للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، فصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب بعض قادة حملته الانتخابية، وعين آخرين بدلا عنهم. وهذه المرة، اختار ستيف بانون رئيس شركة «شبكة برايتبارت الإخبارية» اليمينية، مديرًا لحملته الانتخابية. وجاء تعيين بانون، اليميني المتطرف، خلفًا لمدير الحملة السابق بول مانافورت في خضم غبار فضيحة الكشف عن علاقات الأخير العملية والمالية مع حزب أوكراني موالٍ لروسيا، إذ كشف النقاب عن تلقيه أموالاً من «حزب الأقاليم» بزعامة الرئيس فيكتور يونوكوفيتش بين 2007 و2012. وأنه حول المبالغ إلى شركتي «لوبي» في العاصمة الأميركية بهدف شراء النفوذ والضغط للتأثير على سياسات الإدارة الأميركية.
ولد ستيف بانون قبل 62 سنة في مدينة نورفولك بولاية فيرجينيا، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة جورجتاون بالعاصمة واشنطن، ثم في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد. ومن هارفارد، انتقل بانون للعمل في المؤسسات المالية بشارع المال في نيويورك «وول ستريت»، حيث جمع ثروة وأخذ يسخّرها لخدمة آرائه اليمينية. ومن ثم نشط في مجال دعم القضايا المنظمات اليمينية المتشددة ومنها جماعة «حفلة الشاي» داخل الحزب الجمهوري.
في عام 2012، أسس بانون معهد «غافرنمنت أكاونتابيليتي» (المحاسبة الحكومية)، وتعمد انتقاد الديمقراطيين، خصوصا إدارة الرئيس باراك أوباما، وكان قد سبق له أن شن عليه حملة شعواء منذ ترشح أوباما لرئاسة الجمهورية عام 2008. ومن الكتب التي أصدرها المعهد الذي أسّسه بانون، أولاً: «كلينتون كاش» (أموال كلينتون وفي هذا الكتاب يزعم كيفية مضاعفة الرئيس السابق بيل كلينتون، وزوجته هيلاري (المرشحة الديمقراطية للرئاسة حاليًا) دخلهما عشر مرات خلال عشر سنوات، وذلك بإلقاء محاضرات وقبول تبرّعات (خصوصا تبرّعات أجنبية) لـ«مؤسسة كلينتون».
ثانيًا: «هارتلاند فاير» (نار قلب الوطن)، وهو عن «صحوة المرأة المحافظة (البيضاء)».
ثالثًا: «إنديفيتد» (غير المنهزمة)، عن السياسية الجمهورية اليمينية سارة بالين، حاكمة ولاية آلاسكا السابقة، التي ترشحت لمنصب نائب الرئيس مع المرشح الجمهوري للرئاسة السيناتور جون ماكين عام 2008.
وفي وقت لاحق، حوّل بانون هذه الكتب إلى أفلام وثائقية. ثم ذهب إلى هوليوود، وصار ينتج أفلاما ذات توجّهات يمينية فاقعة عن «الوطنية» الأميركية. ثم، في عام 2012، صار رئيسًا لشبكة برايتبارت الإخبارية اليمينية (توجد مكاتبها الرئيسية في هوليوود بولاية كاليفورنيا). وصار يكرّر عبارات آندرو برايتبارت، مؤسس الشبكة، عن الفلسفة اليمينية. ومما قاله: «كلمة ضد هي اسم عائلتنا (أي صلب فلسفتنا). فنحن ضد الحكومة، وضد الطبقة السياسية الحاكمة، وضد واشنطن». كما ينقل عنه قوله: «نحن نملك المال، ونملك الأفكار. لكننا نحتاج إلى (إتقان) تكتيكات الليبراليين».
وفي الأسبوع قبل الماضي، يوم أعلن ترامب اختياره بانون مديرًا لحملته الانتخابية، قال مركز «بيو» في واشنطن للاستطلاعات والأبحاث أن أقل من خمسة في المائة من الأميركيين يعتمدون في متابعة الأخبار على مؤسسات شبكة «برايتبارت»، ومنها مواقع إنترنت وقنوات تلفزيونية وإذاعات. وأوضحت أن نسبة 80 في المائة من هؤلاء مَن يعرفون أنفسهم بأنهم يمينيون، أو يميلون نحو اليمين.
خلال سنوات بانون مع شبكة «برايتبارت» تحالف بانون مع شخصيات أميركية يمينية مشهورة، منها شخصيتان مؤثرتان، الأولى: الدكتور روبرت ميرسار (70 سنة) أحد أباطرة الإنترنت، الذي تقدر ثروته بأكثر من مليار دولار. وهو من بين الذين يدعمون مؤسسة «هيريتيدج فاونديشن» اليمينية المحافظة و«معهد كاتو» المحافظ وكلاهما في العاصمة واشنطن، ومركز «ميديا ريسيرتش» اليميني في ضواحي واشنطن. والثانية جاريد تايلور، رئيس تحرير مجلة «أميركان رينيسانس» (النهضة الأميركية) اليمينية، ورئيس مركز «نيو سينشوري» (القرن الجديد)، وعضو مجلس إدارة «مجلس المواطنين المحافظين»، ومؤلف عدة كتب من بينها: «وجها لوجه مع العرق» و«الهوية البيضاء» و«سباق مع الزمن» و«العرق والهجرة ومستقبل أميركا».
وبعد إعلان ترامب عن وقوع اختياره على بانون، أجرت صحيفة «واشنطن بوست» مقابلة مع تايلور في منزله بضواحي العاصمة الأميركية. وكتب ديفيد فايغل، الذي أجرى المقابلة، أن تايلور «كان يراجع إعلانا لصالح ترامب عن المهاجرين من المكسيك، وعن اللاجئين من سوريا. ومع الإعلان صورة مئات الأجانب في قطارات وزوارق (يتجهون نحو أميركا)».. وفي الإعلان العبارة الآتية: «ستكون أميركا تحت ترامب آمنة ومطمئنة. لن يدخلها الإرهابيون. لن يؤذيها المجرمون. ستكون حدودنا آمنة. ستكون عائلاتنا مطمئنة». وتابعت الصحيفة الليبرالية معلقة: «عندما أعلن ترامب أن بانون سيكون مدير حملته الانتخابية، احتفل تايلور بفتح زجاجات شمبانيا. إنه من أعمدة (المتعنصرين الأميركيين)». (إذ تحاشت الصحيفة استعمال كلمة العنصريين).
* اليمين الأوروبي
يوم الثلاثاء قبل الماضي، بعد تولي بانون قيادة حملة ترامب، أعاد موقع «بلومبيرغ» ما كان كتب عنه في العام الماضي، تحت عنوان: «هذا الرجل أخطر مخطِّط سياسي في أميركا. إنه ليس من اليمين، ولا من اليمين المتطرف. إنه من اليمين الخطر». وأضاف الموقع، واصفا حفلا في منزله: «كان هناك نايجل فاراج، زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني البريطاني وفيليب روبرتسون آية الله اليمينيين»..
وذكر الموقع أنه خلال الحفل تكلّم روبرتسون، واشتكى من أن إحدى القنوات التلفزيونية أوقفت برنامجه الأسبوعي لأنه شن هجومًا عنيفًا على المثليين جنسيا.
وسارع بانون، وأيده، وانتقد القناة. ثم تكلم فاراج عن اليمين الأوروبي، فقال محذرًا: «إذا لم تقفلوا حدودكم، ستصيرون مكسيكيين، وإذا لم تقفل أوروبا حدودها سنصير مسلمين. بماذا أنصحكم؟ سيروا على طريق اليمين الأوروبي». وسارع بانون، فأيده.
كعادته، رغم أن الحفل كانت فيه شخصيات مهمة، ارتدى بانون ما يعتبره «الزي الرسمي» الخاص به وهو عبارة عن سروال قصير (شورت) وقميص ونعل مطاطي، وبدا بمظهره المألوف الذي يطغى عليه شعره المنفوش الذي يبدو وكأنه لا يهتم به أبدا. وعلى جانب من حائط المنزل، بدت صورة كابتن قوات المارينز مورين، ابنة دانون، وخريجة كلية «ويست بوينت» العسكرية. وفي الصورة تحمل رشاشًا أوتوماتيكيا، وهي تجلس على كرسي الرئيس العراقي صدام حسين (كانت في الكتيبة الأميركية التي دخلت القصر بعد احتلال بغداد عام 2003).
* «المتمرد»
بالإضافة إلى يمينية بانون المتطرفة، وبالإضافة إلى «تعنصره» ما آراؤه في الساحة السياسية الانتخابية راهنًا؟
كعادته، يركز ستيف بانون آراءه على الأشخاص ويعطي مواقفه طابعًا شخصيًا ذاتيًا. إنه لا يركز مثلاً على الحزب الديمقراطي، بل على شخص هيلاري كلينتون. ولا يركز على الأميركيين السود، بل على شخص مثل القس الأسود الليبرالي جيسي جاكسون.
وهو يفتخر بأنه إبان انتخابات عام 2008 التي فاز بها باراك أوباما على سيناتور أريزونا الجمهوري جون ماكين، كان «الأذن اليمنى» لسارة بالين، المرشحة مع ماكين لنيابة الرئيس، وهي محسوبة على يمين ماكين ومن الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري.
ثم خلال العام الماضي، عندما ترشّح دونالد ترامب لرئاسة الجمهورية، أقنعه بانون بأن يزور الحدود الأميركية - المكسيكية، وقال له: «قل للأميركيين إنك لن تسمح بعبور ذبابة إذا ما فزت برئاسة الجمهورية». وفي العام نفسه، خرج جون بوينر، رئيس مجلس النواب الأميركي القيادي الجمهوري، من الساحة السياسية بعدما نشرت صحف أن بانون زاره في مكتبه وكان يحمل العلم الكونفدرالي (علم ولايات الجنوب التي تمرّدت وانفصلت عن الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر لرفضها إلغاء الرق).
* بداية.. ديمقراطية
مع هذا، لم يكن بانون هكذا في بداية حياته السياسية، بل كان ديقراطيًا على خُطى عائلته. وعن هذه الخلفية قال ذات يوم: «أنا من عائلة آيرلندية كاثوليكية ديمقراطية صوّتت لآل كنيدي في كل الانتخابات». لكنه تغيّر خلال فترة رئاسة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، وبرّر تحوّله الراديكالي من الليبرالية الديمقراطية إلى اليمين الجمهوري المتطرف بأنه يعتبر جيمي كارتر «أسوأ رئيس ديمقراطي»، وفي ذلك الحين اتجه لتأييد منافسه الجمهوري رونالد ريغان، الذي وصفه بأنه «كان شجاعًا بقدر ما كان كارتر جبانًا».
وفي الحقيقة، يمكن اعتبار بانون «متمردًا» أكثر منه «يمينيا»، وذلك لأنه، مثل ترامب، غاضب على كل الساسة التقليديين في واشنطن، جمهوريين وديمقراطيين. ولأنه، من خارج الطبقة أو البيئة السياسية التقليدية في واشنطن - مثل ترامب - ينتقد حتى غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة إبان رئاسة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن. وفي اختصار بليغ لمسيرته السياسية يقول بانون عن نفسه إنه في عام 1978 تحول من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، وفي العام 2008، تحوّل من الجمهوريين إلى «المتمردين»، وذلك بعد انتقاده الرئيس السابق بوش الابن لأنه - كما يزعم: «كان في سوء كارتر، وأدخل الوطن في ورطات لا نعرف كيف نخرج منها».
* «شبكة برايتبارت الإخبارية»
عام 2007 أسس أندرو برايتبارت، من عائلة يهودية ألمانية الشركة، التي كانت في البداية مجرد موقع لنشر الأخبار. إلا أنه مع تطور تكنولوجيا الإنترنت، طورها فصارت تشمل أخبارا بالصور والفيديو. كما حولها المؤسس بصورة واضحة نحو اليمين، بل اليمين «المناكف» حسب تعبيره. إذ ذات يوم أضحى «موقع هافينغتون بوست» ليبراليا مناكفا، وموقع «برايتبارت» يمينيا مناكفا. ومنذ ذلك الحين نشرت برايتبارت عددًا من الفيديوهات المثيرة.
وارتفعت شعبية بريتابارت خصوصا وسط البيض اليمينيين. وفي عام 2012، انضم إلى الشركة بانون رئيسًا وشريكًا. وضاعف عدد الصحافيين، وأعاد تصميم الموقع ليصير، ليس فقط جذابًا، ولكن، أيضا، أكثر يمينية.
ستيف بانون.. على طريق اليمين الأوروبي
أضواء على شخصية المدير الجديد لحملة ترامب الانتخابية
ستيف بانون.. على طريق اليمين الأوروبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة