رسوم ترمب تدفع صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته للنمو العالمي لـ2.8 %

دعا الدول إلى تعزيز بيئة تجارية مستقرة... والبنوك المركزية إلى ضبط السياسة النقدية

لافتة إعلانية لاجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)
لافتة إعلانية لاجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

رسوم ترمب تدفع صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته للنمو العالمي لـ2.8 %

لافتة إعلانية لاجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)
لافتة إعلانية لاجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)

خفّض صندوق النقد الدولي بشكل حاد توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي إلى 2.8 في المائة في 2025، و3 في المائة في 2026، وهو ما يمثل خفضاً من نسبة 3.3 في المائة المتوقعة لعامي 2025 و2026، في تحديث آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يناير (كانون الثاني) 2025، نتيجة تصاعد التوترات التجارية وعدم اليقين السياسي، خصوصاً بعد التدابير الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة والتدابير المضادة من الشركاء التجاريين.

وقال صندوق النقد الدولي في تقريره الحديث حول «مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي»، الذي أصدره يوم الثلاثاء خلال اجتماعات الربيع المنعقدة حالياً في واشنطن لصندوق النقد والبنك الدوليين، إن مخاطر التراجع المزدادة تهيمن على التوقعات، بما في ذلك حرب تجارية محتملة، وتآكل السياسات الوقائية المخففة للصدمات الاقتصادية المستقبلية، وعدم الاستقرار المالي المحتمل، في حين أن خفض التعريفات الجمركية والاتفاقيات التجارية الجديدة، قد يؤديان إلى تحسين النمو العالمي.

ورفع صندوق النقد الدولي متوسط التضخم العالمي إلى 4.3 في المائة من 4.2 في المائة على أن يتباطأ إلى 3.6 في المائة في 2026.

ودعا الدول إلى أن تعمل على تعزيز بيئة تجارية مستقرة، وتسهيل إعادة هيكلة الديون، ومعالجة التحديات المشتركة، كما دعا البنوك المركزية إلى ضبط السياسة النقدية لتحقيق الأهداف وضمان استقرار الأسعار والاستقرار المالي. وشدد على أن استعادة الحيز المالي ووضع الدين العام على مسار مستدام يظلان من الأولويات، مع تلبية احتياجات الإنفاق الحرجة.

وقال كبير الاقتصاديين في الصندوق بيير أوليفييه عند عرض التقرير، إنه تم تجميع تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية لشهر أبريل (نيسان) 2025، في ظل ظروف صعبة، خصوصاً بعد إعلان حديقة الورود في البيت الأبيض، حين كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن قائمة الرسوم التي طالت معظم الدول، وهو ما أجبر الصندوق على مراجعة سريعة للتوقعات. وأضاف أن «الولايات المتحدة أعلنت عن موجات متعددة من التعريفات الجمركية على شركائها التجاريين الرئيسيين والقطاعات، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التعريفات الجمركية في الولايات المتحدة والعالم إلى مستويات قياسية، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي».

ترمب يعلن لائحة الرسوم الجمركية في البيت الأبيض يوم 2 أبريل 2025 (رويترز)

عواقب الرسوم على النمو العالمي

وتشمل العواقب المتوقعة لزيادة الرسوم الجمركية على النمو العالمي ما يلي، بحسب أوليفييه:

  • تباطؤ كبير في النمو العالمي: من المتوقع أن تؤدي الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية، وما يرتبط بها من حالة من عدم اليقين إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي على المدى القريب.
  • صدمة سلبية في العرض: تُعدّ الرسوم الجمركية صدمة سلبية في العرض للاقتصادات التي تفرضها، حيث يُعاد تخصيص الموارد لإنتاج سلع أقل قدرة على المنافسة. وهذا يؤدي إلى فقدان الإنتاجية الكلية، وانخفاض النشاط الاقتصادي، وارتفاع تكاليف الإنتاج والأسعار.
  • تراجع الابتكار: من خلال رفع الرسوم الجمركية، يكتسب المنتجون المحليون قوة سوقية كبرى، مما يُضعف المنافسة ويُقلل من حوافز الابتكار. ويمكن أن تُعيق إعادة تخصيص الموارد هذا التقدم الاقتصادي العام.
  • صدمة سلبية في الطلب الخارجي على شركاء التجارة: بالنسبة للدول المستهدفة بالرسوم الجمركية، هناك صدمة سلبية كبيرة في الطلب الخارجي، حيث تُصبح منتجاتها أقل قدرة على المنافسة في السوق الأميركية، مما قد يُؤدي إلى ابتعاد العملاء الأجانب.
  • اضطراب سلاسل التوريد العالمية: إن تعقيد سلاسل التوريد العالمية الحديثة يعني إمكانية انتشار الاضطرابات القطاعية، مما يؤدي إلى آثار مضاعفة أكبر، على غرار ما لوحظ خلال الجائحة.
  • انخفاض نمو التجارة العالمية: يتوقع التقرير مراجعةً بالخفض لنمو التجارة العالمية بنسبة 1.5 نقطة مئوية لهذا العام، مع توقع حدوث انتعاش طفيف في عام 2026.
  • تباطؤ الاستثمار والائتمان: من المرجح أن يدفع ازدياد عدم اليقين بشأن السياسة التجارية كثيراً من الشركات إلى إيقاف الاستثمار وتقليص المشتريات. وقد تعيد المؤسسات المالية أيضاً تقييم عرضها الائتماني للشركات، مما يزيد من العبء على النشاط الاقتصادي العالمي.

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا تتحدث في افتتاح الاجتماعات (إكس)

وقال أوليفييه إن تأثير الرسوم الجمركية على أسعار الصرف مُعقّد؛ فبينما قد ترتفع قيمة الدولار الأميركي في البداية، فإن الآثار طويلة المدى قد تؤدي إلى انخفاض قيمته، إذا أدت الرسوم الجمركية إلى انخفاض الإنتاجية.

وشدد على أن السياسة التجارية ينبغي أن تهدف إلى تحقيق الاستقرار والترتيبات ذات المنفعة المتبادلة، مما يتطلب نظاماً تجارياً فعالاً وقائماً على القواعد، وأن تبقى السياسة النقدية استباقية، إذ تحتاج بعض الدول إلى تشديد صارم للسيطرة على التضخم، بينما قد تحتاج دول أخرى إلى خفض أسعار الفائدة، لمواجهة صدمات الطلب السلبية. وقال: «تواجه السلطات المالية خيارات صعبة بسبب ارتفاع الديون وارتفاع تكاليف التمويل؛ لذا، تنبغي إدارة الإنفاق الجديد بعناية، مع توجيه الدعم المؤقت وتعويضه بتخفيضات أو تعبئة الإيرادات».

أحد المشاة أمام مبنى مقر صندوق النقد الدولي (إ.ب.أ)

تداعيات الرسوم على الاقتصادات

وتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره، أن تؤثر إجراءات الرسوم الجمركية الجديدة على مختلف الاقتصادات بطرق مختلفة:

أولاً: الاقتصادات المتقدمة

  • من المتوقع أن يتباطأ النمو في الاقتصادات المتقدمة بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، من المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة تباطؤاً في النمو، ليصل إلى 1.8 في المائة في عام 2025.
  • من المتوقع أيضاً أن تشهد منطقة اليورو تباطؤاً في النمو، متوقعاً أن يبلغ 0.8 في المائة، مما يعكس الآثار السلبية للتوترات التجارية.

ثانياً: الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية

  • من المرجح أن تواجه هذه الاقتصادات، التي غالباً ما تكون مواردها واحتياطاتها المالية أقل، اختباراً قاسياً بسبب السياسات التجارية الجديدة. وقد تواجه تقلبات مالية مزدادة وتحديات تهدد استقرارها الاقتصادي.
  • من المتوقع أن تشهد هذه الاقتصادات انخفاضاً في النمو إلى 3.7 في المائة في عام 2025، و3.9 في المائة في عام 2026، مع مواجهة الدول الأكثر تأثراً بالتعريفات تخفيضات كبيرة في تصنيفاتها الائتمانية.
  • خفض توقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي لعام 2025، إلى 3 في المائة، مُقارنةً بتقديرات يناير التي كانت تُشير إلى زيادة بنسبة 3.3 في المائة. كما خفض توقعاته للنمو في عام 2026 إلى 3.7 في المائة.
  • في المقابل، يتوقع ارتفاع نمو اقتصاد مصر إلى 3.8 في المائة في العام المالي 2024-2025 مقارنة بتوقعات سابقة عند 3.6 في المائة. ورفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 4.3 في المائة في العام المالي المقبل، مقارنة بـ 4.1 في المائة سابقاً.
  • قد يؤدي ازدياد حالة عدم اليقين والانخفاض المحتمل في التجارة، إلى تفاقم نقاط الضعف الاقتصادية القائمة، لا سيما بالنسبة للدول التي تواجه بالفعل ضائقة مالية، مما يؤدي إلى تراجع آفاق النمو.
  • قد تتأثر أيضاً بتدفقات رأس المال إلى الخارج، أو انخفاض الاستثمار، بسبب زيادة عدم اليقين الناجم عن التعريفات الجمركية والتدابير الانتقامية اللاحقة.
  • إن قدرة اقتصادات الأسواق الناشئة الكبيرة قد تُختبر على الصمود مع ازدياد صعوبة خدمة الديون المرتفعة، في ظل الظروف المالية العالمية غير المناسبة. وقد يُثقل انخفاض المساعدات الإنمائية الدولية كاهل الدول منخفضة الدخل، مما قد يؤدي إلى أزمات ديون، أو تعديلات مالية حادة ذات عواقب سلبية على النمو ومستويات المعيشة.

ثالثاً: تأثيرات قطاعية

  • قد تعاني الصناعات المعتمدة بشكل كبير على التجارة، مثل الصناعة والزراعة، بشكل مباشر نتيجةً لارتفاع التكاليف المرتبطة بالرسوم الجمركية. على سبيل المثال، قد تؤدي الرسوم الجمركية على الواردات من الصين، وعلى الصلب والألمنيوم، إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض القدرة التنافسية للشركات في الاقتصادات المتقدمة.
  • يواجه قطاع السيارات، على وجه التحديد، اضطراباتٍ ناجمة عن الرسوم الجمركية التي قد تزيد أسعار السيارات وتؤثر على المبيعات، مما يؤثر سلباً على الاقتصادات المعتمدة على تصنيع السيارات.

رابعاً: الآثار على الاستقرار المالي

قد يؤدي ازدياد حالة عدم اليقين بشأن السياسات، واحتمال إعادة تسعير الأصول إلى زعزعة استقرار مالي أوسع نطاقاً. وقد تواجه الاقتصادات ذات مستويات الديون المرتفعة تحدياتٍ في خدمة التزاماتها، لا سيما في ظل الظروف المالية العالمية المتشددة، مما قد يؤدي إلى أزمة سيولة.

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا تلقي كلمة خلال خطاب افتتاح اجتماعات الربيع (إ.ب.أ)

توصيات

وحدد تقرير صندوق النقد الدولي توصيات رئيسية بشأن السياسات، استجابةً للتحديات الاقتصادية الحالية التي تُشكلها الرسوم الجمركية واضطرابات التجارة، أبرزها:

  • استقرار السياسات التجارية وإرساء ترتيبات تجارية مُفيدة للطرفين.
  • ينبغي للبنوك المركزية تكييف سياساتها النقدية، لمعالجة التناقضات المعقدة بين التضخم والإنتاج في ضوء الرسوم الجمركية الجديدة واضطرابات سلاسل التوريد. قد تحتاج بعض الدول إلى تشديد سياستها النقدية، بينما قد تحتاج دول أخرى إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي.
  • إدارة تقلبات سوق العملات: تُشجَّع الدول على السماح لعملاتها بالتكيف استجابةً للتغيرات الجوهرية في السياسات. ويُعد هذا النهج بالغ الأهمية لاقتصادات الأسواق الناشئة التي تواجه تحديات تقلبات العملات.
  • الدعم المالي المُستهدف: ينبغي للحكومات تقديم دعم مالي مُستهدف للمتضررين من تغييرات السياسات التجارية، ولكن تجب إدارته بعناية من خلال بنود انقضاء الأجل لمنع حدوث اختلالات مالية طويلة الأجل. يضمن هذا الاستدامة المالية مع تلبية الاحتياجات الفورية.
  • تعزيز النمو متوسط ​​الأجل: ينبغي التركيز على تعزيز الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج من خلال معالجة القيود الهيكلية، واستغلال التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتعزيز البنية التحتية الرقمية واكتساب المهارات.
  • معالجة التحديات الديموغرافية وتحديات الهجرة: ينبغي أن تأخذ السياسات في الحسبان آثار شيخوخة السكان والهجرة، وتعزيز المشاركة في سوق العمل، وضمان الاندماج الفعال للمهاجرين لتعزيز المرونة الاقتصادية والنمو.

مقالات ذات صلة

شمال افريقيا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال متابعة جهود توافر السلع الغذائية في الأسواق (مجلس الوزراء)

«مراجعة صندوق النقد»... هل تمس «خفض الدعم» في مصر؟

تتجدد مع كل زيارة لصندوق النقد إلى مصر لإجراء مراجعات اتفاق القرض مخاوف لدى المصريين من خفض الدعم، لكن خبراء استبعدوا ذلك هذه المرة.

محمد محمود (القاهرة )
الاقتصاد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف مع مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا خلال لقائهما في دبي (حساب غورغييفا على إكس)

صندوق النقد الدولي يوافق على صرف دفعة جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار لباكستان

وافق صندوق النقد الدولي على صرف دفعة جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار لباكستان بموجب اتفاقية ثنائية، مما يُبرز «حفاظ البلاد على استقرارها» رغم الفيضانات المدمرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خاص النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز» سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة.

علي زين الدين (بيروت)
الاقتصاد رجل ينسق واجهة أحد المتاجر في مدينة شنغهاي الصينية بمناسبة أعياد رأس السنة (إ.ب.أ)

نائب مدير صندوق النقد الدولي في زيارة إلى الصين

يقوم دان كاتز، المسؤول الثاني في صندوق النقد الدولي، بأول زيارة له للصين منذ مغادرته منصبه رئيساً لمكتب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت.

«الشرق الأوسط» (بكين)

قطر تخفض أسعار الفائدة الرئيسية 25 نقطة أساس

مصرف قطر المركزي (قنا)
مصرف قطر المركزي (قنا)
TT

قطر تخفض أسعار الفائدة الرئيسية 25 نقطة أساس

مصرف قطر المركزي (قنا)
مصرف قطر المركزي (قنا)

خَفَض مصرف قطر المركزي يوم الأربعاء أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس، وذلك عقب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض سعر الفائدة.

ووفقاً لبيان صادر عن المصرف، فقد تم خفض سعر الفائدة على الودائع إلى 3.85 في المائة، وسعر إعادة الشراء إلى 4.10 في المائة، وسعر الإقراض إلى 4.35 في المائة.

ويُذكر أن الريال القطري مرتبط بالدولار الأميركي.


مصرف البحرين المركزي يخفض الفائدة 25 نقطة أساس

واجهة مصرف البحرين المركزي (بنا)
واجهة مصرف البحرين المركزي (بنا)
TT

مصرف البحرين المركزي يخفض الفائدة 25 نقطة أساس

واجهة مصرف البحرين المركزي (بنا)
واجهة مصرف البحرين المركزي (بنا)

خفض مصرف البحرين المركزي سعر الفائدة على ودائع الليلة الواحدة بمقدار 25 نقطة أساس من 4.50 في المائة إلى 4.25 في المائة، بدءاً من تاريخ 11 ديسمبر (كانون الأول) 2025.

ويأتي هذا القرار ضمن الإجراءات التي يتخذها المصرف لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي في مملكة البحرين، في ظل التطورات التي تشهدها أسواق المال الدولية.

وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد اختتم اجتماعه الأخير للسياسة النقدية لهذا العام بإقرار خفض بواقع 25 نقطة أساس لأسعار الفائدة، إلى نطاق ما بين 3.50 و3.75 في المائة - وهو أدنى مستوى له منذ نحو 3 سنوات - وذلك بعد تباين نادر في الآراء حول هذا الإجراء، وسط الغموض المحيط بمسار التضخم.


«الفيدرالي» يخفض الفائدة ربع نقطة مئوية وسط انقسام داخلي

واجهة مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إيكلز» في واشنطن (رويترز)
واجهة مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إيكلز» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» يخفض الفائدة ربع نقطة مئوية وسط انقسام داخلي

واجهة مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إيكلز» في واشنطن (رويترز)
واجهة مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي «مارينر إس. إيكلز» في واشنطن (رويترز)

اختتم مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعه الأخير للسياسة النقدية لهذا العام بإقرار خفض بواقع 25 نقطة أساس لأسعار الفائدة إلى نطاق ما بين 3.50 إلى 3.75 في المائة -وهو أدنى مستوى له منذ نحو 3 سنوات- وذلك بعد تباين نادر في الآراء حول هذا الإجراء في ظل الغموض حول مسار التضخم.

لكن «الاحتياطي الفيدرالي» أشار إلى صعوبة الطريق أمام المزيد من التخفيضات.

وفاءً بتوقعات «تخفيض متشدد»، خفّضت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للبنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي للاقتراض لليلة واحدة بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح ضمن نطاق 3.5 في المائة إلى 3.75 في المائة.

ومع ذلك، حملت هذه الخطوة مؤشرات تحذيرية بشأن توجه السياسة النقدية مستقبلاً، وشهدت تصويت ثلاثة أعضاء بالرفض، وهو ما لم يحدث منذ سبتمبر (أيلول) 2019.

وشهد التصويت، الذي انتهى بنتيجة 9-3، معارضة من جانب مؤيدين ومعارضين - إذ أيّد المحافظ ستيفن ميران تخفيضاً أكبر بمقدار 50 نقطة أساس، بينما أيّد الرئيسان الإقليميان جيفري شميد من كانساس سيتي وأوستن غولسبي من شيكاغو الإبقاء على السعر الحالي.

وفي مصطلحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يهتم المتشددون عموماً بالتضخم ويفضلون رفع أسعار الفائدة، بينما يركز المعارضون على دعم سوق العمل ويرغبون في خفضها.

كان هذا التصويت الثالث على التوالي بـ«لا» من ميران، الذي سيغادر مجلس الاحتياطي الفيدرالي في يناير (كانون الثاني)، والثاني على التوالي من شميد.

وشهد الاجتماع السابق، الذي شهد ثلاثة معارضين، انقسامًا بنسبة 2-1 بين الأعضاء الذين تباينت آراؤهم حول ضرورة تشديد السياسة النقدية أو تخفيفها.

وقد أعاد بيان سعر الفائدة الصادر عقب الاجتماع استخدام عبارات من اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية قبل عام. إذ جاء في البيان: «عند النظر في مدى وتوقيت التعديلات الإضافية على النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، ستقوم اللجنة بتقييم البيانات الواردة، والتوقعات المتغيرة، وتوازن المخاطر بعناية».

عندما استُخدمت هذه العبارات في ديسمبر 2024، أشارت إلى أن اللجنة قد توقفت على الأرجح عن خفض أسعار الفائدة في الوقت الراهن. ولم توافق لجنة السوق المفتوحة آنذاك على أي تخفيضات حتى اجتماع سبتمبر.

ومع إقرار التخفيض الثالث على التوالي، يتجه التركيز الآن إلى وجهة لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، في ظل هامش ضئيل لإجراء المزيد من التخفيضات.

أشارت «الرسوم البيانية النقطية» dot plot التي حظيت بمتابعة دقيقة، والتي تُظهر توقعات المسؤولين بشأن أسعار الفائدة، إلى خفض واحد فقط في عام 2026 وآخر في عام 2027 قبل أن يصل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى هدفه طويل الأجل عند حوالي 3 في المائة.

لم تتغير هذه التوقعات عن تحديث سبتمبر، لكن الرسم البياني عكس انقسامات داخل اللجنة حول اتجاه أسعار الفائدة.

