تونس: عاطلون يقطعون أكثر من 300 كيلومتر على الأقدام للمطالبة بالتشغيل

إجراءات لدعم الوجود العسكري على الحدود مع ليبيا خوفًا من عمليات إرهابية

تونس: عاطلون يقطعون أكثر من 300 كيلومتر على الأقدام للمطالبة بالتشغيل
TT

تونس: عاطلون يقطعون أكثر من 300 كيلومتر على الأقدام للمطالبة بالتشغيل

تونس: عاطلون يقطعون أكثر من 300 كيلومتر على الأقدام للمطالبة بالتشغيل

قطع العشرات من العاطلين عن العمل نحو 350 كيلومترا سيرا على الأقدام، انطلاقا من مدينة قفصة التونسية جنوبا باتجاه العاصمة للمطالبة بالتشغيل، في خطوة تمثل أحدث موجات الاحتجاج في صفوف العاطلين من الشباب في تونس، والتي تصاعدت وتيرتها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
ووصل أمس العشرات من العاطلين إلى العاصمة في رحلة على الأقدام، بدأت مطلع الشهر الحالي من مدنية قفصة، الواقعة جنوب غربي البلاد، وبدأوا اعتصاما مفتوحا وإضرابا عن الطعام بإحدى الحدائق بمنطقة المروج على أطراف العاصمة للمطالبة بفرص للعمل.
وكان المحتجون يخططون في البداية للاعتصام أمام مقر الحكومة بساحة القصبة. وقال متحدث باسم المعتصمين للصحافيين: «لقد وصلنا إلى منطقة المروج، لكن منعنا الأمن من التقدم واضطررنا إلى المبيت هنا.. ونحن نطالب بالعمل لا غير. نريد حقنا في العمل، وهذا حق يكفله الدستور».
ويمثل توفير فرص عمل لأكثر من 650 ألف عاطل، ثلثهم من أصحاب الشهادات العليا، أحد أكبر التحديات التي تواجهها الديمقراطية الناشئة بعد خمس سنوات من الانتقال السياسي، إلى جانب التنمية في الجهات الفقيرة ومكافحة الإرهاب.
وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق عن إجراءات عاجلة للتشغيل لاحتواء غضب المحتجين، لكن اتحاد العاطلين عن العمل ومنظمات أخرى قالوا إن إجراءات الحكومة ليست كافية، وهي تدعم التشغيل الهش، كما أعلنوا عن إطلاق سلسلة من التحركات والمسيرات الاحتجاجية السلمية في عدد من المدن، تمهيدا لمسيرة كبرى بالعاصمة في 15 من الشهر الحالي، تطالب بالحق في العمل.
من جهة ثانية، عقدت لجنة التنسيق الأمني والمتابعة في تونس (لجنة حكومية) أمس، اجتماعا خصصته لدراسة الوضع الأمني والتطورات الحاصلة في ليبيا المجاورة، والتداعيات المحتملة في حال تنفيذ تدخل عسكري، منبهة إلى مخاطر تمدد تنظيم داعش الإرهابي، ومحاولات عناصر إرهابية التسلل إلى تونس.
وأقرت اللجنة، التي ترأسها الحبيب الصيد رئيس الحكومة، دعم وجودها العسكري والأمني على طول الحدود مع ليبيا، واتخذت هذه القرارات بحضور وزراء الدفاع والداخلية والخارجية، والقيادات الأمنية والعسكرية العليا، وبناء على تقارير أمنية وعسكرية تونسية وأجنبية، كما دعت إلى دعم التجهيزات والمعدات المخصصة لفائدة المؤسسة الأمنية والعسكرية.
وفي سياق مكافحة تونس للتنظيمات الإرهابية، توقفت اللجنة عند النجاحات النوعية في مجال العمليات الاستباقية وملاحقة التنظيمات الإرهابية في أوكارها، والقضاء على عدد كبير منها، إلى جانب الكشف عن عدد من الخلايا الإرهابية النائمة وإحباط مخططات إرهابية خطيرة.
وكانت الحكومة قد أقرت ميزانية إضافية لفائدة المؤسستين بقيمة 500 مليون دينار تونسي (نحو 250 مليون دولار) إثر الهجوم الإرهابي، الذي وقع في 24 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على إحدى حافلات الأمن الرئاسي بالعاصمة التونسية، وأودى بحياة 12 عون أمن.
ووفق مصادر حكومية، فقد أشارت اللجنة كذلك إلى التهديدات الإرهابية الخطيرة والمخاطر المحدقة بالأمن والاستقرار في البلاد، جراء تواصل النزاع الليبي، وعدم توصل الأطراف المتنازعة إلى تشكيل حكومة توافق وطني. ودعت أصحاب المنشآت العمومية والخاصة إلى ضرورة تنفيذ إجراءات الحماية الأمنية الذاتية، التي دعت لها الحكومة عقب الهجوم الإرهابي على المنتجع السياحي في مدينة سوسة نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، وقالت إنها ستجري مجموعة من الزيارات التفقدية للوقوف على مدى استعداد هذه المؤسسات لمواجهة المخاطر الإرهابية.
وفي السياق ذاته، نبه خبراء تونسيون في مجال الأمن والاستخبارات إلى إمكانية تسرب عناصر إرهابية إلى تونس، بسبب التدخل العسكري الأجنبي المحتمل على ليبيا، ودعا بعضهم إلى تفعيل مشروع السياج الإلكتروني المنتظر إحداثه على طول الحدود التونسية الليبية.
وكانت تونس قد شيدت حاجزا ترابيا على امتداد نحو 250 كلم من حدودها مع ليبيا الممتدة على نحو 500 من الحدود الصحراوية بهدف منع عمليات تهريب الأسلحة والبضائع. وفي هذا الشأن، قال العميد العسكري المختار بن نصر إن القوات الأمن والجمارك في حالة استنفار قصوى لمواجهة أية مخاطر يمكن أن تنجم عن التدخل العسكري في القطر الليبي، مشيرا إلى تنفيذ مناورات عسكرية وأمنية محدودة، وعمليات بيضاء على الحدود التونسية - الليبية، هدفها التمرّن الجيد على التصدي لكل خطر محتمل على تونس.
على صعيد غير متصل، وافقت نكوسازانا دلاميني زوما، رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، على إرسال بعثة تونسية مكونة من 40 مراقبًا، برئاسة المنصف المرزوقي، الرئيس السابق، لمتابعة الانتخابات الرئاسية في جزر القمر، المقررة إجراؤها في 21 من فبراير (شباط) الحالي. وسيتم نشر هؤلاء المراقبين لمتابعة سير عمليات التصويت، والفرز وإعلان نتائج الانتخابات، وستعمل البعثة وفق ميثاق الاتحاد الأفريقي المتعلق بمبادئ الانتخابات الديمقراطية، والحكم الرشيد في أفريقيا.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن