لماذا قلَّصت إيران وجودها العسكري في سوريا؟ خيانة وتمويه وهدية

مصادر عراقية تقول إن سوريا «ضرورة إيرانية» لتهديد أمن إسرائيل

أرشيفية لقادة إيرانيين عسكريين شرق سوريا (المرصد)
أرشيفية لقادة إيرانيين عسكريين شرق سوريا (المرصد)
TT

لماذا قلَّصت إيران وجودها العسكري في سوريا؟ خيانة وتمويه وهدية

أرشيفية لقادة إيرانيين عسكريين شرق سوريا (المرصد)
أرشيفية لقادة إيرانيين عسكريين شرق سوريا (المرصد)

هل قلَّصت إيران بالفعل وجودها العسكري في سوريا؟ قد يعني هذا التخلي جزئياً عن موقع استراتيجي في المواجهة مع إسرائيل، لكن ليس من الواضح أن طهران تفعل ذلك كإجراء تكتيكي مؤقت، أم أنها خطوة متقدمة في سياق تغيير دراماتيكيّ وشيك في المنطقة.

وأخْلَت القوات الإيرانية مقرّات في دمشق وجنوب البلاد، وصولاً إلى الحدود مع الجولان، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، التي ألمحت نقلاً عن مصادر إلى أن القرار احترازي بعد ضربات استهدفت أبرز قادة «الحرس الثوري الإيراني».

وطال قصف صاروخي، قالت طهران إن إسرائيل هي من نفّذته مطلع أبريل (نيسان)، القنصلية الإيرانية، وأسفر عن مقتل 7 عناصر في «الحرس الثوري»، بينهم قياديان، أحدهما محمد رضا زاهدي، أكبر مسؤول عسكري إيراني في سوريا.

ورداً على استهداف القنصلية، أطلقت إيران ليل 13 أبريل مئات المُسيّرات والصواريخ على إسرائيل، في أول هجوم إيراني مباشر على الدولة العبرية، واستهدفت هجمات، نُسبت إلى إسرائيل، وسط إيران، الأسبوع الماضي، لكن إيران قلّلت من أهميتها.

ولم تعد إيران تمتلك رأس الحربة الخاص بـ«الحرس الثوري» في سوريا بعد «الضربة الأخيرة الموجعة»، على حد الوصف الذي استعمله تقرير لوكالة «بلومبرغ» الأسبوع الماضي.

خامنئي يقف أمام جثث 7 من ضباط «الحرس الثوري» قضوا في ضربة القنصلية الإيرانية (إ.ب.أ)

وخلال الأسابيع الماضية، حاولت تقارير صحافية، بعضها نقل معلومات عن مصادر إيرانية، تكريس الانطباع أن طهران تقلِّل من حضورها في سوريا.

لكنَّ سياسيين عراقيين، بينهم قيادي شيعي في تحالف «الإطار التنسيقي»، يستبعدون تخلي إيران عن «الأهمية الاستراتيجية لسوريا، وليس (الرئيس بشار) الأسد» في نزاعها مع إسرائيل.

وقال السياسي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم استعداد مسلحين عراقيين للانتقال إلى سوريا لشغل الفراغ الذي تركه العسكريون الإيرانيون، فإن العملية قد تكون في إطار التمويه»، وأشار إلى أن «الحضور الإيراني –بالمعنى الميداني المتعارف عليه– محدود منذ البداية».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مقرب من «حزب الله» اللبناني أن مقاتلين من «حزب الله» وآخرين عراقيين حلّوا مكان القوات الإيرانية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة ودمشق.

وقال مصدران مقربان من أجواء الفصائل العراقية إن «كتائب حزب الله وحركة النجباء تلقت طلبات من طهران لإرسال مسلحين لديهم خبرة ميدانية سابقة في الأراضي السورية»، دون أن يؤكدا أنهم انتقلوا بالفعل إلى هناك.

وقال السياسي العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاستراتيجية الإيرانية لا تعمل بهذه الطريقة (...) لا يمكن لها أن تترك الأذرع تدير بلداً شديد الأهمية».

وقال سياسي ثانٍ إن «تسريب الانسحاب قد ينطلي على حيلة إيرانية بأنهم تركوا سوريا»، وفسَّر كلامه بأن هذا «التمويه يمنح لهم الوقت الكافي للتحقيق في تسريب المعلومات لطرف ثالث، أو رابع».

وخلصت اتصالات أجرتها «الشرق الأوسط» مع سياسيين ومسؤولين سابقين على صلة بالملف السوري، إلى 3 فرضيات تفسر معنى الحديث عن تقليص الوجود الإيراني في سوريا.

عناصر من «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا (أرشيفية - متداولة)

«خيانة وجواسيس»

يقول مسؤول حكومي سابق في بغداد، على صِلةٍ بالملف السوري، وسبق أن التقى الأسد مرات كثيرة بين عامي 2015 و2019، إن إيران لديها الآن شكوك جدية بأن ضباطاً وقيادات سورية أمنية تواطأت ضد الإيرانيين وسرَّبت إلى طرف ثالث ورابع معلومات عن تحركاتهم داخل سوريا.

وأوضح المسؤول، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإيرانيين يحققون في الأمر، وهم قريبون من النتيجة»، ومع ذلك «هم يريدون استباق الأحداث بالتحرك احترازياً»، وأشار إلى أن «تقليص الوجود العسكري يتعلق فقط بالأشخاص الرسميين المرتبطين علناً بـ(الحرس الثوري)».

وفي 13 أبريل الماضي، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن الجنرال مرتضى قرباني فر، كبير مستشاري قائد «الحرس الثوري»، إن تحقيقاً يجري حول ما إذا كان مكان اجتماع وحضور محمد رضا زاهدي، قائد قوات «الحرس» في سوريا ولبنان، قد تسرب.

وقال قرباني فر، إن «الجواسيس كثر في سوريا ولبنان، ويمكن للأعداء رصد الأفراد عبر الأقمار الاصطناعية وشبكة الاتصالات (...) الأعداء يتجسسون من عدة قنوات». وأضاف: «يكفي أن يكون هناك متسلل واحد لكي يُمرِّر المعلومات المشفَّرة للأعداء».

وتتركز الشكوك الإيرانية حول 18 قائداً جرى اغتيالهم خلال فترة قصيرة في هجمات نُسبت إلى إسرائيل، حسب «بلومبرغ»، التي نقلت عن منشقٍّ سوري معارض لنظام الأسد، ادّعى أنه تحدث مع مسؤول إيراني.

اللافت في كلام المنشق، وفق الوكالة، إن إيران بدأت تحقيقاً مشتركاً بين البلدين لمحاولة تتبع الخرق الأمني المحتمل، وفي مرحلة معينة، اختارت إيران إجراء تحقيق مستقل مع «حزب الله» اللبناني، لتجنب مشاركة المخابرات السورية.

وقال مسؤول عراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «إيران تعترف بأنها مخترَقة في سوريا، كما أن الفصائل العراقية تلقَّت نصائح من طهران بأن يُحسنوا التعامل مع الهواتف أو يغلقوها بشكل تام، كما فعل قبلهم (حزب الله) اللبناني».

ومع ذلك، فإن التحقيق والشكوك بـ«خيانة الأجهزة الأمنية السورية» لإيران لا تدفع الأخيرة إلى التخلي عن سوريا بسبب أهميتها الاستراتيجية في إزعاج إسرائيل، وقال السياسي العراقي: «ما أعرفه، أن (الرئيس السوري بشار) الأسد لا يقدم شيئاً ذا قيمة استراتيجية، سوى أن موقع سوريا مهم للتأثير في أمن إسرائيل، وهذا ما لا يمكن التخلي عنه حتى لو قال الأسد للإيرانيين: تفضلوا مع السلامة».

