مفاوضات الدوحة: الوسطاء يبحثون «صيغة توافقية» لإنقاذ هدنة غزة

مصر طالبت بـ«الجدية» في المحادثات... و«حماس» تنتقد الدور الأميركي

امرأة فلسطينية تنعى أحد أفراد أسرتها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بخان يونس (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تنعى أحد أفراد أسرتها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بخان يونس (أ.ف.ب)
TT

مفاوضات الدوحة: الوسطاء يبحثون «صيغة توافقية» لإنقاذ هدنة غزة

امرأة فلسطينية تنعى أحد أفراد أسرتها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بخان يونس (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تنعى أحد أفراد أسرتها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بخان يونس (أ.ف.ب)

جهود مكثفة من قِبل الوسطاء للوصول إلى «صيغة توافقية» نحو هدنة تُوقف، ولو مؤقتاً، أطول حرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، في ظل ضغوط أميركية لتفادي «أي عراقيل»، وتأكيدات مصرية «بأهمية الجدية لإبرام الاتفاق»، ووسط حديث من «حماس» عن فقدان الثقة في واشنطن بصفتها وسيطاً.

وفي أول تعقيب بشأن مفاوضات الدوحة، وصف البيت الأبيض، الخميس، البداية بـ«المشجِّعة». ولفت إلى أن «ما تجري مناقشته، الخميس، هو كيفية التنفيذ، وليس نقاشاً عن إطار الاتفاق». وتوقَّع استمرار المحادثات حتى الجمعة، كاشفاً عن أن الجانبين اطّلعا على مقترح الاتفاق بشأن غزة، وقدَّما تغييرات عليه، وتجري مناقشة تفاصيل تنفيذه.

ويرى خبراء، تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن استمرار الحرب لم يعد ذا جدوى لإسرائيل، بعد أن حققت غايتها في قطاع غزة بتدمير غالبية قدرات «حماس»، ومن ثم «لا بديل عن اتفاق» يسهم في خفض التصعيد بالمنطقة بين إيران وإسرائيل، ووقف الحرب المستمرة لنحو 11 شهراً في غزة، عبر تنفيذ المرحلة الأولى، ضمن المقترح الذي طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن في نهاية مايو (أيار) الماضي.

وجَرَت، في الدوحة، الخميس، جولة مفاوضات جديدة غابت عنها «حماس»، وعدَّتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، «فرصة أخيرة محتملة للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب وتحرير الرهائن». وعزَّز ذلك التوجهَ أن وفد التفاوض الإسرائيلي، برئاسة رئيس الموساد، دافيد برنياع، ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك»، رونين بار، نال «مساحة صلاحيات معقولة» من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق «هيئة البث الإسرائيلية»، وهو ما أكدته صحيفة «هآرتس»، و«القناة الـ13» الإسرائيلية، بأن «التفويض مرِن بشأن القضايا الأساسية بما يتيح تحقيق تقدم».

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة (رويترز)

غير أن مصدراً من الفريق التفاوضي، لم يذكر اسمه، قال، لـ«القناة 12» الإسرائيلية: «لقد حصلنا على بعض المساحة الضئيلة للمناورة، قد لا تكون كافية لإبرام صفقة»، خصوصاً مع «ظهور نقطة خلاف» نقلتها القناة نفسها، الأربعاء؛ وتتمثل في أن إسرائيل تطالب بأن يكون جميع الرهائن الـ33 الذين سيجري إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من مقترح بايدن؛ الذي يضم 3 مراحل، على قيد الحياة، رغم أن المقترح يتضمن أن تشمل «أحياء ورفات بشرية».

وينضم لذلك ما نشرته «نيويورك تايمز»، الثلاثاء، من تسريبات لوثائق قالت إنها «تُظهر أن نتنياهو هو الذي يُعرقل الصفقة»، أبرزها يتمثل في عدم الانسحاب من محور فلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح، اللذين احتلهما الجيش الإسرائيلي في مايو الماضي.

أما «حماس»، التي وضعت شروطاً مسبقة بشأن المفاوضات غير المباشرة بالدوحة، فأشار عضو مكتبها السياسي، أسامة حمدان، في تصريحات، نشرتها وكالة «أسوشيتد برس»، الأربعاء، إلى أن «الحركة فقدت الثقة في قدرة الولايات المتحدة على لعب دور الوسيط». واشترط أن تكون المحادثات بشأن «آليات التنفيذ وتحديد المواعيد النهائية، وليس التفاوض على شيء جديد».

وإزاء «العراقيل والشروط المسبقة»، لم تتوقف جهود الوسطاء. وجدّدت مصر، خلال مفاوضات الدوحة، مطالبها للأطراف كافة بضرورة «إيجاد صيغة توافقية» للوصول إلى هدنة بشكل عاجل، وفق ما نقلته قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر وصفته بأنه «رفيع المستوى»، مؤكداً «وجود تعاون مصري-قطري-أميركي لتقريب وجهات النظر بين (حماس) وإسرائيل».

محاولات إسعاف طفل فلسطيني مصاب في مستشفى ناصر بعد القصف الإسرائيلي على خان يونس (أ.ف.ب)

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أكد أهمية ما طرحه الوسطاء من السعي للوصول إلى صيغة توافقية بمفاوضات الدوحة مع الضغط الأميركي لإنجاز انفراجة قريبة، لافتاً إلى أن نتنياهو «يريد تعطيل ذلك التوافق، بشروطه المتكررة التي تسعى لتأجيل الأمور لما بعد وصول صديقه الرافض للدولة الفلسطينية، دونالد ترمب، للبيت الأبيض».

ووفق تقدير المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، فإن العراقيل الإسرائيلية «لن تنتهي» على طاولة المفاوضات سوى بـ«صيغة توافقية ربما يكون المقترح النهائي للوسطاء الذين لوّحوا به، خلال بيانهم، قبل أسبوع، لاستئناف المفاوضات، لتجنب عراقيل نتنياهو المستمرة»، وعدَّ تصريحات «حماس» بشأن مسار المفاوضات «إعلامية للضغط، لا أكثر، خصوصاً وهي بالأساس موجودة بمكتبها السياسي في الدوحة».

وأعلن الوسطاء، في مقترح استئناف المفاوضات في 8 أغسطس (آب) الحالي، أن هناك إطار اتفاق مطروحاً حالياً على الطاولة، لا يتبقى فيه سوى وضع التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ، استناداً لمقترح بايدن، مؤكدين «استعدادهم، إذا اقتضت الضرورة، لطرح مقترح نهائي للتغلب على الثغرات، وحل الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ وعلى النحو الذي يلبي توقعات كل الأطراف».

وربطت مصر، أحد أطراف الوساطة، في محادثات مع واشنطن بشأن الهدنة، تهدئة التصعيد بالمنطقة، بإبرام اتفاق، حيث دعا وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، في اتصال هاتفي تلقّاه، الأربعاء، من نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى «ضرورة الانخراط بجدية وإرادة سياسية حقيقية في مفاوضات وقف إطلاق النار، وذلك باعتبارها السبيل الوحيدة لوقف التصعيد في المنطقة، واحتواء محاولات توسيع دائرة الصراع».

دخان تصاعد في وقت سابق من غارات إسرائيلية على رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وعلى مدار نحو أسبوع، نشطت اتصالات وتحركات ومناشدات دولية لإثناء إيران عن توجيه ضربة لإسرائيل «المهتمة باغتيال رئيس المكتب السياسي لـ(حماس)، إسماعيل هنية، في طهران، نهاية يوليو (تموز) الماضي»، إلا أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، رفض أي تراجع تكتيكي، وتمسَّك بالضربة، التي كان يأمل بايدن، وفق تصريحات، الثلاثاء، ألا تتم مع تمرير هدنة.

