النمو الصفري للاقتصاد البريطاني يقوّض تعهدات ستارمر بالانتعاش

توقعات سلبية من الشركات للعام المقبل... وتجار التجزئة يواجهون تحديات إضافية

الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)
الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)
TT

النمو الصفري للاقتصاد البريطاني يقوّض تعهدات ستارمر بالانتعاش

الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)
الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)

سجل الاقتصاد البريطاني نمواً صفرياً بين يوليو (تموز)، وسبتمبر (أيلول) الماضيين، ومن المتوقع أن يظل راكداً، خلال النصف الثاني من عام 2024، مما يقوِّض بشكل كبير وعد رئيس الوزراء كير ستارمر بإعادة تشغيل النمو الاقتصادي في البلاد.

وفي تعديل غير متوقَّع، ومع تصاعد الضغوط على حزب العمال بشأن أدائه الاقتصادي منذ تولّيه السلطة في يوليو، أظهرت الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني أن النمو في الربع الثالث جرى تعديله إلى صفر في المائة، وهو أقل من التقدير الأوليّ الذي كان يبلغ 0.1 في المائة، والذي جرى إجراؤه الشهر الماضي. كما جرى تعديل النمو، خلال الربع الثاني، من 0.5 في المائة إلى 0.4 في المائة، وفق صحيفة «الغارديان».

وأوضحت ليز ماكوين، مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاء الوطني، أن «الاقتصاد كان أضعف، في الربعين الثاني والثالث من هذا العام، مما اقترحت تقديراتنا الأولية، حيث شهدت القطاعات مثل المطاعم والشركات القانونية والإعلان أداءً أقل جودة بشكل خاص». وأضافت أن نسبة الادخار الأُسري انخفضت قليلاً في الفترة الأخيرة، رغم أنها لا تزال مرتفعة نسبياً، مقارنة بالمعايير التاريخية، في حين لم يُظهر الدخل المتاح الحقيقي للأسرة أي نمو يُذكر.

وتُظهر الصورة الاقتصادية الأخيرة أن المملكة المتحدة في طريقها لتسجيل ربعين متتاليين من النشاط الاقتصادي الثابت، وهو ما يشير إلى ركود محتمل. يأتي هذا التراجع في أعقاب تدهور ثقة الشركات والمستهلكين، وسط تصريحات قاتمة من الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى التحذيرات من زيادات ضريبية متوقعة في موازنة الخريف.

وحذّر بنك إنجلترا، الأسبوع الماضي، من أن النمو في المملكة المتحدة سيظل راكداً، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. ورغم أن هذا لا يُعد ركوداً بالمعنى الفني - حيث يُعرف الركود بربعين من النمو السلبي - فإن هذه الصورة الاقتصادية تمثل ضربة إضافية للحكومة التي جعلت إحياء النمو الاقتصادي على رأس أولوياتها.

من جهتها، قالت وزيرة الخزانة راشيل ريفز: «إن التحدي الذي نواجهه في إصلاح اقتصادنا وتمويل ماليتنا العامة بشكل صحيح بعد 15 عاماً من الإهمال هو تحدٍّ هائل. لكن ذلك لا يفعل سوى تعزيز عزيمتنا لتقديم خدماتنا للعمال. وسوف تسهم الموازنة وخطتنا للتغيير في تحقيق نمو مستدام وطويل الأجل، وضخ مزيد من المال في جيوب الناس، من خلال زيادة الاستثمار والإصلاح المستمر».

في سياق مُواز، تتوقع الشركات البريطانية انخفاضاً حاداً في نشاط الأعمال، خلال العام المقبل، مما يعكس صورة اقتصادية أكثر تشاؤماً للمملكة المتحدة في عام 2025. وأشار مسح مؤشر النمو من اتحاد الصناعة البريطانية إلى أن الشركات تستعد لتقليص التوظيف والإنتاج، في الأشهر الثلاثة المقبلة، وفق صحيفة «الغارديان».

