لندن لا تنفي الاتصال مع الحوثيين وتشيد بدور السفير السعودي

اللورد أحمد لـ«الشرق الأوسط»: على الحوثيين وقف الهجمات... وما نريده من اليمن هو السلام

TT

لندن لا تنفي الاتصال مع الحوثيين وتشيد بدور السفير السعودي

وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط (الشرق الأوسط)
وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط (الشرق الأوسط)

لم ينفِ وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، اللورد طارق أحمد، وجود قنوات اتصال خلفية مع الحوثيين، كما لم يخفِ إعجابه بالدبلوماسية التي تتخذها السعودية، وسفيرها لدى اليمن محمد آل جابر، في دعم السلام و«الجسور» التي توفرها لحلّ الأزمة التي بدأت في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 بانقلاب الحوثيين، وتستمر حتى اللحظة.

ودعا اللورد الحوثيين إلى وقف الهجمات التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، وربط ذلك بعملية السلام، في موقف لم يستغربه المتابعون للشأن اليمني، نظراً لمطابقته الموقف الأميركي.

التقت «الشرق الأوسط» الوزير بمقرّ الخارجية البريطانية في منطقة «وايتهول» الشهيرة وسط لندن، وهي مقر الحكومة ورئيسها الساكن في الشارع المجاور بعنوان «10 داونينغ ستريت».

جلّ المقابلة كان عن الشأن اليمني، وهو ما يشغل بدوره حيزاً من جدول الوزير. فقبل اللقاء، التقى اللورد أحمد رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك، الذي زار لندن بدعوة رسمية، والتقى وزير الخارجية اللورد ديفيد كاميرون، ووزير الدفاع غرانت شابس.

تزامن ذلك مع إعلان المملكة المتحدة زيادة الدعم المالي، الذي تقدمه إلى اليمن عبر مؤسسات دولية، بمبلغ يلامس 177 دولاراً (139 مليون جنيه إسترليني)، وهو رقم لافت، بزيادة 56 في المائة، مقارنة بالدعم السابق، ويساهم في توفير الغذاء لأكثر من 850 ألف شخص، وعلاج 7000 ألف طفل ممن يعانون سوء التغذية.

السلم والبحر... مقاربات متباينة

يبدو أن مقاربات الحكومة اليمنية والحوثيين والدول الصديقة لليمن متباينة حول استئناف عملية السلام وربطها بالعمليات في البحر الأحمر.

من خلال الحديث مع قيادات ومسؤولين في مختلف الأطراف، يظهر أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدعمان خريطة الطريق الأممية بشرط توقف الحوثيين، ولديهما أسباب، أبرزها استخدام الأمر ورقة ضغط على الحوثيين.

لكن الحكومة اليمنية قد تتوافق مبدئياً مع رأي الحوثيين بأن ربط العمليتين «يحتاج مراجعة»، كما يقول رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد بن مبارك، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، لكن الأساس الذي تنطلق منه يختلف مع الحوثيين، فالحكومة ترى أن توقف العمليات لن يحوّل الحوثيين إلى دعاة سلام، ولن يوقف التحشيد والتصعيد الداخلي والاقتتال.

في المقابل، يأتي سبب تمسك الحوثيين بالفصل هو مزاعم الجماعة أن عملياتهم تستهدف إسرائيل، وليست في إطار أي مماحكات داخلية يمنية.

ولا يرى اللورد أحمد أن الجماعة سوف تستطيع أن تحقق السلام من دون توقف العمليات البحرية. ويقول: «من المؤكد أن الأمرين مترابطان، فليس بإمكانهم أن يستمروا في شنّ هجمات في البحر الأحمر، بينما يراودهم الأمل في أن يأتيهم السلام بطريقة أو بأخرى. هذا غير مقبول، وإنما عليهم وقف الهجمات الآن، وأن يضعوا تلك الأسلحة جانباً، وأن يجلسوا على طاولة المفاوضات. وهذا طلب واضح للغاية من جانب المملكة المتحدة».

يضيف الوزير: «لقد استمر الصراع في اليمن لفترة طويلة للغاية، ويعاني المواطنون العاديون بسببه بشدة. اليمنيون يريدون السلام، ونحن نؤمن بهذا المسار. ويعني ذلك، تبني العمل الذي جرى إنجازه، خاصة مع الشركاء، مثل المملكة العربية السعودية».

وكان المبعوث الأممي لليمن قريباً من رسم خريطة سلام يمنية، بعدما تسلم التزامات عالية، لم يثنِه عنها سوى التصعيد الذي بدأه الحوثيون بمزاعم نصرة غزة.

ويرى محمود شحره، الباحث في المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية (شاتام هاوس)، أنه إذا أرادت بريطانيا وتحالف الازدهار أن ينجحا في وقف الهجمات الحوثية «فعليهم توحيد الأهداف مع اليمن والإقليم»، وحتى ينجح ذلك يقول شحره لـ«الشرق الأوسط»: «إن عليهم التنسيق بشكل أكبر مع شريكهم المحلي في اليمن، وهو الحكومة، وشركائهم الإقليميين، وعلى رأسهم السعودية والإمارات».

الأمر الآخر، يتمثل في «دعم الحكومة اليمنية عسكرياً»، بحسب الباحث الذي يرى أن ذلك سينتج عنه توحيد وتماسك رؤية مجلس القيادة الرئاسي.

الاتصالات مع الحوثيين

«يبقى من المهم ما أثرته بشأن إبقاء القنوات الخلفية مفتوحة»، يرد اللورد أحمد على سؤال حول بقاء الاتصال مع الجماعة، وهو أمر لا تخفيه لندن سابقاً، ولم تنفِه حالياً، فسفيرها الأسبق لدى اليمن مايكل آرون قال في مقابلة سابقة مع «الشرق الأوسط» إنه تناول الغداء مع محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين والمقيم في مسقط.

يقول اللورد أحمد: «من المهم التنويه هنا بأننا لا نعترف بالحوثيين باعتبارهم الحكومة الشرعية لليمن. تعاملنا مع الحكومة اليمنية، ويظل من المهم أن نملك القدرة على نقل رسائلنا. في الوقت ذاته، يضطلع سفير السعودية (محمد آل جابر) بدور جيد ومهم للغاية في بناء جسور التواصل. ونأمل أن نعاين، إن شاء الله، تقدماً نحو السلام في الشرق الأوسط، على أصعدة الصراعات المختلفة المستعرة هناك».

ويؤكد الوزير على أهمية إبقاء الاتصالات مفتوحة مع الأطراف، ويستدل بالعلاقة مع طهران، قائلاً: «رغم أن إيران هي من يقف وراء كثير من التمويل والدعم الذي يحصل عليه الحوثيون، فإننا ما نزال نحتفظ بعلاقاتنا الدبلوماسية معها. ويتيح ذلك لوزير الخارجية ديفيد كاميرون أن يتصل هاتفياً بوزير الخارجية الإيراني، عندما تكون هناك قضية مباشرة نرغب في إثارتها معهم. نحن لا نعمل بالاعتماد على روح التحدي، وإنما التفاعل المباشر».

وفيما يخصّ اليمن تحديداً، يجزم اللورد أحمد بأن بلاده انخرطت بشكل إيجابي في هذا الشأن، «ونجحنا في سد الفجوة بين السعودية و(الأمم المتحدة)، ونحرص على العمل داخل إطار (الأمم المتحدة)، وما يتعين علينا إنجازه الآن وضع حدّ للهجمات غير القانونية على عمليات الشحن التجاري من جانب الحوثيين، وإجبارهم على إظهار جديتهم تجاه السلام والجلوس على طاولة المفاوضات».

ويشدد الوزير على أن السلام في اليمن يجب أن يكون شاملاً، وأن يتضمن الحكومة اليمنية، ويسعى إلى تلبية احتياجات وتطلعات وأمن واستقرار «الشركاء الإقليميين الرئيسيين» لبلاده، وهما السعودية والإمارات. يقول اللورد أحمد: «في الوقت الراهن، تبدو التحديات هائلة. ونحن بحاجة إلى ضمان استمرار تمرير هذه الرسائل، سواء أكان ذلك عبر دولة ثالثة، أم قنوات سرية. والآن، ثمة فرصة لصنع السلام، خاصة أنه السبيل الوحيدة للتقدم على صعيدي الاستقرار والأمن».

الحوثيون وإيران... شكل العلاقة

سألت «الشرق الأوسط» الوزير: «هل الاعتقاد بمحدودية النفوذ الإيراني داخل الحوثيين ما زال قائماً اليوم، حتى بعد هجمات البحر الأحمر؟»، فأجاب بالقول: «حسناً، هذا ليس موقف المملكة المتحدة، إذ نعتقد أن ثمة رابطاً بين الجانبين. إذا نظرت إلى مصدر الأسلحة التي يحصل عليها الحوثيون، فستجد أن هناك صلة قوية تربطهم بإيران. ومن الواضح لنا أن إيران هي من تمدّ الحوثيين بالسلاح، لتمكنهم من شنّ العمليات غير القانونية في البحر الأحمر، وكذلك للعمل على إطالة أمد الصراع في اليمن»، مضيفاً: «ما أعتقده اختلافاً هو أنه ليس كل عمليات القيادة والسيطرة داخل الحوثيين تأتي من إيران».

ويشدد الوزير على أن عمليات الحوثيين ليست عسكرية وحسب، وإنما تستهدف الطرق التجارية: «وإذا نظرنا إلى السياق الأوسع، فسنجد أن 15 في المائة من عمليات الشحن تمر عبر البحر الأحمر». ويعدّ كامل العمليات التي تتولاها بلاده بالمشاركة مع الولايات المتحدة تأتي في إطار مواجهة التحدي الحوثي.

«هذه الهجمات على عمليات الشحن التجاري تخلف تداعياتها علينا جميعاً». يقول الوزير: «في الواقع، إنها تؤثر على كل سفينة تتجه من الشرق إلى الغرب. كما أنها تؤثر على جيوب الناس... وعليه، هناك إدراك حقيقي أن الحوثيين يشكلون تحدياً حقيقياً لنا فيما يتعلق بالشحن البحري، ناهيك عن التحديات الأخرى التي يمثلونها، وعلى رأسها التسليح الذي توفره إيران لهذا الجزء من العالم».

اللورد والتكرار... أوقفوا الهجمات

كرّر الوزير كلمة «أوقفوا الهجمات»، ويقصد بها هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، وحديثاً يزعمون مهاجمة سفن في المتوسط.

وبسؤاله؛ هل تعتقد أنهم سيتوقفون قريباً؟ قال: «لا أريد التكهن بما قد يفعله أو لا يفعله الحوثيون. ومع ذلك، فإن أحد الأشياء التي أظهروها أنه إذا نظرنا إلى الشهر الماضي أو نحو ذلك، كان هناك بعض الهدوء في البداية في منتصف أبريل (نيسان) تقريباً، فيما يخص الهجمات ضد السفن التجارية بالبحر الأحمر. إلا أننا شهدنا فجأة ارتفاعاً طفيفاً مرة أخرى. الآن، يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد». متابعاً: «في الواقع، الحوثيون أنفسهم مسؤولون عن أفعالهم. كما أنهم مسؤولون عن نظرة الناس والبلدان الأخرى لهم. وما أظهروه من خلال تصرفاتهم الأخيرة هو أنهم بعيدون عن أن يكونوا لاعباً موثوقاً به».

أما الشيء الوحيد الذي يتركز عليه الاهتمام، بحسب الوزير، فهو «الحاجة إلى إرساء الاستقرار والأمن في جميع أنحاء المنطقة». يقول اللورد: «للمملكة المتحدة مصلحة مباشرة في ذلك، لأن كثيراً من أصدقائنا وشركائنا موجودون في تلك المنطقة، ونودّ العمل معهم، ولهذا السبب، فإننا ندعم بقوة المبادرات التي طرحتها السعودية».

في هذا الصدد، «أؤكد أن سفير السعودية (لدى اليمن محمد آل جابر) شخص أعرفه جيداً، وتعاونت معه، وتحدثت إليه الأسبوع الماضي».

لكن ثمة أمراً أساسياً آخر هنا، وهو وفقاً للوزير: «تعاوننا مع الحكومة اليمنية، فجدير بالذكر هنا أن رئيس وزراء اليمن موجود حالياً في لندن، بينما نتحدث، وقد التقيت به، وأجرينا مناقشة مثمرة للغاية حول التفاصيل. وسعياً لإعطاء الحكومة اليمنية شعوراً بالطمأنينة، التقينا رئيس مجلس القيادة ووزير الخارجية، الذي أعرفه على المستوى الشخصي، علاوة على رئيس الوزراء».

لم تقتصر هذه اللقاءات عليّ فحسب، يقول الوزير: «ففي أثناء زيارته، التقى رئيس الوزراء اليمني أحمد بن مبارك كذلك بوزير الخارجية ووزير الدفاع، لأن هذه علاقات مهمة نحرص على بنائها، ونرغب في أن تكون العملية السياسية الجارية اليوم، التي يشارك بها المبعوث الخاص غروندبرغ، شاملة، وكذلك العمل على ضمان أن الحكومة اليمنية ليست مجرد جزء من الهامش، وإنما تضطلع بدور مركزي في المفاوضات من أجل إقرار سلام مستدام في اليمن».

قوائم الإرهاب

عندما شرعت في مجابهة الحوثيين بحراً، طعّمت واشنطن استراتيجيتها بخطوات ناعمة، تمثلت في تصنيف قيادات وكيانات وأفراد في قوائم الخزانة الأميركية، كما صنفت الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب.

لم تتخذ المملكة المتحدة القرار نفسه. ويؤكد الوزير أن «الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ليستا في وضع مقارنة»، وأنهما مختلفان تماماً من حيث كيفية تحديد التصنيفات أو التقييمات.

ومع ذلك، يقول اللورد: «لا نتكهن بما قد يحدث في المستقبل فيما يتعلق بالجماعات الإرهابية، فهذا أمر يعود إلى زملائنا في وزارة الداخلية. أما الشيء الوحيد الذي نحن واضحون بشأنه فهو أن الحوثيين يعطلون الملاحة البحرية التجارية في الوقت الحالي، ويلحقون كذلك أضراراً لا توصف باليمن وأبناء اليمن من المواطنين العاديين، جراء أفعالهم في البحر الأحمر، ورفضهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي رأيي، إن ما يجب أن يحدث هو وقف العمليات في البحر الأحمر بشكل دائم، وعلى أساس مستدام، والتوقف عن مهاجمة السفن التجارية، وليس السفن البريطانية والأميركية والغربية فقط، وإنما أي سفن تجارية تمر هناك.

ويعيد الوزير التأكيد على «قوة التعاون الذي بنيناه مع دول أخرى على هذا الصعيد، هناك بعض الأطراف التي لا تشارك في العملية، لكنها تبقى رغم ذلك جزءاً لا يتجزأ من الأمن في البحر الأحمر. وفي الواقع، يصبّ وقف الهجمات في صالح الجميع، ويجب إقرار ذلك».

ماذا تريد لندن من اليمن؟

لم يكن السؤال يشبه العنوان عند طرحه، فقد كان أطول بكثير، إذ نقلت «الشرق الأوسط» التساؤل الذي تطرحه بشكل مستمر نخب وشخصيات عامة من اليمن.

إجابة الوزير جاءت بلا مفاجأة، إذ قال باختصار: «السلام»، ثم أردف قائلاً: «صحيح أنها مهمة بسيطة، ولكن القيام بها يعد أمراً معقداً للغاية»، ثم مضى يقول: «لقد كان هناك بعض التقدم الجيد الذي تم إحرازه (في اليمن) قبل التداعيات البغيضة التي خلّفها (هجوم) 7 أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل، والتي تكون ذات صلة عندما نتحدث عن إيران والجماعات التي ترعاها. ومرة أخرى، فإن حركة (حماس) تعد مثالاً جيداً على ذلك، ولكن التصعيد الذي رأيناه بعد ذلك جاء في الوقت الذي كنا نقترب فيه أكثر فأكثر من الهدف المنشود (خريطة السلام اليمنية)، إذ جرى تعزيز بعض التنسيق، وإنجاز بعض الأعمال الإيجابية في (الأمم المتحدة)... وتحدثت في وقت سابق عن المبادرة السعودية، وقطعاً، من المهم أن نولي اهتماماً لهذه العملية، ونتأكد من استمرار الزخم تجاهها».

عاد الوزير مرة أخرى ليوجه رسالة للحوثيين، قائلاً: «إذ كان الحوثيون جادين بشأن السلام، يتعين عليهم التخلي عن أسلحتهم، والتوقف عن شنّ هذه الهجمات، والجلوس على طاولة المفاوضات، من خلال عملية يمنية شاملة لضمان مشاركة جميع الأطراف»، معللاً ذلك بأن السلام هو «المسار الذي نريده و يريده الشعب اليمني (...) حتى يتمكنوا من البدء من جديد، وإعادة بناء حياتهم».

المساهمات الإنسانية

عدد الأشخاص الذين يعانون في اليمن يبدو هائلاً، يقول الوزير: «لهذا السبب أعلنّا في الأيام القليلة الماضية مرة أخرى عن زيادة بأكثر من 56 في المائة في التمويل والدعم للجهود الإنسانية هناك، إذ تمكنّا من الحصول على ما يصل إلى نحو 139 مليون جنيه إسترليني لتمويل الدعم الإنساني الذي يجب أن يصل إلى الفئات الأكثر احتياجاً هناك».

