قلّل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الثلاثاء، من قدرة «حزب الله» - أبرز الجماعات الحليفة لطهران - في مواجهة إسرائيل «بمفرده»، وذلك في وقت نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشدة ما نُقل عن بزشكيان، من أن بلاده تريد خفض التوتر مع إسرائيل.
وقال بزشكيان في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»: «يجب ألا نسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى على يدَي إسرائيل»، مضيفاً: «لا يمكن أن يواجه (حزب الله) بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزوِّدها بالإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة»، حسبما أوردت «وكالة الصحافة الفرنسية».
وأكّد أن «(حزب الله) وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة مسلحة تسليحاً جيداً جداً، ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوّق بكثير على أي شيء آخر».
وأضاف: «الآن، إذا كانت هناك حاجة، يجب على الدول الإسلامية عقد اجتماع من أجل صياغة رد فعل على ما يحدث... وقبل حدوث أي شيء أكثر خطورةً، أعتقد أن على المنظمات الدولية (أن تجتمع)، اليوم عقدنا اجتماعاً في الأمم المتحدة، مع السيد غوتيريش، وغداً سنرى مثل هذه المناقشات والموضوعات تجري».
وتتناقض تصريحات بزشكيان مع ما قاله القيادي في «الحرس الثوري»، محسن رضائي، الأحد، بشأن قدرات «حزب الله».
وقال رضائي، وهو عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، إن «(حزب الله) قوة یقلّ لها نظیر في الإبداع والتغییر والتأقلم، کما أن طاقته البشریة کنز لا ینفد حتی مائة عام، سیری العالم نتائج کل ذلك».
وصباح الاثنين، قال بزشكيان أمام نحو 20 ممثلاً من وسائل الإعلام الأميركية، إن إيران لا تريد أن ترى الحرب الحالية في غزة، والغارات الجوية على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان تتوسّع، حسبما نقلت وكالة «أسوشييتد برس».
وعما إذا كانت إيران ستدخل الصراع بين إسرائيل و«حزب الله»، قال بزشكيان: «إيران ترغب في السلام، لكنها ستتصدّى للظلم ضد حلفائها الذين يتّخذون قراراتهم العسكرية بأنفسهم». وأضاف: «هم لا يتلقّون الأوامر من أحد، فليس الأمر كما لو أن اليمنيين (الحوثيين) ينتظرون منا أن نخبرهم بما يفعلونه أو ما لا يفعلونه».
وقال بزشكيان: «لا نرغب في أن نكون سبباً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط؛ لأن عواقبه ستكون لا رجعة فيها»، متهماً إسرائيل بالسعي لجَرّ الشرق الأوسط إلى حرب شاملة باستفزاز طهران، حسب «رويترز».
وأضاف: «نحن لا نريد القتال»، موضحاً أن «إسرائيل هي التي تريد جَرّ الجميع إلى الحرب، وزعزعة استقرار المنطقة... إنهم يسحبوننا إلى مكان لا نرغب في الذهاب إليه».
ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن بزشكيان قوله في السياق نفسه، إن إيران «مستعدّة لخفض التوترات مع إسرائيل، ما دامت ترى التزاماً مماثلاً من الجانب الآخر».
كانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن بزشكيان قوله للصحافيين: «نريد أن نعيش في سلام، ولا نريد الحرب، إسرائيل هي التي تسعى إلى خلق هذا الصراع الشامل، نحن لا نسعى لزعزعة استقرار المنطقة». واتهم المجتمع الدولي بالصمت عما وصفه بأنه «إبادة جماعية» تمارسها إسرائيل في غزة.
وقال بزشكيان، إنه بينما تُصرّ إسرائيل على أنها لا تريد حرباً أوسع، فإن أفعالها تشير إلى العكس. وأشار بزشكيان إلى الانفجارات القاتلة لأجهزة إلكترونية في لبنان الأسبوع الماضي، التي ألقى باللوم فيها على إسرائيل، واغتيال إسماعيل هنية؛ زعيم حركة «حماس» السياسي، بطهران في 31 يوليو (تموز)، بعد ساعات من تنصيب بزشكيان.
