مذكرة توقيف ألمانية لحاكم «المركزي» اللبناني

دول أوروبية تستعدّ لإجراءات مماثلة بحق سلامة... والقضاء يستجوبه حول مضمون النشرة الحمراء

صورة من الأرشيف لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة في مكتبه (أ.ف.ب)
صورة من الأرشيف لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة في مكتبه (أ.ف.ب)
TT

مذكرة توقيف ألمانية لحاكم «المركزي» اللبناني

صورة من الأرشيف لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة في مكتبه (أ.ف.ب)
صورة من الأرشيف لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة في مكتبه (أ.ف.ب)

كرّت سبحة الإجراءات القضائية الأوروبية ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إذ قبل ساعات من مثوله أمام النيابة العامة التمييزية واستجوابه في مضمون «النشرة الحمراء» الصادرة عن «الإنتربول» الدولي، تنفيذاً لمذكرة التوقيف الفرنسية، أصدر القضاء الألماني مذكرة توقيف بحقه بجرائم «الفساد والتزوير والاختلاس وتبييض الأموال»، ليوسّع من خلالها دائرة الملاحقات، ويضع القضاء اللبناني أمام اختبار بشأن قدرته على التعامل مع هذه التطورات المتسارعة.

حتى الآن لم يتسلّم لبنان رسمياً المذكرة الألمانية، لكنّ مرجعاً قضائياً أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «النيابة العامة التمييزية تبلّغت شفهياً من المدعية العامة في ميونيخ التي شاركت في التحقيقات التي جرت في بيروت بإصدار مذكرة التوقيف بحق سلامة». وقال إن «المذكرة صدرت بصيغتها المحليّة (في ألمانيا)، وسوف تعمّم خلال الساعات المقبلة عبر (الإنتربول) الدولي لتأخذ طريقها للتنفيذ».

وبدا لافتاً أن الجانب الألماني اتخذ هذا الإجراء من دون استدعاء سلامة أو تحديد موعد لاستجوابه كما فعلت القاضية الفرنسية أود بوريزي، إلّا أن المرجع القضائي رأى أن «القرار يأتي في سياق توحيد الإجراءات الأوروبية، خصوصاً لدى الدول التي شاركت بالتحقيق في بيروت، والتي رأت أن الإفادات التي أدلى بها الحاكم وعدد من المستمع إليهم كافية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات». ورأى أن «لبنان لا يتعامل مع هذه المذكرة إلّا عندما تتحوّل إلى نشرة حمراء، وتعمم عبر «الإنتربول»، وحينما يتسلّمها سيتبع المعايير نفسها التي اعتمدها مع مذكرة التوقيف الفرنسية». وتوقّع المصدر أن «تحذو دول أخرى هذا المنحى، لا سيما تلك التي لديها ملفات قضائية لحاكم المركزي وهي لوكسمبورغ، بلجيكا، سويسرا وبريطانيا، وقد تتوسّع إلى دول أخرى لديها حسابات مالية عائدة لسلامة ومقربين منه».

ومن المقرر أن يمثل رياض سلامة ظهر الأربعاء أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان بعد تبلّغه مذكرة استدعائه، وتوقّع مصدر في النيابة العامة التمييزية أن «تكون جلسة استجواب سلامة قصيرة، حيث يطلعه قبلان على مضمون الاتهامات الواردة بحقّة في النشرة الحمراء». وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن سلامة «سيحضر مع وكيله القانوني، وسيدلي برأيه في الجرائم المسوقة ضدّه، وبعدها سيقرر القاضي قبلان مصادرة جوازي سفره اللبناني والفرنسي، ويمنعه من مغادرة الأراضي اللبنانية، ويتركه رهن التحقيق». واستبعد أن يجري توقيفه حالياً خصوصاً أن القضاء اللبناني لم يضع يده على الأدلة التي استندت إليها القاضية بوريزي لإصدار مذكرة التوقيف.

وقال: «فور الانتهاء من استجواب الحاكم، سيراسل لبنان الجانب الفرنسي، ويطلعه على مآل الاستجواب، ويطلب إيداعه ملف الاسترداد الذي يتضمّن الأدلة والمعطيات ليُبنى على الشيء مقتضاه».

 

إحراج الحكومة

وزادت المذكرة الألمانية من إحراج الحكومة اللبنانية العاجزة عن إقالة الحاكم وتعيين بديل له، وجدد وزير العدل اللبناني هنري الخوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مطالبته بـ«تنحية سلامة عن منصبه؛ لأن وضعه القانوني ليس سليماً، ولا يجوز أن يبقى في مهامه». وقال الخوري: «صحيح أن هناك شروطاً محددة لإقالة الحاكم ومنها الإخلال بالواجبات الوظيفية». وسأل: «ألا تعني مذكرات التوقيف الأوروبية أن هناك إخلالاً بالواجبات الوظيفية؟».

 

«لبنان لن يسلّم رياض سلامة إلى القضاء الأوروبي»

وزير العدل هنري الخوري

وعبّر وزير العدل عن استغرابه لتنصّل اللقاء الوزاري الذي عقد مساء الاثنين من مسؤولياته عن حلّ أزمة الحاكم، ورفض الخوري «رمي الكرة في ملعب القضاء، خصوصاً أن السلطة القضائية لا تستطيع أن تنهي محاكمته في غضون 40 يوماً (المدة المتبقية للحاكم على رأس البنك المركزي)، وبالتالي عليها أن تتحمل مسؤوليتها».  وجدد وزير العدل التأكيد، أن لبنان «لن يسلّم رياض سلامة إلى القضاء الأوروبي»، مذكراً بأن «المادة 30 من قانون العقوبات تمنع تسليم أي مواطن لبلد آخر، إلا أن سلامة لديه ملفّ قضائي، ويحاكم على أساسه في لبنان». 

ويصرّ حاكم البنك المركزي على الطعن بمذكرة التوقيف الفرنسية والمطالبة بإبطالها، وأعلن وكيله الفرنسي المحامي بيار أوليفييه سور في حديث تلفزيوني، أنه سيتقدّم «بطلب استئناف في مكتب (الإنتربول) لإلغاء الإشارة الحمراء الصادرة بحق سلامة، وإذا رُفض الطلب فسنطالب باسترداد طلب التوقيف، وأن سلامة يملك الشجاعة بعدم المثول أمام القضاء». وقال: «جرت دعوة الحاكم (إلى فرنسا) مرتين أو ثلاثاً خارج المهلة الزمنية، لذا نطالب أن يحترم القضاة القانون؛ لأنهم لم يحترموا الإجراءات القانونية، وبالتالي لسنا في نقاش عادل». وتابع وكيل سلامة: «نحن أمام مجموعة من القضاة في دول مختلفة، وحتى اليوم لا نعرف من هو القاضي وما اسمه، وكيف يعرّف نفسه، لذا نطالب بجمع كل الإجراءات القضائية". 

 

امتعاض نيابي

ومن جهته، أعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، إثر انتهاء جلسة اللجان النيابية المشتركة، أن النواب رفضوا حضور ممثل عن حاكم مصرف لبنان، وقال: «تبين أن هناك مذكرات توقيف في حق حاكم مصرف لبنان، وهناك امتعاض من السادة النواب حول ما وصلنا إليه، وصار هناك تمنٍ بأنه من الأفضل على حاكم مصرف لبنان أن يتنحى»، لافتاً إلى أن «الحكومة لن تقوم بأي إجراء، والوضع غير سليم، ولا يستطيع لبنان أن يكمل، ونتمنى أن يتخذ القرار المناسب، ويعالج الموضوع». 


مقالات ذات صلة

الحكومة اللبنانية تقرّ مشروع قانون «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات

المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (رويترز)

الحكومة اللبنانية تقرّ مشروع قانون «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات

أقرت الحكومة اللبنانية، الجمعة، مشروع قانون استرداد الودائع المالية المجمدة في المصارف منذ عام 2019، وسط انقسام بالتصويت داخل مجلس الوزراء

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دورية للجيش اللبناني قرب كنيسة متضررة جراء الحرب في بلدة الخيام بجنوب لبنان صباح عيد الميلاد الخميس (إ.ب.أ)

المؤسسة الدينية الشيعية تُهاجم الحكومة اللبنانية بسبب «حصرية السلاح»

استبقت المؤسسة الدينية الشيعية في لبنان، انطلاق المرحلة الثانية من خطة «حصرية السلاح» بيد القوى الرسمية اللبنانية، بهجوم عنيف على الحكومة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من «يونيفيل» يقدمون الرعاية الصحية لمواطنة في جنوب لبنان (يونيفيل)