دعونا نكون واضحين للغاية، يكمل اللورد: «فسواء كنا نتحدث عن اليمن أو في أي مكان آخر في العالم، فعندما تحدث الصراعات تكون الفئات الأكثر ضعفاً هي الأكثر تأثراً، وهي الفئة التي غالباً ما يشكل الأطفال والنساء غالبيتها، ولكن الفئات المهمشة الأكثر ضعفاً أيضاً تعاني بشكل أكبر، وواجبي الأول سواء أكنت وزيراً في المملكة المتحدة، أم أي شخص آخر يسعى لتمثيل شعبه في أي مكان حول العالم، كما أن الواجب الأول لأي حكومة مسؤولة هو أمن ورفاهية شعبها. ولذا فإنه سيكون من الحكمة بالنسبة للحوثيين أن يدركوا ذلك من أجل وقف الهجمات، حيث يجب أن ينظروا إلى أمن واستقرار ورخاء ومستقبل هؤلاء الأطفال اليمنيين الصغار والصبيان والفتيات، وأن يتأكدوا من أن مستقبل هؤلاء سيكون إيجابياً».

وفيما يتعلق بالتنمية، يرى الوزير أن بلاده تريد ضمان أن تتركز الأولوية في كل الدعم الذي تقدمه على الفئات الأكثر ضعفاً، «وهو ما يعني التركيز أيضاً على النساء والفتيات، فهذه أولوية تنموية بالنسبة للمملكة المتحدة، كما أننا نتطلع إلى إيصال الدعم أيضاً إلى المواطنين العاديين في اليمن بشكل مباشر».



تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.


هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
TT

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)

لجأ عناصر وقادة حوثيون إلى ممارسة الابتزاز، والمساومة للحصول على شهادات الماجستير، والدكتوراه، في ظل تنافس أجنحة الجماعة على المناصب، والموارد، بينما يغرق التعليم الأكاديمي بالتمييز، والتطييف، واستغلال مؤسساته، وموارده لتقوية شبكات الولاء، والسيطرة على المجتمع.

ويساوم الحوثيون الملتحقون ببرامج الماجستير والدكتوراه طلاباً حاليين، وسابقين، لمساعدتهم في إعداد رسائلهم، من خلال إجراء البحوث، والدراسات، ويساهم القادة المعينون في مواقع قيادية في تلك الجامعات في عمليات الابتزاز من خلال اختيار الطلاب المتفوقين، والتنسيق بينهم، والقادة الساعين للحصول على المساعدة.

وكشف أحد الطلاب الملتحقين بدراسة برنامج للماجستير في كلية الآداب في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن منعه من دخول الحرم الجامعي بعد رفضه الاستجابة لضغوط شديدة، وإغراءات للقبول بمساعدة اثنين من القادة الحوثيين في إعداد الدراسات والأبحاث الخاصة بهما، وتضمنت الإغراءات إعفاءه من بعض الرسوم المطلوبة، ووعود بتوظيفه عند الانتهاء من الدراسة.

وأضاف الطالب الذي طلب التحفظ على هويته، حفاظاً على سلامته، أن عدداً من زملائه وافقوا على إعداد رسائل الماجستير لقادة وعناصر حوثيين مقابل حصولهم على بعض الامتيازات، والمكافآت المالية، في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها السكان في مناطق سيطرة الجماعة.

طالبات في جامعة صنعاء خلال حفل تخرج (غيتي)

وأكّد أن إقبال عناصر الجماعة على الالتحاق بالجامعات للحصول على مختلف الشهادات الجامعية أصبح ظاهرة ملحوظة في جامعة صنعاء، واصفاً ذلك بالتهافت، والذي يرى أنه يأتي في سياق التنافس على المناصب في المؤسسات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة.

اختراق المجتمع

تسعى الجماعة الحوثية، وفقاً لمصادر أكاديمية، إلى نفي تهمة العبث بالتعليم الأكاديمي، بإلزام عناصرها وقياداتها الملتحقين بالدراسة في مختلف الجامعات بالحصول على شهادات أكاديمية من خلال إعداد دراسات وأبحاث حقيقية وفقاً للمعايير العلمية، بعد أن تعرضت، خلال الفترة الماضية، للتهكم، بسبب حصول عدد من قادتها على شهادات عليا بسبب نفوذهم، وتحت عناوين تفتقر لتلك المعايير.

وأعلنت الجماعة الحوثية، في فبراير (شباط) الماضي، حصول مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم الحوثي الانقلابي، على درجة الماجستير، في واقعة أثارت استنكاراً واسعاً، وكثفت من الاتهامات لها بالعبث بالتعليم العالي، والإساءة للجامعات اليمنية.

الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

وتتنافس تيارات وأجنحة داخل الجماعة الحوثية للسيطرة على القطاعات الإيرادية بمختلف الوسائل، ويسعى قادة تلك الأجنحة إلى بسط نفوذهم من خلال تعيين الموالين لهم في مختلف إداراتها.

وتقول المصادر الأكاديمية لـ«الشرق الأوسط» إنه بسبب هذا التنافس بين هذه الأجنحة لجأ عدد من القادة الحوثيين إلى إطلاق معايير مختلفة للتعيينات، ولم يعد الولاء لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي حكراً على أحد داخلها، وتراجع معيار تقديم التضحيات من خلال القتال في الجبهات، أو إرسال الأبناء والأقارب إليها، بعد توقف المواجهات العسكرية مع الحكومة الشرعية.

ولجأ قادة الجماعة إلى المزايدة على بعضهم بالشهادات الجامعية التي حصلوا عليها، وتبرير استحقاقهم للمناصب بما يملكون من مؤهلات علمية، خصوصاً أن غالبيتهم لم يتلقوا تعليماً بسبب انتمائهم للجماعة، وانشغالهم بالقتال في صفوفها، إلى جانب أن العديد من العناصر التحقوا بها للحصول على النفوذ، وتعويض حرمانهم من التعليم.

وتطلب الجماعة من عناصرها الالتحاق بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية المستحدثة، للحصول على شهادة البكالوريوس تحت مبررات مختلفة، منها تعزيز «الهوية الإيمانية» لهم، وتأهيلهم في مواجهة «الغزو الفكري».

احتفالية حوثية في جامعة صنعاء في الذكرى السنوية لقتلاها (إعلام حوثي)

ويرى أكاديميون يمنيون أن الغرض من إنشاء هذه الجامعة وإلحاق آلاف العناصر الحوثية بها هو تطييف التعليم، واستغلال مخرجاته في تمكين الجماعة من إغراق المؤسسات العامة بعناصر موالية لها لإدارة شؤون المجتمع بالمنهج الطائفي، وتبرير منحهم المناصب القيادية العليا في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها.

تمييز وفساد

يتلقى الطلاب في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية التابعة للجماعة الحوثية، بحسب مصادر مطلعة، تلقيناً حول إدارة المجتمع بمنهجية مستمدة مما يعرف بـ«ملازم حسين الحوثي»، وهي مجموعة من الخطب والمحاضرات التي ألقاها مؤسس الجماعة، وتعدّ مرجعاً لتوجيه الأتباع، وغرس أفكارها في المجتمع.

في غضون ذلك، أبدى عدد من طلاب جامعة صنعاء استياءهم من الفساد التعليمي، والتمييز الذي تمارسه الجماعة، بمنح المنتمين إليها درجات عالية في مختلف المواد والمقررات الدراسية رغم عدم حضورهم، أو تلقي الدروس، والاكتفاء بحضور الامتحانات.

أساتذة في جامعة صنعاء انتفضوا سابقاً ضد الممارسات الحوثية وتعرضوا للإقصاء (إعلام محلي)

وبَيَّن عدد من الطلاب لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة خصصت 10 درجات في كل مادة لكل طالب يشارك في فعالياتها التعبوية، وكلفت بعض الموالين لها من زملائهم بإعداد كشوفات لتسجيل حضور ومشاركة الطلاب في تلك الفعاليات.

وطبقاً لهؤلاء الطلاب، فإن المكلفين بمراقبة الحضور والمشاركة في الفعاليات لا يحضرون إلى قاعات الدراسة، ولا يشاركون في الدروس العملية، ولا يمكن مشاهدتهم إلا خلال فعاليات التعبئة.

وبسبب هذا التمييز والفساد يضطر عدد من الطلاب إلى الانضمام للجماعة للحصول على تلك الامتيازات، وضمان النجاح دون مجهود دراسي، والحصول مستقبلاً على وظيفة دون عناء.