وخلص تقرير «بلومبرغ» إلى أن الأسد ليس على علم بالخروقات الأمنية التي أدت إلى استهداف قادة «الحرس الثوري»، كما أن تقرير وكالة الصحافة الفرنسية نفسه أفاد بأن سحب قوات إيرانية من محافظات عدة في سوريا، بدأ منذ مطلع العام، لكن وتيرته تسارعت أخيراً.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، غادرت دفعة من المستشارين الإيرانيين خلال شهر مارس (آذار) مناطق عدّة في البلاد من بينها بانياس.

وأبقت إيران على قواتها في محافظة حلب (شمال) وفي محافظة دير الزور (شرق) التي تعد من أبرز مناطق نفوذها في سوريا.

أرشيفية تُظهر قائد «الحرس الثوري» الجنرال حسين سلامي (وسط) في طهران خلال تشييع عناصر قُتلوا بسوريا 22 يناير (نيويورك تايمز)

هدية لبايدن

يخلُص سياسيون عراقيون، ومصادر من الفصائل المسلحة، إلى أن إيران لن تخوض مواجهة مفتوحة هذا العام، على الأقل حتى تنتهي الانتخابات الأميركية.

وقال السياسي الشيعي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «تقليص الوجود العسكري الإيراني في سوريا إجراء موجَّه إلى الرئيس الأميركي جو بايدن بالتحديد، ومنحه انتصاراً شكلياً في المنطقة، بسبب الرغبة الإيرانية في عدم فوز ترمب أو أي جمهوري متطرف في الانتخابات الرئاسية الأميركية».

ورأى السياسي العراقي أن الأشهُر الماضية شهدت كثافة غير عادية في الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران، وبعضها حصل بشكل مباشر ونادر بحضور وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.

وفي أجواء الفصائل العراقية المسلحة، تتداول قيادات محورية «تحديثاً إيرانياً وصل إليهم بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على أصفهان مفاده أن استمرار الهدنة قرار قائم حتى الآن، وأن تقدير الموقف الذي تعمل عليه طهران باستمرار لا يقترح غير ذلك مع الأميركيين في العراق وسوريا».

حيلة إيرانية

تفترض مصادر عراقية تصف نفسها بـ«العملياتية» سيناريو ثالثاً يستند إلى «معرفتهم بالتكتيكات الإيرانية»، وقالوا إن إيران تتعمد من خلال هذه التسريبات «التمويه على أمر ما».

وقال مصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن طهران تريد «نصب شرك للجواسيس في سوريا، عبر إيهامهم بأنهم انسحبوا، للتعرف على الشبكة التي تُسرِّب المعلومات».

وقال مصدر آخر إن «قيادات عراقية تعمل في الميدان السوري للتحقق من العملاء»، على حد تعبيره.

لكنَّ المسؤول الحكومي السابق يعتقد أن إيران استشعرت حجم الضغط الدولي على الساحة السورية، بعد ازدياد الهجمات المباشرة على مصالحها هناك، وتريد إيهام الجميع بأنها تركت الميدان، لتتأكد من أن «إسرائيل وأميركا في طريقهما إلى تخفيف القبضة عليها في دمشق»، خصوصاً أن «المعلومات عن خيانة سورية للإيرانيين ليست جديدة، بل كانت أكيدة لهم منذ أشهر».


مقالات ذات صلة

رئيس إيران يؤكد رفض أي «شروط مهينة» للتفاوض مع واشنطن

شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (إرنا)

رئيس إيران يؤكد رفض أي «شروط مهينة» للتفاوض مع واشنطن

أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده لن تقبل «شروطاً مهينة» للتفاوض مع الولايات المتحدة محذراً من محاولات تجريد إيران من مكونات القوة العسكرية و«إضعافها».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (ميزان)

طهران تعلن توقيف مواطن سويدي الجنسية بتهمة التجسس لصالح إسرائيل

أعلنت السلطة القضائية الإيرانية، الثلاثاء، أن مواطناً أُلقي القبض عليه خلال حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل، ويخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التجسس، ويحمل جنسية السويد.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية شحنة أسلحة اشتبهت واشنطن بأنها تابعة لإيران وضبطتها ببحر العرب في مايو 2021 (أ.ب)

واشنطن «تدمّر» شحنة في طريقها إلى برنامج إيران الصاروخي

صادرت قوة أميركية شحنة مواد مزدوجة الاستخدام من فوق سفينة كانت في طريقها إلى إيران، وذكرت «وول ستريت جورنال» أن المكونات قد تكون مخصصة لبرنامج إيران الصاروخي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان على هامش قمة السلام في عشق آباد بتركمانستان الجمعة (تسنيم)

موسكو وطهران «تعملان بشكل وثيق» على البرنامج النووي

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن العلاقات بين موسكو وطهران تتطور بشكل إيجابي، مؤكداً أن البلدين يعملان بتنسيق وثيق بشأن البرنامج النووي.

«الشرق الأوسط» (طهران)
الولايات المتحدة​ صورة من قمر اصطناعي لناقلة النفط العملاقة «سكيبر» التي صودرت قبالة ميناء خوسيه في فنزويلا (رويترز)

مصادرة ناقلة فنزويلية تضاعف الضغوط على مادورو

في أخطر تصعيد منذ بدء الضغوط الأميركية على الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مصادرة ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا.

علي بردى (واشنطن)

اجتماع باريس: تفهم لوضع لبنان وتحديد موعد لمؤتمر دعم الجيش

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)
TT

اجتماع باريس: تفهم لوضع لبنان وتحديد موعد لمؤتمر دعم الجيش

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)

النتيجة الأولى والرئيسية للاجتماع الذي حصل في قصر الإليزيه بحضور قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، الذي قام بأول زيارة رسمية له لفرنسا، في إطار مساعي دعم الجيش المهمة الموكلة إليه بحصر السلاح بيد الدولة، وتنفيذ مضمون القرار «1701»، تمثلت في اتفاق فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية على عقد المؤتمر الرئيسي الدولي الموعود لمساندة القوات المسلحة اللبنانية في شهر فبراير (شباط) من العام المقبل.

بيد أن البيان الذي وزعه قصر الإليزيه، عقب انتهاء الاجتماع لم يأت على ذكر العاصمة التي ستستضيف المؤتمر الذي تأخر انعقاده، فيما يدور الحديث حوله منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. كذلك فإن الناطق باسم الخارجية، لم يوفر أية معلومات إضافية عندما سئل عن هذا الملف في مؤتمره الصحافي الأسبوعي.

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

وثمة مستجد رئيسي يعكس جدية الاتفاق على المؤتمر الدولي والسعي، أخيراً، لالتئامه، أن بيان الإليزيه أشار إلى أن ممثلي الدول الثلاث المعنية اتفقوا، في إطار سعيهم إلى توفير الدعم للبنان لجهوده الرامية إلى تنفيذ وقف الأعمال العدائية الصادر في 26 نوفمبر 2024 وخطة «درع الوطن»، على إنشاء فريق عمل ثلاثي للتحضير للمؤتمر الدولي لدعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي، المقرر عقده في فبراير من عام 2026.

ما كان لهذا القرار أن يصدر من غير التقييم الإيجابي لما يقوم به الجيش اللبناني حتى اليوم في عملية حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني برغم بروز الحاجة إلى تطوير أدائه. فالأطراف الثلاثة التي استمعت للعماد هيكل شارحاً ما قام به الجيش اللبناني في إطار تنفيذ خطة «درع الوطن» أثنت على إنجازاته. وجاء في البيان المشار إليه سابقاً، أن الموفدين الخاصين للأطراف الثلاثة «أعربوا عن دعمهم للقوات المسلحة اللبنانية وللتضحيات التي تقدمها».

وفي السياق عينه، قال باسكال كونفافرو، إن الأطراف الثلاثة «عبّرت وبشكل جماعي عن تقييم إيجابي بخصوص انخراط القوات المسلحة اللبنانية» في تنفيذ المهمات الموكلة إليها.