ورداً على سؤال عما إذا كانت إيران ستردّ على اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، أواخر يوليو، قال بزشكيان: «سنرد في الوقت والمكان المناسبَين، وبالطريقة المناسبة».
ووصل بزشكيان، الأحد، إلى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي أول زيارة لدولة غربية يقوم بها الرئيس الذي انتُخب في يوليو، ووعد بانتهاج سياسة خارجية براغماتية.
ودأب بزشكيان منذ توليه المنصب الشهر الماضي على تأكيد موقف إيران المناهض لإسرائيل، ودعمها الجماعات المسلحة الموالية لإيران في أنحاء المنطقة، لكن من غير المحتمل أن يؤثر انتخابه على السياسة الإقليمية الإيرانية.
وتُعدّ قوات «الحرس الثوري» الإيراني التي لا تخضع إلا للمرشد علي خامنئي هي التي تحدّد السياسة الإقليمية لإيران، وأثار اغتيال هنية مخاوف من اندلاع صراع مباشر بين طهران وعدوّها اللدود إسرائيل في منطقة هشّة، بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة، والصراع المتفاقم بلبنان. وتتّهم طهران و«حماس» إسرائيل باغتيال هنية، وتعهّد «الحرس الثوري» وخامنئي بثأر «شديد» لمقتل هنية. وحتى الآن امتنعت طهران عن الرد المباشر على إسرائيل التي لم تؤكّد أو تنفِ تورُّطها.
وقال 3 مسؤولين إيرانيين كبار لـ«رويترز» في أغسطس (آب)، إن طهران شاركت في حوار مكثّف مع دول غربية والولايات المتحدة؛ لتحديد حجم الرد على إسرائيل لاغتيال هنية. وقال بزشكيان: «أُبلغنا أنه خلال أسبوع سيكون هناك اتفاق لوقف إطلاق النار» بين إسرائيل و«حماس» المدعومة من إيران، «لكن هذا الأسبوع لم يأتِ قط، وبدلاً من ذلك واصلت إسرائيل توسيع هجماتها».
جدل داخلي
ونفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشدة ما نُقل عن بزشكيان من أن إيران مستعدّة لخفض التوتر مع «النظام الإسرائيلي»، وقال إن السيد بزشكيان لم يُدلِ بأي تصريحات من هذا النوع. حسبما نقلت وسائل إعلام إيرانية.
وانتشر تسجيل صوتي من تصريحات بزشكيان، يقول فيه إن «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، وأضاف: «الإرهابي هو إرهابي، لا فرق إن كان عربياً أو أعجمياً، فارسياً أو إسرائيلياً أو أميركياً، إذا ارتكبوا اغتيالاً فهم إرهابيون».
وأكّدت وكالة «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثوري»، صحة التسجيل الصوتي.
وفي وقت لاحق ألقى عراقجي باللوم على قناة تلفزيونية «معادية»، لم يذكر اسمها، وقنوات وحسابات إسرائيلية في شبكات التواصل، متهماً إياها بإثارة الجدل حول تصريحات بزشكيان.
وقال عراقجي للتلفزيون الرسمي، مساء الثلاثاء: «انظروا لتصريحات بزشكيان، تمحورت حول إدانة الجرائم الإسرائيلية، ودعم محور المقاومة»، وأضاف: «دعم محور المقاومة جزء من المبادئ الأساسية لسياستنا الخارجية».
وقبل ذلك، وصفت الحكومة الإيرانية الاقتباس المنسوب إلى بزشكيان بـ«الكاذب»، وقالت في بيان: «نودّ أن نوضّح أن هذه التصريحات لم تَصدُر إطلاقاً عن الرئيس، وعلى عكس ما تم طرحه؛ أدان بزشكيان جرائم إسرائيل في غزة ولبنان...».