وتحاول الشركات التخفيف من أثر قرار راشيل ريفز، في موازنتها التي أُعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي تقضي بجمع 25 مليار جنيه إسترليني (31.41 مليار دولار)، من خلال زيادة مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل. ورغم تأكيد المستشارة ضرورة هذه الأموال لسد «الثقب الأسود» في المالية العامة الذي خلفه أسلافها، فقد اعترفت بأنها قد تؤدي إلى زيادات أقل في الأجور، بينما عَدَّ آخرون أنها قد تضر الوظائف. وأوضح اتحاد الصناعة البريطانية أن زيادة مساهمات التأمين الوطني قد أسهمت في تفاقم «بيئة الطلب الضعيف» بالفعل.

وأظهر استطلاعٌ للرأي شمل 899 شركة، بين 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، و12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أن توقعات النمو كانت في أضعف مستوياتها منذ نوفمبر 2022، في أعقاب الفوضى التي تَلَت فترة ولاية ليز تروس القصيرة رئيسة للوزراء. وقد ساد التشاؤم في معظم القطاعات، حيث توقَّع قطاع الخدمات انخفاض النشاط، بينما توقَّع المصنّعون تراجعاً حاداً في الناتج، خلال الأشهر الثلاثة حتى مارس (آذار) 2025.

في سياق متصل، أظهرت بياناتٌ، نشرها اتحاد التجزئة البريطاني، أن تجار التجزئة يواجهون ضربة إضافية في العام الجديد، حيث انخفضت توقعات الإنفاق الاستهلاكي بمقدار ست نقاط، مما أثّر على جميع فئات التجزئة تقريباً. وقالت الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة، هيلين ديكينسون، إنه إذا تحققت هذه التوقعات، فقد يواجه تجار التجزئة ضغطاً إضافياً على الإنفاق في العام الجديد، وذلك بالتزامن مع كشفهم عن مبيعاتهم في يناير (كانون الثاني).

وتوّجت هذه التقارير سبعة أيام من البيانات الاقتصادية الصعبة للحكومة، في وقتٍ تحاول فيه تعزيز النمو الاقتصادي. وأشار مسحٌ آخر، نشره اتحاد الصناعة البريطانية، إلى أن إجمالي الطلبات في المصانع انهار في ديسمبر إلى أدنى مستوى منذ ذروة جائحة «كوفيد» في عام 2020.

وحذَّر المحللون من أن التباطؤ الاقتصادي، جنباً إلى جنب مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، قد يُعرقل المالية العامة للحكومة، ويُجبر ريفز، في النهاية، على زيادة الضرائب. وفي الوقت نفسه، فإن احتمال اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة بعد تنصيب دونالد ترمب في يناير قد يؤثر أيضاً على خطط النمو الحكومية. في هذا السياق، هدد الرئيس المنتخب بفرض تعريفات جمركية على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يمتد إلى المملكة المتحدة.

من جهة أخرى، قال اتحاد الصناعة البريطانية إن الشركات تتطلع إلى الحكومة لتعزيز الثقة وتقديم حوافز للاستثمار، سواء من خلال إصلاح ضريبة التدريب المهني، أم دعم صحة القوى العاملة عبر زيادة الحوافز الصحية المهنية، أم إصلاح معدلات الأعمال.


مقالات ذات صلة

نمو طفيف للاقتصاد البريطاني بنسبة 0.1 % في الربع الأخير

الاقتصاد يمشي الناس على شارع رئيسي في كرويدون جنوب لندن (رويترز)

نمو طفيف للاقتصاد البريطاني بنسبة 0.1 % في الربع الأخير

شهد اقتصاد المملكة المتحدة نمواً طفيفاً بنسبة 0.1 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي، مما وفّر بعض الراحة النادرة في ظل الصورة الاقتصادية المتشائمة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد راشيل ريفز تتحدث مع الموظفين خلال زيارتها لمنشآت «بريميير مودولار» في دريفيلد يناير 2025 (رويترز)

