الخليج ووسط آسيا... قمة تتوِّج تاريخ الشراكة الاستراتيجية

تعزّز التعاون والتنسيق في ظل ازدياد الاهتمام والتنافس الإقليميَّين والدوليَّين بدول آسيا الوسطى

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزراء خارجية دول الخليج وآسيا الوسطى في حي طريف سبتمبر الماضي (واس)
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزراء خارجية دول الخليج وآسيا الوسطى في حي طريف سبتمبر الماضي (واس)
TT

الخليج ووسط آسيا... قمة تتوِّج تاريخ الشراكة الاستراتيجية

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزراء خارجية دول الخليج وآسيا الوسطى في حي طريف سبتمبر الماضي (واس)
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزراء خارجية دول الخليج وآسيا الوسطى في حي طريف سبتمبر الماضي (واس)

ازدادت أهميـة الشراكة الاستراتيجية بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي فـي ظـل التطـورات الجيوسياسية والاقتصادية، في وقت أصبحت فيه دول مجلس التعاون الخليجي قطباً استراتيجياً مهماً في النظام العالمي. فضلاً عن نموها الاقتصادي غير المسبوق وعمليات التنوع الاقتصادي والتحول الاجتماعي.

تقع دول آسيا الوسطى بمنطقة جغرافية مغلقة في قلب قارة آسيا أو قلب العالم ما يجعلها ذات أهمية كبرى

وتعد دول آسيا الوسطى منطقة جغرافية مغلقة تقع في قلب قارة آسيا أو قلب العالم، وهي تضم كلاً من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وهي لا تطل على أيٍّ من البحار المفتوحة لكن موقعها الجغرافي يجعلها ذات أهمية كبرى.

وتقدَّر مساحة المنطقة بنحو 4 ملايين كم2، وتمتد من غرب الصين شرقاً حتى بحر قزوين وإيران غرباً، بعدد سكان يصل إلى 73 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يصل إلى نحو 300 مليار دولار للبلدان الخمسة مجتمعة. ولدى هذه الدول احتياطيات ضخمة من المعادن والنفط والغاز الطبيعي والفحم، والمياه، وتقدَّر احتياطيات الغاز في دول آسيا الوسطى والقوقاز بأربعة وثلاثين في المائة من الإجمالي الدولي، مما يؤهلها للقيام بدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي، وتمتلك طاجيكستان ثروة ضخمة من المياه تقدر بخمسة وستين في المائة من موارد المياه في إقليمها.

 

الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى (مجلس التعاون الخليجي)

الحوار السياسي

تأتي القمة التي تستضيفها السعودية تتويجاً للعلاقات السياسـية والاقتصادية المتنامية، حيـث عُقـد الاجتماع الأول من نوعه بمشاركة جميع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزراء خارجية دول آسيا الوسطى، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بالرياض، في السابع من سبتمبر (أيلول) 2022، وصدر عن هذا الاجتماع الوزاري بيان حدَّد المواقف المشتركة للجانبين تجاه القضايا الإقليمية والدولية الرئيسية، كما أقر الاجتماع خطة العمل المشترك (2023 – 2027) في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والتواصل بين الشعوب.

 

التعاون المشترك

وبالإضافة إلى الحوار السياسي القائم بين منظومة مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، عُقدت عدة اجتماعات للمتخصصين والخبراء والمسؤولين من الجانبين في مجالات الاقتصاد والصحة والثقافة والرياضة والشباب، لوضع اللبنات الأساسية للتعاون بين الجانبين في هذه المجالات، وفقاً لخطة العمل المشترك.

وتتشارك دول آسيا الوسطى مع دول مجلس التعاون الخليجي في عضويتها بالأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة، بالإضافة إلى منظمة التعاون الإسلامي، ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، مما يمكِّن الجانبين من الاستفادة من التعاون المشترك من خلال التنسيق السياسي في الأمم المتحدة بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين.

وتهتم دول آسيا الوسطى بمنظمة التعاون الإسلامي اهتماماً كبيراً، ويبدو ذلك جلياً من خلال النشاط الذي تقوم به تلك الدول من خلال المنظمة وأجهزتها، ويتجلى ذلك في أن كازاخستان على سبيل المثال كانت من الدول الرائدة في آسيا الوسطى في تقديم المبادرات التي تسهم في أداء عمل منظمة التعاون الإسلامي. وتأتي مبادرتها بإنشاء المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي، واستضافتها على أراضيها بهدف المساهمة في تخفيف حدة الفقر في الدول الإسلامية، ونقل الخبرات في قطاع الزراعة وتوفير الغذاء كدليل عملي على الاهتمام بمنظمة التعاون الإسلامي ونشاطها، والسعي إلى أن تكون كل دولة من هذه الدول عضواً فاعلاً فيها.