غير أن ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين ذكروا أن «السبيل الوحيدة التي قد ترجئ رد إيران مباشرة على إسرائيل، هي التوصل في المحادثات، المأمولة هذا الأسبوع، إلى هدنة»، وفق ما نقلت «رويترز»، الثلاثاء.

وإذا لم تترجم تلك التحركات في مفاوضات الدوحة لـ«صيغة نهائية وحلول لإبرام اتفاق»، يعتقد مطاوع أن «تلك المحادثات ستكون الأخيرة التي تستحوذ على اهتمام كبير في عهد إدارة بايدن، خصوصاً مع اشتعال معركة الانتخابات الرئاسية التي ستؤجّل أي جهود حقيقية». في حين يرى فرج أن الإدارة الأميركية ستواصل ضغوطها على إسرائيل، خصوصاً أن بايدن يريد إنجاز اتفاق هدنة غزة، ووقف الحرب في عهده؛ لاستعراضه بوصفه أحد إنجازاته، و«بالتالي سيواصل الجهود دون توقف، وربما تكون هناك انفراجة قريباً، ولن ينتظر قدوم الانتخابات»، مرجّحاً رغبة إيران أيضاً في وقف إطلاق نار بالقطاع؛ لتلافي أي تصعيد بالمنطقة.


مقالات ذات صلة

مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

المشرق العربي فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

قالت وكالة وفا الفلسطينية إن طفلاً قُتل، وأُصيب عدد من المواطنين بجروح، على أثر انفجار أجسام من مخلّفات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون حاملين أكياس طحين على طول شارع الرشيد في غرب جباليا 17 يونيو 2025 بعد أن دخلت شاحنات مساعدات إنسانية شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم الحدودي الذي تسيطر عليه إسرائيل (أ.ف.ب)

تنديد بمنع إسرائيل منظمات إنسانية من دخول غزة

ندد كثير من المسؤولين في منظمات إنسانية دولية، الخميس، بسعي إسرائيل إلى فرض «سيطرة سياسية» على أنشطتها في غزة، بعد منع 14 منظمة من دخول القطاع.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى وصوله إلى مبنى المستشارية في برلين (د.ب.أ)

ويتكوف يجتمع مع الوسطاء بشأن اتفاق غزة في ميامي

قال مسؤول في البيت الأبيض إن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، سيلتقي، غداً الجمعة، مسؤولين قَطريين ومصريين وأتراكاً في ميامي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالقدس 23 أكتوبر 2025 (رويترز) play-circle

عقوبات أميركية على قاضيين إضافيين في «الجنائية الدولية»

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قاضيين إضافيين بالمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة دعم لإسرائيل، التي يواجه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مذكرة توقيف.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص فلسطينيون يتسوقون وسط الدمار في خان يونس بجنوب قطاع غزة فبراير الماضي (د.ب.أ)

خاص «أوراق بالية وضرائب على التدخين»... كيف تدفع «حماس» رواتب عناصرها؟

بعد أكثر من شهرين على بدء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل و«حماس»، استعادت الحركة سيطرتها النسبية في بعض المناطق، لكن كيف تعالج الأزمات الاقتصادية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري». ولوّحت باتخاذ كافة التدابير التي تكفلها «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، في خطاب يراه خبراء «الأكثر حدة» منذ اندلاع الحرب في السودان.

وجاء الموقف المصري بالتزامن مع استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث أكد السيسي «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، وشدد على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره»، مؤكداً استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن في هذا السياق، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي.

وجددت مصر، في أثناء زيارة البرهان، «تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان»، وذلك في إطار «توجه الإدارة الأميركية لإحلال السلام، وتجنب التصعيد، وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم».

تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك

مع التأكيد على تلك الثوابت، وضعت القاهرة «خطوطاً حمراء» للمرة الأولى في الأزمة السودانية، مؤكدة أنها «لا يمكن أن تسمح بتجاوزها باعتبارها تمس الأمن القومي المصري الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي السوداني»، وتضمنت المحاذير المصرية «الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان».

وقالت الرئاسة المصرية، الخميس، إن «الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ومنع المساس بهذه المؤسسات، هو خط أحمر آخر».

وأكدت «الحق الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي»، ومن بينها «تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؛ لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها».

الرئيس المصري خلال محادثات في القاهرة الخميس مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان (الرئاسة المصرية)

وفي مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976، في مواجهة «التهديدات الخارجية».

عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري، اللواء يحيى كدواني، قال إن الأمن القومي المصري يرتبط مباشرة بوحدة الأراضي السودانية، «ومع وجود مؤامرات تهدف إلى تقسيمه، فإن ذلك يستدعي وضع (خطوط حمراء) لعدم تجاوزها، بما يحقق الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، وبما يشكل ضمانة لحماية الأمن القومي المصري».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف المصري بشأن الحفاظ على وحدة وسلامة السودان ثابت وقوي، والقاهرة قادرة على تنفيذ ما تعلن عنه من شعارات ومبادرات لحماية مؤسسات الدولة السودانية»، لافتاً إلى أن استدعاء «اتفاقية الدفاع المشترك» جاء للتأكيد على أن «هناك تنسيقاً مشتركاً بين البلدين في إطار الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة في السابق بين البلدين».

وذكر بيان الرئاسة المصرية، الخميس، أن «القاهرة تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر»، كما أكدت «رفضها القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها، باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه».

أما عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، فأكد أن التنسيق المصري - السوداني في مجابهة تهديدات تقسيم البلاد يأتي في إطار حماية الأمن القومي المصري والسوداني والعربي، خاصة أن البلدين ضمن «مجلس الدول المتشاطئة على البحر الأحمر»، وهو لديه أدوار رئيسية تتمثل في «الدفاع والتنمية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف المصري يأتي في إطار مبادرة «الرباعية الدولية»، والمبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، موضحاً أن «القاهرة تدعم تنفيذ (خريطة طريق) تبدأ بهدنة تستمر ثلاثة أشهر، ودمج (قوات الدعم السريع) في الجيش السوداني، مع الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية السودانية».

ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، أكدت القاهرة «حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار (الرباعية الدولية)، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية».

وطرحت «الرباعية»، التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي، «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة البرهان إلى مصر بعد أخرى قام بها إلى المملكة العربية السعودية، الاثنين الماضي، وأكد في ختام زيارته حينها «حرص السودان على العمل مع ترمب ووزير خارجيته، ماركو روبيو، ومبعوثه للسلام في السودان، مسعد بولس، في جهود تحقيق السلام ووقف الحرب».

وأكدت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أماني الطويل، أن «مصر وضعت خطوطاً حمراء لأول مرة في الملف السوداني، وموقفها الأخير هو الأكثر حدة منذ اندلاع الحرب، وهو يتماهى مع الموقفين السعودي والأميركي بشأن الحفاظ على وحدة السودان، وضرورة وقف الحرب، ورفض الكيانات الموازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول إن هناك توافقاً سعودياً - مصرياً على المواقف القوية بشأن وحدة السودان، ما يبرهن على أن الاتجاه السائد الآن هو بلورة مبادرة لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية»، لكنها شددت أيضاً على أن «المسألة الأكثر تعقيداً تتعلق بالحلول السياسية في ظل التعامل مع أطراف سودانية لا تقبل بعضها، ومن الممكن أن يأتي إعلان مبادئ (نيروبي) مقدمةً لهذا السياق».

ووقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل) لوقف الحرب في السودان، ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب.

وأكد متحدث الرئاسة المصرية، الخميس، أن محادثات السيسي والبرهان «تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية، بما يجسّد تطلعات الشعبين نحو تحقيق التكامل والتنمية المتبادلة، وتطرقت كذلك إلى مستجدات الأوضاع الميدانية في السودان».