اقتصاديون يحذرون... بريطانيا قد تضطر لرفع ضريبة الدخل لتغطية الصدمات المستقبلية

حذَّر اقتصاديون من أن الحكومة البريطانية قد تضطر إلى رفع ضريبة الدخل لتغطية تكلفة أي صدمات مستقبلية بعد أن قضت على هامش الاقتراض البالغ 9.9 مليار جنيه إسترليني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يدلي بشهادته أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ (أ.ف.ب)

باول لمجلس الشيوخ: اقتصادنا قوي لكننا لسنا في عجلة لخفض الفائدة

في تصريحات افتتاحية له أمام جلسة استماع للجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، أكد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك ليس في عجلة من أمره لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يعمل الموظفون في خط إنتاج لفائف الألمنيوم بمصنع بزوبينغ بمقاطعة شاندونغ بالصين (رويترز)

مخاوف الحرب التجارية تدفع أسعار الألمنيوم والنحاس إلى التراجع

تراجعت أسعار الألمنيوم والنحاس وسط مخاوف من تأثير الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة والحرب التجارية العالمية المحتملة سلباً على النمو الاقتصادي

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عمال يعملون في موقع بناء في سيول (أ.ب)

بسبب رسوم ترمب... أكبر مؤسسة بحثية في كوريا الجنوبية تخفّض توقعاتها للنمو

خفّض أكبر مركز أبحاث اقتصادي بكوريا الجنوبية توقعاته للنمو الاقتصادي في البلاد للمرة الثانية خلال 4 أشهر، معرباً عن قلقه بشأن تأثير رسوم ترمب.

«الشرق الأوسط» (سيول)

الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض قيود على استيراد الغذاء الأميركي

آلة حصاد فول الصويا أثناء تحميلها على حامل نقل الحبوب في ديرفيلد بأوهايو (رويترز)
آلة حصاد فول الصويا أثناء تحميلها على حامل نقل الحبوب في ديرفيلد بأوهايو (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض قيود على استيراد الغذاء الأميركي

آلة حصاد فول الصويا أثناء تحميلها على حامل نقل الحبوب في ديرفيلد بأوهايو (رويترز)
آلة حصاد فول الصويا أثناء تحميلها على حامل نقل الحبوب في ديرفيلد بأوهايو (رويترز)

ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» اليوم (الأحد)، أن الاتحاد الأوروبي يعتزم منع استيراد بعض المواد الغذائية المصنعة وفق معايير مختلفة في محاولة لحماية مزارعيه، وهو ما يتماشى مع سياسة التجارة القائمة على أساس المعاملة بالمثل التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وقالت الصحيفة نقلاً عن 3 مسؤولين لم تسمهم، إن المفوضية الأوروبية ستوافق هذا الأسبوع على دراسة فرض قيود أكثر صرامة على الواردات.

وذكر التقرير أن الأهداف المبكرة قد تشمل المحاصيل الأميركية مثل فول الصويا المزروع باستخدام المبيدات الحشرية التي لا يُسمح للمزارعين في الاتحاد الأوروبي باستخدامها.

على صعيد آخر، نما الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 0.1 في المائة في الربع الرابع من عام 2024 مقارنة بالربع السابق. وكشف تقدير مكتب الإحصاء الأوروبي عن زيادة متواضعة في الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف بمنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي في الربع الرابع من عام 2024.

وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل موسمياً 0.1 في المائة في منطقة اليورو، و0.2 في المائة في الاتحاد الأوروبي مقارنة بالربع السابق.

يأتي ذلك في أعقاب نمو أقوى بنسبة 0.4 في المائة في كلتا المنطقتين بالربع الثالث. وتظهر تقديرات النمو السنوي استناداً إلى البيانات الفصلية المعدلة موسمياً وتقويمياً، أداءً أقوى مع نمو بنسبة 0.7 في المائة في منطقة اليورو، و0.9 في المائة في الاتحاد الأوروبي لعام 2024.

وعلى أساس سنوي، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9 في المائة بمنطقة اليورو، وبنسبة 1.1 في المائة في الاتحاد الأوروبي بالربع الرابع.

ويتناقض هذا مع نمو الربع السابق البالغ 0.9 في المائة بمنطقة اليورو، و1.0 في المائة بالاتحاد الأوروبي.