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (مديرية التوجيه)

وأفاد مصدر مواكب، بأن هذا التقييم يعد عاملاً مهماً في دعم السلطات اللبنانية التي تواجه انتقادات إسرائيلية يومية تتهم الجيش بعدم تنفيذ مضمون القرار المنوط به، والخطة التي عرضها والمشكلة من خمس مراحل، حيث يتم تناول نزع سلاح «حزب الله» في منطقة جنوب الليطاني.

وفي هذا الخصوص، قالت الخارجية الفرنسية، إن الأطراف المعنية (في إشارة إلى اللجنة الخماسية التي تشرف على احترام وتنفيذ آلية وقف إطلاق النار، المسماة الميكانيزم)، تعود إليها صلاحية تمديد المرحلة الأولى لما بعد نهاية العام الحالي.

رغم الثناء المشار إليه، فإن تحسين آلية عمل اللجنة، كان جزءاً من المناقشات التي حصلت قبل ظهر الخميس في القصر الرئاسي. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا التي تستشعر الأخطار التي تحيط بلبنان، والتهديدات الإسرائيلية المتواترة بالعودة إلى الحرب المتوقفة نظرياً منذ ما يزيد على العام بسبب ما تعده تل أبيب مساعي لـ«حزب الله» لإعادة تسلحه، وترميم بناه التحتية العسكرية، تريد أن يوثق الجيش اللبناني ويظهر ما يقوم به.

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يتفقّد موقع تفجير منشأة «حزب الله» في الجنوب (مديرية التوجيه)

وقالت الخارجية إن «ثمة حاجة إلى توفير الوسائل الضرورية ميدانياً لآلية الميكانيزم لإبراز التقدم الذي تحرزه الوحدات العسكرية اللبنانية» في عملية نزع سلاح «حزب الله». وقد أفادت بأن محادثات الخميس «ركزت على كيفية إظهار إحراز تقدم ملموس فيما يتعلق بنزع سلاح (حزب الله). وترى باريس في ذلك حجة لدرء الأخطار». وأفاد مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، بأن من بين المطلوب من الوحدات العسكرية اللبنانية «سد الثغرات» التي تتسلل منها إسرائيل لاتهام الجيش بالتقصير، ومن ذلك الضغوط التي تمارسها من أجل تفتيش المنازل التي تدعي أنها تستخدم لتكديس سلاح «حزب الله».

كذلك ثمة مطلب آخر يتمثل بمواكبة «اليونيفيل» للوحدات العسكرية اللبنانية عند قيامها بمهامها. بيد أن هذا الأمر لم يحسم بعد، علماً بأن ثمة تساؤلات عما سيؤول إليه الوضع بعد بدء انسحاب قوات الأمم المتحدة من جنوب لبنان مع بداية عام 2026، وطبيعة القوة التي سوف تحل مكانها، والدور المنوط بها. بيد أن هذه المسألة سيعود البت بها لمجلس الأمن الدولي، إن لجهة سرعة ووتيرة انسحاب «اليونيفيل» أو الصورة التي سيرسو عليها تشكيلها.

غير أن مسألة تفتيش المنازل كما تطالب بذلك إسرائيل قد تثير مشاكل وخلافات مع الأهالي فيما يسمى «بيئة حزب الله». وسبق أن اعترض عدد منهم أكثر من مرة على هذا الأمر. وأفادت الأنباء الورادة من الجنوب بأن دورية لـ«اليونيفيل» تعرضت للمضايقة، الخميس في بلدة كفركلا الجنوبية.

آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية على طريق الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

وتكمن أهمية اجتماع باريس، في أنه جاء قبل يوم واحد من اجتماع هيئة «الميكانيزم» التي من المفترض أن يشارك فيها المبعوث الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، والمفترض أن يكونا شاركا في اجتماع الخميس. وسبق لمصادر فرنسية، أن توقفت عند المخاوف مما قد تقدم عليه إسرائيل، وما سيقرره رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ربطاً بوضعه الداخلي ونزوعه إلى مواصلة حروبه ومنها حربه في لبنان.

كذلك تتخوف باريس من قراءة «حزب الله» لمضمون اتفاق وقف إطلاق النار، وهي تعد أن المراحل اللاحقة ستكون أكثر تعقيداً مما كانت عليه المرحلة الأولى. وفي هذا السياق، يبرز تعليق رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي رأى في الهجمات التي قامت بها المسيرات الإسرائيلية يوم الخميس «رسالة» إلى المجتمعين في باريس، وللجنة مراقبة وقف إطلاق النار.

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) مجتمعاً مع المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يوم 8 ديسمبر في قصر بعبدا (الرئاسة اللبنانية)

ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن أحد الملفات المطروحة، يتناول عمل الآلية بعد أن ضُم إليها مدنيان من لبنان وإسرائيل، والمدى الذي ستصل إليه فيتناول المسائل الخلافية بين البلدين.

وفي أي حال، فإن اجتماع باريس يعد مثمراً، لأنه أتاح من جهة لقائد الجيش أن يعرض من جهة، حاجات قواته من السلاح والعتاد والتمويل، ومن جهة ثانية ما حققته ميدانياً. كذلك، فإن تحديد تاريخ للمؤتمر الدولي لدعم الجيش، وحتى من غير تعيين مكان التئامه، يعد أيضاً تقدماً ملموساً إضافة إلى أن الاجتماع وفّر للبنان ولجيشه دعماً معنوياً هما بحاجة ماسة إليه، في الوقت الذي يتعرض لضغوط من الداخل والخارج.


مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

قالت وكالة وفا الفلسطنينة إن طفلاً قُتل، وأُصيب عدد من المواطنين بجروح، على أثر انفجار أجسام من مخلَّفات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقُتل الطفل على أثر انفجار جسم من مخلّفات في منزل سكني يعود لعائلة الصوري في شارع الجعوني بمخيم النصيرات وسط القطاع، كما أُصيب عدد من المواطنين بانفجار جسم من مخلّفات الاحتلال في الشارع الثاني بحي الشيخ رضوان بمدينة غزة.

وأفاد مجمع ناصر الطبي بوصول إصابتين بنيران إسرائيلية في منطقتيْ بطن السمين وقيزان رشوان، جنوب مدينة خان يونس.

فلسطينيون أمام موقع منزل انهار أمس بعدما دُمّر جزئياً خلال الحرب في مخيم الشاطئ بمدينة غزة (رويترز)

وأتمّت الطواقم الطبية والإنقاذ والدفاع المدني، اليوم، عملية انتشال جثامين 60 شخصاً من عائلة سالم، من تحت أنقاض منزل عائلة أبو رمضان، الذي دمّره العدوان الإسرائيلي، خلال عدوانه على حي الرمال غرب مدينة غزة.

وجرى انتشال الجثامين من تحت أنقاض المنزل المدمَّر، بعض الجثامين كانت رفات، في حين جرى نقل 17 جثماناً دُفنت في محيط المنزل خلال العدوان، مشيراً إلى أن عملية انتشال الجثامين استغرقت ثلاثة أيام متواصلة نظراً لضعف الإمكانيات.


تنديد بمنع إسرائيل منظمات إنسانية من دخول غزة

فلسطينيون يسيرون حاملين أكياس طحين على طول شارع الرشيد في غرب جباليا 17 يونيو 2025 بعد أن دخلت شاحنات مساعدات إنسانية شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم الحدودي الذي تسيطر عليه إسرائيل (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون حاملين أكياس طحين على طول شارع الرشيد في غرب جباليا 17 يونيو 2025 بعد أن دخلت شاحنات مساعدات إنسانية شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم الحدودي الذي تسيطر عليه إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

تنديد بمنع إسرائيل منظمات إنسانية من دخول غزة

فلسطينيون يسيرون حاملين أكياس طحين على طول شارع الرشيد في غرب جباليا 17 يونيو 2025 بعد أن دخلت شاحنات مساعدات إنسانية شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم الحدودي الذي تسيطر عليه إسرائيل (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون حاملين أكياس طحين على طول شارع الرشيد في غرب جباليا 17 يونيو 2025 بعد أن دخلت شاحنات مساعدات إنسانية شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم الحدودي الذي تسيطر عليه إسرائيل (أ.ف.ب)

ندد كثير من المسؤولين في منظمات إنسانية دولية، الخميس، بسعي إسرائيل إلى فرض «سيطرة سياسية» على أنشطتها في غزة، بعد منع 14 منظمة من دخول القطاع، في تطور أكد المخاوف بشأن إجراءات التسجيل الإسرائيلية الجديدة الصارمة.

