تصاعد حدة الغضب في العراق بعد موت العشرات بالصعق الكهربائي

المواطنون يحملون الحكومة مسؤولية خطوط الطاقة العشوائية التي جعلتها مياه الأمطار فتاكة

لقطة من تسجيل بكاميرا مراقبة تظهر الشقيقتين فاطمة ورسل قبل أن تموتا بالصعق الكهربائي في 31 أكتوبر الماضي (أ.ب)
لقطة من تسجيل بكاميرا مراقبة تظهر الشقيقتين فاطمة ورسل قبل أن تموتا بالصعق الكهربائي في 31 أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT

تصاعد حدة الغضب في العراق بعد موت العشرات بالصعق الكهربائي

لقطة من تسجيل بكاميرا مراقبة تظهر الشقيقتين فاطمة ورسل قبل أن تموتا بالصعق الكهربائي في 31 أكتوبر الماضي (أ.ب)
لقطة من تسجيل بكاميرا مراقبة تظهر الشقيقتين فاطمة ورسل قبل أن تموتا بالصعق الكهربائي في 31 أكتوبر الماضي (أ.ب)

عكف حسن، نجل محمد القريشي الوحيد، على البحث في اللقطات المسجلة على كاميرات المراقبة ليجد الدقيقة 12:30 مساء يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأظهرت لقطات الفيديو صورًا مشوشة لاثنتين من شقيقاته الكبيرات تحملان أكياس القمامة بالحديقة في الناحية المقابلة من الشارع. كانت فاطمة، 14 عامًا، ترتدي ملابس زرقاء داكنة، بينما كانت ملابس رسل، 15 عامًا، باللون الفيروزي. وبينما كانتا تخوضان في شارع غمرته مياه الأمطار، إذ بهما تتعرضان فجأة للصعق بالكهرباء وتلقيان حتفهما على مقربة من منزل العائلة، فاطمة أولا ثم رسل، بعدما مدت يدها لتساعد شقيقتها.
يقول محمد القريشي، ممسكًا بورقتين باللون الوردي، لوكالة «أسوشييتد برس»: «هاتان هما شهادتا وفاتهما»، مشيرًا إلى أن سبب الوفاة المدون بهما كان الصعق بالكهرباء، لكن «السبب الحقيقي للوفاة هو وزارة الكهرباء والبلدية».
من جهتها، قالت وزارة الكهرباء إن 69 شخصًا لقوا حتفهم في مختلف أنحاء البلاد على مدار الأسبوعين الماضيين، بسبب شبكة الكهرباء المتهالكة في البلاد والأمطار الغزيرة التي غمرت شبكات الصرف الصحي.
وقضى كثيرون في منازلهم بينما كانوا يخوضون في غرف الطابق الأرضي المغمورة بالمياه، بينما صعق آخرون، مثل الأختين، في شوارع المدينة حيث تتسم خطوط الكهرباء التي تربط المنازل بشبكة الكهرباء المحلية وشبكة أخرى من المولدات بالعشوائية والافتقار إلى الإتقان. ولا تستقبل معظم المنازل في العاصمة العراقية بغداد التيار الكهربائي من الحكومة سوى من 9 إلى 14 ساعة يوميًا. وبينما لا يزال موسم الشتاء المطير في العراق في بدايته، تجاوزت بالفعل أعداد القتلى حتى الآن الحصيلة الإجمالية للعام الماضي، الذي شهد مقتل نحو 60 شخصًا نتيجة الصعق بالكهرباء وسط سيول واسعة الانتشار.
ويقول مسؤول في الشؤون البلدية ببغداد، رفض الكشف عن هويته نظرًا لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام: «لا نتوقع سقوط مزيد من القتلى نتيجة الصعق بالكهرباء.. نتخذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على مياه الأمطار وتحسين البنية التحتية».
كانت البنية التحتية المتردية واحدة من الشكاوى العامة التي أدت إلى خروج مظاهرات احتجاجية في مختلف أنحاء البلاد خلال فصل الصيف، والتي نجحت في الضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي لكي يتقدم بحزمة إصلاحات شاملة. لكنّ كثيرا من الإجراءات الإصلاحية الجذرية تعثرت في البرلمان خلال الشهور التالية، وبينما انحسرت الاحتجاجات لم يهدأ الغضب الشعبي.
ومع تداول أخبار وفاة فاطمة ورسل على مواقع التواصل الاجتماعي، سرت موجة غامرة من مشاعر التعاطف والغضب بين العراقيين. وقال أحد سكان بغداد في تعليق عبر فيه عن خيبة أمل ممزوجة بالسخرية: «عندما نعاني من حرارة الصيف، لا تزودنا الحكومة بالكهرباء، وعندما تزودنا بها فإنها تقتلنا».
ويقول محمد القريشي وعائلته إنهم على علم بحالات صعق كهربائي أخرى عقب سقوط أمطار غزيرة، وقد سمعت العائلة التحذيرات، لكنها لم تأخذها قط على محمل الجدية. واضطرت العائلة من قبل إلى الانتقال من منزلهم في حي الغزالية شمال بغداد بعدما تلقى ابنهما تهديدات بالخطف في 2010. وفي منزلهما الجديد بحي الكرادة بدأت العائلة تتلقى تهديدات بالقتل قبل نحو عام من جانب ميليشيات محلية. وحينذاك قام محمد بتركيب كاميرات المراقبة حول منزله. ولم يتخيل قط أنها سوف تستخدم في توثيق وفاة ابنتيه. ويقول محمد، وهو طبيب متخصص في أمراض الدم، إن موت ابنتيه، الذي يبدو بلا معنى وسط الأزمة الأمنية الأخطر التي تواجه البلاد، دفعه إلى التفكير للمرة الأولى في الرحيل عن العراق. ويضيف: «إننا لا نقتل على يد (داعش) فحسب... بل إن الحكومة أيضًا تقتل شعبها».
ويتابع محمد القريشي: «في يوم وفاتهما، قدت سيارتي عبر المنطقة الخضراء»، في إشارة إلى الحي شديد التحصين في بغداد، والذي يضم كثيرا من السفارات الأجنبية ومعظم ساسة البلاد. ويعلق: «لم أشهد هناك ولو قليلاً من الماء في أي مكان. إذا كان ذلك طفل العبادي، هل تعتقد ساعتها أن الحكومة كانت ستفعل شيئا ما؟».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».