لبنان يطلب من ألمانيا تزويده بملف رياض سلامة القضائي

استجوب القضاء اللبناني اليوم (الأربعاء)، حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بناء على مذكرة التوقيف الصادرة بحقه في مدينة ميونيخ الألمانية بجرائم عدة بينها تبييض أموال واختلاس، وفق ما أفاد مسؤول قضائي وكالة الصحافة الفرنسية.

وتحقّق دول أوروبية عدة في ثروة سلامة ويشتبه المحققون في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي معقّد، فضلاً عن إساءة استخدامه أموالاً عامة لبنانية على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وقال المسؤول القضائي إن سلامة «خضع لجلسة تحقيق أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، الذي استجوبه في مضمون النشرة الحمراء التي عمّمها الإنتربول، بناء على مذكرة توقيف غيابية أصدرتها المدعية العامة في ميونيخ بجرائم تبييض أموال واحتيال واختلاس وإثراء غير مشروع».

لبنان يتسلم مذكرة توقيف من «الإنتربول» بحق رياض سلامة

قال وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، اليوم (الجمعة)، إن لبنان تلقى مذكرة توقيف من منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) بحق حاكم «المصرف المركزي»، رياض سلامة.

وأضاف مولوي لـ«رويترز» أن السلطات اللبنانية «تناقش بجدية» مصير سلامة، بعد مذكرة «الإنتربول».

وأوضح وزير الداخلية اللبناني أنه سينفذ مذكرة الاعتقال التي أصدرها «الإنتربول» إذا قرر القضاء اللبناني الامتثال لها.

كذلك، قال «تلفزيون لبنان» الرسمي، إن النيابة العامة التمييزية تسلمت نسخة من مذكرة «الإنتربول» بحق سلامة.

وصدرت المذكرة بعد أن أصدرت فرنسا مذكرة لتوقيف سلامة، في إطار تحقيقها فيما إذا كان قد اختلس مئات الملايين من الدولارات من الأموال العامة، وهو اتهام ينفيه سلامة.

القضاء يلاحق رياض سلامة بتهم ارتُكبت في لبنان بمعزل عن الملف الفرنسي 

حدد قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، 15 يونيو (حزيران) المقبل موعداً لاستجواب رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في ادعاء النيابة العامة ضدهما وضدّ ماريان الحويك بجرائم «الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي»، على أن يحدد مواعيد لاحقة لاستجواب رياض وماريان وكلّ من يظهره التحقيق في هذه القضيّة.

تنطلق جلسات الاستجواب منتصف الشهر المقبل، بعد أن ردّ أبو سمرا الدفوع الشكلية المقدمة من وكلاء الدفاع عن الأخوين سلامة والحويك، التي طلبوا فيها «إخراج هيئة القضايا في وزارة العدل من الملف، وإبطال ادعائها لعدم حصولها على إذن مسبق من وزير المال».

وأفاد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، بأن أبو سمرا ردّ الدفوع «بعد أن أرسل وزير المال يوسف خليل كتاباً إلى هيئة القضايا (التي تمثّل الدولة)، فوضها بموجبه اتخاذ ما تراه مناسباً لجهة حماية حق الخزينة اللبنانية، وهذا يشكل موافقة على دور هيئة القضايا في الدعوى». وقال المصدر إن «وكلاء الدفاع عبّروا عن رغبتهم بعدم استئناف قرار ردّ الدفوع وأخذوا علماً بموعد استجواب رجا سلامة»، معتبراً أن «عدم الطعن بالقرار، يعني أن الملف تحرر من القيود القانونية وأطلق يد قاضي التحقيق لتسريع إجراءاته».

ولم تترك مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرتها قاضية التحقيق في باريس أود بوريزي بحقّ رياض سلامة، أي أثر على الملف اللبناني، وأكد المصدر القضائي أن سلامة ورفاقه «يلاحقون أمام قاضي التحقيق في بيروت على أفعال جرمية ارتكبوها في لبنان، لا علاقة لها بما يحصل في فرنسا». وأوضح أن «القاضية الفرنسية وأثناء استماعها إلى سلامة في بيروت أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، طرحت عليه 194 سؤالاً كلّها تدور حول حساباته وعقاراته والمنازل التي يملكها في فرنسا ودول أوروبية أخرى». وجزم المصدر بأن حاكم المركزي «لم يسأل أي سؤال مرتبط بعمل مصرف لبنان والمصارف اللبنانية ولا عن أسعار الصرف والمعاملات المالية الداخلية».

ورداً على سؤال عن عدم تعليق عمل رياض سلامة رغم الشروع بملاحقته قضائياً، ذكّر المصدر بأن «القضاء ليس الجهة المختصة لوقف سلامة ومنعه من ممارسة مهامه، بل الأمر يعود للحكومة». لكنه لفت إلى أن «ثمّة صلاحيات ومهاماً محصورة بشخص الحاكم تحديداً، ولا يمكنه أن يفوض أحداً بها، ومنها توقيعه الإلزامي على كلّ المعاملات الخاصة بالمصارف المراسلة في الخارج، وبصمته على فتح خزنات الذهب وامتلاكه وحده الرمز السرّي لعدد من الأبواب الحساسة في البنك المركزي، حيث لا يجوز تفويض أحد آخر بها، إلّا حاكماً جديداً تعينه السلطة السياسية فتنتقل هذه الصلاحيات له بشكل طبيعي».

وينتظر القضاء اللبناني تلقيه نسخة عن مذكرة التوقيف الفرنسية ليحدد موقفه منها، وأشار مصدر في النيابة العامة التمييزية لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مكتب الإنتربول في لبنان لم يتسلّم هذه المذكرة ليحيلها على القضاء». وأعلن أن «القضاء اللبناني سيتعامل معها وفق ما يقتضيه القانون اللبناني والسيادة الوطنية».

ورأى وزير العدل الأسبق المحامي إبراهيم نجار، أن «مفاعيل مذكرة التوقيف التي أصدرتها القاضية بوريزي محصورة ضمن الحدود الفرنسية، وليس لها أي وقع قانوني في لبنان». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «القضاء اللبناني لا يستطيع أن يحقق بجرائم وقعت في فرنسا، إلا إذا صدر حكم فرنسي نهائي، وحصل تنسيق مع القضاء اللبناني، وبعد إحالة الملف إلى لبنان، حينها تطبق المعاهدات والاتفاقيات الدولية»، لافتاً إلى أن «مذكرة التوقيف الفرنسية لها وقع سياسي ومالي ومعنوي في لبنان، لكن عندما ينتقل الملف من فرنسا إلى لبنان، يصبح القضاء اللبناني صاحب الصلاحية المطلقة».

 

