أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، الأربعاء، أن وكالة الطاقة الدولية أجرت «مصالحة مع الواقع» بعد تراجعها عن توقعاتها لعام 2023 التي أعلنت فيها عن «بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري».
يأتي موقف «أوبك» في بيان رسمي بعد صدور تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير، «توقعات الطاقة العالمية 2025»، الذي أظهر اعترافاً غير مسبوق بالدور المستمر والمهيمن للنفط والغاز. وشدّدت «أوبك» على أن التوقعات السابقة التي روجت لـ«ذروة» وشيكة للطلب كانت مدفوعة بـ«التفكير بالتمني» بدلاً من البيانات الواقعية، مؤكدة على رسالتها المستمرة بضرورة الاستثمار في جميع مصادر الطاقة لضمان الأمن والاستقرار العالميين.
The IEA’s rendezvous with realityRead More ➡️ https://t.co/BHw6OsHEyw
— OPEC (@OPECSecretariat) November 12, 2025
وعد «الذروة الوشيكة»
بدأت «أوبك» بيانها بالإشارة إلى تصريح المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية في سبتمبر (أيلول) 2023، الذي قال فيه: «إننا نشهد بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري، وعلينا أن نعد أنفسنا للعصر التالي». وأكدت «أوبك» أن هذا التصريح كان واضحاً وغير غامض، وكان يهدف إلى إيصال رسالة للعالم بأن النفط والغاز والفحم أصبحت في «مرآة الرؤية الخلفية». وعلى الرغم من أن «أوبك» أعلنت عن رأيها آنذاك، بناءً على قراءة موضوعية للبيانات، بأن هذه لم تكن الحال نفسها، فإن كلمات الوكالة في ذلك الوقت أشارت إلى عدم حاجتها إلى نقاش. وكانت مسألة «ذروة الطلب على الوقود الأحفوري» بالنسبة لها وشيكة وحقيقة واقعة لا تقبل الجدل، وفق البيان. إلا أنه وبعد ما يزيد قليلاً على عامين يبدو أن تأكيدات الوكالة الجريئة قد كان لها «لقاء مع الواقع».
اعتراف الوكالة
وقال البيان إنه في تحول مفاجئ وغير متوقع، أظهر أحدث تقارير وكالة الطاقة الدولية «توقعات الطاقة العالمية »، وتحديداً في «سيناريو السياسات الحالي» اعترافاً بنقيض ما صرحت به سابقاً. إذ ينص السيناريو على أن «الطلب على النفط والغاز لا يصل إلى الذروة» حتى عام 2050، وأن «النفط يظل الوقود المهيمن» طوال هذه الفترة. وعلى صعيد إجمالي الطلب على السوائل بحلول عام 2050، تشير توقعات النفط العالمية لــ«أوبك» إلى أقل بقليل من 123 مليون برميل يومياً، بينما يشير سيناريو السياسات الحالية للوكالة إلى ما يزيد قليلاً على 119 مليون برميل يومياً، مع حساب «أوبك» لإجمالي الطلب على السوائل في سيناريو الوكالة بأكثر من 121 مليون برميل يومياً على أساس حجم مكافئ.
أضاف البيان: «على الرغم من أن (أوبك) تقر بأن وكالة الطاقة الدولية قد نشرت سيناريوهات أخرى تعرض مسارات بديلة، فإن البيان أكد أن هذا يعد تراجعاً مدهشاً؛ لأنه يمثل المرة الأولى منذ سنوات كثيرة التي تعترف فيها الوكالة بأن النفط والغاز من المتوقع أن يلعبا دوراً كبيراً في مسارات الطاقة المستقبلية المتطورة».

الغاز النفطي المسال
أكدت «أوبك» أن هذا التقرير الجديد يسلط الضوء على الحاجة إلى «جميع مصادر الطاقة»، وهو ما يمثل محور التركيز الأساسي لأبحاث وتوقعات ورسائل «أوبك» في السنوات الأخيرة. وأشار البيان تحديداً إلى سيناريو الوكالة الجديد لتسريع خدمات الطهي والكهرباء النظيفة، الذي يوفر خريطة طريق لتحقيق الوصول الشامل إلى الكهرباء والطهي النظيف، حيث يشير هذا السيناريو إلى أهمية منتج نفطي حيوي هو الغاز النفطي المسال. وينص التقارب على أن الغاز النفطي المسال يدعم معظم سبل الوصول الجديدة إلى الطهي النظيف، مما يزيد من استخدامه إلى حوالي 3.4 مليون برميل يومياً في قطاع الطهي السكني بحلول عام 2040.
