لبنان: الإصلاح بديلا للثورة

الحراك المدني يصطدم بالإستغلال السياسي والعوامل الطائفية

لبنان: الإصلاح بديلا للثورة
TT

لبنان: الإصلاح بديلا للثورة

لبنان: الإصلاح بديلا للثورة

كان مشهد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها ساحتا الشهداء ورياض الصلح في اليومين الأخيرين في وسط العاصمة اللبنانية بيروت «صادما» بالمعنى الإيجابي للكلمة، ليس فقط بالنسبة للمسؤولين السياسيين والحزبيين؛ بل للمنظمين والشعب اللبناني نفسه الذي افتقد إلى تحرّك كهذا منذ عشرات السنوات.
هذا المشهد الذي حمل الطابع المدني والشعبي وفاق عدد المشاركين فيه العشرة آلاف شخص وفق التقديرات، انقلب رأسا على عقب بعدما حدث ما لم يكن في الحسبان وفلتت الأمور من عقالها وسادت الفوضى مساء السبت، حيث عمد عدد من «المدسوسين» والمحسوبين على بعض الأحزاب، وفق ما أكد منظمو حملة «طلعت ريحكتم» ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في الحراك، إلى القيام بأعمال شغب طالت تكسير المحلات وإضرام النيران ببعض الخيام والاعتداء على القوى الأمنية. وهو الأمر الذي وضعه المراقبون في خانة محاولات إفشال التحرّك من قبل بعض الأحزاب بعدما لم يعلن أي منها تأييده الواضح له، وبالتالي المشاركة الفعلية على الأرض، واكتفى معظمها المشارك في السلطة بعبارات «التأييد» للمطالب حينا والتحذير من نتائج التحركات التي قد تنعكس سلبا على الوضع اللبناني حينا آخر، لا سيما في حال إسقاط الحكومة واستقالة رئيسها تمام سلام.

ثمة سؤال مطروح الأن حول مدى إمكانية نجاح تحرّكات شعبية كهذه في لبنان تختلف عن الحزبية والطائفية المعتادة، بعدما خلع آلاف المواطنين ثوبهم الحزبي ونزلوا إلى الشارع رافعين الصوت ومطالبين بأدنى حقوقهم، في وجه كل الانقسامات.
لكن وعلى الرغم من فقدان التحرك بعض الزخم الذي انطلق به، بعدما رأى فيه القيمون عليه والشعب اللبناني بارقة أمل تبدأ بحل «أزمة النفايات» وقد تصل إلى قضايا أكبر، فإن أمين سر حركة التجدد الديمقراطي الدكتور أنطوان حداد، يرى أنّه لا يزال أمامه فرصة للنجاح وتجاوز كل محاولات تسييسه شرط إعادة النظر به وتقويم التجربة بشكل عام للعودة والانطلاق من جديد. ويقول حداد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «حسنا فعلوا بتأجيل المظاهرة التي كانت محددة يوم الاثنين إلى يوم السبت المقبل، وذلك لتفادي تكرار الأخطاء السابقة، مع ضرورة تأمين عنصرين أساسيين، هما، تنظيم التحرك وحمايته عبر التواصل مع القوى الأمنية، إضافة إلى تحديد المطالب بدقة وأهمها إيجاد حلول لأزمة النفايات، وعدم إدراج مطالب غير منطقية وغير قابلة للتحقيق في الوقت الحالي كإسقاط النظام والحكومة. مع العلم، أنّ الإعلان عن تأجيل موعد المظاهرة لم يحل دون إصرار المواطنين على المضي قدما بتحركهم، ولا تزال تشكّل ساحة رياض الصلح محطة يومية لهم تأكيدا منهم على مطالبهم». وبدل أن يشكّل الجدار الإسمنتي الذي وضعته القوى الأمنية للفصل بين مقر الحكومة وساحة الاعتصام الاثنين، حاجزا أمام التحرك، شكّل حافزا إضافيا للناشطين الذين حوّلوه منبرا للتعبير عن مواقفهم ومطالبهم واصفين إياه بـ«جدار الفصل»، قبل أن يعود سلام ويطلب أمس من القوى الأمنية إزالته.
