يترقب المستثمرون في الأسواق العالمية قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء، الذي يُتوقع أن يشهد أول خفض لسعر الفائدة في عام 2025. لكن السؤال الأهم الذي يشغل بال الجميع هو: كم عدد التخفيضات المقبلة؟
يأتي هذا التساؤل في ظل تحديات اقتصادية معقّدة تتمثل في سوق عمل ضعيفة، وتضخم عنيد، وضغوط متزايدة من البيت الأبيض.
يُعد «مخطط النقاط» (Dot Plot)، وهو خريطة توقعات يصدرها «الاحتياطي الفيدرالي» كل ثلاثة أشهر، مؤشراً مهماً على توجهات البنك المركزي. وقد كشفت الخريطة الأخيرة، الصادرة في يونيو (حزيران) الماضي، عن إجماع بين مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» على خفضين، هذا العام؛ نظراً إلى الغموض الذي يحيط بتأثير سياسات إدارة ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية والهجرة والضرائب.
ومن المتوقع أن يكون الخفض الأول، اليوم الأربعاء، بمقدار ربع نقطة مئوية، وهو أول قرار لتخفيف السياسة النقدية منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. يبقى التساؤل الرئيسي هو ما إذا كان صُناع السياسة سيتمسكون بتوقعاتهم بخفض واحد إضافي في عام 2025، أم سيتبنّون نهجاً أكثر جرأة في ظل المؤشرات الجديدة على ضعف سوق العمل، علماً بأن «الفيدرالي» لديه اجتماعان آخران، هذا العام، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، وأوائل ديسمبر (كانون الأول).

ضغوط سياسية وتغييرات في المجلس
لقد وضع قرار البنك المركزي الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي في نطاق 4.25 في المائة - 4.5 في المائة لغالبية عام 2025، صبْر ترمب على المحك. وقد أقدم على تعيين ستيفن ميران، مستشاره الاقتصادي في البيت الأبيض، حاكماً في مجلس الفيدرالي، قبل اجتماع هذا الأسبوع. بينما رفضت محكمة فيدرالية، يوم الاثنين، جهوده لإقالة الحاكمة الحالية ليزا كوك.
ولم يتوقف ترمب عن انتقاد رئيس «الفيدرالي» جيروم باول لعدم خفض الفائدة في وقت أبكر، واصفاً إياه مراراً بـ«المتأخر جداً».
وعلى الرغم من الضغوط، تقول الرئيسة السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، لوريتا ميستر، إنها «غير مقتنعة» بأن خفضاً واحداً أو عدة تخفيضات ستخفف الضغط على البنك المركزي. وأضافت: «لقد صرح الرئيس بأنه يريد الحصول على أغلبية من رجاله في المجلس، ويريد خفض أسعار الفائدة بقوة. لا يبدو أنه يهتم كثيراً باستقلالية السياسة النقدية وعزلها عن الاعتبارات السياسية قصيرة المدى»، وفق ما نقل عنه موقع «ياهو فاينانس».
لكن ميستر لا تتوقع أن يكون الخفض الأول أكبر من 25 نقطة أساس، في ظل الموازنة بين مسؤوليات صُناع السياسة في الحفاظ على استقرار الأسعار وتعظيم التوظيف.
توقعات متباينة بين المحللين
بينما يراهن متداولو «وول ستريت» على أن تخفيضات إضافية ستتبع في اجتماعيْ أكتوبر وديسمبر المقبلين، قبل أن يتوقف «الفيدرالي» حتى أبريل (نيسان)، يذهب بعض الاقتصاديين إلى توقعات أكثر جرأة، فقد قال اقتصاديون في بنك «مورغان ستانلي»، الأسبوع الماضي، إنهم يتوقعون تخفيضات في كل اجتماع حتى يناير (كانون الثاني)، مما سيخفّض النطاق المستهدف إلى 3.5 في المائة.
من جهته، يتوقع لوك تيلي، كبير الاقتصاديين في «ويلمنغتون تراست»، أن يكون «الفيدرالي» غير ملتزم، الأربعاء، بشأن التخفيضات المستقبلية، لكنه يتوقع ثلاثة تخفيضات في كل من الاجتماعات الثلاثة المقبلة بسبب ضعف سوق العمل. في الواقع، يتوقع تيلي ستة تخفيضات متتالية؛ ثلاثة هذا العام، وثلاثة في بداية العام المقبل، مما سيخفّض سعر الفائدة إلى نطاق يتراوح بين 2.75 في المائة و3 في المائة، وهو ما يطلق عليه المستوى «المحايد» الذي لا يحفز النمو ولا يبطئه.
المعضلة: تضخم مستمر أم سوق عمل ضعيفة؟
وفقاً للرئيسة السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، إستر جورج، يكمن السؤال الحقيقي في كيفية تقييم «الفيدرالي» مدى تقييد سياسته وما هدفه النهائي، هل سيعود صُناع السياسة إلى الانحياز نحو الخفض، أم سيكونون أكثر حذراً ويعتمدون قراراتهم المستقبلية على بيانات التضخم؟
وقد دفعت أحدث أرقام التضخم جورج إلى اعتقاد أن التضخم استقر عند نحو 3 في المائة، مشيرة إلى أن الزخم الأساسي للتضخم مثير للقلق، حتى لو لم تنتج الرسوم الجمركية الارتفاع الحاد في الأسعار الذي توقّعه كثيرون.
في المقابل، تشير جورج إلى أن بيانات سوق العمل تُظهر أنه قد يكون أضعف مما كان يُعتقد. فقد أضاف الاقتصاد 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس (آب) الماضي، وهو أقل بكثير من التوقعات التي تشير إلى 75 ألف وظيفة، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المائة، من 4.2 في المائة.
وترى جورج أنه في اجتماع هذا الأسبوع، «أشكُّ أنه إذا نظرت حول الطاولة، فستجد أشخاصاً سيميلون بقوة أكبر نحو تفويض سوق العمل على حساب تفويض التضخم».