«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
TT

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

طرحت الزيارة التي أجراها قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، لمقر القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي في مدينة بنغازي، أسئلة كثيرة، وسط إشارات إلى «خريطة تحالفات جديدة» تتعلق بموازين القوى.

واستقبل حفتر مساء الأربعاء، في بنغازي (شرق)، قائد الجيش الباكستاني، يرافقه وفد عسكري رفيع المستوى، في إطار زيارة رسمية إلى ليبيا لعقد سلسلة من الاجتماعات ذات الاهتمام المشترك. وقال مكتب القيادة العامة إن زيارة الوفد الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات»، حيث أكد الطرفان عمق العلاقات التاريخية الليبية - الباكستانية، وأهمية المضي قدماً في تطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة بين الجانبين.

قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير في زيارة لبنغازي الأربعاء (القيادة العامة)

وعدّ المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، زيارة الوفد الباكستاني «غير عادية»، ورأى أنها «تمثل نقلة نوعية مرتبطة برؤية القيادة العامة 2030 في تطوير قدرات القوات المسلحة الليبية، التي لم تعد رهينة الاعتماد على دولة واحدة للتسلّح منها بلا آفاق وأبواب جديدة».

وأضاف قشوط في إدراج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن التعاون مع الجيش الباكستاني «سيضيف إلى قواتنا المسلحة كثيراً»، وعدّه «حليفاً استراتيجياً سيكون بمنزلة ردع لأي تهديدات مستقبلية».

وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للوفد الباكستاني، وكان في مقدمة مستقبليه، نائب القائد العام الفريق أول صدام حفتر، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، الفريق أول خالد حفتر، إلى جانب عدد من رؤساء الأركان بالقوات المسلحة.

وينظر الباحث في الشأن الليبي، محمد تنتوش، إلى زيارة الوفد العسكري الباكستاني لبنغازي على أنها «فشل دبلوماسي لحكومة (الوحدة)؛ ورئاسة الأركان في المنطقة الغربية»، وأرجع ذلك إلى أنها «لم تصنع علاقة بذات المستوى مع باكستان». وذهب تنتوش إلى أن «كل قوة وتطور في عمل معسكر الرجمة هو عامل إضافي، قد يُمكِّنها من السيطرة على كامل ليبيا، أو على الأقل يشجعها على ذلك».

كانت القيادة العامة قد مهّدت لقدوم الوفد الباكستاني بزيارة أجراها صدام حفتر إلى إسلام آباد في يوليو (تموز) الماضي، التقى خلالها شخصيات باكستانية عديدة، من بينهم رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، ورئيس أركان البحرية الأدميرال نويد أشرف، وذلك ضمن زيارته الرسمية للبلاد.

ويرى محللون أن الزيارة، التي بحثت تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، جاءت في توقيت تتصاعد فيه التحركات الإقليمية، وإعادة رسم خرائط النفوذ العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان تعديل دستوري أقرته باكستان مؤخراً، قد عزز من نفوذ منير، بمنحه أدواراً إضافية وحصانة مدى الحياة، في خطوة عدّها محللون ترسيخاً لمكانة قائد الجيش في موقع «الرجل الأقوى في البلاد».

وسبق أن قال موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي، إن حفتر «لم يعد مكتفياً بالتحالف مع موسكو لتحقيق أهدافه في ليبيا؛ بل بات يناور بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، ويخلق توازناً في منطقة مضطربة». فيما يرى متابعون أن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تحمل رسائل عدة تشير إلى انفتاح شرق ليبيا على تعاون عسكري أوسع مع قوى مؤثرة خارج الإطار التقليدي.

حفتر ومنير يستعرضان قطعة سلاح الأربعاء (القيادة العامة)

كان حفتر قد التقى في مايو (أيار) الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة موسكو، كما التقى أيضاً وزير الدفاع أندريه بيلوسوف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو.

ويفرض مجلس الأمن الدولي منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حظراً على السلاح. فيما جدد مؤخراً تفويضه بتفتيش السفن المتجهة من وإلى السواحل الليبية لمدة ستة أشهر. وينصّ قرار مجلس الأمن، الذي صُوّت عليه في نيويورك بتمديد مهمة العملية البحرية الأوروبية «إيريني»، على ضرورة توافر «أسباب معقولة» للاشتباه قبل الشروع في تفتيش السفن.


شكاوى مستمرة من «خروقات» مع تواصل انتخابات «النواب» المصري

مصريون أمام مركز اقتراع في محافظة الغربية (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون أمام مركز اقتراع في محافظة الغربية (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

شكاوى مستمرة من «خروقات» مع تواصل انتخابات «النواب» المصري

مصريون أمام مركز اقتراع في محافظة الغربية (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون أمام مركز اقتراع في محافظة الغربية (تنسيقية شباب الأحزاب)

تواصلت الشكاوى من «خروقات» خلال جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، الخميس، فيما أعلنت وزارة الداخلية المصرية «توقيف عشرات الأشخاص على مدار يومي التصويت بجولة الإعادة في عدد من المحافظات (حاولوا) التأثير على المُصوتين».

وسلّط المرشح في الانتخابات البرلمانية، أحمد بلال، الضوء، الخميس، على ما وصفها بأنها «محاولات شراء الأصوات علناً بعشرات الحافلات الصغيرة في شارع نعمان الأعصر بنطاق قسم شرطة ثالث بالمحلة الكبرى في دلتا مصر»، متحدثاً عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي عن «هجوم تعرّض له من قبل السماسرة».

وبثّ بلال، وهو مرشح تابع لحزب التجمع (يسار) عبر صفحته مشادّة كلامية دارت بينه وبين من قال إنه «أحد السماسرة العاملين مع أحد المرشحين».

وبحسب أرقام صادرة عن «الداخلية المصرية»، حتى منتصف يوم الخميس، فقد جرى ضبط نحو 150 شخصاً على مدى يومي الاقتراع (الأربعاء والخميس) في عدة وقائع تتعلق بـ«ارتكاب خروقات انتخابية، تراوحت بين توزيع أموال وكوبونات مواد غذائية، إلى جانب خرق الصمت الانتخابي بمحاولة التأثير على المُصوتين»، وتمت إحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة. وأشارت عدة بيانات لـ«الداخلية» إلى «ضبط 20 شخصاً حتى منتصف يوم الخميس فقط».

وعلى غرار كثير من الأحزاب السياسية، واجه حزب الوفد خلال الاستحقاقات الانتخابية مظاهر لما وُصف بأنه «فساد» تمثّل في الرشاوى الانتخابية، وفق تعبير القيادي بالحزب، ياسر قورة، الذي يعتقد أن «هذه الظاهرة تمثل تحدّياً خطيراً أمام تطوير الحياة السياسية في البلاد».

ووسط هذا الكم من التوقيفات لمتهمين بـ«الضلوع في جرائم الرشوة الانتخابية»، قال قورة لـ«الشرق الأوسط» إن «القضاء على هذه الممارسات لن يتحقق في وقت قصير، بل يتطلب جهداً تراكمياً يجمع بين تشديد الملاحقات الأمنية وتعزيز الوعي المجتمعي بخطورتها على المسار الديمقراطي».

ولفت إلى أن هذه الظاهرة باتت محل استهجان متزايد لدى قطاعات واسعة من المواطنين، «لا سيما في ضوء التحذيرات المباشرة التي أطلقها الرئيس المصري بشأن آثارها السلبية على الدولة والمجتمع».

