الصين «تتسلح» لحرب تجارية محتملة مع ترمب

أعدت تدابير مضادة قوية للرد على الشركات الأميركية

الزعيم الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب يحضران حفل الترحيب في «قاعة الشعب الكبرى» في بكين يوم 9 نوفمبر 2017 (أ.ف.ب)
الزعيم الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب يحضران حفل الترحيب في «قاعة الشعب الكبرى» في بكين يوم 9 نوفمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

الصين «تتسلح» لحرب تجارية محتملة مع ترمب

الزعيم الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب يحضران حفل الترحيب في «قاعة الشعب الكبرى» في بكين يوم 9 نوفمبر 2017 (أ.ف.ب)
الزعيم الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب يحضران حفل الترحيب في «قاعة الشعب الكبرى» في بكين يوم 9 نوفمبر 2017 (أ.ف.ب)

أعدت الصين تدابير مضادة قوية للرد على الشركات الأميركية إذا زاد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، من اشتعال حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وفقاً لما قاله مستشارو بكين ومحللو المخاطر الدولية لصحيفة «فاينانشيال تايمز».

وقد فوجئت حكومة الزعيم الصيني، شي جينبينغ، بفوز ترمب في الانتخابات عام 2016 وفرض تعريفات جمركية أعلى وضوابط أكثر صرامة على الاستثمارات وعقوبات على الشركات الصينية. ولكن في حين أن التوقعات الاقتصادية الهشة للصين جعلتها منذ ذلك الحين أكثر عرضة للضغوط الأميركية، فقد أدخلت بكين قوانين جديدة شاملة على مدى السنوات الثماني الماضية تسمح لها بإدراج الشركات الأجنبية في القائمة السوداء وفرض عقوباتها الخاصة وقطع الوصول الأميركي إلى سلاسل التوريد الحيوية، وفق الصحيفة البريطانية.

مسؤولة صينية تمر أمام عَلمَي الولايات المتحدة والصين خلال مباحثات بين البلدين عقدت في غوانغزو (أ.ف.ب)

وقال وانغ دونغ، المدير التنفيذي لـ«معهد التعاون والتفاهم العالمي» بجامعة بكين: «هذه عملية ذات اتجاهين... ستحاول الصين بالطبع التعامل مع الرئيس ترمب بأي طريقة، ومحاولة التفاوض. ولكن إذا لم يحقَّق أي شيء من خلال المباحثات، كما حدث في عام 2018، واضطررنا إلى القتال، فسوف ندافع بحزم عن حقوق الصين ومصالحها».

وحافظ الرئيس الأميركي جو بايدن على معظم إجراءات سلفه ضد الصين، لكن ترمب أشار بالفعل إلى موقف أكثر صرامة من خلال تعيين «الصقور تجاه الصين» في مناصب مهمة.

«قانون العقوبات المناهض للأجانب»

وتمتلك الصين الآن تحت تصرفها «قانون العقوبات المناهض للأجانب» الذي يسمح لها بمواجهة التدابير التي اتخذتها دول أخرى، و«قائمة كيانات غير موثوقة» للشركات الأجنبية التي ترى أنها قوّضت مصالحها الوطنية. ويعني «قانون مراقبة الصادرات» الموسع أن بكين يمكنها أيضاً تقوية هيمنتها العالمية على توريد العشرات من الموارد مثل المعادن النادرة والليثيوم التي تعدّ حيوية للتكنولوجيات الحديثة. وقال آندرو جيلهولم، رئيس «تحليل الصين» في شركة الاستشارات «كونترول ريسك»، إن كثيرين قلّلوا من تقدير الضرر الذي يمكن أن تلحقه بكين بالمصالح الأميركية.

وأشار جيلهولم إلى «طلقات تحذيرية» أطلقت في الأشهر الأخيرة. وشملت العقوبات المفروضة على «سكاي ديو»؛ كبرى الشركات الأميركية لتصنيع الطائرات من دون طيار وفي التوريد إلى الجيش الأوكراني، والتي تحظر على المجموعات الصينية تزويد الشركة بمكونات أساسية. كما هددت بكين بإدراج شركة «بي إتش دي»، التي تشمل علاماتها التجارية «كالفن كلاين» و«تومي هيلفيغر»، في «قائمة غير موثوقة»، وهي الخطوة التي قد تقطع وصول شركة الملابس إلى السوق الصينية الضخمة.

