نحو التكامل الإقليمي في مجال الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مقر مجموعة البنك الدولي (أ.ف.ب)
مقر مجموعة البنك الدولي (أ.ف.ب)
TT
20

نحو التكامل الإقليمي في مجال الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مقر مجموعة البنك الدولي (أ.ف.ب)
مقر مجموعة البنك الدولي (أ.ف.ب)

تعد السوق العربية المشتركة للكهرباء مبادرة في غاية الأهمية تستهدف تحقيق التكامل بين شبكات الطاقة الكهربائية في البلدان العربية لإنشاء سوق إقليمية للكهرباء بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. وقد تم البدء بالتخطيط لهذه المبادرة في عام 2017 عندما وقَّعت الدول الأعضاء في الجامعة على مذكرة تفاهم لتعزيز مفهوم السوق العربية المشتركة للكهرباء. وتحقق مؤخراً إنجاز كبير بتوقيع هذه الدول على الاتفاقيات التنفيذية الحاكمة لتنظيم سوق الطاقة خلال اجتماع مجلس وزراء الكهرباء العرب في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2024 في القاهرة، ومن شأن ذلك تمهيد الطريق أمام البلدان العربية لتوسيع تجارة الكهرباء وتعزيز التعاون الفعال على مستوى المنطقة وخارجها.

ومع التصديق على اتفاقيات الحوكمة الخاصة بالسوق العربية المشتركة للكهرباء، سيتحول التركيز إلى تطوير تصميم السوق بهدف تعزيز عملياتها وتجارتها، وإزالة الحواجز التجارية من خلال تنسيق القواعد الفنية والتجارية للتبادل، وتعزيز الكفاءة الاقتصادية، وتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص.

وتتمتع المنطقة بإمكانات هائلة للتعاون والتجارة على المستوى الإقليمي، خصوصاً في قطاع الطاقة الذي يمثل شريان حياة لاقتصاداتها، وذلك على الرغم من اعتبار مستوى التكامل والتبادل التجاري بين بلدانها من أقل المستويات بين مناطق العالم. ومن شأن إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء أن يُحدث تحولاً نوعياً في مجال الكهرباء في المنطقة؛ فمن خلال تنسيق خطط التوسع وتعظيم الاستفادة من الموارد، يمكن للسوق العربية المشتركة للكهرباء أن تخفض تكاليف إنتاج الكهرباء بدرجة كبيرة، مما يسمح للبلدان بتنسيق الاستثمارات التي تستهدف تلبية الطلب الوطني في أوقات الذروة وتحقيق أقصى استفادة من هذه الاستثمارات. ويمكن لهذا التنسيق الاستراتيجي أن يوفر للمنطقة ما بين 107 مليارات دولار و196 مليار دولار من تكاليف إنتاج الكهرباء حتى عام 2035.

وعلاوة على ذلك، تتمتع السوق العربية المشتركة للكهرباء بالقدرة على تمكين قدر هائل من الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة يصل إلى نحو 192 غيغاواط، مما قد يؤدي إلى نمو كبير في فرص العمل في جميع أنحاء المنطقة. ووفق البنك الدولي، فإن بلدين مثل مصر والمغرب يمكن أن يحققا على مدى العقود الثلاثة القادمة ما يقرب من مليوني فرصة عمل و700 ألف فرصة عمل على التوالي في قطاع الطاقة الخضراء. وستنشأ هذه الوظائف من الاستثمارات في تصنيع وتركيب وصيانة البنية التحتية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يجعل السوق العربية المشتركة للكهرباء محفزاً بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية المحلية وتقليل استخدام الوقود الأحفوري.

وتتجاوز منافع السوق العربية المشتركة للكهرباء قطاع الطاقة لأن خفض تكاليف الكهرباء يساهم في خفض النفقات للقطاع الصناعي، مما يعزز القدرة التنافسية وخلق فرص العمل. وفي مجال الزراعة، يمكن للكهرباء ميسورة التكلفة عالية الاعتمادية أن تساعد على تحسين أداء محطات المياه والري ومنشآت تجهيز وتصنيع المنتجات الزراعية، وبالتالي زيادة الإنتاجية ودخل المزارعين. ويمكن للقطاع التجاري أن يخفض النفقات العامة ويزيد من معدلات الربحية، مما يدعم مزيداً من الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما ستنخفض نفقات الأسر المعيشية، وبالتالي ستتحسن مستويات المعيشة، فضلاً عن أن عدم انقطاع الكهرباء يؤدي إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم.

ويساعد توفير الكهرباء بتكلفة ميسورة واعتمادية عالية أيضاً على التصدي لتحديات إدارة المياه في المنطقة، من خلال توفير الكهرباء من محطات تحلية المياه وإعادة التدوير المتطورة، وبالتالي زيادة استدامة المياه وسهولة الحصول عليها. وسيساعد ذلك على التخفيف من أثر شح المياه وضمان مستقبل قادر على الصمود. وبوجه عام، يمكن للسوق العربية المشتركة للكهرباء تحسين جهود الحد من الفقر وتحسين الظروف المعيشية والصحة وتوفير فرص العمل في المنطقة من خلال خفض تكاليف الكهرباء وتحفيز النمو الاقتصادي.

وستكون هذه السوق واحدة من كبرى شبكات الكهرباء المتكاملة متعددة البلدان على مستوى العالم، بسعة توليد إجمالية تزيد على 600 غيغاواط. وسيعزز على نحو كبير مرونة وأمن شبكات الطاقة من خلال تنويع مصادر الكهرباء، وبناءً عليه يمكن للبلدان تقليل اعتمادها على أي مصدر أو نوع منفرد من الطاقة. ويعد هذا التنويع غاية في الأهمية للتخفيف من المخاطر المرتبطة بتعطل إمدادات الطاقة، وتقلب الأسعار، والتوترات الجيوسياسية، وبالتالي تعزيز أمن الطاقة بوجه عام.

علاوة على ذلك، ومع الإمكانات الهائلة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة وقربها من أسواق الطلب على الطاقة مثل أوروبا، يمكن للمنطقة أن تحتل موقعاً يؤهلها لأن تصبح مركزاً لإمدادات الطاقة النظيفة إلى أوروبا والعالم. وتمكن تجارة الطاقة العابرة للحدود وتطوير مصادر الطاقة النظيفة من تحقيق منافع اقتصادية وخلق فرص عمل في بلدان المنطقة، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يسهم التعاون في مجال الطاقة بين المنطقة والدول الأوروبية في التصدي للتحديات المشتركة مثل تغير المناخ، ونقل التكنولوجيا، والحد من الانبعاثات الكربونية، والمساعدة في التخفيف من الهجرة والنزوح.

وتجدر الإشارة إلى التزام مجموعة البنك الدولي بدعم المنطقة لتحقيق أجندتها الخاصة بالتكامل الإقليمي في مجال الطاقة والتجارة. ومشروع الربط الكهربائي البيني بين تونس وإيطاليا، الذي تدعمه مجموعة البنك الدولي شاهد على التزامنا بتحسين روابط الطاقة ومشروعات الربط الكهربائي الإقليمية وتشجيع حلول الطاقة المستدامة، لا سيما أن هذا المشروع هو جسر للطاقة سيربط بين تونس وإيطاليا ويسمح لهما بتبادل الكهرباء ودعم استخدام مصادر الطاقة المتجددة. كما أطلق البنك الدولي دراسة جديدة لبحث فرص تعزيز تنمية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة والتجارة الإقليمية بين المنطقة وأوروبا.

وتتماشى مبادرة السوق العربية المشتركة للكهرباء مع أهداف مجموعة البنك الدولي المتمثلة في تعزيز التنمية المستدامة. وتتضافر جهود البنك مع جهود جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها لإنشاء أسواق إقليمية للكهرباء. ويشمل ذلك المساعدة الفنية في صياغة الاتفاقيات الأساسية للسوق العربية المشتركة للكهرباء.

وفي الخلاصة، تمثل هذه المبادرة وتوقيع أعضائها على اتفاقياتها في 2 ديسمبر 2024 فرصة للمنطقة لإحداث نقلة نوعية في هذا المجال، مما يبشر بمنافع اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة. فمن خلال تعظيم الاستفادة من الموارد، يمكن للسوق العربية المشتركة للكهرباء أن تخفض تكاليف الكهرباء، وتُحفز فرص العمل، وتحسِّن جودة الحياة في جميع أنحاء المنطقة. ويتسق محور هذه المبادرة بشأن تطوير وتنمية مصادر الطاقة المتجددة مع أهداف الاستدامة العالمية، ويجعل المنطقة مركزاً محتملاً لإمدادات الطاقة النظيفة إلى دول أوروبا وغيرها.

* أوسمان ديون - نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

* بول نومبا إم - المدير الإقليمي لشؤون البنية التحتية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي


مقالات ذات صلة

البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات

الاقتصاد البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات

البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات

توقّع البنك الدولي، يوم الثلاثاء، أن يؤدي تباطؤ النمو العالمي - وهو ناجم جزئياً عن اضطرابات في التجارة - إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية بنسبة 12 في المائة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الخليج سوريا تشكر السعودية وقطر على سداد المستحقات المتأخرة للبنك الدولي

سوريا تشكر السعودية وقطر على سداد المستحقات المتأخرة للبنك الدولي

عبّرت سوريا عن شكرها وتقديرها العميق لكلٍّ من السعودية وقطر للإعلان عن سداد المتأخرات المالية المستحقة عليها لدى البنك الدولي، والتي بلغت 15 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي امرأة سورية تتحدث مع موظفة في محل صرافة بدمشق (أ.ف.ب)

آمال التعافي السوري معلقة على رفع العقوبات الأميركية

وزير المالية السوري: «الطاولة المستديرة بشأن ⁧‫سوريا‬⁩ على هامش اجتماعات ⁧‫صندوق النقد‬⁩ والبنك الدوليين حدث غير مسبوق، والفضل يعود للمملكة العربية ⁧‫السعودية».

سعاد جروس (دمشق )
خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن (واس) play-circle 01:20

السعودية وقطر تعلنان سداد 15 مليون دولار متأخرات سوريا لدى البنك الدولي

أعلنت كل من السعودية وقطر، سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، التي تبلغ نحو 15 مليون دولار، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها البلدان في دعم وتسريع…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد حاويات شحن في محطة حاويات بميناء لوس أنجليس في الولايات المتحدة (رويترز)

البنك الدولي يدعو الدول النامية للاتفاق «سريعاً» مع واشنطن بشأن الرسوم

أعلن رئيس البنك الدولي أن من مصلحة الدول النامية التوصل «سريعاً» إلى اتفاق مع الولايات المتحدة للحد من آثار الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وزير السياحة المصري: الاستقرار وثقة السائح مفتاحا نمو القطاع

وزير السياحة المصري: نعمل على تعزيز التكامل العربي في السياحة البينية
0 seconds of 1 minute, 45 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
01:45
01:45
 
TT
20

وزير السياحة المصري: الاستقرار وثقة السائح مفتاحا نمو القطاع

شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)
شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)

أكد وزير السياحة والآثار في مصر، شريف فتحي، أن الاستقرار السياسي في البلاد، وثقة السائح المتراكمة عبر عقود طويلة، ركيزتان أساسيتان في استمرار نمو القطاع السياحي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.

وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في «سوق السفر العربي» في دبي إن مصر لطالما استعادت عافيتها السياحية سريعاً بعد الأزمات، ما يعكس متانة الوجهة، وثقة الأسواق العالمية في المقصد المصري.

وأوضح أن هذا النمو لم يكن مصادفة، بل نتيجة عمل مؤسسي طويل الأمد تقوده الدولة، مدعوماً ببرامج تسويقية متطورة، واستثمارات متزايدة في البنية التحتية، والخدمات الفندقية.

وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي (الشرق الأوسط)
وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي (الشرق الأوسط)

المنافسة الخليجية... تكامل لا تعارض

وحول المنافسة المتزايدة بين الوجهات السياحية في المنطقة، شدد فتحي على أن التنافس في السياحة العربية «صحي وضروري»، لكنه لا يلغي فرص التكامل.

وكشف عن لقاء جمعه مؤخراً بوزيرة السياحة البحرينية، تم خلاله الاتفاق على بحث إطلاق برامج سياحية مشتركة بين البلدين، بما يتيح للمسافرين العرب والأجانب زيارة وجهات متعددة ضمن حزمة واحدة.

وقال فتحي: «لدينا أيضاً تعاون مع السعودية، وقطر، والأردن، ونؤمن بأن السائح يمكن أن يستفيد من تنسيق عربي مشترك، بحيث تتكامل التجارب السياحية، وتُبنى على نقاط القوة لكل بلد».

وأضاف أن هذه المبادرات، وإن لم تحقق أرقاماً ضخمة مباشرة، فإنها تعزز من قيمة التجربة السياحية، وتفتح آفاقاً جديدة للسوق.

شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)
شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)

تنوع في المنتج السياحي

وتطرق وزير السياحة والآثار المصري عن رؤية الوزارة التي تركز على استثمار الميزة التنافسية الكبرى لمصر، والمتمثلة في تنوع أنماط السياحة، وقال: «لدينا منتج سياحي متفرد، يجمع بين التاريخ الفرعوني، والآثار القبطية والإسلامية، والسياحة الشاطئية والصحراوية، والواحات، والمنتجعات العالمية في شرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالي».

وأشار إلى أن الوزارة أطلقت حملات تسويقية حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، استهدفت أسواقاً أوروبية، وحققت أكثر من 100 مليون مشاهدة خلال أيام، مما ساهم في رفع معدلات الاهتمام بمصر على أنها وجهة متنوعة، وآمنة.

جانب من الجناح المصري في سوق السفر العربي (الشرق الأوسط)
جانب من الجناح المصري في سوق السفر العربي (الشرق الأوسط)

تمكين القطاع الخاص

وأكد فتحي أن الوزارة تعمل على تمكين القطاع الخاص، بوصفه المحرك الأساسي لصناعة السياحة، وأضاف: «نحن لا ندير رحلات السائحين، بل نهيئ البيئة التنافسية، ونرفع من جودة الخدمات»، لافتاً إلى أن مصر تشهد تطوراً مستمراً في مستوى الخدمات، من المطارات إلى الفنادق، والمزارات، نافياً أن تكون معدلات الازدحام مشكلة مقارنةً بدول سياحية أخرى.

كما أشار إلى أن عام 2025 يتوقع أن يشهد نمواً في أعداد السياح بنسبة تصل إلى 8 في المائة، بعدما سجل الربع الأول نمواً بنسبة 25 في المائة، واعتبر أن استمرار هذا الزخم ممكن في حال الحفاظ على الاستقرار، وتحسين القدرة الشرائية العالمية.

مشاركة سوق السفر العربي

وفي ختام حديثه، تطرق فتحي إلى مشاركة مصر بجناح ضخم في «سوق السفر العربي»، معتبراً أن الحضور المصري في هذه التظاهرة السياحية الكبرى يعكس الاهتمام الرسمي بالأسواق الخليجية، والعربية.

وقال: «الجناح يمتد على مساحة 800 متر مربع، ويضم 77 عارضاً، إلى جانب شركات كبرى لها أجنحة منفصلة. التصميم هذا العام يعكس التجديد، ويضم تقنيات الواقع الافتراضي، وأقساماً لعرض المقتنيات الأثرية».

وأضاف أن المشاركة ليست فقط للترويج، بل أيضاً لتعزيز الشراكات مع الأسواق الخليجية التي تُعد امتداداً طبيعياً للسياحة المصرية، وقال: «نحن لا نتعامل مع السائح الخليجي كزائر، بل كأحد أهل الدار».