وكيل رياض سلامة يطعن في «قانونية» ملاحقة فرنسا لموكله

بعدما اتخذت الدولة اللبنانية صفة الطرف المدني في الدعوى التي يحقق فيها القضاء الفرنسي في ثروة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في أوروبا، نقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن وكيل الدفاع عن سلامة المحامي الفرنسي بيار - أوليفييه سور أنّ موكّله البالغ من العمر 72 عاماً استُدعي فعلاً للمثول أمام القضاء الفرنسي في 16 مايو (أيار) المقبل، وأنّه «يدرس جدوى» تلبية هذا الطلب. وسلامة ملاحق في فرنسا بشبهة جمع ثروة ضخمة في أوروبا، تشتمل على أموال وعقارات، من خلال ترتيبات مالية معقّدة واختلاس كمّيات ضخمة من الأموال العامة اللبنانية.
ويطعن وكيل سلامة بقانونية الإجراءات المتّخذة في حقّ موكّله، معتبراً أنّ المحقّقين الفرنسيين الذين استمعوا إليه في لبنان في منتصف مارس (آذار) الماضي خالفوا القانون؛ لأنّهم استجوبوه بصفته «مجرّد شاهد»، فيما هم بصدد توجيه اتهام إليه.
ويؤكّد المحامي أنّ قانون العقوبات الفرنسي «يحظر بشكل صارم الاستماع» إلى شخص بصفة «مجرّد شاهد» إذا كانت هناك «ضدّه مؤشرات خطرة أو متّسقة بشأن مشاركته في الجرم» الذي يتمّ التحقيق فيه.
كذلك رفع المحامي سور دعوى أمام قضاء الاستئناف الفرنسي للطعن بقرارات الحجز على أموال موكّله والتي صدرت في مارس 2022. وأرجأت محكمة الاستئناف في باريس الجلسة التي كانت مقرّرة للنظر في هذا الطعن من 4 أبريل (نيسان) إلى 23 مايو.
ويشكل توجيه الاتهام إلى سلامة خطوة كبيرة في التحقيق القضائي الذي بدأ في يوليو (تموز) 2021 في فرنسا، بالتوازي مع إجراءات قضائية أخرى في أوروبا وسويسرا. وذكر مصدر قضائي لبناني أنّ الدولة اللبنانية اتّخذت مؤخّراً صفة الطرف المدني في فرنسا في هذه القضية.
وأوضح المصدر القضائي أنّ بيروت «تريد بالتالي الاحتفاظ بحقّها في أن تستردّ لحساب الخزينة اللبنانية أيّ أموال أو ممتلكات يمكن أن يكون سلامة قد استحوذ عليها بصورة غير مشروعة إذا ما تمّ تجميد هذه الأموال».
وتحرّكت الدولة اللبنانية لرفع دعاوى في أوروبا، وفي الدول التي وضعت حجزاً على أموال أو ممتلكات لسلامة، حتّى يتمّ حجز الأموال لصالح الخزينة اللبنانية في حال تبيّن أنّ مصادرها غير شرعية.
ورفض أحد محامي الدولة اللبنانية في فرنسا الردّ على استفسارات «الصحافة الفرنسية» بهذا الشأن.
وقال المحامي ويليام بوردون، وكيل جمعية «شيربا» وتجمّع «ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان»، وهما طرفان مدنيّان في هذه القضية، إنّ القانون الفرنسي الصادر في أغسطس (آب) 2021 بشأن ردّ ممتلكات تم الاستحواذ عليها بطريقة غير مشروعة «هو الذي يطبّق عندما يتمّ توجيه اتّهام إلى واحد أو أكثر من الموظفين العموميين اللبنانيين». وفي حال أدين سلامة بصورة نهائية وباتّة، فإنّ المحامي بوردون يقول إنّ «الأموال المصادرة بصورة نهائية لن تعود بالتالي إلى الدولة اللبنانية بل ستذهب لتمويل مشاريع لصالح المصلحة العامّة» في لبنان.
وقال وكيل الدفاع عن سلامة إنّ اتّخاذ صفة الطرف المدني في القضية كان «الذريعة المناسبة لإرجاء» جلسة الاستماع التي كانت مقرّرة في 4 أبريل أمام محكمة الاستئناف في باريس، في تأجيل شكّك المحامي أيضاً في مدى قانونيته.
ووفقاً للمحامي سور، لا بدّ للحكومة اللبنانية من أن تضفي الطابع الرسمي على صفة الطرف المدني هذا بمرسوم يصدر عنها.
وقال إنّه إذا لم تصدر الحكومة اللبنانية هذا المرسوم «فسنقدّم شكوى جنائية بتهمة التزوير ومحاولة احتيال».
ووضح مصدر قضائي لبناني أن السلطات اللبنانية لا يمكنها إرغام سلامة على الذهاب إلى فرنسا، لا سيّما أنّه يخضع لمنع سفر فرضته عليه القاضية اللبنانية غادة عون، علماً بأنّ قرار منع السفر هذا يمكن أن يُرفع.
من جهة أخرى، وجّهت قاضية التحقيق المالي أود بوريزي لائحة اتهام رسمية إلى المصرفي المعروف مروان خير الدين (55 سنة)، رئيس مجلس إدارة «بنك الموارد»، على خلفية اتهامه بالارتباط بـ«عصابة إجرامية بهدف اختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية، وخيانة الأمانة، وإفساد موظف عمومي».
وسبق أن استمع محقّقون أوروبيون في لبنان في يناير (كانون الثاني) إلى خير الدين، الذي كان وزيراً في العقد الماضي ووُضع تحت مراقبة قضائية بكفالة قدرها مليون يورو ومُنع من السفر من فرنسا.
ويُشتبه بأنّ «بنك الموارد» لم يتحقّق كما ينبغي من الحسابات التي كان يستفيد منها سلامة، وذلك في مقابل حصول المصرف على مزايا مختلفة من حاكم المصرف المركزي اللبناني.
ويقول المحامي ويليام بوردون إن «عمليات غسل الأموال التي قام بها سلامة والمقرّبون منه ما كان ممكناً أن تحصل إلا بمساعدة مصرفيين في فرنسا وأماكن أخرى».

