120 ألف يمني يتلقون رعاية نفسية أممية من بين 7 ملايين مصاب

المشكلات العقلية تصاعدت جراء الصراع وتردي الخدمات

تردٍّ كبير في الرعاية الصحة النفسية لليمنيين (الأمم المتحدة)
تردٍّ كبير في الرعاية الصحة النفسية لليمنيين (الأمم المتحدة)
TT

120 ألف يمني يتلقون رعاية نفسية أممية من بين 7 ملايين مصاب

تردٍّ كبير في الرعاية الصحة النفسية لليمنيين (الأمم المتحدة)
تردٍّ كبير في الرعاية الصحة النفسية لليمنيين (الأمم المتحدة)

أعلن صندوق أممي عن تقديم خدمات الرعاية الصحية النفسية لأكثر من 120 ألف يمني هذا العام، فيما جددت وكالة أممية تأكيداتها أن ربع سكان اليمن بحاجة إلى رعاية من النوع نفسه.

في غضون ذلك سلطت رابطة أمهات المختطفين في اليمن (منظمة حقوقية) الضوء على الانتهاكات النفسية التي يتعرض لها المختطفون لدى الجماعة الحوثية.

وذكر «صندوق الأمم المتحدة للسكان»، أنه قدم خدمات الرعاية الصحية النفسية لأكثر من 100 ألف شخص في اليمن منذ مطلع العام الحالي، إلى جانب خدمات الدعم النفسي عبر خط ساخن، وتنفيذ معاينات شخصية في المراكز المتخصصة بالصحة النفسية التابعة له في أنحاء البلاد.

وأشار إلى «أن معظم المستفيدين من خدماته كانوا من الناجين من العنف وأحداث الحرب الدائرة في البلاد منذ 10 سنوات، وتسببت بمعاناة واسعة، خصوصاً في الأوضاع المعيشية والسكن، واضطرت ملايين منهم إلى النزوح، وأدت إلى أزمات شديدة في الأمن الغذائي والصحة العامة».

وأنشأ الصندوق الأممي خلال السنوات الست الماضية، 6 مراكز بتمويل من الاتحاد الأوروبي والحكومة النرويجية، لتلبية احتياجات الصحة النفسية المتفاقمة جراء الصراع المستمر، والتعامل مع الآثار السلبية لندرة الخدمات في هذا المجال، وشيوع الوصمة الاجتماعية بشدة ضد الأمراض النفسية.

وتقول أمل عبد النور، وهي موظفة سابقة في عدد من المنظمات الدولية، إن معاناة المرضى النفسيين في اليمن تنوعت وتفاوتت في درجاتها، بحسب ملاحظاتها واستماعها إلى المختصين العاملين في المنظمات الدولية، ولم يكن من السهولة جمع ما يكفي من البيانات والمعلومات للخروج بمعلومات وبيانات مفصلة حول الوضع الكارثي للصحة النفسية في مختلف المناطق.

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن غالبية السكان في اليمن «يعانون من القلق، والنزوع نحو العزلة، والوسواس القهري، إلا أن كثيراً منهم تطورت حالته، خصوصاً في مناطق المواجهات العسكرية أو مخيمات النزوح، إلى الاكتئاب الحاد أو الاضطراب ثنائي القطب، مع وقوع حالات انتحار أو محاولة انتحار».

مرضى نفسيون في مصحة بمدينة تعز اليمنية (أ.ف.ب)

وخلال الأعوام الأخيرة اتفقت تقارير وبيانات منفصلة لعدد من الوكالات الأممية، على رأسها «منظمة الصحة العالمية»، و«صندوق الأمم المتحدة للسكان»، ومنظمات أخرى مثل «سابين لابس» الأميركية، و«لجنة الإنقاذ الدولية»، و«منظمة العمل ضد الجوع»، على الأرقام والمعلومات الخاصة بأعداد المرضى النفسيين في اليمن، وخدمات الرعاية الصحة النفسية المتدنية.

نقص الرعاية

ويعاني نحو 7 ملايين يمني من صدمات نفسية، وإجهاد ناتج عن النزاع المستمر، بحسب تقارير للأمم المتحدة التي أرجعت ذلك إلى سنوات النزاع القائم منذ عام 2015، وتداعياتها على صعيد الحرمان من مقومات عيش أساسية تسببت في تداعيات كبيرة على الصحة النفسية لليمنيين.