وعدّ حداد أنّ المواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين يوم السبت الماضي هي التي سمحت لجهات سياسية ومخابراتية لها مآرب خصوصا أن تدخل على الخط، والدليل أنّها أعدّت نفسها لليوم التالي في محاولة لإفشال التحرك، وحدث ما حدث من اعتداءات وأعمال تخريب ومواجهات أدت إلى سقوط عشرات الجرحى أحدهم في حالة الخطر، مضيفا: «من أرادوا إفشال التحرك من الطبقة السياسية حاولوا تحوير الهدف الأساسي والبعث برسالة سياسية طائفية سنية شيعية عبر تعميم الفوضى وتخريب وسط المدينة».
من جهته، يقول حسان الزين، الصحافي والناشط في حملة «طلعت ريحكتم» معلقًا: «لا شكّ أنه تبقى هناك دائما محاولات لـ(التسييس)، لكن ما حدث يومي السبت والأحد الماضيين أصبح وراءنا بعدما تجاوزنا الامتحان ولم تنجح الحكومة (أول من) أمس في تمرير المناقصات التي سبق أن أعلن عنها وزير البيئة محمد المشنوق، والتي تمثل فضيحة فساد كبرى».
وكان المشنوق قد أعلن أول من أمس، عن فضّ مناقصات النفايات، بالإعلان عن الشركات الفائزة التي عكست توزيعا ومحاصصة فاضحة بين الأطراف السياسية، إضافة إلى ارتفاع أسعارها التي تراوحت بين 151 و215 دولارا للطن الواحد، وهي أعلى من تلك التي كانت تقدمها «سوكلين» الشركة السابقة التي كانت تتولى معالجة النفايات، وهو الأمر الذي لاقى استياء واعتراضا كبيرين من قبل الحراك والمنظمات البيئية.
وأوضح الزين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لا نعرف لغاية الآن الهدف من محاولات إفشال التحرك، وعمّا إذا كانت بعض الأحزاب حاولت التوّحد ضدّنا، أم استغلاله من قبل فريق سياسي ضدّ آخر، لكن الأهم بالنسبة إلينا اليوم هو الوقوف سدّا منيعا ضدّ أي محاولات من هذا النوع، وهو ما قمنا به من خلال انسحابنا يوم الأحد الماضي بعد وقوع عشرات الجرحى، للمحافظة على سلمية الحراك وأهدافه وعدم الإحباط».
وأكد: «بعد الذي رأيناه والمشاركة الواسعة غير المسبوقة لا يمكننا التضحية بأي حراك شعبي غير مذهبي وخارج أي اصطفاف»، مضيفا: «عندما يلبي أكثر من 10 آلاف مواطن لبناني من مختلف الأعمار والفئات، بعضهم شارك للمرة الأولى، دعوة عشرات الشباب على عناوين اجتماعية ضدّ الفساد المستشري، فهذه إشارات إيجابية يعوّل عليها كثيرا، وهي دليل على حالة القرف التي أصابت المجتمع الذي لا يزال أنظف من الحياة السياسية الفاقدة لدورها».
ورأى أمين سر حركة التجدد الديمقراطي أنّ نجاح التحرك الذي بدأ بعشرات الأشخاص وتخطى في يومه الأخير العشرة آلاف، يعود إلى عناصر عدّة؛ أهمها أنّ اختيار المواضيع التي انطلق لأجلها كان سليما، خاصة أن موضوع «النفايات» التي تطال الشريحة الأوسع من اللبنانيين هي فضيحة بكل المعايير وتتصل بقضايا الفساد واستغلال الأرباح والتقصير في ظل إدارة حكومة غير فاعلة تمثل كل الطبقة السياسية. لكن هذا الأمر وإن استقطب آلاف اللبنانيين في ساعات قليلة، فإنه لا يكفي إذا افتقد إلى التنظيم والتعامل السليم مع هذا العدد الكبير. وأوضح: «اتّكلوا على الأجهزة الأمنية التي كان يفترض أن تحميهم فعمدت إلى تفريقهم واعتماد العنف ضدّهم باستخدام القنابل المسيلة للدموع، وهو الأمر الذي تبقى أسبابه غير واضحة، وقد تحمل في طياتها (غاية في نفس يعقوب)».