مواطنون يستعدون للإدلاء بأصواتهم في محافظة الإسماعيلية الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

وسبق أن حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مواطنيه من الرشاوى الانتخابية وما قد تؤدي إليه من تمكين «الجاهل أو الأحمق»، وذلك ضمن لقاء تفاعلي بأكاديمية الشرطة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

جاء ذلك التحذير الرئاسي على خلفية مخالفات انتخابية استدعت تدخل السيسي لوقفها، وأعقبها إلغاء نتائج 19 دائرة بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات، و30 دائرة بحكم من المحكمة الإدارية العليا.

رئيس «مجلس الشباب المصري»، محمد ممدوح، قال إن انتشار ظاهرة شراء أصوات الناخبين بهذا الحجم يعكس وجود مرشحين «يفتقرون إلى القدرة على إقناع المواطنين ببرامجهم»، ويحذّر من خطورة هذه الممارسات التي «قد تنتج برلماناً به نواب وصلوا إلى مقاعدهم عبر استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة للتأثير على إرادة الناخبين».

في المقابل، يرى رئيس «مجلس الشباب المصري»، وهو (إحدى المنظمات الحقوقية المخولة بمراقبة الاقتراع)، أن هذه الوقائع تحمل جانباً إيجابياً، يتمثل في كونها تحمل «دلالة واضحة على وجود تنافسية انتخابية حقيقية، وأن العملية الانتخابية ليست مُهندسة سلفاً»، لافتاً إلى أن «تحرك أجهزة الدولة لضبط المتهمين بشكل فوري يؤكد وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع المرشحين».

وأضاف أن «الأنظار تتجه حالياً إلى الإجراءات القضائية المنتظرة بحق المتورطين»، مذكّراً بسابقة قضائية في محافظة الغربية، حيث صدر حكم بالسجن لمدة عام بحق أحد أنصار مرشح، بعد إدانته بتوزيع رشاوى انتخابية.

مصريات ينتظرن الإدلاء بأصواتهن في انتخابات مجلس النواب الخميس (أ.ش.أ)

في السياق ذاته، جدد مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، أحمد بنداري، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، التأكيد على «حرص الهيئة على تلقي شكاوى وبلاغات جميع أطراف العملية الانتخابية، إزاء أي مشكلة أو خروقات انتخابية قد تحدث، حتى يمكن التحقيق فيها والتعامل معها بصورة فورية ووفق صحيح حكم القانون وإزالة أسبابها».

يتزامن الحديث عن الرشاوى الانتخابية مع تزايد «انسحابات لمرشحين» عبر تسجيلات مصوّرة، وذلك في اليوم الأخير لانتخابات جولة الإعادة للمرحلة الثانية، التي تجري في 55 دائرة انتخابية موزعة بين 13 محافظة، والتي رصدها «الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية».

وقد سلط «الائتلاف» الضوء على انسحاب 3 مرشحين في محافظة القاهرة، أحدهم تحدث «عن ظلم تعرّض له»؛ لكن وزارة الداخلية أكدت «ضبط عدد من أنصار المرشح المذكور بمحيط اللجان الانتخابية بدائرة قسم شرطة دار السلام، وبحوزتهم عدد من كروت الدعاية الانتخابية الخاصة به، ومبالغ مالية تمهيداً لتوزيعها على الناخبين».

وغالباً لا تعتدّ الهيئة الوطنية للانتخابات بأي انسحابات أو تنازلات يعلن عنها أثناء سير عملية الاقتراع، إذ سبق أن أوضح بنداري، تعليقاً على واقعة انسحاب مرشحة برلمانية في نوفمبر الماضي، أن «الهيئة لا تُقرّ أي تنازل؛ إلا إذا قُدِّم خلال المواعيد القانونية المحددة».

وشدّد بنداري حينها على أن «ما يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي من انسحاب مرشحين، لا يترتب عليه أي أثر قانوني»، لافتاً إلى أن التنازل «يجب أن يُقدم في صورة ورقية وفق الإجراءات المنصوص عليها».