وأعاد تقرير صادر عن «منظمة الصحة العالمية»، التذكير بأن نحو ربع سكان اليمن يحتاجون إلى رعاية صحية نفسية، بينما لا يتلقى تلك الرعاية سوى 120 ألفاً منهم، بسبب عدم الاستقرار المستمر ونقص الخدمات.

وتعاني غالبية محافظات البلاد من نقص حاد في الدعم النفسي والاجتماعي، نتيجة لعدم كفاية الاختصاصيين المدربين والمراكز العلاجية، بينما تسهم الوصمة الاجتماعية في رفض المجتمع للمرضى النفسيين، ويتسبب الخوف منها في إحجام الآلاف عن طلب المساعدة، إلى جانب ما فاقمه الصراع المستمر على مدى العقد الماضي من تدني مستويات المعيشة، والدفع بـ80 في المائة من السكان تحت خط الفقر؛ وفقاً للتقرير.

وبينما لا تحصل سوى قلة من السكان على خدمات الرعاية الصحية النفسية بشكل مستمر، فإن التقرير يبين وجود 46 طبيباً نفسياً فقط في أنحاء اليمن، أي بمعدل طبيب واحد لكل 700 ألف شخص.

وتشير نجلاء سلطان، وهي إخصائية نفسية يمنية، إلى أن ضعف الرعاية الصحية يُعدّ من أهم عوامل تراكم الاضطرابات النفسية، وزيادة حجم أزمة الصحة العقلية؛ إذ لا تتوافر برامج وطنية للصحة النفسية، في حين تمتلك 10 في المائة فقط من مرافق الرعاية الصحية الأولية في البلاد، كوادر طبية مؤهلة للتعامل مع الاضطرابات النفسية ومعالجة المرضى العقليين؛ وفق ما أفادت به لـ«الشرق الأوسط».

طبيبة تقدم مشورة في مواجهة الأزمات لامرأة يمنية بمركز متخصص بالصحة النفسية (الأمم المتحدة)

وتضيف نجلاء، وهي متطوعة في أنشطة لدى عدد من المنظمات الأممية والدولية في اليمن، أن جميع المحافظات شهدت ارتفاعاً كبيراً في الاضطرابات النفسية خلال الأعوام الأخيرة، بما فيها تلك التي لم تصل إليها الحرب والاضطرابات وانتهاكات الميليشيات، وكانت مناطق المواجهات المباشرة والنزوح، هي الأعلى من حيث أعداد المصابين بالاضطرابات ونوعيتها.

الاختطاف والتعذيب

في غضون ذلك، كشفت «رابطة أمهات المختطفين»، عن معاناة واضطرابات نفسية خطيرة يواجهها المختطفون في سجون الجماعة الحوثية، بسبب أساليب التعذيب القاسية التي وصفتها بالممنهجة.

وقالت الرابطة في بيان بمناسبة «اليوم العالمي للصحة النفسية»، إن المختطفين يوضعون في زنازين انفرادية لفترات طويلة، ويتلقون تهديدات مستمرة بالقتل أو «إلحاق الأذى بأسرهم، والبعض منهم يُحتجز مع أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية، أو يُعزل في زنازين مظلمة لشهور متتالية، ما يزيد من معاناتهم».

مرضى نفسيون بفناء منشأة طبية مهملة في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين (رويترز)

ووفقاً للرابطة، فإن هذه المعاناة لا تقتصر على المختطفين فقط، بل تمتد إلى أسرهم، الذين يعيشون في خوف وقلق دائمين على مصير أحبائهم، فأسر كثيرة تعاني من اضطرابات نفسية، مثل الصدمات، والاكتئاب، والتوتر المستمر نتيجة عدم معرفتها بمصير أبنائها، وخوفها من فقدانهم.

