أصبحت بكتيريا الأمعاء (gut bacteria) محط أنظار الكثير من الباحثين على اختلاف اهتماماتهم، إذ ثبت من خلال العديد من الدراسات الدور الذي يمكن أن تلعبه في أمراض مختلفة ابتداءً من مرض السكرى، وانتهاء بمرض الفصام، وأخيراً الربو (asthma) الذي يعانى منه العديد من الأطفال، ويعتبر المرض المزمن الأول في الأطفال. كما أن هناك نسبة من النساء الحوامل تصل إلى 13 في المائة مصابات بحساسية الصدر، ويعانين بالطبع من زيادة حدة الأعراض أثناء الحمل، فضلاً عن المخاوف التي تنتابهن من زيادة احتمالية إصابة أطفالهن بالمرض.
دور بكتيريا الأمعاء
المثير في الأمر هو ما كشفت عنه دراسة حديثة أشارت إلى أن زيادة احتمالية الإصابة لا تكون بسبب العامل الجيني فقط، ولكن ربما يكون للبكتيريا المعوية دور كبير في حدوث المرض للرضع، خصوصاً الذكور.
وتبعاً لهذه الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة ألبرتا بكندا، ونشرت حديثاً في مجلة «صحة الجهاز التنفسي الأوروبي» (The European Respiratory Journal) ، فإنه من خلال التحكم في بكتيريا الأمعاء يمكن علاج الأمهات، وبالتالي خفض احتمالية الإصابة بالأزمة الصدرية، أي الربو في الأطفال وحمايتهم منها. وإشكالية الأزمة الصدرية أثناء الحمل أن حدة الأعراض تزداد مما ينتج عنه ولادة أطفال يعانون من نقص الوزن، خصوصاً الذكور. وكان الفريق البحثي على علم مسبق بأن المواليد الذكور الذين ينتمون إلى العرق القوقازي أقل وزناً من أقرانهم من بقية الأعراق الأخرى.
ولذلك يجب السيطرة على الأعراض بشكل كامل. ولمعرفة تلك النتائج قام الباحثون بتتبع 1000 امرأة كندية، يعانين من الأزمة الصدرية، وتتبع أطفالهن الرضع البالغين من العمر 3 أو 4 شهور في دراسة طولية، ثم قاموا بفحص عينات البراز من الأطفال، وتمت مقارنتها بعينات براز أطفال مولودين لأمهات غير مصابات بالحساسية. ومن المعروف أن كندا تعانى من البرودة الشديدة في فصل الشتاء مما يمكن أن يزيد من متاعب الأزمة الصدرية.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الأطفال المولودين لأمهات بيضاوات يعانين من الحساسية، عرضة أكثر من غيرهم لافتقاد نوع معين من البكتيريا المعوية يتميز بخصائص تختلف عن الآخرين، حيث لاحظ الباحثون أن هؤلاء الأطفال يعانون من نقص بكتيريا اللاكتوبسيلاس (Lactobacillus)، خصوصاً في الأمهات من أصول قوقازية، أو اللاتي عانين من زيادة الوزن بشكل ملحوظ، وكذلك اللاتي عانين من الحساسية بشكل عام وليس بالضرورة الأزمة الصدرية.
انحسار البكتيريا المفيدة
كان تفسير العلماء لهذه النتيجة، أن الأمهات اللاتي عانين من الأزمة، ربما كن مضطرات للعلاج بالمضادات الحيوية أثناء الحمل، وهو الأمر الذي كان له الأثر الكبير في قلة هذه الأنواع المفيدة من البكتيريا. ومن المعروف أن المضادات الحيوية مثلما لها دور هام في القضاء على البكتيريا الضارة، فإنها تؤثر بالسلب أيضاً على البكتيريا النافعة. كما أوضح العلماء أن هؤلاء الأمهات في الأغلب يلدن من خلال إجراء عملية قيصرية، التي بدورها ربما تؤثر على هذه الميكروبات أيضاً.
وأوضح الباحثون أن هذه النتائج وضعت في الاعتبار عدة أمور، منها العرق والأحوال الجوية ووزن الأمهات قبل الحمل وأثناءه، وأيضاً إذا كان الطفل يرضع بشكل طبيعي من عدمه، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ الأم المرضي فيما يتعلق بحساسيتها ناحية مسببات الحساسية المختلفة، مثل حبوب اللقاح وبعض الأدوية والروائح النفاذة. وعلى الرغم من ذلك كانت النسبة أكبر في الأطفال لأمهات مصابات بالأزمة.
وتعتبر هذه النتائج بمثابة البداية لإجراء مزيد من التجارب على إمكانية التحكم في البكتيريا المعوية لعلاج الأزمة لدى الأطفال، بدلاً من التركيز الكامل على محاولات العلاج نفسها، إذ إن زيادة هذه الأنواع من البكتيريا يقلل من الإصابات، ويساعد في الوقاية.
المثير في الدراسة أن هذه النتائج كانت لدى الأطفال الذكور فقط، بينما الإناث كانت لديهن فرصة أكبر في تكوين نوع آخر من البكتيريا المعوية (Bacteroidaceae)، التي تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الغشاء المخاطي المبطن للأمعاء، الذي يعمل بمثابة عازل واق لها من أي مواد يمكن أن تؤذي جدارها، وهو الأمر الذي يفيد الجسم بشكل عام، ويساعد الأمعاء على القيام بدورها في امتصاص المواد المختلفة من دون التعرض لأذى.
وأشار الباحثون إلى أن فرق النتائج بين الرضع الذكور والإناث ربما يشير إلى السبب في أن معاناة الأطفال الذكور من الأزمة الصدرية أكثر من الأطفال الإناث، مما يؤكد نتائج الدراسة. وتجدر الإشارة إلى أن الفتيات في فترة المراهقة أكثر عرضة من الذكور للتعرض للأزمة الصدرية.
وأوضح الباحثون أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات بالطبع، خصوصاً أن هذه الدراسة اعتمدت بشكل أساسي على معلومات عن الأزمة الصدرية من الأمهات مباشرة، وليس من خلال الأطباء أو السجلات الطبية. ولكن الباحثين أوضحوا أنهم اهتموا في المقام الأول بدراسة آثار مرحلة ما قبل الولادة على تكوين البكتيريا المعوية في الجنين، والعوامل التي يمكن أن تؤثر فيها بالسلب والإيجاب أكثر من اهتمامهم بمرحلة ما بعد الولادة، خصوصاً وأن هناك العديد من الدراسات تناولتها.
وأشاروا إلى أن هذه النتائج تعتبر مفيدة جداً في علاج الأزمة مستقبلاً، خصوصاً أن العلاج بالعقاقير الطبية في الأغلب يكون له العديد من الأعراض الجانبية، مع الوضع في الاعتبار أن الطفل المصاب بالأزمة يتناول العلاج بشكل شبه مستمر في بعض الأحيان كنوع من الوقاية.
* استشاري طب الأطفال