رياض سلامة يمثل أمام القضائين اللبناني و«الأوروبي»

قال مصدران قضائيان إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وصل لجلسة تعقد في قصر عدل بيروت، اليوم (الخميس)، بمشاركة محققين أوروبيين يجرون تحقيقات تتعلق بما إذا كان قد اختلس ملايين الدولارات من الأموال العامة. وهذه هي المرة الأولى التي يمثل فيها سلامة، الذي يكمل هذا الصيف 30 عاماً في المنصب، أمام مسؤولين قضائيين فرنسيين وألمان، بعد تأجيل جلسة كانت مقررة أمس لأسباب إجرائية عندما اعترض محاميه على وجودهم.
وشهد محيط قصر العدل، امتداداً من المحكمة العسكرية ومقر مخابرات الجيش في محيط المتحف الوطني وصولاً إلى جسر العدلية، اليوم، انتشاراً كثيفاً للجيش، وذلك بالتزامن مع جلسة الاستماع إلى سلامة.
وكانت الدولة اللبنانية، ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، تقدمت بادعاء شخصي في حق كل من حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا توفيق سلامة ومساعدته ماريان مجيد الحويك وكل مَن يظهره التحقيق، «بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي». وينفي سلامة ارتكاب أي مخالفات ويقول إن الاتهامات جزء من محاولة لجعله كبش فداء وتحميله المسؤولية عن الانهيار المالي في لبنان.

وفق المصدر ذاته، قرّر قبلان في نهاية الجلسة «ترك سلامة رهن التحقيق ومنعه من السفر، بعد التثبّت من أنه لا يحوز أي جواز سفر غير الجوازين اللبناني والفرنسي اللذين تم حجزهما» الأسبوع الماضي بعد الاستماع إليه، بناء على مذكرة توقيف أصدرتها قاضية فرنسية بحقّه.

وأضاف المصدر: «طلب قبلان من القضاء الألماني، في كتاب وجّهه عبر الأمانة العامة للإنتربول وتضمّن محضر جلسة الاستجواب، تزويده بكامل ملفّ سلامة للاطلاع عليه واتخاذ المقتضى القانوني بشأنه».

وكان قبلان وجّه الطلب ذاته الأربعاء إلى القاضية الفرنسية أود بوريزي، بعد الاستماع إلى سلامة بناء على مذكرة توقيف فرنسية بالتهم ذاتها، صدرت إثر تمنعه عن المثول في باريس.
 

مذكرة توقيف فرنسية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي

أصدرت القاضية الفرنسية المكلفة التحقيق في أموال وممتلكات حاكم مصرف لبنان المركزي في أوروبا، القاضية أود بوريزي، مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، يوم الثلاثاء، وفق ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية، وذلك بعد أن تغيب عن جلسة استجوابه، فيما قال محاموه إن تغيّب سلامة يعود إلى عدم تبليغه بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي وفق الأصول.