وقال جيلهولم: «هذه هي قمة جبل الجليد»، مضيفاً: «أظل أقول لعملائنا: تعتقدون أنكم قد وضعتم في الحسبان المخاطر الجيوسياسية والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لكنكم لم تفعلوا ذلك؛ لأن الصين لم تردّ بجدية بعد».

سيارات صينية مُعدة للتصدير في ميناء يانتاي شرق البلاد (أ.ف.ب)

الجميع مستعدون

كما تتسابق الصين لجعل سلاسل توريد التكنولوجيا والموارد أكثر مقاومة للاضطرابات الناجمة عن العقوبات الأميركية مع توسيع التجارة مع الدول الأقل انسجاماً مع واشنطن.

ومن وجهة نظر بكين، فإنه في حين كانت العلاقات بالولايات المتحدة أكثر «استقراراً» مع نهاية رئاسة بايدن، فقد استمرت سياسات الإدارة المنتهية ولايتها إلى حد كبير على المنوال نفسه كما كانت في ولاية ترمب الأولى.

وقال وانغ تشونغ، خبير السياسة الخارجية في «جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية»: «كان الجميع يتوقعون الأسوأ بالفعل، لذلك لن تكون هناك أي مفاجآت. الجميع مستعدون».

ولكن الصين لا تستطيع أن تتجاهل بسهولة تهديد ترمب خلال حملته الانتخابية بفرض تعريفات جمركية شاملة تزيد على 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، نظراً إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وضعف الثقة بين المستهلكين والشركات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب إلى مستويات تاريخية.

وقال جونغ جيونغ، الأستاذ في «جامعة بكين للأعمال والاقتصاد الدولي»: «في حال المفاوضات، يتوقع أن تكون الصين منفتحة على مزيد من الاستثمار المباشر في التصنيع الأميركي، أو نقل مزيد من التصنيع إلى البلدان التي وجدتها واشنطن مقبولة».

وتكافح الصين لتعزيز الاقتصاد وسط شكوك حول قدرتها على تحقيق هدف النمو الرسمي لهذا العام بنحو 5 في المائة، وهو أحد أدنى أهدافها منذ عقود.

موظف يَعدّ أوراقاً نقدية من فئة 100 يوان بأحد البنوك في بكين (أ.ف.ب)

أسهم في جعبة الصين

وقال مسؤول تجاري أميركي سابق، طلب عدم ذكر اسمه بسبب تورطه في نزاعات نشطة بين الولايات المتحدة والصين، إن بكين كانت دقيقة في استخدام «الأسهم» في جعبتها، وحذرة من مزيد من تآكل معنويات الاستثمار الدولي الضعيفة. وقال المسؤول السابق: «هذا القيد لا يزال قائماً، والتوتر الداخلي في الصين لا يزال قائماً، ولكن إذا كانت هناك رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة أو نية متشددة حقيقية من جانب إدارة ترمب، فإن هذا قد يتغير».

وقال جو مازور، محلل التجارة بين الولايات المتحدة والصين بشركة «تريفيوم» الاستشارية في بكين، إن «النهج الحمائي» الأوسع نطاقاً لترمب قد يعمل لمصلحة الصين.

وتعهد الرئيس المنتخب بفرض رسوم جمركية لا تقل عن 10 في المائة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة.

وقال مازور: «إذا بدأت الاقتصادات الكبرى الأخرى في النظر إلى الولايات المتحدة بوصفها شريكاً تجارياً غير موثوق به، فقد تسعى إلى تنمية علاقات تجارية أعمق بالصين بحثاً عن أسواق تصدير أكثر ملاءمة». ومع ذلك، فإن آخرين يعتقدون أن التدابير المضادة المخطط لها من جانب بكين من شأنها أن تخاطر بإيذاء الشركات الصينية واقتصادها فقط في الأمد البعيد.

خط إنتاج للسيارات الكهربائية في مصنع شركة «ليب موتور» بمدينة جينهوا الصينية (أ.ف.ب)

وقال جيمس زيمرمان، الشريك في شركة المحاماة «لوب آند لوب» في بكين، إن الحكومة الصينية قد تكون «غير مستعدة تماماً» لولاية ثانية لترمب، بما في ذلك «كل الفوضى والافتقار إلى الدبلوماسية التي ستأتي معها».

وأضاف زيمرمان أن السبب الرئيسي وراء عودة التوترات التجارية إلى الظهور هو فشل بكين في الوفاء بالالتزامات المتفق عليها في اتفاق عام 2020 مع إدارة ترمب الأولى، الذي دعا إلى شراء كميات كبيرة من واردات السلع الصينية من الولايات المتحدة. وقال إن الإجراء «الذكي» من جانب بكين سيكون فعل كل ما في وسعها لمنع فرض مزيد من التعريفات الجمركية، لافتاً إلى أن «احتمالات اندلاع حرب تجارية موسعة خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي المنتخب مرتفعة».