وسط الكارثة الإنسانية في القطاع الفلسطيني الذي دمرته الحرب، والمحروم من المياه والكهرباء، يخيّم قدر كبير من عدم اليقين على مستقبل نشاط المنظمات الدولية في غزة بعد 31 ديسمبر (كانون الأول)، وهو الموعد النهائي للحسم في طلبات التسجيل بموجب القواعد الإسرائيلية الجديدة.

دخول غير كافٍ للمساعدات

وقالت «وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية» التي تدير إجراءات التسجيل الإلزامية الجديدة منذ مارس (آذار)، في بيان أرسلته إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» إنه من بين نحو مائة طلب تسجيل تم تقديمها في الأشهر الأخيرة «تم رفض 14 طلباً فقط» بحلول نهاية نوفمبر (تشرين الثاني).

وتابعت: «لقد تمت الموافقة على الطلبات الأخرى أو هي قيد المراجعة»، مضيفة أن «إسرائيل تشجّع العمل الإنساني، لكنها لن تسمح لأي جهة معادية أو أي داعم للإرهاب بالعمل... تحت ستار المساعدات الإنسانية».

يأتي هذا القرار في وقت لا تزال المساعدات التي تدخل غزة غير كافية إلى حد كبير.

فلسطينيون نازحون يتجمّعون لتلقي حصص غذائية من تقدمة أحد المتبرعين في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) ينص على دخول 600 شاحنة يومياً، فإن عدد الشاحنات التي تعبر إلى القطاع حاملة مساعدات إنسانية يراوح بين 100 و300 فقط، وفق منظمات غير حكومية والأمم المتحدة، أما باقي الشاحنات فتحمل في الغالب سلعاً تجارية لا يمكن للغالبية العظمى من سكان غزة تحمّل تكلفتها.

من بين المنظمات غير الحكومية التي رفضت إسرائيل تسجيلها منظمة «أنقذوا الأطفال»، وهي واحدة من أشهر وأقدم المنظمات حضوراً في غزة، حيث تساعد 120 ألف طفل، ولجنة خدمة الأصدقاء الأميركية (إيه إف إس سي)، وفق قائمة رسمية أولية نُشرت مؤخراً.

يعني رفض التسجيل أن أمام المنظمة 60 يوماً لسحب جميع موظفيها الدوليين من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، ولن تكون قادرة بعد ذلك على تقديم أي مساعدات مباشرة، ناهيك عن الصعوبات في الوصول إلى النظام المصرفي الإسرائيلي الذي تعتمد عليه لدفع الإيجارات والرواتب.

تنديد بمعايير «غامضة»

ونددت وكالات الأمم المتحدة وكثير من المنظمات غير الحكومية في بيان مشترك، الخميس، بعملية تسجيل «تستند إلى معايير غامضة وتعسفية ومسيسة للغاية».

وأكدت أن «الأمم المتحدة لن تكون قادرة على التعويض عن انهيار عمليات المنظمات غير الحكومية الدولية» التي تقدم أكثر من مليار دولار من المساعدات سنوياً، ودعماً حاسماً للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية.

على سبيل المثال، تدير منظمة «أطباء بلا حدود» حالياً نحو ثلث أسرّة المستشفيات البالغ عددها 2300 سرير في غزة. كما أن المراكز الخمسة لعلاج الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم مدعومة جميعها من منظمات غير حكومية دولية.

كما أن نحو 70 في المائة من نقاط توزيع الوجبات الساخنة «تعتمد بشكل مباشر على المنظمات غير الحكومية الدولية من حيث الموظفين أو الإمدادات أو التشغيل»، وفق البيان.