وقالت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني، إن زيارة الرئيس بزشكيان إلى نيويورك، نظراً لعدم الاستقرار الحالي في المنطقة، يمكن أن تكون خطوة نحو تحقيق السلام المستدام في المنطقة.
وأضافت مهاجراني: «في هذه الزيارة تُعدّ السياسة الخارجية لرئيس الجمهورية امتداداً للسياسة الداخلية، ويجب أن تعكس اختيارات وتوجهات شعبنا».
وسارع محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني، للدفاع عن تصريحات بزشكيان، وكتب في رسالة مطوَّلة بالفارسية على منصة «إكس»، إن «بزشكيان قدّم أقوى دفاع عن مقاومة شعوب فلسطين ولبنان واليمن، وكشف بعبارات واضحة عن جرائم النظام الإسرائيلي، والازدواجية التي تتعامل بها الدول الغربية مع قضايا مثل الأسلحة، والحرب وحقوق الإنسان».
وأضاف ظريف أن «علينا ألّا نقع في فخ الروايات التي تم تشكيلها منذ 70 عاماً لتشويه صورة منطقتنا، وبدلاً من الاعتماد على وسائل الإعلام الصهيونية، ينبغي أن نثق في خُدّام شعبنا».
ودافع عن النشاط الإعلامي لمراقبي الرئيس، قائلاً: «بات العالم مستعداً لكشف الأكاذيب، وتزييف الرواية الصهيونية حول إيران والمنطقة»، وعزّز ظريف دفاعه باقتباس من المرشد الإيراني علي خامنئي في رسالة مزعومة للطلاب الأميركيين، يقول فيها: «أنتم الآن في الجانب الصحيح من التاريخ».
وكرّر ظريف الذي يرافق بزشكيان، في مقابلة مع قناة «إن بي سي نيوز»، تصريحات بزشكيان، لافتاً إلى أن إيران «لا تريد حرباً أوسع في الشرق الأوسط».
ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن ظريف قوله في المقابلة، إن إيران «تحلّت بضبط النفس بعد اغتيال هنية في طهران، ولها الحق في الرد في الوقت الذي تراه مناسباً»، على ما وصفه بـ«الانتهاك الواضح لسيادة» إيران.
وقال ظريف إن «الحكومة الإيرانية مستعدة للتعاون مع الدول الأخرى لإنهاء الحرب في غزة»، دون أن يقدّم تفاصيل. وأضاف: «نحن نسعى إلى عالم أكثر سلاماً واستقراراً لمواطنينا، ومواطني الدول الأخرى. نحن لا نرغب في الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا».
«خسارة مزدوجة»
وبشأن الاتفاق النووي، ألقى ظريف الكرة في ملعب الأميركيين، وقال إن «الولايات المتحدة لا يمكنها لوم إلا نفسها؛ لأنها هي التي انسحبت من الاتفاق في عهد دونالد ترمب».
وأعرب ظريف في وقت سابق عن اعتقاده بأن انسحاب ترمب من الاتفاق كان «خسارة مزدوجة».
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقطع مصوّر نشره على قناته على تطبيق «تلغرام»، الاثنين، إن إيران مستعدة لبدء مفاوضات نووية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إذا «كانت الأطراف الأخرى راغبة في ذلك».
وأعرب بزشكيان الذي يُعدّ إصلاحياً ضمن النطاق الضيق للسياسة الإيرانية، عن استعداده لإعادة إحياء مفاوضات الاتفاق النووي المنهار. وقال للصحافيين الأميركيين إن إيران مستعدّة للعودة إلى الاتفاق الأصلي، وأكّد أن طهران ما زالت تلتزم بأهداف هذا الاتفاق.
ونفى بزشكيان أن تكون إيران قد زوّدت روسيا بالأسلحة لدعم حربها ضد أوكرانيا، مخالفاً لتأكيدات الولايات المتحدة.
وقال: «نحن لا نوافق على العدوان الروسي ضد أوكرانيا»، وأضاف: «لم نزوِّدهم ولن نزوِّدهم بأي صواريخ باليستية».