من نيجيريا إلى فيتنام... مزارعو فول الصويا الأميركيون يبحثون عن بديل للصين

الخسائر تتمدد إلى كافة أنشطة الاقتصاد الريفي في الولايات المتحدة

ماكينة زراعية تقوم بحصاد محصول فول الصويا في أحد المزارع بولاية ميسوري الأميركية (رويترز)
ماكينة زراعية تقوم بحصاد محصول فول الصويا في أحد المزارع بولاية ميسوري الأميركية (رويترز)
TT

من نيجيريا إلى فيتنام... مزارعو فول الصويا الأميركيون يبحثون عن بديل للصين

ماكينة زراعية تقوم بحصاد محصول فول الصويا في أحد المزارع بولاية ميسوري الأميركية (رويترز)
ماكينة زراعية تقوم بحصاد محصول فول الصويا في أحد المزارع بولاية ميسوري الأميركية (رويترز)

يسابق مزارعو فول الصويا الأميركيون الزمن لفتح أسواق بديلة في أقصى بقاع العالم، من بعثات تجارية إلى نيجيريا ومذكرات تفاهم مع فيتنام وقفزات مشتريات من بنغلاديش، في محاولة لتدارك آثار حربٍ تجارية أبعدت أكبر مشترٍ للسلعة وهو الصين. لكن تلك الجهود لا تزال عاجزة عن تعويض غياب الزبون الأهم، وفق بيانات ومقابلات اطلعت عليها «رويترز»، فيما تتمدّد الخسائر إلى صُنّاع الجرّارات وسائر نشاطات الاقتصاد الريفي.

للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً، لم يشترِ المستوردون الصينيون فول الصويا من محصول الخريف الأميركي، ما أجبر مزارعين كُثراً على تخزين المحصول على أمل ارتفاع الأسعار عن مستوياتها الأدنى في نحو 5 سنوات. هذه المخاطرة تؤخر تدفق السيولة على المزارع في وقت ترتفع فيه تكاليف العمل والطاقة والأسمدة. وفي مؤشرٍ على قسوة المرحلة، تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتوجيه عوائد الرسوم لدعم المزارعين؛ وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن إعلاناً بهذا الخصوص سيصدر الثلاثاء.

وأدّت الرسوم المتبادلة بين واشنطن وبكين هذا العام إلى جعل فول الصويا الأميركي مرتفع التكلفة على المشترين الصينيين، ليتحوّلوا إلى أميركا الجنوبية. أما الأسواق البديلة للولايات المتحدة فلا تزال صغيرة للغاية مقارنةً بالصين.

• أزمة حادّة في إلينوي

في إلينوي، أكبر ولاية منتجة ومصدّرة لفول الصويا، يستعد المزارع رايان فريدِرز (49 عاماً) لتخزين جزء كبير من محصوله في صوامع قرب مدينة ووترمان، على بعد 97 كيلومتراً غرب شيكاغو، بعد أن باع جزءاً من التعاقدات بسعرٍ دون تكلفة الإنتاج. وقدّر باحثو جامعة إلينوي خسائر المزارعين بما يصل إلى 8 دولارات لكل فدان بفعل ضعف الأسعار والصادرات، حسب «رويترز».

وبين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز)، وهي الفترة قبل الحصاد الخريفي، هبطت صادرات فول الصويا الأميركية إلى الصين 39 في المائة من حيث الحجم إلى 5.9 مليون طن، و51 في المائة قيمةً إلى 2.5 مليار دولار، ما حرم المزارعين من مليارات الدولارات من الإيرادات.

ورغم أن الصادرات إلى بنغلاديش قفزت لتتجاوز 400 ألف طن، لكنها تظل جزءاً ضئيلاً من الطلب الصيني المعتاد. ورغم زيادة الشحنات إلى فيتنام ومصر وتايلاند وماليزيا، تراجعت الصادرات الإجمالية 8 في المائة على أساس سنوي إلى 18.9 مليون طن.

ويقول فريدِرز، الذي سافر في فبراير (شباط) مع مجلس تصدير فول الصويا الأميركي إلى تركيا للقاء مشترين: «الجميع يتحدث عن الهند وجنوب شرق آسيا وشمال أفريقيا سوقاً مستقبلية، لكن لا توجد فجوة خفية يمكن أن تنفجر فجأة لتصبح (صيناً جديدة)».

• تعهدات بلا صدى

على صعيد الجهود الحكومية، قالت وزيرة الزراعة بروك رولينز في سبتمبر (أيلول) إن تايوان التزمت شراء 10 مليارات دولار من المنتجات الزراعية الأميركية خلال أربع سنوات، ووصفتها بالعنصر «المغيِّر لقواعد اللعبة». غير أن بيانات أميركية تُظهر أن صادرات 2024 إلى تايوان بلغت 3.8 مليار دولار؛ ولو استمر المعدل ذاته لأربع سنوات لوصل إلى 15 ملياراً، أي أعلى من التعهد المعلن أصلاً.

وفي يونيو (حزيران)، وقّعت فيتنام مذكرات تفاهم بأكثر من 1.4 مليار دولار لشراء منتجات زراعية أميركية تضم فول الصويا، حسب مجلس التصدير. كما سعى المجلس إلى تنشيط الواردات النيجيرية بعد شحن 64 ألف طن فقط العام الماضي، لكن البيانات الأميركية تُظهر عدم تصدير أي كميات إلى نيجيريا حتى يوليو هذا العام.

واستضافت إلينوي في أغسطس (آب) جولة مشترين من بيرو وكولومبيا ونيكاراغوا والسلفادور والمكسيك وجمهورية الدومينيكان؛ غير أن الصادرات إلى بعضها كانت هامشية أو ثابتة.

• هيمنة صينية عسيرة التعويض

ومع تعداد سكاني يتجاوز 1.4 مليار نسمة وأكبر مزارع لتربية الخنازير في العالم، يصعب استبدال الصين مشترياً رئيسياً. فحسب «جمعية فول الصويا الأميركية»، استوردت الصين في الأعوام الخمسة الماضية في المتوسط 61 في المائة من تجارة فول الصويا العالمية، وهو أكثر من بقية العالم مجتمعاً. وفي 2024، صدّرت الولايات المتحدة نحو 27 مليون طن إلى الصين، مقابل 5 ملايين طن فقط إلى المكسيك، ثاني أكبر مشترٍ.

وكتب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على «تروث سوشيال»، يوم الأربعاء، أن «مزارعي فول الصويا في بلادنا يتضررون، لأن الصين، لأسباب تفاوضية فقط، لا تشتري»، مضيفاً أن فول الصويا سيكون محوراً رئيسياً في لقائه مع الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال أربعة أسابيع.

• فوارق أسعار ورسوم مُعيقة

رغم أنّ فول الصويا الأميركي كان في الشهر الماضي أرخص بنحو 80 - 90 سنتاً للبوشل من البرازيلي لشحنات سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول)، فإن الرسوم الصينية البالغة 23 في المائة أضافت نحو دولارين للبوشل على المستوردين، وفق متعاملين.

وفي الأرجنتين، علّقت حكومة خافيير ميلي مؤقتاً ضرائب التصدير على فول الصويا في سبتمبر، ما جذب المشترين الصينيين سريعاً، حسب مصادر تجارية، الأمر الذي أثار حنق المزارعين الأميركيين المستبعدين عن السوق الصينية.

وتراجع الدخل الزراعي في أميركا يطال سلاسل أوسع. فقد قالت شركة «سي إن إتش» لصناعة المعدات إن صافي مبيعات نشاطها الزراعي هبط 20 في المائة في الأشهر الستة المنتهية في 30 يونيو مقارنة بالعام السابق. وعلّق الرئيس التنفيذي غيريت ماركس بأن «الأخبار الجيدة لا تأتي إلا عندما تبدأ الصين بالطلب فعلياً».

وفي مدينة ديكاتور بولاية إلينوي، مقر «آرتشر - دانييلز - ميدلاند» لأميركا الشمالية، التي كانت تُعرف سابقاً بـ«عاصمة فول الصويا»، سألت «رويترز» العمدة جولي مور وولف عن «العاصمة الجديدة» للصناعة... لتقول الأخيرة في همس: «ربما البرازيل».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)

إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

انخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز بنسبة 6 في المائة في أول يومين من شهر ديسمبر، وفقاً لما ذكره مصدر في قطاع النفط والغاز يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» التي انعقدت في العاصمة البحرينية الأربعاء (بنا)

البنك الدولي يرفع توقعاته لاقتصادات الخليج ويؤكد صمودها في مواجهة التحديات

رفع البنك الدولي توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026 إلى 4.5 في المائة، من توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد د. عبد القادر حصرية حاكم «مصرف سوريا المركزي» ورائد هرجلي وليلى سرحان وماريو مكاري من شركة «فيزا» (الشرق الأوسط)

شراكة استراتيجية بين «مصرف سوريا المركزي» و«فيزا» لتحديث منظومة المدفوعات

أعلن «مصرف سوريا المركزي» وشركة «فيزا» العالمية عن اتفاق على خريطة طريق استراتيجية لبناء منظومة متكاملة للمدفوعات الرقمية في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد ركاب بانتظار القطار في محطة بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

توافق حذر بين الحكومة وبنك اليابان على رفع الفائدة

أكدت ثلاثة مصادر حكومية مطلعة لـ«رويترز» أن رفع بنك اليابان لسعر الفائدة بات «مرجّحاً بشدة» في اجتماع ديسمبر (كانون الأول)

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
TT

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)
لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، تعليق بعض العقوبات التي فرضتها على شركة النفط الروسية العملاقة «لوك أويل»، للسماح لمحطات الوقود في خارج روسيا بمواصلة العمل.

وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن التعامل مع هذه المحطات مجاز به «لتفادي معاقبة» زبائنها ومورّديها، وبشرط ألا يتم تحويل العائدات إلى روسيا. يسري هذا الإعفاء حتى 29 أبريل (نيسان) 2026، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت الولايات المتحدة أضافت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أكبر شركتين لإنتاج النفط في روسيا، «لوك أويل» و«روسنفت»، إلى اللائحة السوداء للكيانات الخاضعة للعقوبات، وهو سجل تتابعه العديد من الدول والشركات.

