من يدخل متحف القبو الأخضر في درسدن يقع في حيرة، فالمعروضات جواهر وقطع فنية غير عادية صُنعت في القرون الماضية على يد حرفيين وأُحضرت إلى درسدن لتعرض بشكل منظم في قاعات تحمل الزائر عند مشاهدتها إلى عالم «ألف ليلة وليلة» أو مغارة علي بابا والأربعين حرامي، والذي يرى هذا الكنوز يسعى لمشاهدتها مرة أخرى، ففي كل مرة يكتشف جمالها وينبهر من بريقها. فالقطع مصنوعة إما من الذهب الخالص أو الفضة أو من قشور بيض النعام أو جوز الهند، بعضها تماثيل أو قطع أو مجسمات نادرة. وعدد القطع التي يضمها متحف القبو الأخضر في درسدن يتعدى الـ5000 قطعة بعضها معروض في واجهات زجاجية خاصة الحجارة الكريمة، ويشكل هذا الكنز أكبر مجموعة من الجواهر في أوروبا.
والفضل في بناء هذا المتحف الغريب يعود إلى الدوق موريتس فون ساخسن عام 1547 عندما خصص الجناح الغربي من قصره لتجميع المقتنيات التي كان يحضرها معه من رحلاته أو يحصل عليها كهدايا. لكنها لم تكن يومها للعرض بل اعتبر القبو مكانا أمينا لها كما المستندات السرية أو المهمة. وما بين عامي 1723 و1729 الحق أوغست القوي وملك بولندا (1670 - 1633)، بهذا الجناح قاعة جديدة أطلق عليها اسم «حجرة العجائب» وضع كثير من الكنوز فيها. وكان أوغست يجلس فيها ساعات للتمتع بجمال محتوياتها التي جمعها هو بنفسه أو جمعها ملوك وأمراء قبله يجلس لوحده أو مع خليلاته أو مع أصدقائه. ولكي يسهل على الزائر مشاهدة هذه التحف بشكل ترتيبي قسم القبو إلى تسع قاعات، وفي كل قاعة عرض مقتنيات من صنف واحد، منها قاعة «الكهرمان» (العنبر)، والمعروضات فيها ليست فقط من عنبر، بل أرضيتها أيضًا، ومن هذه القاعة يدخل الزائر إلى قاعة العاج وهي على الطراز الباروك. ومن قاعة الفضة البيضاء إلى قاعة الفضة الذهبية وأرضيتها كما جزء من جدرانها من المرمر والحجر الجيري. وفي القاعة الخامسة ركن الحكومة ومن هناك يدلف المرء إلى القاعة السادسة، وهي قاعة الأسلحة، ومنها إلى القاعة البرونزية ثم قاعة الجواهر والقاعة الأخيرة لتحف عصر النهضة.
وأبرز القطع المعروضة وأندرها هي بلا شك جوهرة درسدن الخضراء وهي من عيار 41 قيراطًا، وتعتبر واحدة من أكبر ماسات في العالم. كما يتصدر إحدى القاعات خزانة مصنوعة من العنبر الخالص كانت هدية من الملك فريدريك الثاني فون بروسين (1740 - 1786) إلى الدوق فريدريش أوغست الثاني. ويتجمهر الكثير من الزوار أمام مجسم صنعه الفنان الألماني يوهان دينغلنغر عام 1708 يمثل باحة يحتفل فيها الزعيم المنغولي الأكبر أورينغ زيب في دلهي بعيد ميلاده مع حاشيته، واحتاج الفنان لصنع هذه التحفة إلى 5000 ماسة و189 ياقوتة و175 زمردة والكثير من الحجارة الكريمة، وليس بعيدًا عنها يعرض مجسم «جلسة القهوة» واحتاج الفنان لصناعته إلى الكثير من الحجارة الكريمة ويعتبر من القطع النادرة.
ومن الصعب، حسب قول خبراء مقتنيات ثمينة، تقدير قيمة هذه الكنوز، لا سيما أن منها مثلا تمثال الصبي الأسود الصغير، ويحتوي على 16 حجرا كريما، إضافة إلى الماسة الخضراء النادرة وجوهرة المغولي الكبير ومجسم للحقل ذي عتبة زمردية وأحجار كريمة نادرة، فكلها أشياء فريدة من نوعها.
ومن ضمن المجموعة قطع فنية مصنوعة من العاج في القرون الوسطى يتوفر منها مائتا قطعة في القبو الأخضر وحده، وهذا العدد يفوق ما يتوفر في كل متاحف العالم مجتمعة إلى جانب مجسمات فضية مذهبة تخطف الأنظار بروعة صناعتها ودقتها.
ويتدفق الزوار بشكل خاص على قاعة السفن لمشاهدة الأصداف العملاقة وغريبة الشكل المنتشرة فيها أيضًا أكبر نوع من بيض النعام. وجمع الملك الذي عايش عصر الباروك هذا التحف، لأنه كان عصر كل ما هو غريب ومثير للدهشة.
ويمكن للزوار رؤية زوايا هادئة كانت مخصصة لمدخني الغليون تميزت بالخشب ذي اللون الداكن، الذي جُلبت له الأخشاب من بلاد الهند يومها لكي يشعر بأن العالم كله بين يديه وهو يتمتع بتدخين غليونه.
ويوجد في القبو مجموعة ضخمة من الأوسمة والبروشات ومقابض السيوف من الروبين والماس والذهب الخالص، كما تخطف الأنظار غرفة الجواهر الموضوعة في صناديق كبيرة، وكأنها مغارة علي بابا.
وعرف عن الملك أوغست القوي أنه كان زير نساء وألصقت به قصص غرامية تفوق قصص فالنتينو غير أنه كان يتمتع بحكنة سياسية وذكاء قائد، لذا استطاع الحفاظ على مملكته، وعندما عانت مملكته من ضائقة مادية منعه شغفه بمقتنياته من بيعها. ولقد قيل إنه وضع هذه التحف في القبو كي لا تمتد يد عليها، وكان يحتفظ بمفتاح القبو كان حول عنقه.
وفي سنة 1938 كثرت الرحلات السياحية إلى القبو وأصبح من المعالم السياحية المشهورة في ألمانيا، لكن في أوائل عام 1945 أغلق بشكل مفاجئ ونقلت مقتنياته إلى أماكن أمينة، لذا يعتقد بأن المسؤولين الألمان شعروا يومها بخطورة الوضع ودنوا هزيمة هتلر فأخفوها في أماكن سرية، حفاظًا على هذا التراث الحضاري والثقافي الذي لا يُقدر بثمن، وبالفعل عندما دخلت قوات الجيش الأحمر السوفياتي نقل أفرادها الكثير من القطع النادرة إلى بلادهم.
وعند ترميم القبو اعتمد المرممون والحرفيون والخارطون على صور التقطت لكثير من أجزائه في القرن الـ19 بالأسود والأبيض، أو قبل الحرب العالمية الثانية، أو اعتمدوا على وصف كبار في السن شاهدوه سابقًا أو بقايا القطع من أجل صنع الأجزاء الناقصة منها أو ترميمها، واعتمد المرممون على الدقة في العمل، لذا يمكن القول إن الفارق بين الأصلي والمرمم يكاد يُلحظ.
دام ترميم قصر درسدن نحو 20 سنة، ومتحف القبو الأخضر قرابة أربعة أعوام، ووصلت تكاليف الترميم إلى نحو 42 مليون يورو وافتتح عام 2004.
ويقول أحد المرممين إن القطع الموجودة في القبو احتاجت إلى عمليات تنظيف بآلات خاصة وتصليح وتثبيت، حتى أصبحت كما هي عليه الآن وعادت إلى رونقها السابق.
التوافد الكبير على القبو لمشاهدة محتوياته دفع بإدارته إلى تحديد عدد الزوار بمائة شخص في كل ساعة، كما يفضل مسبقًا شراء أو حجز بطاقة الدخول بدلاً من الانتظار الطويل.
أعظم قصر في ألمانيا يفتح أبوابه أمام الزوار
متحف القبو الأخضر في درسدن يضم أكثر من 5000 قطعة
أعظم قصر في ألمانيا يفتح أبوابه أمام الزوار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة