بعد صافرة النهاية في مباراة «الكلاسيكو» التي خسرها برشلونة أمام ريال مدريد بنتيجة (2-1)، مساء الأحد، اتجه المهاجم الشاب لامين يامال نحو قائد ريال مدريد داني كارفاخال لمصافحته، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».
غير أن المشهد القصير الذي أعقب تلك اللحظة تحوّل إلى ما يشبه الشرارة الجديدة في المنافسة الأزلية بين الناديين.
كارفاخال الذي تجمعه علاقة زمالة دولية بيامال في صفوف المنتخب الإسباني، رفض المصافحة وردّ قائلاً وهو يحرّك يديه: «أنت تتحدث كثيراً... كثيراً جداً». سرعان ما تجمع اللاعبون حول الموقف، فدخل تيبو كورتوا في النقاش لتوبيخ الشاب البالغ من العمر 18 عاماً، قبل أن يتدخل زميله في برشلونة مارك كاسادو لتهدئة الموقف وسحبه نحو الممر المؤدي إلى غرف الملابس.
لكن التوتر لم يتوقف عند هذا الحد. فبينما كان يامال متوجهاً إلى غرفة الملابس، ظهر فينيسيوس جونيور ليدلي بدلوه، فردّ عليه لامين قائلاً: «لنتحدث في الداخل».
إلا أن زميله رافينيا تدخل سريعاً للفصل بينهما، في وقتٍ حاول فيه أعضاء الجهاز الفني لريال مدريد تهدئة الموقف.
ومع أن الأمور انتهت دون تجاوزات، فإن ما حدث أظهر مدى التأثير الذي أحدثه الموهوب الصغير في أجواء «سانتياغو برنابيو» قبل المباراة، بعدما تحولت تعليقاته الساخرة في الأيام السابقة إلى مادة تحفيزية لغرف ملابس ريال مدريد.
ففي يوم الخميس الذي سبق اللقاء، شارك يامال في بث مباشر ضمن برنامج «كينغز ليغ» الترفيهي الذي ينظمه النجم السابق جيرارد بيكيه، ويملك فيه الشاب نادياً مصغراً.
وفي لحظة مزاح، وُجه إليه سؤال عن ريال مدريد، فأجاب ممازحاً: «إنهم يشكون كثيراً... ويسرقون». ثم أضاف عند سؤاله عمّا إذا كان سيسجل هدفاً في «البرنابيو»: «لقد سجلت هناك من قبل، كانت (4-0) على ما أظن»، مذكّراً بفوز برشلونة الكبير في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومرفقاً منشوره على «إنستغرام» بصور لجماهير مدريد الغاضبة آنذاك.
وعلى الرغم من أن النجم الشاب قصد الترفيه فإن تصريحاته أثارت موجة من الانتقادات حتى بين جماهير برشلونة أنفسهم، الذين عدّ كثيرون منهم تصرفه كان استعراضياً ومتعالياً، خصوصاً في ظل توقيته الحساس قبل «الكلاسيكو».

«موهبة بلا موجّه»
تسلّط هذه الحادثة الضوء على واقع يصفه المقربون من برشلونة بأنه «مقلق» داخل النادي. فلامين يامال الذي أصبح اللاعب الأعلى أجراً في الفريق بعد تمديد عقده في أغسطس (آب) الماضي، يبدو أنه لا يخضع لرقابة توجيهية حازمة من أي مسؤول داخل النادي. لقد أصبح، بعمر 18 عاماً فقط، الرمز الكروي والتجاري الأبرز في «كامب نو»، مما جعله فوق مستوى النقد تقريباً.
ويطرح المشهد أسئلة أعمق حول حدود التوقعات الموضوعة على عاتق لاعبٍ في مثل عمره. فهل يمكن مطالبة يامال بأن يكون استثنائياً في الملعب ومحايداً خارجه في الوقت نفسه؟ وهل من العدل أن يُطلب منه أن يكون جريئاً ومتواضعاً في آنٍ واحد؟
الحقيقة أن الأمر لا يسير في الاتجاهَين، فلامين يامال، بقدر ما هو موهوب وجريء، يبقى فتى في مرحلة التعلم والنضج، ومباراة «الكلاسيكو» الأخيرة كانت درساً قاسياً في إدارة الضغوط والشهرة.

أداء باهت في ليلة صاخبة
جاءت خسارة برشلونة لتعمّق الفجوة مع ريال مدريد إلى خمس نقاط بعد عشر جولات فقط من الدوري الإسباني، وزادت من حدة الانتقادات ليامال الذي بدا بعيداً عن مستواه المعتاد.
فحسب الإحصاءات، لمس الكرة 79 مرة خلال اللقاء دون أن يسدد على المرمى، وفقد الاستحواذ في 22 مناسبة، في أداءٍ وُصف بأنه الأضعف له منذ بداية الموسم.
وأقرّ مساعد المدرب ماركوس زورغ الذي تولّى مهمة القيادة الميدانية بديلاً عن المدرب الموقوف هانز فليك، بصعوبة المباراة بالنسبة إلى الشاب قائلاً: «لم تكن ليلة سهلة له. هو يتعلم كيف يتعامل مع الصافرات والاستهجان. إنه ما زال متحفزاً للغاية، لكن ريال مدريد دافع جيداً، وعلينا أن نتقبل ذلك».
ووفقاً لمصادر داخل النادي الكتالوني، فإن يامال لا يزال يعاني من إصابة عضلية في منطقة الفخذ، وهي إصابة «مزمنة» يُتوقع أن يحتاج إلى التكيف معها لفترة طويلة، وربما أسهم ذلك في محدودية تحركاته خلال المباراة.
دفاع من داخل الفريق
وفي المنطقة المختلطة بعد اللقاء، دافع لاعب الوسط الهولندي فرينكي دي يونغ عن زميله، موجهاً انتقادات ضمنية إلى كارفاخال بسبب رد فعله تجاه يامال، قائلاً: «إذا كنت زميله في المنتخب وتعتقد أنه تجاوز الحدود، يمكنك الاتصال به وليس التحدث أمام الجميع في الملعب، مثل هذه الإشارات لا تخدم أحداً، بل تشعل الموقف أكثر».
دروس في النضج
سواء كان ما حدث نتيجة «غرور شاب» أم «ثقة زائدة»، فإن ما جرى سيبقى علامة فارقة في مسيرة لامين يامال المبكرة.
فقد أدرك بنفسه أن كل كلمة تصدر منه ستُضخّم، وكل حركة ستُفسَّر، وكل مزحة قد تتحول إلى عنوانٍ رئيسي في مدريد وبرشلونة على حد سواء.
ومع أن الهزيمة مؤلمة للفريق، فإنها قد تشكّل نقطة تحوّل شخصية له. فالموهبة الخارقة التي خطفت الأنظار تحتاج الآن إلى ما هو أكثر من المهارة؛ تحتاج إلى التوازن والنضج.
ويبدو أن «الكلاسيكو» الأخير لم يكن مجرد مباراة خاسرة لبرشلونة، بل كان درساً كبيراً في التواضع والمسؤولية لنجمه الصغير، الذي ما زال أمامه طريق طويل ليتعلّم كيف يجمع بين البراعة والاتزان في عالمٍ لا يرحم الموهوبين حين يتكلمون كثيراً.