 

جانب من انعقاد اللجنة السعودية - الأوزبكية المشتركة بطشقند مارس 2022 (الشرق الأوسط)

أهمية الاقتصاد

ويحظى الجانب الاقتصادي بأهمية كبرى في سلم أولويات العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى. ويأتي في مقدمة القطاعات الاقتصادية المهمة، قطاع النفط والغاز الذي تنتج منه دول آسيا الوسطى كميات ضخمة، خصوصاً كازاخستان، وتركمانستان، على الرغم من عدم عضويتهما في منظمة الدول المصدِّرة للبترول «أوبك»، وبالتالي يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من التعاون في هذين المجالين، كونها تعد من أهم دول العالم في إنتاج النفط والغاز، وتمتلك خبرات كبيرة في هذا القطاع.

وفي القطاع الزراعي، تعد كازاخستان من أهم خمس دول في العالم في إنتاج القمح، إلى جانب تميزها مع كل من أوزبكستان وطاجيكسـتان وقرغيزستان فـي إنتـاج الخضـراوات والفواكـه، كمـا تتميـز أوزبكسـتان بإنتـاج القطـن طويـل التيلـة، إلـى جانـب ذلـك تمتلـك دول آسـيا الوسـطى ثـروات هائلـة مـن الغابـات والثـروات الخشـبية، ومـن هنـا تأتـي أهميـة هذا القطاع المهم والحيوي، خصوصاً مـع بـروز أزمـة القمـح فـي ظـل الأزمة الروسـية - الأوكرانية.

 

التعاون الأمني

أمنياً، أكد رؤساء دول آسـيا الوسـطى فـي اجتماعهـم المنعقد فـي 21 يوليو (تموز) 2022، فـي مدينة شـولبون آتـا بقرغيزستان، أهميـة التعـاون فـي مكافحـة الإرهاب الدولـي والتطـرف الدينـي والهجـرة غيـر الشـرعية والجريمـة المنظمة العابـرة للحـدود وأنـواع أخـرى مـن الجريمـة، مشيرين إلى الحاجـة إلـى تهيئـة ظـروف تنظيميـة وقانونيـة واقتصاديـة مواتيـة لتعزيـز التعـاون فـي هـذه المجالات، والالتزام بالقانـون الدولـي لمكافحة الاتجار بالمخدرات واتفاقيـات الأمم المتحدة الثلاث ذات الصلـة، وأكـدوا كذلك تعزيـز التدابيـر لمكافحة تهديـد المخدرات، والمؤثرات العقليـة، وإنتاجهـا وتصنيعهـا والاتجار غير المشروع بهـا.

إلى ذلك، تنطلق مساء اليوم في مدينة جدة (غرب السعودية) القمة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي، ودول وسط آسيا الخمس (أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازاخستان)، وتبحث تعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات، في ظل ازدياد الاهتمام والتنافس الإقليميين والدوليين بدول آسيا الوسطى الخمس؛ نظراً لموقعها وأهميتها الجيوستراتيجية، والثروات الطبيعية التي تمتلكها هذه الدول بما يؤهلها لقفزات تنموية كبيرة.

وكانت دول الخليج لا سيما السعودية، من أوائل الدول التي حرصت على تطوير علاقاتها بدول آسيا الوسطى، انطلاقاً من العلاقات التاريخية بين الجانبين وكون المنطقة امتداداً طبيعياً لمنطقة الخليج، وكانت والعرب على مدى قرون، جزءاً من إمبراطورية إسلامية كبرى.


مقالات ذات صلة

دول في آسيا الوسطى تحضّ ألمانيا على المساعدة في تعزيز روابطها مع أوروبا

العالم صورة للقادة خلال قمة آسيا الوسطى وألمانيا بكازاخستان 17 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

دول في آسيا الوسطى تحضّ ألمانيا على المساعدة في تعزيز روابطها مع أوروبا

حضّت دول بآسيا الوسطى (الثلاثاء) ألمانيا على الاستثمار بقطاعاتها خصوصاً الطاقة والنقل والمساعدة في إقامة صلات مع أوروبا للالتفاف حول روسيا.

«الشرق الأوسط» (آستانة)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (إ.ب.أ)

شولتس في أوزبكستان لتعزيز الشراكة في مجال الطاقة

دعا المستشار الألماني أولاف شولتس، الاثنين، في أوزبكستان إلى تعزيز الشراكة في مجال الطاقة مع هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى والغنية بالموارد الطبيعية.