ويرى حداد أنّه «في لبنان حيث الانقسام طائفي عمودي ومرتبط بالخارج، لن يأتي التغيير عبر الثورة، بل عبر الإصلاح»، مؤكدا في الوقت عينه أنّه وإن كان سقف التحركات محدّدا، لكن يجب عدم التقليل من أهميتها، فهي إن نجحت في حل مشكلة النفايات من الناحية الاجتماعية، وكانت فاتحة للضغط على الطبقة السياسية لإخراج الأزمة في لبنان من عنق الزجاجة عبر انتخاب رئيس، فستكون بذلك قد حقّقت خرقين مهمين».
بدوره، يرى الزين أن المشهد في الحراك الشعبي، يعكس صورة واضحة لبدء زعزعة العلاقة بين المواطن والزعيم أو المذهب والطائفة، وأظهر أنه أصبح هناك وعي اجتماعي وسياسي وبراءة في ردّة الفعل تشكّل مجتمعة بداية لمرحلة جديدة في لبنان، مضيفا: «قد لا نحقّق في المدى القريب شيئا في السياسة، لكن إذا نجحنا في وضع حدّ لفساد الطبقة السياسية في قضية النفايات، فهذا انتصار سيفتح الطريق أمام قضايا أخرى اجتماعية قد تكون أهم من إسقاط النظام، ونقطة انطلاق لحركة شعبية واسعة ودور أساسي للمواطن اللبناني».
ولا ينفي الزين، أنّ هناك محاولات من بعض الأحزاب للدخول في الحراك بطريقة أو بأخرى، «إنما التأكيد يبقى أن المشاركة مرحّب بها من الجميع إنّما بعيدا عن أي غطاء سياسي أو دور في الهيئات المنظمة، بل أفرادا ومواطنين».
وقد وضع حداد محاولات «تسييس» التحرك ومواقف الأحزاب منها «في خانة العادة السيئة التي تتمتع بها الأطراف السياسية في لبنان من خلال قطف ثمار السلطة والمعارضة في الوقت عينه، وما إن يكتشفوا التناقض بين الاثنين، حتى يعودوا إلى قواعدهم»، كما يفعل مثلا «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه النائب ميشال عون ويتمثل في الحكومة بوزيرين، «من خلال الإفراط بالشعبوية والهروب من المسؤولية في الوقت عينه»، وفق تعبيره.
وكان أسعد ذبيان، أحد منظمي حملة «طلعت ريحتكم»، قد حمل القوى الأمنية مسؤولية الضحايا الذين سقطوا في المظاهرة، مشيرا إلى أن الشغب الذي مارسته عناصر غير منضبطة هو رد فعل ومحاولة معروفة من الطبقة السياسية لمحاولة زرع الانقسام في الحملة وتشويه صورتها بعد نجاحها بحشد الآلاف، مؤكدا أن الطبقة السياسية تنصب فخا للتحرك لإفشاله.
وككل المجموعات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل ضمن «حراك طلعت ريحكتم»، يشدّد رئيس «الحركة البيئية اللبنانية» بول أبي راشد على أنّ الهمّ الأساسي اليوم هو الوقوف في وجه «مناقصات النفايات» علّ هذا الأمر يفتح الباب أمام قضايا اجتماعية أكبر. وفي حين يأمل أن تمرّ قضية النفايات بعيدا عن التسييس، يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بتنا اليوم نعوّل أكثر من أي وقت مضى على الشعب اللبناني الذي أثبت خلال مشاركته في التحركات الأخيرة مدى اليأس الذي أصابه من الأحزاب اللبنانية التي لا تكترث لأدنى حقوقه». ولا ينفي أبي راشد أنّ رفع سقف المطالب قد ينعكس سلبا على التحرك، وهو الذي حصل في مظاهرات نهاية الأسبوع الماضي، عازيا السبب إلى حجم المشكلات التي يعيشها المواطن اللبناني الذي وجد في هذه المظاهرات فرصة للتعبير عنها، وأضاف: «إذا طالبنا بكل شيء في سلّة واحدة، فلن نحصل على شيء، وهذا ما نعمل على تصويبه، من خلال رص الصفوف بين المجموعات المشاركة وتحديد الأهداف». وشدّد على أنّ أول الأهداف اليوم هي قضية مناقصات النفايات، التي إذا مرّت وفق المناقصات التي أعلنوا عنها بأسعار خيالية ومحاصصة واضحة في ما بينهم، فستستمر إلى 20 سنة مقبلة.
ورأى أبي راشد أن محاولات تسييس التحرك ومواقف بعض السياسيين «المؤيدة» للمطالب رغم أنهم شركاء في السلطة، هي دليل على حالة من الضياع أصابت الأحزاب عندما رأوا أنّ مناصريهم تخطّوا قراراتهم ونزلوا إلى الشارع مطالبين بحقوقهم. وفي حين تمنى أن تقوم هذه الأحزاب بدورها المفترض لجهة شؤون الناس ومطالبها، أكد «كحركة بيئية ليس هدفنا جذب المناصرين الحزبيين؛ بل قد نصل إلى مرحلة نعمل فيها نحن والأحزاب لأهداف اجتماعية بيئية واحدة».
وللوقوف في وجه أي محاولات للتدخل أو استغلال التحرك من قبل الأحزاب، بدأت المجموعات المشاركة في تنظيمه برصّ صفوفها ووضع خريطة عمل في ما بينها وبالتواصل مع عدد كبير من الناشطين والمواطنين، وفق ما يشير إليه أبي راشد. وهو ما يؤكده الزين، موضحا: «انطلقت حملة (طلعت ريحتكم) بالتحرّك قبل شهر تقريبا بعد بدء أزمة النفايات، ومنذ ذلك الحين، بدأت الدائرة تتوسّع بانضمام كثير من الهيئات والمجموعات الطلابية غير الحزبية، وقد أصبحت خريطة الأهداف تتحدّد أكثر وتنطلق من أزمة النفايات ومحاسبة من أطلقوا الرصاص على المتظاهرين».
مع العلم بأنّه وفي حين لم تكن مواقف الأحزاب المشاركة في السلطة مختلفة في ما بينها لجهة التأكيد على أحقية المطالب الشعبية من جهة، والتحذير من العبث بالأمن والدعوة إلى حل الأزمات السياسية من جهة أخرى، كان ممثلو «الوطني الحر» من الوزراء والنواب يدعون إلى التظاهر، وعلى رأسهم وزيرا الخارجية جبران باسيل والتربية إلياس بو صعب، لكن بعيدا عن أي قرار رسمي بالمشاركة.
وكان لافتا ردود الفعل الواضحة من قبل الناشطين في «طلعت ريحتكم» ضدّ مشاركة أي من المسؤولين في المظاهرة؛ إذ وبعدما دعا وزير التربية المحسوب على «التيار الوطني الحر» للمشاركة في التحرك وحاول الانضمام إلى الاعتصام في وسط بيروت، كان له المتظاهرون بالمرصاد، وهو الأمر الذي حدث مع أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة. ولم يكن الردّ أقل وطأة على وزير الخارجية ووزير الطاقة السابق جبران باسيل، على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما دعا اللبنانيين إلى المشاركة في المظاهرة للمطالبة بحقوقهم من المياه والكهرباء.
من جهته، دعا رئيس حزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في اليوم الثاني للتحرك، مناصريه إلى الانسحاب من المظاهرة بسبب ما وصفه بـ«انحراف التحرك عن مساره الأساسي ودخول بعض القوى السياسية عليه في محاولة لركوب الموجة الشعبية»، وهو ما عزاه البعض إلى علاقة له بمناقصات النفايات، الأمر الذي نفاه أمس، قائلا: «إزاء الحملة الإعلامية العشوائية المستمرة منذ أشهر والمرتكزة إلى تلك الإشاعة المغلوطة التي تقول إنني أبحث عن حصة في مناقصات النفايات، فإنني أجدد التأكيد مرة أخرى أنني لست معنيًا بأي شراكة في هذه المناقصة لا من قريب ولا من بعيد، وإن زج اسمي مرارًا وتكرارًا فيها إنما يهدف للتشويش أمام الرأي العام لا أكثر ولا أقل».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».