وطالبت الرابطة الحقوقية، المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية: «بالتحرك الفوري لوضع حد لهذه الانتهاكات المروعة، وضمان تقديم الدعم النفسي اللازم للمختطفين وأسرهم»، مشددة على أنه «لا يمكن تحقيق الصحة النفسية والكرامة الإنسانية، إلا عندما يتوقف هذا العنف النفسي الممنهج ضد المختطفين الأبرياء».

وأدانت بشدة ما يتعرض له المختطفون والمختفون قسرياً والمعتقلون تعسفاً، من انتهاكات جسيمة دون محاسبة مرتكبيها، وحملت المسؤولية الكاملة عن حياة المختطفين وسلامتهم لجهات الاختطاف في جميع السجون.


مقالات ذات صلة

مخاطر «أزمة السيولة» تلاحق المصارف اليمنية الخاضعة للانقلابيين

الخليج الحوثيون استخدموا فرع «البنك المركزي» في صنعاء لمصادرة عوائد أذون الخزانة (إعلام محلي)

مخاطر «أزمة السيولة» تلاحق المصارف اليمنية الخاضعة للانقلابيين

أظهرت وثيقة رسمية صادرة عن «جمعية البنوك اليمنية» في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية وجود أزمة سيولة خانقة تعيشها هذه البنوك؛ بسبب الإجراءات التي اتخذتها الجماعة.

محمد ناصر (تعز (اليمن))
الخليج رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: الحوثيون وداعموهم خطر وجودي على اليمن والمنطقة

وجّه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، انتقادات للحوثيين وداعميهم الإيرانيين، واصفاً إياهم بأنهم يشكلون «خطراً وجودياً» على اليمن والمنطقة بأسرها.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يواصلون استهداف العاملين الإغاثيين في المنظمات الأممية والدولية (أ.ف.ب)

قلق دولي عقب إحالة الحوثيين موظفين أمميّين وإغاثيين إلى المحاكمة

عبر رؤساء الوكالات الأممية والمنظمات الدولية عن قلقهم الشديد إثر إحالة الحوثيين المعتقلين من الموظفين الأمميين والإغاثيين إلى النيابة الجزائية تمهيداً لمحاكمتهم

علي ربيع (عدن)
العالم العربي استهداف حوثي لورشة صياغة ذهب في صنعاء (إعلام حوثي)

حملة ابتزاز تستهدف صاغة الذهب في صنعاء

شنت الجماعة الحوثية حملة ميدانية تستهدف معامل وورش صياغة الذهب والمجوهرات في صنعاء، وفرضت على ملاكها دفع إتاوات مالية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

أزمة الاقتصاد في اليمن تتفاقم رغم جهود الإصلاحات

مع تصعيد الحوثيين وتعثر جهود السلام تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الحكومة الشرعية بسبب استمرار توقف تصدير النفط الذي يُعَدّ أهم مصدر للعملة الصعبة

محمد ناصر (تعز)

مخاطر «أزمة السيولة» تلاحق المصارف اليمنية الخاضعة للانقلابيين

الحوثيون استخدموا فرع «البنك المركزي» في صنعاء لمصادرة عوائد أذون الخزانة (إعلام محلي)
الحوثيون استخدموا فرع «البنك المركزي» في صنعاء لمصادرة عوائد أذون الخزانة (إعلام محلي)
TT

مخاطر «أزمة السيولة» تلاحق المصارف اليمنية الخاضعة للانقلابيين

الحوثيون استخدموا فرع «البنك المركزي» في صنعاء لمصادرة عوائد أذون الخزانة (إعلام محلي)
الحوثيون استخدموا فرع «البنك المركزي» في صنعاء لمصادرة عوائد أذون الخزانة (إعلام محلي)

أظهرت وثيقةٌ رسمية صادرة عن «جمعية البنوك اليمنية التجارية» في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وجود أزمة سيولة خانقة تعيشها هذه البنوك؛ بسبب الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها الجماعة بحجة «محاربة الربا».

وتتعلق الرسالة الموجهة من «الجمعية» إلى وزير مالية الحكومة الحوثية غير المعترف بها، عبد الجبار الجرموزي، والمؤرخة في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بالوضع «الحرج» للسيولة النقدية في البنوك، والمصاعب التي تواجهها؛ نتيجة توقف العائد من أذون الخزانة.

بدلاً من معالجة أزمة البنوك ذهب الحوثيون لإصدار فئة غير قانونية من العملة (إعلام حوثي)

وأعادت الرسالة، التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، التذكير برسالة سابقة وُجهت إلى كل الجهات «المعنية بسلامة القطاع المصرفي»، بشأن الوضع الحرج للسيولة النقدية، والضغوط التي تواجهها البنوك من العملاء للسحب النقدي من ودائعهم لديها، والتي تضاعفت بعد صدور القانون الذي يسمى «منع التعاملات الربوية».

وأفادت «جمعية البنوك اليمنية» في صنعاء بأن الأزمة تزداد حدة في كل يوم يمر، مع عدم قدرة البنوك على تلبية طلبات المودعين واحتياجات العملاء، وأكدت أن «ذلك يعرض المصارف لمزيد من المخاطر والتهديدات التي يصعب التعامل معها؛ إذ أصبحت تمثل هاجساً مقلقاً يقض مضاجع إداراتها، ويعوق الجهود المبذولة لضمان استمرارية النشاط واستنباط حلول مناسبة للأزمة، كما تسببت في حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في القطاع».

مناشدة الانقلابيين

وفي الخطاب، بيّنت «الجمعية اليمنية للبنوك» أنها تتوجه بمناشدة إلى الحكومة الحوثية، غير المعترف بها، «للوقوف معها في هذا الظرف بالغ الصعوبة، وتزويدها بالحد الأدنى من السيولة النقدية من نطاق المستحق لها من عوائد أذون الخزانة عن الفترة السابقة لصدور قانون (منع المعاملات الربوية)».

وذكرت الرسالة أن رئيس «المجلس السياسي الأعلى» للحوثيين (مجلس الحكم الانقلابي)، أكد «حق البنوك في ذلك، في اللقاء الذي جمعه مع مسؤولي البنوك في شهر مارس (آذار) من العام الماضي».

ووفق خطاب «الجمعية»، التي تمثل البنوك في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فإن تزويدها بجزء بسيط من العوائد المستحقة لاستثماراتها في أذون الخزانة، «قد يساعدها على التعامل مع أزمة السيولة الخانقة التي تعوق نشاطها في الوقت الراهن، ويمكنها من مواجهة جزء من التزاماتها للعملاء والمودعين، ويعينها على تغطية جزء من تكاليف التشغيل، وتلبية طلبات السحب العاجلة التي يتقدم بها العملاء وصغار المودعين بوجه خاص».

مودعون يمنيون يحتجون أمام أحد البنوك للمطالبة باسترداد أموالهم (إعلام محلي)

وقدم الخطاب تبريراً إضافياً لهذا الطلب، قائلاً إن «الموافقة على هذه الخطوة ستضمن استمرارية البنوك في تقديم الخدمات المطلوبة لوحدات النشاط الاقتصادي خلال هذه الفترة الحرجة، وستخفف من أثر الضغوط التي تواجهها البنوك، وتساعد إداراتها في البحث عن معالجات مناسبة تخفف أثر الأزمة، وتمكنها من العمل في بيئة آمنة ومستقرة».

وكان ما يسمى «مجلس النواب»، في مناطق سيطرة الحوثيين، مرر في مطلع العام الماضي ما سماه «قانون منع التعاملات الربوية» بحجة منع الربا، ورفض رسالة «جمعية البنوك» التي أكدت فيها عدم قدرة البنوك على سداد الأموال المودعة لديها، وأن فرع «البنك المركزي» بصنعاء؛ الضامن لهذه الودائع، لا يستطيع أن يفي بالدفع.

من جهتها، حذرت «الغرفة التجارية في صنعاء» حينها بأن هذه الخطوة «ستقضي على العمل المصرفي بالكامل، وستؤدي إلى استباحة أموال المودعين وفوائد الدين الداخلي التي تبلغ ما يعادل 3.3 مليار دولار، دون وجه حق».

وفند آنذاك اقتصاديون مختصون المبررات التي ساقتها حكومة الانقلاب الحوثية، وقالوا إن القانون «أقرته الجماعة لاستحلال أكل أموال المودعين بالباطل، باسم (محاربة الربا)».