وتواجه الشركات التي تتعامل مع كيانات روسية، خطر التعرض لعقوبات ثانوية، وهو ما قد يمنعها من التعامل مع البنوك والتجار وشركات النقل والتأمين الأميركية التي تشكل العمود الفقري لسوق السلع الأساسية.

ويأتي إعلان وزارة الخزانة بعد يومين من اجتماع في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف، في إطار مساعٍ تجريها واشنطن للتوصل إلى تسوية للحرب في أوكرانيا.


وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
TT

وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)

كشف وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، عن تفاصيل جديدة تتعلق بطلبات «صندوق النقد الدولي»، مؤكداً أن «الصندوق» طلب من لبنان تحقيق فائض في الموازنة العامة إلى جانب فرض مزيد من الضرائب.

وشدد جابر، وفق ما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية عقب اجتماع مجلس الوزراء، على أن وزارة المالية «لا نية لديها» لتلبية هذه المطالب؛ «تحديداً في هذا التوقيت»، عادّاً أن «الظرف صعب» وأنه لا يتحمل زيادة الأعباء على المواطنين.

وعلى صعيد آخر، قدّم وزير المالية لمحة إيجابية عن الوضع المالي العام في لبنان، وقال إن «الوضع المالي مستقر، وليس هناك عجز، وبدأنا تحقيق الفائض بالليرة اللبنانية».


إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
TT

إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين

حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)
حقل «كاراتشاغاناك» الكازاخستاني (إكس)

انخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز بنسبة 6 في المائة في أول يومين من شهر ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لما ذكره مصدر في قطاع النفط والغاز يوم الخميس، وذلك عقب هجوم أوكراني بطائرة مسيّرة على منشأة تحميل تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين في البحر الأسود.

وكان خط أنابيب بحر قزوين، الذي ينقل أكثر من 80 في المائة من صادرات كازاخستان النفطية، ويتعامل مع أكثر من 1 في المائة من الإمدادات العالمية، قد علق عملياته يوم السبت بعد تعرض مرساة في المحطة الواقعة بالقرب من ميناء نوفوروسيسك الروسي لأضرار.

واستأنف لاحقاً عمليات الإمداد باستخدام مرساة واحدة (SPM) بدلاً من المرساتين اللتين يستخدمهما عادةً. وتعمل وحدة ثالثة، قيد الصيانة حالياً والتي بدأت قبل الإضرابات، كوحدة احتياطية. وانخفض إنتاج كازاخستان من النفط ومكثفات الغاز في أول يومين من ديسمبر إلى 1.9 مليون برميل يومياً، مقارنةً بمتوسط ​​الإنتاج في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً للمصدر وحسابات «رويترز».

ويُظهر انخفاض إنتاج النفط تأثير هجوم طائرة من دون طيار تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين على كازاخستان؛ العضو في «أوبك بلس»، والتي صدّرت نحو 68.6 مليون طن من النفط العام الماضي، وتحتل المرتبة الثانية عشرة بين أكبر منتجي النفط في العالم.

وينقل خط أنابيب بحر قزوين، الذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر (930 ميلاً)، النفط الخام من حقول تنجيز وكاراتشاغاناك وكاشاغان في كازاخستان إلى محطة يوزنايا أوزيرييفكا في نوفوروسيسك. والموردون الرئيسيون هم حقول في كازاخستان، كما تحصل على النفط الخام من منتجين روس.

وصرح نائب وزير الطاقة الكازاخستاني، يرلان أكبروف، يوم الخميس، بأن إحدى مراسي شركة النفط والغاز الكازاخستانية (CPC) في محطة البحر الأسود تعمل بكامل طاقتها، ولا توجد أي قيود على نقل النفط.

وأفادت خمسة مصادر في قطاع الطاقة لـ«رويترز» يوم الأربعاء بأن كازاخستان ستُحوّل المزيد من النفط الخام عبر خط أنابيب «باكو-تبليسي-جيهان» في ديسمبر (كانون الأول) بسبب انخفاض طاقة خط أنابيب بحر قزوين.

كما يُصدر المنتجون الكازاخستانيون النفط الخام إلى مينائي نوفوروسيسك وأوست-لوغا الروسيين تحت علامة «كيبكو» التجارية، وإلى ألمانيا عبر خط أنابيب دروجبا، لكن هذه المسارات تُقدّم هوامش ربح أقل، وتعتمد على طاقة شركة «ترانسنفت» الروسية لتشغيل خطوط الأنابيب.

خيارات إعادة توجيه النفط من كازاخستان، وهي دولة غير ساحلية، محدودة نظراً لضغط شبكة خطوط الأنابيب الروسية بعد هجمات متكررة بطائرات من دون طيار على مصافيها ومنشآت التصدير.

وقدّر مصدر آخر في قطاع الطاقة فقدان طاقة تحميل خط أنابيب بحر قزوين عند استخدام خط أنابيب واحد فقط بـ900 ألف طن أسبوعياً.