَ عاشها في المعتقل وإلى جانب عمّه الرئيس.

أكَّدَ جمال مصطفى أنَّ صدام حسين رفض اقتراحاً باغتيال الإمام الخميني في أثناء وجوده في العراق وعده ضيفاً. كمَا أكَّد زيارةَ مسؤول في المخابرات العراقية للخميني خلال وجوده في فرنسا.

ونقل جمال عن صدام قوله في مجلس الوزراء إنَّه عاتب رئيس الأركان الفريق أول الركن نزار الخزرجي على «ما فعله في حلبجة من دون الرجوع إلى القيادة». ودافعَ عن خاله علي حسن المجيد عاّداً أنَّه «لُقّب ظلماً بالكيماوي». كما نقل عن صدام أنَّ الزعيم عبد الكريم قاسم «كان نزيهاً لكن الحزب كلفنا باغتياله».

وقالَ جمال إنَّه عرف بإعدام صدام خلال وجوده في المعتقل، مشيراً إلى أنَّ أعضاء القيادة أدُّوا لدى بلوغِهم النَّبأ صلاةَ الغائب وشاركهم فيها عضو القيادة طارق عزيز. وأكَّدَ أنَّ صدام تعرَّض للإيذاء وكانَ يعرف أنَّه سيُعدم، مشيراً إلى أنَّ أعضاءَ القيادة «مشوا إلى المشنقة ولم يرفَّ لهم جَفن». وأضاف: «كانت خسارة عظيمة (...) حاول الجميع ضبطَ مشاعرهم أمام الخسارة. ولكن حقيقة، نحن الرجال، نخجل من أن نبكيَ رغم أنَّه أمرٌ طبيعي. وعندما يريد أحدٌ أن يقومَ بهذا الموضوع يعزل نفسَه في جانب ما حتى لا يُشاهد».