خيام بجوار منطقة غمرتها المياه بعد هطول أمطار غزيرة بمخيم مؤقت للنازحين الفلسطينيين في زويدا وسط قطاع غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

«قبضة بيروقراطية خانقة»

ترفض إسرائيل تسجيل المنظمات التي تعدّها «معادية» أو متورطة في «الإرهاب» أو «معاداة السامية»، وكذلك تلك التي تتهمها بالعمل على «نزع الشرعية عن دولة إسرائيل».

ويؤكد المحامي الإسرائيلي يوتام بن هليل الذي يساعد كثيراً من المنظمات في إجراءات التسجيل، أن هذه العبارات فضفاضة، مشيراً إلى أنه قدم بالفعل طعوناً إلى المحكمة العليا.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا نعرف حتى ما معنى نزع الشرعية. السلطات لا تقدّم أي دليل على ما تدعيه؛ لذا من الصعب للغاية على المنظمات غير الحكومية الرد على هذه الادعاءات».

بدوره، يقول رئيس منظمة «أطباء العالم» جان فرنسوا كورتي: «إذا تم عدّ المنظمات غير الحكومية التي تنقل شهادات السكان، وتقوم بأعمال ميدانية، وتخبر بما يحدث، بأنها ضارة بمصالح إسرائيل وبالتالي ينبغي حظر عملها، فهذا إشكالي للغاية».

أكدت منظمات غير حكومية تواصلت معها «وكالة الصحافة الفرنسية»، أنها امتثلت لمعظم متطلبات إسرائيل بتقديم ملف كامل. ومع ذلك، رفض بعضها تجاوز «خط أحمر» بتقديم معلومات حساسة عن موظفيها الفلسطينيين.

ويقول رئيس إحدى المنظمات غير الحكومية: «لأننا تحدثنا عن الإبادة الجماعية، ونددنا بالظروف التي شُنّت فيها الحرب، وكذلك القيود المفروضة على دخول المساعدات، فإن جميع تلك الأوصاف تنطبق علينا»، مشيراً إلى أنه يتوقع أن يتم رفض طلب منظمته للحصول على التصريح.

ويضيف: «مرة أخرى، يتم استخدام القبضة البيروقراطية الخانقة لأغراض السيطرة السياسية التي ستكون لها عواقب كارثية».

شاحنات تحمل بضائع من الأردن تتحرك بالقرب من معبر جسر اللنبي بين الضفة الغربية والأردن بعد إعادة فتحه في الضفة الغربية المحتلة 10 ديسمبر 2025 (رويترز)

«البدء من الصفر»

يعرب جميع هؤلاء الفاعلين في المجال الإنساني في غزة عن مخاوفهم بشأن ما سيحدث في بداية عام 2026، مع خطر الاقتصار على تسجيل منظمات غير حكومية لا تمتلك القدرة أو الخبرة التي تتمتع بها المنظمات الناشطة في القطاع الفلسطيني منذ فترة طويلة.

يقول فرنسوا كورتي: «إذا كانت هناك عمليات فحص للمستفيدين، وإذا كانت هناك شروط لتوزيع المساعدات... فهذا أمر مثير للقلق، وخصوصاً أن كل ذلك سيديره بالكامل عسكريون».

وأكد كثير من العاملين في المجال الإنساني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنهم «لم يسمعوا قط» ببعض المنظمات غير الحكومية المعتمدة والتي ليس لها حالياً أي وجود في غزة، ولكن يُقال إنها مدرجة في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للقطاع.

ويشير مصدر دبلوماسي أوروبي يعمل في المنطقة، إلى أن «الولايات المتحدة تريد البدء من الصفر (فيما يتعلق بالتنسيق الإنساني)، ومع إجراءات التسجيل الجديدة، ستغادر المنظمات غير الحكومية»، محذّراً من أنهم «قد يستيقظون في الأول من يناير (كانون الثاني) ليجدوا أن ليس لديهم بديل».