اليابان تُطلق حزمة تحفيز ضخمة وسط مخاوف التضخم وضعف الين

تاكايتشي تتعهد باستثمارات جريئة واستراتيجية

مشاة يعبرون الطريق في المنطقة التجارية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
مشاة يعبرون الطريق في المنطقة التجارية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
TT

اليابان تُطلق حزمة تحفيز ضخمة وسط مخاوف التضخم وضعف الين

مشاة يعبرون الطريق في المنطقة التجارية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
مشاة يعبرون الطريق في المنطقة التجارية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

تتحرك الحكومة اليابانية بخطى متسارعة لدعم اقتصادها المتباطئ، معلنةً نيتها زيادة الإنفاق العام «دون تردد» ضمن حزمة تحفيز جديدة تهدف إلى إنعاش النمو، وتخفيف الضغوط المعيشية، والحفاظ على استقرار الأسعار، في وقت تتزايد فيه المخاوف من تأثير ضعف الين وارتفاع التضخم على الأسر والشركات.

وحسب مسودة اطلعت عليها وكالة «رويترز»، تعهدت رئيسة الوزراء، ساناي تاكايتشي، بإطلاق استثمارات «جريئة واستراتيجية» في مجالات إدارة الأزمات والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة وأشباه الموصلات، بالإضافة إلى دعم قطاعات دفاعية وبناء السفن، لافتة إلى أن الاقتصاد الياباني «يمر بمرحلة انتقالية من الانكماش وخفض التكاليف إلى اقتصاد أكثر ديناميكية».

وتتضمّن المسودة كذلك خططاً لتخفيف أعباء المعيشة عبر خفض فواتير الكهرباء والوقود، ومساعدة الشركات المتضررة من ارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية. ومن المتوقع أن تُقر الحكومة الميزانية التكميلية الخاصة بتمويل الحزمة قبل نهاية الشهر الحالي.

ويرى خبراء أن حجم الإنفاق سيكون «ضخماً للغاية»، إذ يرجّح محللو «دايوا» للأوراق المالية أن تصل قيمة الحزمة إلى نحو 20 تريليون ين (133 مليار دولار)، في خطوة تُظهر عزم إدارة تاكايتشي استخدام السياسة المالية بقوة لدعم الاقتصاد.

تضخم غير مرغوب

وفي كلمة أمام البرلمان، شددت رئيسة الوزراء على أن التضخم الحالي «غير جيد»، لأنه مدفوع بارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وليس بزيادة الأجور. وقالت تاكايتشي: «أود أن أرى اليابان تشهد تضخماً معتدلاً مصحوباً بزيادات في الأجور. هذا النوع من التضخم هو ما نحتاج إليه لتحقيق نمو مستدام».

وأضافت أن حكومتها ستعمل مع بنك اليابان المركزي لتحقيق تضخم «مدفوع بالأجور»، مؤكدة أن التعاون بين الجانبَين ضروري لتحقيق هدف البنك البالغ 2 في المائة بطريقة مستقرة ومستدامة. وأضافت: «سنبني اقتصاداً قوياً، وسنعمل بتنسيق وثيق مع (بنك اليابان) لضمان أن تكون مكاسب الأجور هي المحرك الأساسي للتضخم، لا ارتفاع الأسعار وحده».

وتعكس تصريحات تاكايتشي، المعروفة بتأييدها للسياسات المالية التوسعية، ميل حكومتها إلى الإبقاء على أسعار الفائدة المنخفضة لدعم الاستثمار وتحفيز الإنفاق. لكن هذا التوجه يضع ضغوطاً إضافية على البنك المركزي الذي يوازن بين دعم الاقتصاد وكبح التضخم المتصاعد.

وكان البنك قد أبقى أسعار الفائدة عند 0.5 في المائة الشهر الماضي، لكنه أشار إلى إمكانية رفعها في ديسمبر (كانون الأول) المقبل إذا تأكد من استمرار نمو الأجور في العام المقبل.

الجانب المظلم لضعف الين

وفي السياق نفسه، حذّرت وزيرة المالية، ساتسوكي كاتاياما، من أن مساوئ ضعف الين أصبحت «أوضح من مزاياه»، مشيرة إلى أن التقلبات السريعة في سوق الصرف الأجنبي تثير القلق. وقالت أمام البرلمان: «شهدنا مؤخراً تحركات أحادية وسريعة في أسعار الصرف، ونراقب التطورات بحذر شديد لتفادي تقلبات مفرطة».

وعلى الرغم من أن انخفاض الين يعزز القدرة التنافسية للصادرات اليابانية فإنه أصبح عبئاً على الأسر والشركات بسبب ارتفاع تكاليف استيراد الوقود والمواد الغذائية. وقد تراجعت العملة اليابانية مؤخراً إلى نحو 154.7 ين للدولار قبل أن تتحسّن قليلاً عقب تصريحات كاتاياما.

ضغط متزايد

وأظهرت البيانات الأخيرة أن معدل التضخم الأساسي للمستهلكين بلغ 2.9 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي، محافظاً على بقائه فوق هدف «بنك اليابان» البالغ 2 في المائة للشهر الثالث والعشرين على التوالي. ويُعزى ذلك أساساً إلى استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ما يُبقي الضغط قائماً على البنك لرفع تكاليف الاقتراض.

ويرى محللون أن ضعف الين، إلى جانب ارتفاع الأسعار وتباطؤ الصادرات، تهدد بإعادة الاقتصاد الياباني إلى الانكماش. وتُظهر استطلاعات «رويترز» أن الناتج المحلي الإجمالي قد ينكمش بنسبة 2.5 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي، متأثراً بتراجع الطلب المحلي وزيادة الرسوم الجمركية الأميركية.

وتواجه إدارة تاكايتشي تحدياً صعباً يتمثّل في تحقيق توازن دقيق بين التحفيز المالي وضبط التضخم، مع المحافظة على استقرار العملة وتخفيف الأعباء عن الأسر. ويرى محللون أن الحزمة المرتقبة ستختبر قدرة الحكومة على استعادة الثقة الشعبية وتحقيق انتعاش فعلي في ثاني أكبر اقتصاد آسيوي.

في المقابل، يبقى «بنك اليابان» تحت ضغط سياسي واقتصادي كبير لتنسيق خطواته بعناية مع الحكومة، في وقت تتزايد فيه المخاوف من أن أي تأخير في رفع الفائدة قد يؤدي إلى مزيد من تراجع الين واتساع فجوة الأسعار.

وبينما تراهن الحكومة على أن التحفيز الواسع واستثمارات النمو الجديدة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة ستعيد الزخم للاقتصاد، يرى مراقبون أن نجاح هذه السياسة سيعتمد على قدرة اليابان على تحويل التضخم الحالي إلى نمو مستدام مدفوع بالأجور لا بالأسعار.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)

إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

انخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز بنسبة 6 في المائة في أول يومين من شهر ديسمبر، وفقاً لما ذكره مصدر في قطاع النفط والغاز يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» التي انعقدت في العاصمة البحرينية الأربعاء (بنا)

البنك الدولي يرفع توقعاته لاقتصادات الخليج ويؤكد صمودها في مواجهة التحديات

رفع البنك الدولي توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026 إلى 4.5 في المائة، من توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد د. عبد القادر حصرية حاكم «مصرف سوريا المركزي» ورائد هرجلي وليلى سرحان وماريو مكاري من شركة «فيزا» (الشرق الأوسط)

شراكة استراتيجية بين «مصرف سوريا المركزي» و«فيزا» لتحديث منظومة المدفوعات

أعلن «مصرف سوريا المركزي» وشركة «فيزا» العالمية عن اتفاق على خريطة طريق استراتيجية لبناء منظومة متكاملة للمدفوعات الرقمية في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد ركاب بانتظار القطار في محطة بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

توافق حذر بين الحكومة وبنك اليابان على رفع الفائدة

أكدت ثلاثة مصادر حكومية مطلعة لـ«رويترز» أن رفع بنك اليابان لسعر الفائدة بات «مرجّحاً بشدة» في اجتماع ديسمبر (كانون الأول)

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
TT

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، تعليق بعض العقوبات التي فرضتها على شركة النفط الروسية العملاقة «لوك أويل»، للسماح لمحطات الوقود في خارج روسيا بمواصلة العمل.

وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن التعامل مع هذه المحطات مجاز به «لتفادي معاقبة» زبائنها ومورّديها، وبشرط ألا يتم تحويل العائدات إلى روسيا. يسري هذا الإعفاء حتى 29 أبريل (نيسان) 2026، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت الولايات المتحدة أضافت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أكبر شركتين لإنتاج النفط في روسيا، «لوك أويل» و«روسنفت»، إلى اللائحة السوداء للكيانات الخاضعة للعقوبات، وهو سجل تتابعه العديد من الدول والشركات.

وتواجه الشركات التي تتعامل مع كيانات روسية، خطر التعرض لعقوبات ثانوية، وهو ما قد يمنعها من التعامل مع البنوك والتجار وشركات النقل والتأمين الأميركية التي تشكل العمود الفقري لسوق السلع الأساسية.

