عميد الدبلوماسية الأمير سعود الفيصل في ذمة الله

الديوان الملكي نعاه.. وأشاد بدوره في رفع اسم المملكة في المحافل الدولية

عميد الدبلوماسية الأمير سعود الفيصل في ذمة الله
TT

عميد الدبلوماسية الأمير سعود الفيصل في ذمة الله

عميد الدبلوماسية الأمير سعود الفيصل في ذمة الله

نعت البارحة السعودية عراب دبلوماسيتها الأمير سعود الفيصل الذي توفي مساء أمس في لوس أنجيلس في الولايات المتحدة.
وأصدر الديوان الملكي أمس بيانا نعى فيه الفقيد قائلاً «انتقل إلى رحمة الله تعالى الخميس في أميركا الأمير سعود بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمشرف على الشؤون الخارجية».
وأوضح الديوان الملكي السعودي أنه سيصلى على الفقيد في المسجد الحرام بمكة المكرمة بعد صلاة العشاء يوم السبت المقبل 11 يوليو (تموز)، مفيداً «لقد عرف الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع الفقيد على مدى خمسة عقود قضاها في خدمة دينه ووطنه وأمته بكل تفان وإخلاص مضحياً في سبيل ذلك بصحته فكان (رحمه الله) ـ رمزاً للأمانة والعمل الدؤوب لتحقيق تطلعات قيادته ووطنه وأمته تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وجزاه خير الجزاء عما قدمه لدينه ووطنه ، إنا لله وإنا إليه راجعون».
ويعد الأمير سعود الفيصل أقدم وزير للخارجية في العالم، إذ تولى حقيبة الخارجية السعودية منذ عام 1975، وكان تخرج من جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام 1964، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ليتولى العديد من المناصب الإدارية في وزارة البترول، منها العمل مستشاراً اقتصادياً لها وعضواً بلجنة التنسيق العليا، قبل أن ينتقل إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن، وفي العام 1970 تم تعيينه وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية.
وفي العام 1975، صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيراً للخارجية، عقب وفاة والده الملك فيصل وأهله لذلك إتقانه لـ 7 لغات إلى جانب اللغة العربية، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية.
داهية العرب كما يسميه الكثير من ساسة العالم ، خلف إرثا كبيرا من العمل الدبلوماسي في أنحاء العالم، ويعتبر من القلة الذين تخلدهم الذاكرة، وهو الذي أستمر لأكثر من 4 عقود في مضمار العمل السياسي ودهاليز الدبلوماسية، ليكون أبرز المؤثرين في سياسة دول الخليج والعالم العربي أجمع، بحنكة وابتسامة هادئة ونظرة جدية استطاع من خلالها اتخاذ القرارات، وتنظيم الحركة، وتعزيز آفاق السلم السياسي.
ويعتبر سعود الفيصل المناضل العربي الكبير والدبلوماسي المخضرم الذي غاص في دهاليز السياسة، وتميز بالثقافة الغزيرة والاطلاع غير المحدود، إلى جانب إتقانه لعدة لغات أجنبية، الأمر الذي مكنه من بناء شبكة صداقات عالية جدا حول العالم، وأكسبه احترام كبار الساسة في مختلف الدول، والذي يصفه من عملوا معه بأنه رجل تدور حياته حول العمل ولا شيء غير العمل المتواصل في الذود عن بلاده وحقوق المسلمين والعرب.
وحينما غادر الأمير سعود الفيصل وزارة الخارجية نهاية أبريل (نيسان) الماضي بعد تاريخ طويل وبصمة خاصة في السياسة العربية، تفاعل معه السعوديون بصورة لافتة من خلال شبكة التواصل الاجتماعي {تويتر} عبر هاشتاق نشط بعنوان (شكرا سعود الفيصل) حمل أكثر من مليون تغريدة، الأمر الذي يكشف عن العلاقة الوطيدة التي جمعت السعوديين بوزيرهم الذي يوصف بأنه حكيم العرب، وأصبح رمزا للدبلوماسية العربية.
ولا يمكن نسيان مواقفه التاريخية العديدة خلال مشواره الطويل، ربما أبرزها أسفه الدائم على أن المشكلة الفلسطينية، التي كرس والده حياته لها، لم تحل بعد. ففي شهر أغسطس (آب) الماضي أعلن أن {المملكة تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى}. وسأل نظراءه في منظمة التعاون الإسلامية عن أسباب ضعف الأمة خلال افتتاح مؤتمر وزراء خارجية المنظمة بجدة، قائلا {لماذا نحن في ضعف؟ وهل كان في مقدور إسرائيل العدوان على غزة لو أن الأمة موحدة؟!}.
هذا الفؤاد النابض بالقضايا العربية والوحدة الإقليمية أكسب الفيصل مكانة خاصة في قلوب ملايين العرب، الذين يبادلونه الاحترام والتقدير في عدة محافل، الأمر الذي أثار اهتمام وكالات الأنباء العالمية بخبر ترجل الفيصل عن منصبه، ومنها وكالة {رويترز} الإخبارية التي وصفت الفيصل أمس بأنه {أثبت براعة في تجنب المجاملات الدبلوماسية المنمقة لتقديم رسالة بلاده بخفة وبشكل جوهري}.
ورغم سنوات العطاء الطويلة التي قدمها الفيصل، إلا أن ترجله من وزارة الخارجية لم يكن بالأمر السهل، خاصة أنه أتى نتيجة الظروف الصحية التي كان يمر بها، حيث بدأ الفيصل رحلته العلاجية بالخارج منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، لإجراء عملية جراحية في فقرات الظهر بالولايات المتحدة الأميركية، التي {تكللت بالنجاح}، بحسب بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي آنذاك، ثم عاد إلى البلاد في شهر مارس (آذار) الماضي.
إلا أن الفيصل واصل عمله السياسي بعدها متحملا المرض والأوجاع في سبيل خدمة وطنه، حتى صباح أمس حيث جاء نص الأمر الملكي قائلا إنه {بعد الاطلاع على ما رفعه لنا الأمير سعود بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود وزير الخارجية عن طلبه إعفاءه من منصبه لظروفه الصحية، فقد أمرنا بالموافقة على طلبه}.
ونظرا للثقل السياسي الذي يمثله الأمير سعود الفيصل، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمرا آخر بتعيينه {وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء، ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، ومشرفاً على الشؤون الخارجية}.
والأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز، هو ابن الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ووالدته الأميرة عفت الثنيان آل سعود، ويعد العام 1975 هو المحطة الأبرز في حياة الأمير سعود الفيصل، إذ صدر مرسوم من الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، بتعيينه وزيراً للخارجية بعد شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل بن عبد العزيز الذي كان وزيراً للخارجية إلى جانب تقلده عرش البلاد، فبدأ حينها ركضه السياسي حتى رحل أمس بعد أرشيف حافل من الإنجازات والعطاء.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن