أمنيات الـ5 عقود... تحققها روحانية المشاعر المقدسة لحجاج سوريا

قسوة الحياة رُسمت على ملامحهم وتراكم الأحداث أثقل كواهلهم

الحاجة روجتي العناد مع صديقتها نعيمة صطيف في مقر سكنهم بمكة المكرمة (الشرق الأوسط)
الحاجة روجتي العناد مع صديقتها نعيمة صطيف في مقر سكنهم بمكة المكرمة (الشرق الأوسط)
TT

أمنيات الـ5 عقود... تحققها روحانية المشاعر المقدسة لحجاج سوريا

الحاجة روجتي العناد مع صديقتها نعيمة صطيف في مقر سكنهم بمكة المكرمة (الشرق الأوسط)
الحاجة روجتي العناد مع صديقتها نعيمة صطيف في مقر سكنهم بمكة المكرمة (الشرق الأوسط)

لم تكن قسوة الحياة وحدها هي التي رسمت ملامح الحاجة السورية روجتي العناد، ولم تكن السنون وتراكم الأحداث هما ما أثقل كاهلها، فالفراق وفقدان البصر قبل 20 عاماً ونيف عندما كانت تجر ربيعها تثاقلاً لمشارف الخمسين، زاداً من الوجع وجعاً، حتى دفعتها الأقدار شوقاً إلى مكة فانهارت كل تلك الحكايات وتبدل الحزن فرحاً.

روجتي البالغة من العمر 75 عاماً، التي عاشت قصة كفاح منثورة تفاصيلها بين «إدلب وحماة» في أوج الأزمة والأحداث التي عصفت بسوريا، لم تكن تخشى، على حد قولها، على حياتها، ولم تتوقع أن كل ذلك سينجلي الآن أو بعد حين، ويعود ساعي الفرح ليطرق بابها من جديد، ليزف لها الجميل وعودة بصرها.

الحاجة السورية روجتي العناد خلال تحدثها لـ«الشرق الأوسط» من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

هذا اليقين لأم الثلاثة التي لعبت كل الأدوار بعد رحيل زوجها، بين زوايا مخيمات النزوح في إدلب شمال سوريا، لم يكن وليد اللحظة بل كان متجذراً بين الحنايا والأعماق وهي تقول: «لم يكن حلمي في الحياة مع زوجي قبل رحيله سوى رؤية الكعبة المشرفة وأداء مناسك الحج»، بل زادت في رجائها فكانت تطلب بإلحاح من كل من تيسر له القدوم إلى مكة ألا ينساها من الدعاء، وأن تكون ضمن فوج يؤدي مناسك الحج في عام من أعوام خلت، حتى تحقق الحلم.

تقول روجتي: «منذ 20 عاماً فقدت بصري، وأجريت لي عملية سحب مياه قبل حضوري للحج، وكان هناك تحسن قليل في العين (اليسرى)، ولكن عندما جئت للحج ودخلت إلى الكعبة، سألت الله أن تتحسن، وتدريجياً عادت رؤيتي وشاهدت الكعبة بكل وضوح، كل شيء لمحته وسطر في فوادي كان بيعني اليسرى».

وتابعت: «كنت أتمنى أداء الحج منذ 50 عاماً، وكنت حريصة على تجميع مبلغ لكي أحقق ذلك من عملي في المزارع، وبعد أن تقدمت في العمر كنت أدعو دائماً أن يحقق الله لي أمنيتي قبل موتي، والحمد الله أنتني هنا في أطهر بقاع الأرض بمكة المكرمة».

الحاجة نعيمة صطيف مع والدتها آمنة الريا تتأهبان للصعود إلى مشعر منى الجمعة (الشرق الأوسط)

وتوضح: في شهر رمضان الماضي، أحد أبنائي سجل رغبتي بأداء مناسك الحج لدى مكتب شؤون الحج في منطقة باب الهوى، وباقتراب موسم الحج، صدرت الموافقة، وعندما أُبلغت بأنني سأكون من ضمن أفواج الحجاج هذا العام، لم تسعني الفرحة أو كما تقول «طار عقلي»، والحمد لله، لم تضع سنوات انتظاري لهذا اليوم العظيم.

ومن الطريف ما ترويه روجتي: «من كثرة اشتياقي ولهفتي للقدوم إلى مكة المكرمة وزيارة بيت الله، ونحن على مقاعد الطائرة كنت أشعر بأنها متوقفة وأقول لمن معي إنها لا تطير».

تتلمس روجتي الخدمات المقدمة للحجاج، منذ لحظة وصولهم إلى المملكة، ولا تستطيع حصرها، تقول بلغتها البسيطة: «الله يحمي كل شيء بالحج وبالسعودية»، وتثني على روح الفتيات والشبان وما يقومون به من أعمال جليلة لخدمة الحجاج، وتسخير كل طاقاتهم في هذا العمل المنوط بهم، مشيرة إلى أن وجودها في المشاعر المقدسة لأداء مناسك الحج بدّل معاناتها وأوجاعها إلى فرح وسرور.

أخذت الحاجة نعيمة صطيف، صاحبة الـ54 عاماً، دفة الحوار، وقالت: «تعرفت على روجتي في أثناء مغادرتنا سوريا لتمتد الصداقة بيننا إلى مكة المكرمة، واعتبرها بمثابة والدتي»، وتضيف: «عندما حضرت روجتي إلى محطة الباصات كانت برفقة أبنائها الذين التقيت بهم بالصدفة ليقوم بتوصيتي على والدتهم؛ كونها ستغادر وحدها للحج، وهو ما عملت به منذ تلك اللحظة وإلى الآن».

تقول الحاجة نعيمة التي غادرت إدلب إلى تركيا لتحسين دخلها مع أسرتها، إنها رأت الموت أمام عينيها مع الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في فبراير (شباط) 2023، بعد أن تحول منزلها المستأجر إلى دمار لتعايش مع زوجها ألم فقد منزلهما المتواضع وفرحة النجاة من الموت.

تقول صطيف بلغتها البسيطة: «لو مت بعد أدائي الحج فسأكون راضية تماماً... الحج كان حلماً. لم أكن أصدق أنني في الطائرة ونتوجه إلى أطهر بقاع الأرض... جميعنا لم يكن مصدقاً... كانت أول مرة أركب الطائرة». فيما وصفت الحاجة السورية الاستقبال بالمطار وعند وصولهم لمقر سكنهم في مكة، بأنه «يفوق الوصف»، مقدمة شكرها للحكومة والشعب السعودي، على ما وجدوه من حفاوة وكرم.


مقالات ذات صلة

السعودية تجدد دعمها لكل ما يسهم في تعزيز الأمن والسلم إقليمياً ودولياً

الخليج الملك سلمان بن عبد العزيز مترئساً الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء في الرياض (واس)

السعودية تجدد دعمها لكل ما يسهم في تعزيز الأمن والسلم إقليمياً ودولياً

جدد مجلس الوزراء السعودي التأكيد على سعي بلاده إلى تعزيز الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، ودعم الجهود للوصول إلى حلول سياسية للأزمات في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
آسيا سريلانكيون ينتظرون أدوارهم للاقتراع في كولومبو (أ.ف.ب)

أول انتخابات رئاسية في سريلانكا منذ الانهيار الاقتصادي

يدلي الناخبون في سريلانكا بأصواتهم، اليوم السبت، لاختيار رئيس جديد في انتخابات تعد بمثابة استفتاء على خطة التقشف التي أقرها صندوق النقد الدولي.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم أجهزة بيجر معروضة في مكتب «غولد أبولو» في مدينة تايبيه الجديدة بتايوان... 18 سبتمبر 2024 (رويترز)

عصر جديد من التخريب: تحويل الأجهزة العادية إلى قنابل يدوية على نطاق واسع

في الانفجارات الأخيرة التي استهدفت أجهزة الاتصالات اللاسلكية لجماعة «حزب الله» في لبنان، ظهر شكل جديد من الأعمال التخريبية الذي قد يصبح استخدامه شائعاً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا حاملة الطائرات الصينية لياونينغ تبحر إلى هونغ كونغ في 7 يوليو 2017 (أ.ب)

حاملة طائرات صينية تقترب من اليابان أكثر من أي وقت مضى

دخلت حاملة طائرات صينية المياه المتاخمة لليابان لأول مرة الأربعاء، مما دفع طوكيو إلى نقل «مخاوفها الجادة» إلى بكين بشأن الإجراءات العسكرية الصينية المتزايدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو خلال اجتماع للرئيس الروسي مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في سانت بطرسبرغ في 12 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الأمين العام لمجلس الأمن الروسي التقى كيم جونغ أون

أعلنت موسكو أن الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو التقى في بيونغ يانغ، الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في إطار «مواصلة الحوار الاستراتيجي».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«الوزاري العربي الإسلامي» يبحث وقف التصعيد في فلسطين ولبنان

الأمير فيصل بن فرحان لدى ترؤسه الاجتماع الوزاري الطارئ في نيويورك (واس)
الأمير فيصل بن فرحان لدى ترؤسه الاجتماع الوزاري الطارئ في نيويورك (واس)
TT

«الوزاري العربي الإسلامي» يبحث وقف التصعيد في فلسطين ولبنان

الأمير فيصل بن فرحان لدى ترؤسه الاجتماع الوزاري الطارئ في نيويورك (واس)
الأمير فيصل بن فرحان لدى ترؤسه الاجتماع الوزاري الطارئ في نيويورك (واس)

بحث اجتماع وزاري طارئ لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، الجمعة، وقف تصعيد الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد فلسطين ولبنان، وذلك على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها التاسعة والسبعين بنيويورك.

وناقش الاجتماع، الذي ترأّسه الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، تكثيف التحرك العربي والإسلامي في المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن؛ بهدف الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، وحماية أمن المنطقة من اتساع رقعة الحرب التي تقوِّض جهود السلام والأمن فيها والعالم.

وزير الخارجية السعودي مترئساً الاجتماع العربي الإسلامي الطارئ بنيويورك (واس)

وتناول سبل تعزيز العمل العربي والإسلامي المشترك، لضمان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك في ضوء الإعلان عن التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين والقرارات الدولية ذات الصلة.

جانب من الاجتماع الوزاري العربي الإسلامي الطارئ في نيويورك (واس)