«الشرق الأوسط» (طشقند (أوزبكستان))
الخليج وزراء خارجية دول الخليج ونظراؤهم من دول آسيا الوسطى خلال اجتماع الحوار الاستراتيجي في طشقند (مجلس التعاون)

دول الخليج وآسيا الوسطى لشراكة مستدامة وبناء شبكات لوجيستية

أكدت دول الخليج العربية، ودول آسيا الوسطى التزامها المشترك تشكيل شراكة متقدمة ومستدامة على أساس القيم المشتركة والمصالح المتبادلة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
آسيا أرشيفية لزعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا وأستراليا خلال اجتماعهم في جاكرتا العام الماضي (ا.ب)

قمة «آسيان-أستراليا» تندد بـ«التهديد بالقوة أو استخدامها» في المنطقة

يعتزم زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وأستراليا، التنديد «بالتهديد بالقوة أو استخدامها» لتسوية النزاعات في المنطقة في إشارة ضمنية إلى بكين.

«الشرق الأوسط» (ملبورن)
الولايات المتحدة​ قائد الجيش الأميركي راندي جورج (إ.ب.أ)

اجتماع لقائد الجيش الأميركي وحلفائه بالهند لبحث الوضع في آسيا

التقى قادة جيوش وضباط كبار من 30 دولة من بينها الولايات المتحدة في الهند، الثلاثاء، لبحث التهديدات التي تواجه منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع تصاعد نفوذ الصين.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

السعودية قدّمت 7 مليارات دولار لتحسين ظروف الأطفال وأسرهم حول العالم

نفّذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه وحتى الآن 3 آلاف و117 مشروعاً في 105 دول (واس)
نفّذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه وحتى الآن 3 آلاف و117 مشروعاً في 105 دول (واس)
TT

السعودية قدّمت 7 مليارات دولار لتحسين ظروف الأطفال وأسرهم حول العالم

نفّذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه وحتى الآن 3 آلاف و117 مشروعاً في 105 دول (واس)
نفّذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه وحتى الآن 3 آلاف و117 مشروعاً في 105 دول (واس)

نفَّذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه وحتى الآن 3 آلاف و117 مشروعاً في 105 دول، بتكلفة تتجاوز 7 مليارات و113 مليون دولار، من بينها 965 مشروعاً بقيمة 924 مليوناً و961 ألف دولار تهدف إلى تحسين ظروف الأطفال وأسرهم؛ مما يُسهم في رفع معاناتهم، وضمان حصولهم على التعليم في بيئة آمنة وصحية، وتقديم الدعم للأطفال في مختلف أنحاء العالم.

يُعدّ مركز الملك سلمان للإغاثة من الداعمين الرئيسين لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» (واس)

ويحتفي العالم باليوم العالمي للطفل في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، وهو يوم يهدف إلى تعزيز حقوق الأطفال من خلال مجموعة من الأنشطة والفعاليات التي تضمن لهم بيئة آمنة وصحية، وتشمل حقوق الطفل في التعليم، والمساواة، والعناية، والحماية من العنف والإهمال، كما نصت على ذلك المواثيق والأعراف الدولية.

من ضمن مشروعات السعودية ضمان حصول الأطفال على التعليم في بيئة آمنة وصحية (واس)

ومن المشروعات النوعية التي ينفّذها المركز، مشروع «إعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين في النزاع المسلح باليمن» الذي يهدف إلى تأهيل الأطفال المجندين وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية، حيث استفاد منه حتى الآن 530 طفلاً و60 ألفاً و560 فرداً من عوائلهم، يشمل المشروع إدماج الأطفال في المجتمع وإلحاقهم بالمدارس، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي إليهم وإلى أسرهم من خلال دورات تدريبية تهدف إلى مساعدتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

تشمل مشروعات السعودية إدماج الأطفال في المجتمع وإلحاقهم بالمدارس بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم (واس)

ويُعد مركز الملك سلمان للإغاثة من الداعمين الرئيسين لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ حيث يُسهم هذا الدعم في توفير الخدمات الصحية ومشروعات التغذية للأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم، إلى جانب دعم العملية التعليمية؛ مما يضمن استمرارية التعليم في مناطق الأزمات والكوارث.

ويشارك المركز العالم في الاحتفاء باليوم العالمي للطفل؛ مما يجسّد التزامه ببناء مستقبل أفضل للأطفال في جميع أنحاء العالم، ويعزّز الوعي بأهمية حقوقهم واحتياجاتهم الأساسية.