تسويق الخدمة الطبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أحد المواضيع التي تفرض نفسها لمزيد من المناقشات في الأوساط الطبية. وإضافة إلى الجوانب الأخلاقية في دخول بعض الأطباء تجارة الطب من أوسع أبوابها عبر استخدام الإنستغرام وفيسبوك وغيرهما، فإن أحد الجوانب التي لا تزال تثير الحديث الطبي هي حول مدى القدرة على الحفاظ على سلامة المرضى وضمان تلقيهم المعالجات الطبية الصحيحة والمفيدة.
ومن ضمن تلك المناقشات المستندة إلى دراسات طبية واقعية، تم في عدد 30 أغسطس (آب) الماضي من «مجلة جراحة التجميل» Aesthetic Surgery Journal، الصادرة عن الجمعية الأميركية لجراحة التجميل الجمالية American Society for Aesthetic Plastic Surgery، عرض نتائج دراسة الباحثين من كلية الطب بجامعة نورثويسترن بشيكاغو حول واقع حال تسويق خدمات جراحة التجميل عبر الإنستغرام، وكان عنوان الدراسة «جراحة التجميل ذات الصلة باستخدام الهاشتاغ على الإنستغرام: الآثار المترتبة على التسويق والتعليم».
وبمتابعة الباحثين لأكثر من مليون وسبعمائة ألف مشاركة بالرسائل عبر تطبيق الإنستغرام للتواصل الاجتماعي، واستخلاص مشاركات أعلى 21 هاشتاغ ذا صلة بجراحات التجميل Plastic Surgery - Related Hashtags من بين تلك المليون وسبعمائة ألف مشاركة، تبين للباحثين 80 في المائة من أعلى مشاركات الإنستغرام ذات العلاقة بجراحات التجميل مصدرها أشخاص غير حاصلين على شهادة التأهيل لممارسة جراحة التجميل من قبل الجمعية الأميركية لجراحة التجميل الجمالية ASAPS، وهي المنظمة الرائدة في جراحة التجميل بالولايات المتحدة. كما لاحظوا في النتائج أن 26 في المائة من أعلى المشاركات في الإنستغرام للدعاية عن تقديم خدمات الجراحات التجميلية تأتي من أطباء في تخصصات أخرى غير جراحة التجميل، وتحديداً من أطباء النساء والتوليد وأطباء الجلدية وأطباء الجراحة العامة وأطباء الأسرة والمجتمع وأطباء الأنف والأذن والحنجرة وأطباء الإسعاف، وهم رغم أنهم أطباء غير حاصلين على التدريب والتعليم الخاص في الجراحات التجميلية فإن جميعهم في مشاركاتهم بالإنستغرام يُسوقون أنفسهم على أنهم أطباء جراحة تجميل Cosmetic Surgeons.
والأسوأ من ذلك كما قال الباحثون، كان أكثر من 5 في المائة من المشاركات تلك حول تقديم خدمات جراحة التجميل هي بالفعل من قبل أشخاص غير أطباء، بل من قبل أشخاص يقومون بإجراء الجراحات التجميلية في مكاتب طب الأسنان والمنتجعات الصحية وصالونات حلاقة وتصفيف الشعر! وتحديداً كانت الهشتاغات محل البحث تشمل فقط المواضيع ذات العلاقة المباشرة بتقديم «عملية جراحية تجميلية» في إحدى مناطق الجسم المختلفة.
وعند عرض موقع المؤسسة القومية الأميركية للصحة NIH لخبر ظهور هذه الدراسة، كان العنوان: «هل تبحث عن جراح تجميل عبر الإنستغرام؟ كن على حذر»، وعقبت بالقول: «قد ينتهي بك الأمر مع حلاق أو مصفف شعر بدلاً من ذلك». وهو ما علق عليه الدكتور كلارك شيريلي، الباحث الرئيس في الدراسة ومدير جراحة التجميل بمستشفى نورثويست في شيكاغو، بالقول: «تبعات اللجوء إلى خدمة مُقدم للجراحة التجميلية غير ذي تدريب وخبرة جيدة هي مزيد من التشويه الذي يفوق ترهل البطن والندبات البشعة». وأضاف قائلا: «ووفقاً لتقارير منشورة، واجه أحد الأطباء المتخصصين في طب الطوارئ، بولاية جورجيا، تهماً جنائية لقيامه بإجراء عملية شفط الدهون في عيادة خاصة لإجراء الجراحات التجميلية وهو ما انتهى بوفاة المريضين، كما توفيت مريضة في الحادية والثلاثين من عمرها بعد تلقيها في شقة سكنية، حقنة في الأرداف لتكبير حجمها». وهو ما علّق عليه أيضاً الدكتور كلايد إيشي، رئيس الجمعية الأميركية لجراحات التجميل التجميلية بالقول: «الجراحات التجميلية غير منظمة، وعلى الناس إدراك أن الجراحة التجميلية هي جراحة حقيقية وأن لها مضاعفات حقيقية». وأضاف قائلاً: «على الأشخاص الذين يرغبون في الخضوع لجراحة تجميلية أن يُفكروا وأن يأخذوا الأمر بجدية أكبر، وهذا واجبهم. والكثيرون يرون أن الجراحة التجميلية بسيطة وغير ضارة، لأنه يتم النظر إليها بخفة في شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يُعطون لها التقدير اللازم. وقبل الخضوع لعملية جراحية تجميلية اسأل مُقدم تلك الخدمة إن كان مؤهلاً للقيام بهذا الإجراء الجراحي في المستشفى، لأن المستشفيات لديها معايير صارمة في تقييم الأطباء وتصنيف درجاتهم. كما أن عليك سؤال الشخص على وجه التحديد في الجراحة التجميلية: هل يحمل شهادة تخصص معترف بها من قبل مجلس التخصصات الطبية. والأطباء المعتمدون هم من أمضوا أكثر من ست سنوات في التدريب الجراحي، مع ثلاث سنوات على وجه التحديد في الجراحة التجميلية».
وأضاف الباحثون أمرا آخر من نتائج الدراسة، وذلك حول واقع استخدام أطباء جراحة التجميل الحاصلين بالفعل على شهادات علمية تثبت تخصصهم في هذا الشأن Board - Certified Plastic Surgeons، وهو أن غالبيتهم يستخدمون الإنستغرام لإرسال مشاركات تتضمن معلومات تثقيفية بدلاً من مشاركات الدعاية لأنفسهم وتسويق خدماتهم العلاجية. وهو ما يُعيد إلى الأذهان أساسيات أخلاقيات ممارسة المهن الطبية، والتي تبقى على أصولها في الاستخدام الأخلاقي لوسائل التواصل الاجتماعي بتقديم ما يخدم فهم المرضى للأمراض وكيفية تعاملهم معها بدلاً من ممارسة البعض للاستفادة منها في ترويج التجارة الطبية والدعايات للذات.
وكانت الكلية الأميركية للأطباء ACP والاتحاد الفيدرالي للمجالس الطبية الحكومية FSMB بالولايات المتحدة قد أصدرت في عام 2013 تحديثاتها للإرشادات الأخلاقية للأطباء حول أخلاقيات الإنترنت، وتم نشرها في حينه بمجلة مدونات الطب الباطني الأميركية Annals of Internal Medicine، وأفادت بأنها توضح: «تقديم الإرشادات حول تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي على العلاقة بين المريض والطبيب، ودور وسائل الإعلام الاجتماعي في صناعة التصور العام للناس حول سلوكيات الأطباء، ووضع استراتيجيات للأطباء فيما بينهم للجمع بين الحفاظ على خصوصية التعامل مع المرضى من جهة واستخدامهم الأمثل لتلك الوسائل في التواصل الاجتماعي من جهة أخرى».
وهو ما علق عليه آنذاك الدكتور همايون شاودري، رئيس الاتحاد الفيدرالي للمجالس الطبية الحكومية، أن: «من المهم جدا على الأطباء أن يتنبهوا إلى أهمية كيفية استخدام الإنترنت لأنها قد تؤثر على ثقة الناس في أفراد الوسط الطبي».
البحث عن طبيب في {إنستغرام}
البحث عن طبيب في {إنستغرام}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة