يشمل الملك سلمان بن عبد العزيز برعايته، مساء اليوم، حفل الحرس الوطني المخصص للعرضة السعودية، ضمن نشاطات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الثلاثين (الجنادرية 30)، والذي سيقام في الصالات الرياضية في الرياض.
وشكلت العرضة السعودية قاسما مشتركا في احتفالات السعوديين، حيث أصبحت رقصتهم الرسمية في المناسبات المختلفة، فهي رقصة الحرب والسلم والفرح، وقد عرفها العرب في أيامهم وحروبهم في الجاهلية وما بعدها، إلا أن السعوديين حافظوا عليها وطوروها وأصبحت سمة من سماتهم.
وقد توارث السعوديون عن الآباء والأجداد هذه الرقصة التي يقوم بأدائها عشرات الأشخاص وقد يصل عددهم إلى أكثر من 300 وهو الرقم الذي تتشكل منه الفرقة الأولى للعروض الرسمية السعودية، أغلبهم توارثوا المشاركة في الفرقة عن آبائهم الذين سبقوهم في هذا المجال، وعاصروا الملك عبد العزيز، مؤسس وموحد الدولة السعودية. وفرقة الدرعية، هي الفرقة الرسمية للدولة، التي تحيي من خلالها مجموعة من المؤدين السعوديين الاحتفالات الرسمية.
ودخلت العرضة السعودية، مؤخرًا مرحلة عالمية عندما تم إدراجها في لائحة التراث العالمي الشفوي، خلال اجتماع منظمة اليونيسكو الذي عقد في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الماضي في دولة ناميبيا، بعد خمس سنوات من الاجتماعات، لإقرار هذا الفن ومعه وصلت العرضة إلى العالمية. وهي الرقصة الخليجية الثانية التي تدخل في قائمة التراث العالمي الشفوي بعد رقصة الرزفة.
بدوره، أوضح الباحث عدنان الطريف الذي أنجز كتابا بعنوان «العرضة السعودية تاريخ تحكيها الصور» تناول فيه هذا اللون الذي كان حاضرا لدى السعوديين وشارك في تأديته جميع ملوك الدولة السعودية الحديثة، أن هناك أدلة تؤكد أن العرضة السعودية كانت أكثر حضورا في ملحمة توحيد البلاد على يد الملك المؤسس عبد العزيز الذي كان حريصا عليها قبل انطلاق المعارك. وأورد في هذا الصدد ما قاله الكاتب الكبير عباس محمود العقاد عن العرضة حيث أشار في كتابه «مع عاهل الجزيرة العربية» إلى أن من أحب الرياضات إلى جلالته رقصة الحرب (العرضة) التي يؤديها الإخوان النجديون وهم مقبلون على الميدان. وأضاف العقاد: والعرضة رقصة الحرب، وهي رقصة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الشجاعة، ولا سيما شجاعة الفرسان المقاتلين بأيديهم، صفة لازمة لها متممة لعملها قلما تنفصل عنها وكأنها والشجاعة أشبه شيء بالنضح والماء أو الإشعاع للنور.
واعتبر الباحث الطريف أن أشهر شاعر للعرضة في عهد الملك المؤسس هو فهد بن دحيم الذي قال عنه الأديب عبد الله بن خميس في كتابه «أهازيج الحرب أو شعر العرضة»: إنه إذا جد الجد وحزب الأمر وقرعت الطبول ولبس السلاح تجده هناك ترمقه الأبصار وتنشد نحوه الأسماع بانتظار ما سوف يهزج به.. وقد غاب مرة مريضا عن هذا التجمع، فأمر الملك عبد العزيز أن يأتوا به ولو محمولا، فجاء ابن دحيم يغالب مرضه وهز سيفه وأنشد:
نجد شامت لابوتركي وأخذها شيخنا
وأخمرت عشاقها عقب لطم اخشومها
لي بكت نجد العذّية تهل دموعنا
بالهنادي قاصرين شوارب قومها
حن هل العادات وخضبين سيوفنا
والطيور الحايمة جادعين لحومها
صعبة أفعالنا لي بغاها غيرنا
وكلمة التوحيد حنا عمار رسومها
فاهتز الملك عبد العزيز طربا وتناول سيفه مفتخرا مزهوا وزاد الجند حماسة وعزامة واستجابة وفداء.
وعرف العرب هذا اللون منذ قرون، وقد تم تطويره على يد السعوديين في العقود العشرة الماضية كفن محلي عرف بالعرضة السعودية التي كانت حاضرة ومتلازمة مع حالات الحرب والسلم والفرح. وعلى الرغم من عدم وجود رابط يؤكد وجود توافق بين رقصات الحرب عند العرب أثناء أيامهم وحروبهم في الجاهلية وما بعدها فإنه يمكن الجزم بأن أركان العرضة الأساسية في واقعها اليوم هي ذاتها التي كانت ملازمة للحرب في القرون الماضية، حيث إن الطبول كانت تقرع، بل إن العبارة العربية التي عادة ما كانت تقال في إعلان النفير تعبر عن ذلك حيث تتردد مقولة: «طبول الحرب تقرع» وذلك خلال الأجواء المتوترة التي تسبق بدايات المعارك، أو عند الخوض فيها، أو تحقق الانتصار بعدها.
وتعد (العرضة السعودية) فنا حربيا كان يؤدى في منطقة نجد وسط البلاد، وعرفت لعدة سنوات باسم «العرضة النجدية» وكان هذا اللون يؤدى في المعارك الحربية قبل وأثناء توحيد أجزاء البلاد ليتحول المسمى لاحقا إلى «العرضة السعودية» وهو لون استهوى السكان ويقام عادة في مواسم الأفراح والأعياد بعد أن كان مقصورا على حالات الحروب والانتصارات.
ولعل أبرز مستلزمات العرضة: الراية (البيرق) والسيوف والبنادق، إضافة إلى الطبول، في حين تتطلب العرضة صفوفا من الرجال يتم تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى مجموعة منشدي قصائد الحرب، والثانية مجموعة حملة الطبول، حيث يتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها، ثم تليها الرقصة مع قرع الطبول لترتفع السيوف، ويتمايل الراقصون جهة اليمين أو جهة اليسار مع التقدم لعدة خطوات إلى الأمام في وقت يكون المنشدون في صف واحد، ويستخدمون طبولا مختلفة يطلق على الكبيرة منها «طبول التخمير» أما الصغيرة منها فيطلق عليها «طبول التثليث» ويتردد بصوت يسمعه الحاضرون: خمر.. ثلث، ولعل طبول التثليث اكتشفت مع العرضة السعودية بهدف رفع المعنويات واستعراض القوة أثناء الحروب، كما تعد الأزياء الخاصة بالعرضة ركنا أساسيا لإقامتها وأدائها بما يحقق عنصر الإبهار الجمالي للراقصين، حيث جرت العادة أن يلبس مؤدو العرضة زيا خاصا صنع من قماش فضفاض واسع يسمح بسهولة الحركة للراقص، ويصنع الزي من قماش أبيض اللون ويكون خفيفا، وفوقه يرتدي المؤدي للعرضة قطعة سوداء تسمى «القرملية» وهي ذات أكمام طويلة في العادة تلبس مع الشماغ أو الغترة والعقال.
ويشكل السيف عمادا للرقصة، حيث لا يمكن إتمام العرضة من دون السيف، وفي الوقت الحاضر يلبس الراقص في العرضة (محزما) يوضع فيه الرصاص الخاص بالبنادق، في حين يتطلب الأمر ضرورة تسخين الطبول إما بوضعها في الشمس أيام الصيف أو تسخينها على نار هادئة إذا كانت العرضة تقام شتاء، أو عند عرضها ليلا في غياب الشمس حتى يكون وقع قرعها عاليا وجميلا، وبالإيقاع الذي يتوافق مع إنشاد الصفوف. وشارك ملوك الدولة السعودية الحديثة في تأدية العرضة في مناسبات مختلفة، حيث تعد أشبه بالرقصة الرسمية للبلاد، وذات الحضور القوي في المناسبات الوطنية، وفيها يحرص الملك والأمراء والمواطنون على المشاركة فيها معبرين بذلك عن أجواء الفرح والسلام. واشتهرت «الدرعية»، العاصمة السابقة للدولة السعودية، بإتقان أهلها هذا الفن، بل إن فرقة الدرعية كانت حاضرة في أغلب مناسبات الدولة، إضافة إلى أن أهالي محافظتي الخرج وضرماء اشتهروا بعشقهم وإجادتهم تأدية العرضة، ثم انتقل هذا اللون لبقية المناطق الذي يحمل مسمى «العرضة السعودية».
وغالبا ما يردد السعوديون في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية وغيرها، التي يكون للعرضة حضور فيها، البيت الشهير للشاعر عبد الرحمن بن سعد الصفيان: «نحمد الله جت على ما نتمنى- من ولي العرش جزل الوهايب» وذلك أثناء ترديدهم للبيت بشكل جماعي كمطلع للعرضة مع قرع أصوات الطبول ولمعان السيوف، وعند انتهاء العرضة يردد الجميع بصوت واحد: تحت راية سيدي سمع وطاعة- وحقك علينا يا دارنا.