ويأتي إعلان وزارة الخزانة بعد يومين من اجتماع في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف، في إطار مساعٍ تجريها واشنطن للتوصل إلى تسوية للحرب في أوكرانيا.


وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
TT

وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)

كشف وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، عن تفاصيل جديدة تتعلق بطلبات «صندوق النقد الدولي»، مؤكداً أن «الصندوق» طلب من لبنان تحقيق فائض في الموازنة العامة إلى جانب فرض مزيد من الضرائب.

وشدد جابر، وفق ما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية عقب اجتماع مجلس الوزراء، على أن وزارة المالية «لا نية لديها» لتلبية هذه المطالب؛ «تحديداً في هذا التوقيت»، عادّاً أن «الظرف صعب» وأنه لا يتحمل زيادة الأعباء على المواطنين.

وعلى صعيد آخر، قدّم وزير المالية لمحة إيجابية عن الوضع المالي العام في لبنان، وقال إن «الوضع المالي مستقر، وليس هناك عجز، وبدأنا تحقيق الفائض بالليرة اللبنانية».


إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
TT

إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)

انخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز بنسبة 6 في المائة في أول يومين من شهر ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لما ذكره مصدر في قطاع النفط والغاز يوم الخميس، وذلك عقب هجوم أوكراني بطائرة مسيّرة على منشأة تحميل تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين في البحر الأسود.

وكان خط أنابيب بحر قزوين، الذي ينقل أكثر من 80 في المائة من صادرات كازاخستان النفطية، ويتعامل مع أكثر من 1 في المائة من الإمدادات العالمية، قد علق عملياته يوم السبت بعد تعرض مرساة في المحطة الواقعة بالقرب من ميناء نوفوروسيسك الروسي لأضرار.

واستأنف لاحقاً عمليات الإمداد باستخدام مرساة واحدة (SPM) بدلاً من المرساتين اللتين يستخدمهما عادةً. وتعمل وحدة ثالثة، قيد الصيانة حالياً والتي بدأت قبل الإضرابات، كوحدة احتياطية. وانخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز في أول يومين من ديسمبر إلى 1.9 مليون برميل يومياً، مقارنةً بمتوسط ​​الإنتاج في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً للمصدر وحسابات «رويترز».

ويُظهر انخفاض إنتاج النفط تأثير هجوم طائرة من دون طيار تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين على كازاخستان؛ العضو في «أوبك بلس»، والتي صدّرت نحو 68.6 مليون طن من النفط العام الماضي، وتحتل المرتبة الثانية عشرة بين أكبر منتجي النفط في العالم.

وينقل خط أنابيب بحر قزوين، الذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر (930 ميلاً)، النفط الخام من حقول تنجيز وكاراتشاغاناك وكاشاغان في كازاخستان إلى محطة يوزنايا أوزيرييفكا في نوفوروسيسك. والموردون الرئيسيون هم حقول في كازاخستان، كما تحصل على النفط الخام من منتجين روس.

وصرح نائب وزير الطاقة الكازاخستاني، يرلان أكبروف، يوم الخميس، بأن إحدى مراسي شركة النفط والغاز الكازاخستانية (CPC) في محطة البحر الأسود تعمل بكامل طاقتها، ولا توجد أي قيود على نقل النفط.

وأفادت خمسة مصادر في قطاع الطاقة لـ«رويترز» يوم الأربعاء بأن كازاخستان ستُحوّل المزيد من النفط الخام عبر خط أنابيب «باكو-تبليسي-جيهان» في ديسمبر (كانون الأول) بسبب انخفاض طاقة خط أنابيب بحر قزوين.

كما يُصدر المنتجون الكازاخستانيون النفط الخام إلى مينائي نوفوروسيسك وأوست-لوغا الروسيين تحت علامة «كيبكو» التجارية، وإلى ألمانيا عبر خط أنابيب دروجبا، لكن هذه المسارات تُقدّم هوامش ربح أقل، وتعتمد على طاقة شركة «ترانسنفت» الروسية لتشغيل خطوط الأنابيب.

خيارات إعادة توجيه النفط من كازاخستان، وهي دولة غير ساحلية، محدودة نظراً لضغط شبكة خطوط الأنابيب الروسية بعد هجمات متكررة بطائرات من دون طيار على مصافيها ومنشآت التصدير.

وقدّر مصدر آخر في قطاع الطاقة فقدان طاقة تحميل خط أنابيب بحر قزوين عند استخدام خط أنابيب واحد فقط بـ900 ألف طن أسبوعياً.