شهدت الأسواق المالية العالمية اضطرابات واسعة، إثر إعلان الإدارة الأميركية فرض رسوم جمركية جديدة هي الأكثر جرأة منذ عقود؛ ما فتح الباب أمام سيناريوهات كثيرة بشأن مستقبل هذه الأسواق، بين احتمالات التصعيد المتواصل، أو إمكانية التوصل إلى حلول دبلوماسية تخفف من حدة الأزمة.
وتأتي تلك التأثيرات بعد إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترمب العنان لـ«الرخاء الاقتصادي» من خلال فرض تلك الرسوم على عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، حيث شددت الإدارة على أن الهدف منها هو ضمان حرية التجارة و«إبطال عقود من العولمة التي قضت على قطاع كبير من قاعدتنا الصناعية». في وقت رأى آخرون، أنه سواء تحقق هذا الجهد طويل المدى أم لم يتحقق، فإن الرسوم مدمرة على المدى القصير.
وفقد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» نحو عُشر قيمته على مدار يومين من التداول.

ردة فعل سريعة
وفي قراءة للسيناريوهات المتوقعة، يقول أرون ليزلي جون، كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشيال»: «شهدت الأسواق المالية العالمية اضطراباً حاداً إثر إعلان الإدارة الأميركية عن حزمة رسوم جمركية جديدة، في خطوة تُعدّ من أكثر التحركات الحمائية جرأة منذ ثلاثينات القرن الماضي».
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «ردة الفعل جاءت سريعة وعنيفة؛ إذ فقدت الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما يقارب 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية خلال يومين فقط، في أسوأ تراجع من نوعه منذ عقود. وكنتيجة لذلك، خفّضت مؤسسات مالية كبرى توقعاتها لأداء المؤشر، متوقعة تراجعه إلى مستوى 4700 نقطة».

وتابع: «هذا التصعيد عزز المخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود التضخمي، حيث يتزامن تباطؤ النمو مع ارتفاع التضخم، وهو ما انعكس في تراجع شهية المستثمرين تجاه الأصول ذات المخاطر العالية، وتفضيلهم للملاذات الآمنة كالمعادن الثمينة وأدوات الدين».
حالة الذعر
لفت إلى أن حالة الذعر في الأسواق أدت إلى ضغوط على أسعار النفط، حيث انخفض خام برنت بنسبة تقارب 15 في المائة خلال 5 أيام ليصل إلى نحو 64 دولاراً للبرميل، ما يُنذر بتداعيات سلبية على اقتصادات الدول المصدرة للنفط.
وحول التأثير في منطقة الخليج، قال كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشيال» أن الأسواق المالية في المنطقة تأثرت سلباً، متماشية مع الموجة العالمية. وأضاف: «سجلت البورصات في دبي وأبوظبي والرياض تراجعات حادة، شملت أسهم شركات كبرى مثل أرامكو. ورغم أن التجارة النفطية قد لا تتأثر مباشرة بهذه الرسوم نظراً لاحتمال استثناء الطاقة من القيود، فإن الأثر غير المباشر الناتج عن تراجع الطلب العالمي وأسعار الخام يظل مقلقاً».
ولفت إلى أنه «على المدى المتوسط إلى الطويل، قد تبرز بعض العوامل الإيجابية في دول الخليج، لا سيما في ظل التقدم الملحوظ في برامج التنويع الاقتصادي. فجهود السعودية والإمارات في تطوير قطاعات بديلة مثل السياحة، والطاقة المتجددة، والخدمات اللوجيستية، من شأنها أن تعزز قدرة هذه الاقتصادات على امتصاص الصدمات، كما أن دور الإمارات كمركز عالمي لإعادة التصدير قد يستفيد من تحوّل مسارات التجارة العالمية بحثاً عن بدائل أكثر مرونة».

تسويات أم ركود
على صعيد التوقعات المستقبلية، قال جون إن السيناريو الأكثر تفاؤلاً يتمثل في التوصل إلى تسويات دبلوماسية وتجارية تُفضي إلى تقليص الرسوم أو إلغائها، ما قد يُعيد التوازن إلى الأسواق ويُعزز ثقة المستثمرين. أما في حال استمرار التصعيد، فقد تدخل الأسواق في دوامة من التقلبات الحادة، مع تراجع في حجم التجارة الدولية، وزيادة في مخاطر الركود، خصوصاً في الاقتصادات الأكثر هشاشة.
زيادة التكاليف
من جهته، أكد حمزة دويك، رئيس قسم التداول والتسعير لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «ساكسو بنك»، أن الأسواق العالمية والخليجية ستشهد تقلبات حادة نتيجة لهذه الرسوم، موضحاً أن «بورصة دبي المالية تراجعت بنسبة 5 في المائة، وأبوظبي بنسبة 4 في المائة، وتداول السعودية بأكثر من 6 في المائة؛ ما يعكس التأثير الكبير والسريع لهذه القرارات».

وأضاف دويك خلال تعليق لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الرسوم ستزيد من تكاليف التصدير وتضعف تنافسية المنتجات في السوق الأميركية، ما يضر القطاعات التي تعتمد بشكل أساسي على الواردات مثل الإلكترونيات والسيارات والبناء والسلع الاستهلاكية».

تباطؤ عالمي
أوضح دويك أن «الأسهم الأوروبية والآسيوية تأثرت سلباً بشكل كبير، وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، ما أثر بشكل واضح على أسواق الخليج التي شهدت أيضاً تراجعاً كبيراً في أسعار النفط».
وختم بالقول إن استمرار الرسوم الجمركية على المدى الطويل ربما يؤدي إلى حالة من عدم اليقين؛ ما يزيد من تردد المستثمرين، ويدفعهم نحو الأصول الآمنة، وسط توقعات باستمرار التقلبات في الفترة المقبلة.