ويشتبه المحققون الفرنسيون في أن سلامة راكم أصولا عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي احتيالي معقّد، وإساءة استخدامه لأموال عامة لبنانية على نطاق واسع. وكان يُرجّح أن يؤدي مثوله أمام القاضية أود بوريزي الثلاثاء إلى توجيه اتّهامات إليه. وقال مصدر قضائي لبنان لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان لن يسلم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للقضاء الفرنسي، مضيفاً أن لبنان «لم يتبلغ رسمياً بالمذكرة، ولا يمكن له أن يتعامل مع هذا الواقع الذي فرضته القاضية بوريزي إلا عند تسلمه نسخة من مذكرة التوقيف الغيابية التي ستعمم على الإنتربول عبر النشرة الحمراء».

وقال المصدر: «لبنان عندما يتسلم النسخة عن مذكرة التوقيف، سيطلب من القضاء الفرنسي تسليمه الملف الذي يتضمن الأدلة والمستندات التي ارتكزت عليها القاضية بوريزي لإصدار مذكرة التوقيف»، وأكد المصدر أنه «إذا ثبت أن الجرائم المدعى عليه بموجبها في باريس جدية وقوية، فعندها سيقوم القضاء اللبناني بمحاكمته في لبنان، بوصفه صاحب الصلاحية لمحاكمة أي مواطن حتى لو ارتكب الجرم خارج الأراضي اللبنانية، خصوصاً أن القضاء اللبناني لا يسمح بتسليم مواطن إلى دولة أجنبية، حتى لو كان حائزاً على جنسية هذه الدولة».

جنود يحرسون مقر مصرف لبنان المركزي في مارس الماضي (أ.ف.ب)

مصادر في باريس

بيد أن مصادر معنية بالملف في باريس عبّرت عن «أسفها» لطريقة تعاون القضاء اللبناني في هذه القضية، وهي تعتبر أن عذر عدم تبليغ سلامة باستدعائه للمثول أمام قاضية التحقيق في باريس «لا يستقيم ويشكل نوعاً من التذاكي السخيف، إذ كيف يمكن أن يصدق أحد أن الأمن اللبناني عجز عن تبليغ سلامة، وكيف اكتفى بمحاولة تبليغه في مبنى مصرف لبنان فقط، ولم يحاول ذلك في منزله مثلا». وتضيف هذه المصادر أن «العملية مكشوفة لأن الصحافة اللبنانية أوردت تدارس الفريق القانوني لسلامة لهذه الحجة، حتى لا يستجيب لاستدعاء القاضية الفرنسية».

ويستند القضاء اللبناني إلى سوابق في هذا الملف، بينها طلب باريس تسليم المدير السابق لشركة «رينو» كارلوس غصن بعد هروبه من طوكيو إلى لبنان، ويحمل غصن الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، كما استند إلى سابقة عدم تسليم زياد تقي الدين الذي اتهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتلقي أموال لحملته الرئاسية لعام 2007 من الزعيم الليبي معمر القذافي، ويحمل أيضاً الجنسيتين اللبنانية والفرنسية.

وقال المصدر القضائي اللبناني: «لبنان رفض في وقت سابق تسليم تقي الدين وغصن، باعتباره صاحب الصلاحية المكانية والمعنوية لمحاكمة مواطنيه على الأراضي اللبنانية». ويجري التحقيق مع سلامة ومساعدته وشقيقه رجا في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل للاشتباه في استيلائهم على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي، وينكر الشقيقان ارتكاب أي مخالفة.

قرار مسبق

وأكد أحد وكلاء سلامة لـ«الشرق الأوسط» في بيروت أنه تلقى معلومات عبر الوكيل الفرنسي لسلامة في باريس، بأن الأخير تلقى معلومات مفادها بأن القاضية الفرنسية بوريزي اتخذت قراراً مسبقاً بتوقيف سلامة، وجهّزت العدة بشكل مسبق لإعداد مذكرة التوقيف.

وقال المصدر إن القرار الذي اتخذه القضاء الفرنسي الثلاثاء «يعتبر متسرعاً، خصوصاً أنه جاء في اليوم الذي حددت فيه الجلسة دون أن تستقصي القاضية الفرنسية أسباب عدم تبلُّغ سلامة موعد جلسته في باريس».

وقال مصدر قضائي آخر مواكب لقضية سلامة إنه وفق القانون «من المفترض أن تبلغ القاضية سلامة مرة أخرى قبل إصدار مذكرة التوقيف». وأضاف «لا يمكن اتخاذ القرار دون إعادة تبليغه»، مؤكداً أن «أي إجراء يُتخذ دون تبليغه رسمياً، سيتعارض مع المعايير القضائية والقانونية التي ترعى سلامة التحقيق وحُسن سير العدالة».

وأصدر سلامة بياناً رأى فيه أن قرار بوريزي «يُشّكل خرقاً لأبسط القوانين، كون القاضية لم تراعِ المهل القانونية المنصوص عليها في القانون الفرنسي، بالرغم من تبلغها وتيقنها من ذلك»، مشيراً إلى أنه سيطعن بهذا القرار «الذي يشّكل مخالفة واضحة للقوانين».

وإذ اتهم القاضية بتجاهل القانون، قال إنها «تجاهلت تطبيق اتّفاقية الأمم المتّحدة لعام 2003، والإجراءات المعترف بها دولياً، التي تستند إليها هي بالذات في إطار المساعدة القضائية الدولية». واتهم التحقيق الفرنسي بـ«ضرب مبدأ جوهري يتعلق بسرية التحقيقات، كونه أصبح واضحاً من المقالات الصحافية، أن الوكالات الصحافية تحصل دون قيد على وثائق التحقيق السرية، كما تأخذ علماً مسبقاً بنيات المحققين والقضاة».

وقال في البيان إن «التحقيقات الفرنسية تعاكس مبدأ قرينة البراءة في تعاملها، وفي تطبيقها الانتقائي للنصوص والقوانين». كما اتهم بوريزي بأنها «أخذت قرارها بناءً على أفكار مسبقة دون إعطاء أي قيمة للمستندات الواضحة المبرزة لها، وهذا ما يتضح أيضا بتشنجها الذي وصل أخيراً إلى حد عدم التقيد بالأصول المفروضة في القوانين الفرنسية وفي المعاهدات الدولية».

محتجون أمام بنك لبنان والمهجر للمطالبة بحقوق المودعين 9 مايو (رويترز)

دفوع شكلية

ويفترض أن يمثل سلامة يوم الأربعاء أمام القاضي شربل أبو سمرا، حيث سيكون للإجراء الفرنسي وقعه في الأوساط اللبنانية والقضائية. واستبق وكلاء الدفاع عن سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك هذا الإجراء بتقديم دفوع شكلية أمام النيابة العامة التمييزية أحيلت إلى القاضي أبو سمرا، طلبوا فيها إرجاء المساعدة القضائية الأوروبية؛ لكونها تتعارض مع التحقيقات الجارية في لبنان. ولفتوا إلى أن «التحقيقات الأوروبية المتعلقة بملف مصرف لبنان، لا تراعي مبدأ وأهداف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد».

وألمحت الدفوع إلى الضغوط التي مارستها القاضية الفرنسية على رياض سلامة خلال جلسة استماعه في بيروت، وسأل مقدمو الدفوع «هل يحقّ للقاضي الناظر بالملفّ (بوريزي) أن يصدر أحكاماً مسبقة والإفصاح عن الإجراءات التي سيتخذها؟ وهل يعقل أن يهدد القاضي المذكور المستمع إليه (سلامة) بإصدار مذكرة توقيف في الملف العالق أمامه في فرنسا، ليعممها على الإنتربول ويمنعه من دخول فرنسا؟». وقد لاحظوا أن «التهديد إلى قمته عندما صرحت القاضية بأنها ستمنعه (سلامة) من زيارة أولاده في فرنسا».

