شهد معدل التضخم في بريطانيا استقراراً غير متوقع خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي للشهر الثالث على التوالي، مسجلاً 3.8 في المائة، وهو ما يمثل مفاجأة إيجابية في السوق كانت تتوقع ارتفاعاً جديداً. هذا الثبات عزَّز بشكل كبير التكهنات بخفض وشيك لسعر الفائدة من قبل بنك إنجلترا، وقدم بارقة أمل لوزيرة المالية، راشيل ريفز، قبل إعلان موازنتها المنتظرة في نوفمبر (تشرين الثاني).
فقد أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية، الصادرة يوم الأربعاء، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين ظل ثابتاً عند 3.8 في المائة للشهر الثالث على التوالي، وهو أعلى مستوى مشترك له منذ بداية عام 2024. ورغم أن معدل نمو الأسعار في بريطانيا لا يزال الأسرع بين الاقتصادات المتقدمة الغنية، فإن التوقعات السابقة لبنك إنجلترا ومعظم الاقتصاديين الذين استطلعت «رويترز» آراءهم كانت تشير إلى ارتفاع التضخم إلى 4.0 في المائة.
كما جاء تضخم قطاع الخدمات، الذي يراقبه بنك إنجلترا من كثب كمؤشر لضغوط الأسعار الأساسية، ثابتاً بشكل غير متوقع عند 4.7 في المائة، وهو ما يقل عن توقعات الاستطلاع بارتفاعه إلى 4.9 في المائة.
في رد فعل فوري على هذه البيانات، تراجع الجنيه الإسترليني بأكثر من نصف سنت مقابل الدولار الأميركي. وحوّل المستثمرون رهاناتهم بشكل حاد، حيث ارتفعت احتمالية قيام بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) إلى 75 في المائة، بعد أن كانت الاحتمالية لا تتجاوز 46 في المائة قبل نشر بيانات التضخم.
الاقتصاد يتنفس الصعداء
عبَّر لوك بارثولوميو، نائب كبير الاقتصاديين في شركة «أبردين» للاستثمار، عن تفاؤله، قائلاً: «بشكل عام، تبدو مشكلة التضخم في المملكة المتحدة أقل سوءاً الآن مما كانت عليه قبل بضعة أسابيع».
من جهتها، أكدت إيلي هندرسون، الخبيرة الاقتصادية في بنك «إنفستك»، أن مسيرة الارتفاع التي استمرت عاماً كاملاً في التضخم البريطاني تبدو قد انتهت. وأضافت: «معدل التضخم الرئيسي عند 3.8 في المائة لا يزال غير مريح لبنك إنجلترا - فهو يقارب ضعف هدف الـ2 في المائة - لكننا نرى أن هذه هي الذروة».
ويُذكر أن التضخم المرتفع في بريطانيا لم يعُق جهود بنك إنجلترا لدعم الاقتصاد بأسعار اقتراض أقل فحسب، بل أضاف أيضاً إلى تكاليف ديون الحكومة الهائلة، في وقت تتصاعد فيه المتطلبات الأخرى للإنفاق العام.
الموازنة المرتقبة وتحديات «تكلفة المعيشة»
من المرجح أن تلجأ وزيرة المالية راشيل ريفز إلى زيادة الضرائب في موازنتها المقرر إعلانها في 26 نوفمبر، وذلك لطمأنة المستثمرين بقرب تحقيق الأهداف المالية الحكومية. وفي هذا الصدد، حذَّر المحللون من أن بعض الخيارات قد تدفع التضخم للارتفاع مجدداً العام المقبل.
وفي تعليقها على البيانات الصادرة، قالت ريفز إنها «غير راضية» عن الوضع، ملمحة إلى أنها تجهز إجراءات ضمن الموازنة للمساعدة في خفض «تكلفة المعيشة». وأضافت في بيان: «لفترة طويلة جداً، بدا اقتصادنا جامداً، ويشعر الناس أنهم يعملون أكثر ويحصلون على أقل. هذا يجب أن يتغير». وشددت على أنها مصممة على دعم الأفراد الذين يعانون من ارتفاع الفواتير وتحديات تكلفة المعيشة.
وكان صندوق النقد الدولي قد أشار الأسبوع الماضي إلى أن معدل التضخم في بريطانيا سيكون الأعلى بين اقتصادات مجموعة السبع في عامي 2025 و2026. ويتوقع بنك إنجلترا أن يضعف تضخم أسعار المستهلكين تدريجياً، لكنه لن يصل إلى مستهدفه البالغ 2 في المائة حتى الفترة الممتدة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) 2027.
عوامل الارتفاع والانخفاض
أظهرت بيانات يوم الأربعاء أن قطاع النقل كان المحرك الرئيسي لارتفاع معدل التضخم العام، في حين ساهمت قطاعات الترفيه والثقافة والأغذية والمشروبات غير الكحولية بأكبر قدر من التراجع في المعدل. وتباطأ ارتفاع أسعار الأغذية في 12 شهراً حتى سبتمبر ليبلغ 4.3 في المائة، مقارنة بـ4.8 في المائة في أغسطس (آب).
وعلى الرغم من تباطؤ سوق العمل البريطاني، لا يزال صانعو السياسة النقدية في بنك إنجلترا منقسمين حول مدى استمرار الضغوط التضخمية الكامنة في الاقتصاد، خاصة مع ارتفاع توقعات التضخم بين الجمهور في الأشهر الأخيرة، وهي توقعات يقول البنك إنها حساسة لارتفاع أسعار المواد الغذائية.
في المقابل، أظهرت أرقام منفصلة من مكتب الإحصاء الوطني أن أسعار المصانع ارتفعت بنسبة 3.4 في المائة في 12 شهراً حتى سبتمبر، مسجلة تسارعاً طفيفاً عن 3.1 في المائة المسجلة في أغسطس.