العيادات النقالة... خيار سكان جنوب لبنان للحصول على رعاية طبية

يلجأ غالبية سكان قرى الحافة الأمامية والخلفية، لخيار العيادات الطبية النقالة للحصول على الرعاية الطبية، خياراً «أكثر أماناً وأقل تكلفة»

حنان حمدان (بيروت)
خاص لقطة عامة تظهر الدمار اللاحق بكنيسة سان جورج في بلدة يارون الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

خاص كيف ترهب إسرائيل العائدين إلى القرى الحدودية اللبنانية؟

يقول أبناء المنطقة الحدودية اللبنانية إن القصف العشوائي الإسرائيلي يُدار بمنطق تكريس بيئة خوف تهدف إلى تعطيل الحياة اليومية ومنع تثبيت أي عودة طبيعية للسكان

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)

خاص الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

الترويج للتمديد بدأ يأخذ طريقه إلى العلن، بتبادل الاتهامات بين بري وخصومه، مع أن مصادر محسوبة على «الثنائي الشيعي» تستغرب إلصاق تهمة التمديد برئيس البرلمان.

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
TT

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)

أغلقت القوات الإسرائيلية، صباح اليوم (السبت)، حاجز عطارة العسكري، شمال رام الله بالضفة الغربية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «الاحتلال أغلق الحاجز منذ ساعات الصباح الأولى، ما تسبب في عرقلة حركة المواطنين، خاصة القادمين والمغادرين من قرى وبلدات شمال غربي وغرب رام الله، ومن المحافظات الشمالية».

وفق تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسم الأراضي الفلسطينية بلغت ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة.


سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)
علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)
علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)

لقي خمسة أشخاص من عائلة واحدة سورية حتفهم مساء الجمعة داخل منزلهم في ظروف غامضة بحي البياض في مدينة حماة.

وبحسب وزارة الداخلية، أظهرت نتائج التحقيقات الأولية أن الزوج أقدم على قتل زوجته وبناته الثلاث قبل أن يقتل نفسه.

والتحقيقات مستمرة لمعرفة الدوافع والملابسات الكاملة للجريمة، وفق ما أوردته قناة «الإخبارية» السورية اليوم السبت.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن السلاح المستخدم في جريمة القتل هو بندقية حربية نوع كلاشينكوف.


تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد

عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)
عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)
TT

تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد

عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)
عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)

في حادث جديد يُسلّط الضوءَ على التحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة السورية، قُتل ما لا يقلُّ عن 8 أشخاص، وجُرح آخرون في انفجار وقع داخل مسجد بمدينة حمص (وسط البلاد) وتبنّته جماعةٌ تابعة لتنظيم «داعش».

وأوضح مسؤول بوزارة الصحة السورية، في تصريح نقلته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، أنَّ حصيلة تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي وادي الذهب بحمص بلغت 8 قتلى و18 مصاباً. وقالَ مدير مديرية الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة، نجيب النعسان، إنَّ الحصيلة «غير نهائية».

وفيما أعلنت جماعة «سرايا أنصار السنة» المتطرفة التابعة لـ«داعش» مسؤوليتَها عن التفجير، قائلة إنَّها استهدفت مسجداً علوياً، تعهد وزير الداخلية السوري أنس خطاب بأن تصلَ يدُ العدالة إلى الجهة التي تقف وراء التفجير «أياً كانت». ووصف استهدافَ دور العبادة بأنَّه «عمل دنيء وجبان».

ويعدّ هذا التفجير الثاني من نوعه داخل مكان عبادة منذ وصول السلطة الحالية إلى الحكم قبل عام، بعد تفجير انتحاري داخل كنيسة في دمشق في يونيو (حزيران)، أسفر عن مقتل 25 شخصاً، وتبنّته أيضاً مجموعة «سرايا أنصار السنة».

ولقيَ تفجير حمص أمس إدانات عربية واسعة، فيما شدّدت وزارة الخارجية السعودية على رفض المملكة القاطع «للإرهاب والتطرف» واستهداف المساجد ودُور العبادة وترويع الآمنين، مؤكدة التضامن مع سوريا ودعمها جهودَ حكومتها لإرساء الأمن والاستقرار.