مخاوف «أوبك»
بالنسبة للنفط على وجه الخصوص، فإن حديث وكالة الطاقة الدولية السابق عن ذروة الطلب العالمي قبل نهاية هذا العقد كان مصحوباً أيضاً بدعوة لوقف الاستثمارات الجديدة في النفط، وهو ما عدّته «أوبك»، «تفكيراً بالتمني» كان يقود قصة استثمار الوكالة في النفط. لحسن الحظ، شهد عام 2025 انعطافات واضحة في هذا الموقف.
فقد أشار المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية في مؤتمر «سيرا ويك» في مارس (آذار) 2025 إلى وجود حاجة للاستثمار في حقول النفط والغاز لدعم أمن الطاقة العالمي. ثم ذهب أبعد من ذلك في سبتمبر (أيلول) عند إطلاقه لتقرير حول «تداعيات معدلات انحدار حقول النفط والغاز»، مصرحاً بأن «غياب الاستثمار في المنبع سيزيل ما يعادل الإنتاج المشترك للبرازيل والنرويج من ميزان السوق العالمية كل عام. الوضع يعني أن الصناعة يجب أن تعمل أسرع بكثير لمجرد البقاء في مكانها».
يؤكد سيناريو السياسات الحالية في تقرير الوكالة هذا التوجه بشكل قاطع، حيث ينص على أن المنبع النفطي والغازي يتطلب أكبر قدر من الاستثمار في العقد المقبل عند مقارنته بجميع أنواع الوقود الأخرى.
مطالبة بتحليل واقعي
انتقد بيان «أوبك» بشدة الترويج لخطابات محددة، مثل الحاجة إلى عدم ضخ استثمارات جديدة في النفط، والترويج لسيناريوهات مثل «سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050»، الذي وصفته بأنه سيناريو «معياري» وليس «استكشافياً»، حيث يبني مساراً عكسياً لتحقيق نتائج محددة على حساب السيناريوهات الأخرى. وعدّت «أوبك» أن هذا الترويج غير مفيد لرسم مسارات واقعية لمستقبل الطاقة، خصوصاً لضمان توفير الاستثمارات المستقبلية الضرورية، ليس فقط في الإنتاج لتلبية طلب المستهلكين، ولكن أيضاً في التقنيات الحيوية، مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه والتقاط الهواء المباشر، المطلوبة للمساعدة في خفض الانبعاثات.
وأكدت «أوبك» أن الواقع الحالي يظهر أن العالم يستهلك حالياً كميات أكبر من النفط، والفحم، والغاز، وفي الواقع، جميع مصادر الطاقة، أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يظهر في التوقعات قصيرة المدى لكل من «أوبك» والوكالة.
وكما دعت «أوبك» في مناسبات كثيرة، فإن تاريخ الطاقة كان دائماً يتعلق «بالإضافات». فمصادر الطاقة الرئيسية لم تختف أو تُترك في مرآة الرؤية الخلفية؛ بل تواصل تكملة بعضها بعضاً، بل وتعتمد على بعضها بعضاً. فمثلاً، ستكون مصادر الطاقة المتجددة جزءاً مهماً ومتوسعاً من مشهد الطاقة المستقبلي، لكن تطويرها يتطلب مجموعة متنوعة من المنتجات النفطية. وبتعبير بسيط: إن ماضينا في مجال الطاقة لم يكن سلسلة من أحداث الاستبدال، ولن يكون مستقبلنا كذلك.
وقال البيان إن تثبيت المعلقين في الصناعة على «الذروات»، سواء كانت ذروة العرض أو الطلب، قد أعاق التحليل السليم، والسياسات الجيدة، وتطوير مناخ صديق للاستثمار. وعدّت «أوبك» أن «هوس الذروة» وميل وكالة الطاقة السابق إلى إعلان الذروات الوشيكة في كل فرصة لا يعدو كونه مجرد شعار وعنوان رئيسي، ولا يقدم أي قيمة بإطار عمل لتحليل مسارات الطاقة المستقبلية.
واختتمت «أوبك» بالدعوة إلى أساسيات التحليل الموثوق والحيادي: «صناعة الطاقة بحاجة إلى تحليل قوي يستند إلى البيانات. نحن بحاجة إلى حقائق، لا تخيلات. نحن بحاجة إلى نزاهة، لا آيديولوجيا»، معربة عن أملها في أن يمثل تقرير الوكالة الأخير «عودة إلى التحليل القائم على حقائق الطاقة»، وأن نكون قد «تجاوزنا ذروة المفهوم المضلل للذروة النفطية».