وطلب مقدمو الدفوع «نقل جميع إجراءات الملاحقة بجميع الجرائم الأصيلة، وتركيزها في لبنان أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا»، كما شددوا على ضرورة أن «يطلب أبو سمرا من القضاة الأوروبيين تعليق تحقيقاتهم المتعلقة بالجرائم الأصلية المزعومة في ملف شركة (فوري) وغيرها بشكل نهائي».

وفي باريس، أشار بيار أوليفييه سور، محامي سلامة إلى حجة قانونية إضافية، وهي أن التبليغ أرسل قبل أقل من عشرة أيام من موعد الاستجواب المقرر «الأمر الذي يعني أن النصوص القانونية لم تُحترم، وبالتالي أصبحت دعوى المثول عديمة». وكان أمام القاضية، وفق النصوص الفرنسية أحد حلين: إما دعوته مجدداً للمثول وإما إصدار مذكرة توقيف، وقد اختارت الحل الثاني.

يذكر أن الدعوى القضائية المقدمة ضد سلامة في فرنسا تعود لشهر يوليو (تموز) عام 2021. ويسعى الأخير لرفع التجميد الذي فرض على أصول يمتلكها في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، وتبلغ حوالي 120 مليون يورو، إضافة إلى شقق وممتلكات أخرى. وسبق لسلامة أن استجوبته القاضية الفرنسية في بيروت وأبلغته، وقتها، شفهيا باستدعائه للمثول أمامها في باريس، وأنها ستعمد إلى توجيه اتهامات رسمية له.

يضاف إلى ما سبق أن اتهامات رسمية وجهت لشخصين على علاقة بسلامة: الأولى هي مواطنة أوكرانية اسمها أنا ك.، وله منها ابنة. ويظن القضاء أنها واجهة يحتمي وراءها سلامة. والثاني الوزير اللبناني السابق مروان خير الدين ورئيس بنك الموارد الذي يظن القضاء بشأنه أنه «سهّل» أو «غطى» عمليات الاحتيال المالية لحاكم البنك المركزي.

ومن جانبه، قال المحامي ويليام بوردون وكيل الجمعية المسماة «شيربا» التي هي في أساس الدعوى ضد سلامة إن الأخير «سيتم توقيفه راهناً أو لاحقاً».

ولا تبيح القوانين اللبنانية تسليم المواطنين إلى دولة أجنبية لمحاكمتهم.

وكرّر سلامة خلال جلسة الاستجواب، التي استمرت لأكثر من ساعة، نفي كل الاتهامات الموجهة إليه. وأعاد التأكيد على أن «مصدر ثروته من أعماله الخاصة، وأنه لم يستفد من أي مبلغ من البنك المركزي خارج راتبه الشهري».

ولم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات اللبنانية إزاء مذكرتي التوقيف، لكن وزراء ونواباً طالبوا في تصريحات بتنحيه، علماً أن ولايته تنتهي في يوليو (تموز) المقبل.

وتركّز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة «فوري أسوشييتس» المسجّلة في الجزر العذراء، ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها شقيق الحاكم رجا سلامة. ويُعتقد أن الشركة أدت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من مصرف لبنان عبر تلقّي عمولة اكتتاب، تمّ تحويلها إلى حسابات شقيق الحاكم في الخارج.

وجمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ قبل عام 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و«اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021».
 

حقائق

120 مليون يورو

قيمة الأصول التي جمدتها فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه.

وكان من المقرر أن يمثل رجا سلامة الأربعاء أمام بوريزي في باريس. لكن محاميه قدّم، وفق المصدر، معذرة طبية تفيد بأنه يعاني من مشاكل في القلب ويحتاج عملية قسطرة تتطلب دخوله المستشفى وتحول دون ركوبه الطائرة. وقبلت بوريزي المذكرة وأرجأت استجوابه شهرين، وفق المصدر ذاته.

وكانت بوريزي استدعت مساعدة حاكم المصرف المركزي ماريان الحويك للمثول أمامها في 13 يونيو (حزيران) في الملف ذاته الذي يلاحق به سلامة.