مقالات ذات صلة

بنك إيطاليا يحذر من تأثير الحمائية على الاقتصاد العالمي بعد انتخاب ترمب

الاقتصاد صورة جوية تظهر سيارات مخصصة للتصدير بميناء في مدينة يانتاي بمقاطعة شاندونغ (رويترز)

بنك إيطاليا يحذر من تأثير الحمائية على الاقتصاد العالمي بعد انتخاب ترمب

دعا محافظ البنك المركزي الإيطالي، فابيو بانيتا، الجمعة، المجتمع الدولي إلى تجنب تفاقم المشاعر الحمائية السائدة.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد أبراج سكنية عملاقة على ضفة نهر هوانغبو في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

بكين تهنّئ ترمب... وتحذّر من «الحرب التجارية»

حذّرت الصين، الخميس، من أنه «لن يكون هناك فائز في حرب تجارية» بعد إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
أوروبا مقر مبنى الأونروا بعد أن دمّرته القوات الإسرائيلية في طولكرم بالضفة الغربية (أ.ب)

الاتحاد الأوروبي يحذّر من «عواقب» حظر إسرائيل للأونروا على اتفاقية شراكة محورية

حذّر شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي اليوم الخميس من أن قرار إسرائيل حظر وكالة الأونروا في غزة قد يؤدي إلى إلغاء اتفاقية ترسخ علاقات إسرائيل التجارية مع بروكسل.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز يتحدث للصحافيين في مدينة شنغهاي الصينية (أ.ب)

كندا تدرس التصعيد الجمركي ضد الصين

أشارت كندا، الثلاثاء، إلى أنها قد تفرض رسوماً جمركية إضافية قريباً على البطاريات ومنتجات التكنولوجيا والمعادن الحيوية الصينية.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
آسيا وزيرا الدفاع التركي والصومالي وقَّعا اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي في أنقرة فبراير الماضي (وزارة الدفاع التركية)

البرلمان التركي يوافق على إرسال قوات إلى الصومال لمدة عامين

وافق البرلمان التركي على مذكرة رئاسية بشأن نشر عناصر من القوات المسلحة في الصومال بما يشمل المياه الإقليمية للبلد الأفريقي لمدة عامين.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة )

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)
جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)
TT

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)
جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية، وذلك بهدف فتح أسواق جديدة للاستثمار والترويج للقطاع العقاري فيها.

ووفق بيان، فإنه من خلال ذلك، تسعى سلطنة عمان إلى تعزيز جاذبيتها بوصفها مركزاً إقليمياً للاستثمار من خلال التواصل مع المطورين الدوليين.

ومن أبرز المشروعات المستقبلية العمانية: «مدينة السلطان هيثم» التي تعد نموذجاً للمدن الذكية المستدامة، حيث تضم أحياء سكنية متكاملة، بمناطق خضراء، ومرافق تجارية، إضافة إلى «الخوير داون تاون»، وهو مركز حضري عصري بواجهة بحرية يركز على تعزيز الابتكار والاستدامة ويوفر فرصاً استثمارية متنوعة في مجالات التجزئة، والضيافة، والمرافق الترفيهية؛ مما يجعله وجهة جذابة للاستثمار في قطاعات العقار والسياحة.

وتعمل سلطنة عمان على إطلاق مشروعات نوعية بمعايير عالمية، كما توفر قوانين محدثة تدعم الاستثمارات الأجنبية، وتحمي حقوق المستثمرين، إضافة إلى تحفيزها للقطاع العقاري من خلال حِزم وبرامج مستمرة لتعزز سياسة داعمة وتحقيق الاستقرار الأسري.

وكانت سلطنة عمان شهدت نمواً في قطاعها العقاري خلال الأعوام الأخيرة، إذ زاد التداول العقاري بنسبة 8.3 في المائة عام 2023. و6.5 في المائة حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2024.

كما ارتفع إجمالي عدد ملكيات العقارات الصادرة لأبناء مجلس دول مجلس التعاون الخليجي، بنهاية سبتمبر الماضي، بنسبة 10.8 في المائة. في حين سجلت التداولات العقارية الأجنبية نمواً بنسبة 35.5 في المائة، مقارنة بالعام السابق.