إلى جانب صوتين معارضين لخفض سعر الفائدة، أبدى أربعة مشاركين آخرين في الاجتماع، ممن لم يشاركوا في التصويت، «معارضة خفيفة» تشير إلى عدم موافقتهم على القرار.

كما أشار سبعة مسؤولين إلى رغبتهم في عدم إجراء أي تخفيضات في العام المقبل. تضم اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة 19 مشاركًا من المحافظين ورؤساء المناطق، 12 منهم لهم حق التصويت.

توقعات اقتصادية

فيما يتعلق بالاقتصاد، رفعت اللجنة توقعاتها الجماعية للناتج المحلي الإجمالي لعام 2026، بزيادة قدرها نصف نقطة مئوية عن توقعات سبتمبر لتصل إلى 2.3 في المائة. لا تزال اللجنة تتوقع أن يبقى التضخم أعلى من هدفها البالغ 2 في المائة حتى عام 2028.

وفيما يتعلق بالتضخم، لا تزال الأسعار مرتفعة بشكل ملحوظ، حيث يشير المؤشر المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي إلى أن المعدل السنوي بلغ 2.8 في المائة في سبتمبر، وهو أحدث شهر تتوفر عنه البيانات. ورغم أن هذا المعدل أقل بكثير من ذروته قبل بضع سنوات، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة.

بالإضافة إلى قرار سعر الفائدة، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أنه سيستأنف شراء سندات الخزانة، وذلك عقب إعلانه في اجتماع أكتوبر عن وقف تقليص ميزانيته العمومية هذا الشهر. وتأتي هذه الخطوة وسط مخاوف بشأن الضغوط في أسواق التمويل لليلة واحدة. وسيبدأ البنك المركزي بشراء سندات خزانة بقيمة 40 مليار دولار ابتداءً من يوم الجمعة. ومن المتوقع أن «تبقى المشتريات مرتفعة لبضعة أشهر» ثم من المرجح أن «تُخفض بشكل كبير».

تأتي هذه الخطوات في وقت حساس بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي. في الوقت الذي يسعى فيه باول إلى الحفاظ على التوافق بين صناع السياسات، يقترب من نهاية ولايته الثانية كرئيس للاحتياطي الفيدرالي. لم يتبقَّ له سوى ثلاثة اجتماعات قبل أن يفسح المجال لمرشح الرئيس دونالد ترمب.

وقد أشار ترمب إلى أنه سيختبر اختياره بناءً على مدى تأييده لخفض أسعار الفائدة، بدلاً من التركيز على شخص ملتزم بالهدف المزدوج للاحتياطي الفيدرالي المتمثل في استقرار الأسعار والتوظيف الكامل. وصرح الرئيس للصحفيين مساء الثلاثاء بأنه يتوقع اتخاذ قراره قريبًا.

رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يعقد مؤتمراً صحافياً في واشنطن (رويترز)

توقعات 2026: خفض محدود أم تيسير أسرع؟

قرار اليوم هو مجرد بداية لقصة عام 2026. تتوقع بنوك كبرى مثل «بنك أوف أميركا» و«غولدمان ساكس» خفضين إضافيين في عام 2026، مما يصل بالنطاق النهائي إلى 3 في المائة -3.25 في المائة.

ومع ذلك، يشكك متداولو السندات في استمرار «الاحتياطي الفيدرالي» في الخفض بعد ديسمبر ما لم يتدهور الاقتصاد بشكل أكثر حدة، محذرين من إمكانية حدوث «خفض متشدد»؛ بمعنى خفض اليوم لكن مع رسالة متشددة ترفع توقعات «الفيدرالي» للفائدة المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، تُشير التقارير إلى احتمال أن يقوم «الفيدرالي»، بالإضافة إلى خفض الفائدة، بالإعلان عن خطط لشراء سندات الخزانة قصيرة الأجل بدءاً من يناير بهدف إدارة السيولة، وهو ما قد يُنظر إليه على أنه تيسير إضافي يزيد من تخفيف الأوضاع المالية.