لماذا يشن «حزب الله» هجوماً على «المركزي» اللبناني؟

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال أحد اجتماعاته مع حاكم المصرف المركزي ونوابه الأربعة (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال أحد اجتماعاته مع حاكم المصرف المركزي ونوابه الأربعة (الرئاسة اللبنانية)
TT

لماذا يشن «حزب الله» هجوماً على «المركزي» اللبناني؟

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال أحد اجتماعاته مع حاكم المصرف المركزي ونوابه الأربعة (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال أحد اجتماعاته مع حاكم المصرف المركزي ونوابه الأربعة (الرئاسة اللبنانية)

توقفت الأوساط السياسية والاقتصادية في لبنان أمام الهجوم الذي شنه الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الاثنين، على إجراءات حاكميّة مصرف لبنان (المركزي)، ليفتح الباب أمام مواجهة سياسية جديدة تتجاوز الطابع المالي البحت.

فقد اعتبر قاسم أنّ زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت تهدف إلى «التضييق مالياً على (حزب الله) واللبنانيين»، داعياً الحكومة والحاكم إلى «وقف الإجراءات التي تزيد الضغط على المواطنين».

الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم (إعلام الحزب)

هذا الخطاب التصعيدي، لم يُنظر إليه بوصفه اعتراضاً تقنياً على سياسات نقدية جديدة بعد سنوات من الفوضى التي أفرزت اقتصاداً موازياً يعمل خارج أي رقابة. ومع بدء تنفيذ إجراءات إلزامية لتفادي انتقال لبنان إلى «اللائحة السوداء»، بدا واضحاً أنّ المواجهة تتّسع، وأنّ محاولات كبح الضوابط ستصطدم بجبهة سياسية رافضة لاستمرار الاستثناءات.

محاولة لإسقاط الضوابط

وفي تعليق مباشر على كلام قاسم، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» البرلمانية النائب غسان حاصباني لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «الهجمة التي يشنّها (حزب الله) اليوم هي هجمة على الإجراءات المالية، فالحزب يستهدف الضوابط التي تُعيد انتظام الحركة المالية في لبنان، لأنّه دائماً ما كان يرفض أي خطوة تُقيّد التداولات غير الشرعية التي يستفيد منها الاقتصاد الموازي». وأضاف أنّ «هذا الأسلوب ليس جديداً، فقد كان يُستخدم دائماً للضغط على الأشخاص المكلّفين تنفيذ هذه الإجراءات أو المسؤولين عنها».

ورأى حاصباني أنّ «هذا التصعيد بحدّ ذاته دليل على أنّ الإجراءات بدأت فعلاً تأخذ دورها وفعاليتها»، موضحاً أن «هناك رفضاً كاملاً لدى الحزب لأي ضبط للحركة المالية التي يستفيد منها». ورأى أن «الإجراءات بدأت تأخذ دورها، وهذا هو أول ما يجب أن يحصل».

وأوضح: أنّ «مهمة مصرف لبنان هي وضع الضوابط التنظيمية لمنع التداول المالي غير القانوني، والذي قد يؤدي إلى تبييض الأموال أو استخدام الأموال لأغراض غير شرعية، وهذا جزء من معايير دولية تطبّقها كل الدول». وشدد على أنّ «لبنان إذا أراد العودة إلى المنظومة المالية الدولية وتجنّب الانتقال من اللائحة الرمادية إلى اللائحة السوداء، فعليه الالتزام بهذه الإجراءات، لأنّ العودة إلى الوضع الطبيعي تتطلب احترام قواعد النظام المالي العالمي».

قواعد النظام المالي الدولي

وأضاف: «هذه إجراءات لا بد أن تحصل، والقرار مرتبط بقواعد النظام المالي الدولي، ولا يمكن للبنان أن يكون خارج هذا النظام». وأشار إلى أنّ «لبنان أمام خيارين: إما الذهاب نحو اللائحة السوداء، وقطع العلاقات المالية للمصارف الدولية مع المصارف اللبنانية ووضع لبنان في عزلة مالية تضرّ بالشعب كله، أو العودة إلى النظام المالي العالمي بما يسهّل التعاملات والحسابات للبنانيين».

وأضاف: «على مصرف لبنان أن يعمل لتأمين الخيار الثاني، فيما يحاول (حزب الله) الإبقاء على الخيار الأول، أي اقتصاد الظل وقطع لبنان عن النظام المالي العالمي». وشدّد على أنه «بين هذين الاتجاهين يُحسم مستقبل اللبنانيين».

نظام مالي واحد

ومع تزايد الضغوط الدولية وتلويح الهيئات الرقابية بإدراج لبنان على «اللائحة السوداء»، ترى الأوساط المصرفية في لبنان أن الصراع الدائر لم يعد تفصيلاً تقنياً، بل «بات اختباراً أساسياً لقدرة الدولة على فرض نظام مالي واحد لا ازدواج فيه». فالتراجع عن الإجراءات يعني الانزلاق إلى عزلة خانقة، بينما المضي بها يفرض مواجهة مع القوى التي استفادت من الفوضى لسنوات طويلة.

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يستقبل وفد وزارة الخزانة الأميركية في بيروت الاثنين الماضي (رئاسة الحكومة)

في السياق، قال عضو كتلة «حزب الكتائب»، النائب إلياس حنكش لـ«الشرق الأوسط» إنّ «من يخرج اليوم منتقداً هذه الإجراءات هو نفسه المسؤول، مع حزبه، عن الخراب الذي أصاب لبنان، وعن قتل مدنيين وتهجيرهم».

وأشار حنكش إلى أنّ قاسم «سبق وهاجم وزير العدل لأنه يقوم بواجباته، ثم هدّد رئيس الحكومة، وها هو اليوم يهاجم حاكم مصرف لبنان بعد التعميم الأخير، وكأنّ المطلوب تعطيل كل إجراء يُعيد لبنان إلى المنظومة المالية الدولية أو يُلزم المؤسسات المخالِفة باحترام القانون». وسأل: «إلى أين يريد أخذ البلد؟».

الحزب يبني اقتصاداً موازياً

وحول خلفيات الهجوم على الحاكم، قال حنكش: «من الواضح أن (حزب الله) يحاول عرقلة أي خطوة تُعيد الانتظام المالي وتوقف تسرّب الأموال بطرق غير شرعية. فالحزب بنى اقتصاداً موازياً، وبالتالي كل إصلاح يضرب هذا النموذج يثير غضبه».

وأضاف: «القرض الحسن مثال واضح. فإذا كان مؤسسة شرعية ورسمية فليخضع للقوانين، أمّا إذا كان خارج الإطار القانوني ويُستخدم لعمليات مالية غير مراقبة، فهو يعرّض لبنان كله للعقوبات وللعزلة الدولية». ورأى أنه «لم يعد مسموحاً التغطية على أي مؤسسة تعمل خارج النظام المالي اللبناني والدولي».

وعن تأثير هذه المواجهة على مستقبل البلاد، رأى حنكش أنّ «زمن الترهيب ولّى، والدولة تسير باتجاه بناء مؤسساتها وتثبيت سيادتها، فمن يريد أن يقتنع فليقتنع، ومن لا يريد فليتحمّل مسؤولية الوقوف ضد بناء الدولة».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعيد سكان الشمال وسط استعدادات لحرب جديدة على لبنان

شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يقفون فوق مركبات مدرعة للجيش خارج مستوطنة أفيفيم الزراعية بجوار الحدود اللبنانية في الجليل الأعلى الخميس 28 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إسرائيل تعيد سكان الشمال وسط استعدادات لحرب جديدة على لبنان

يتسبب التناقض في قرارات الحكومة الإسرائيلية تجاه التهديدات الحربية للبنان، في بلبلة لدى سكان المناطق الشمالية في أعالي الجليل.

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

عثر الجيش اللبناني على أحد الأنفاق التي بناها «حزب الله»، في بلدة تولين بجنوب لبنان، إثر كشف قام به بناء على طلب لجنة «الميكانيزم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على «إكس»)

دمشق تعلن إحباط محاولة تهريب جديدة لشحنة أسلحة إلى لبنان

أغلبية المستودعات التي بناها الحزب في الأراضي السورية غير مرئية، ومن ثم يرجح أن هناك عدداً منها لم يتم ضبطه بعد...

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» تعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

3 أولويات لاجتماع باريس لدعم الجيش اللبناني

3 أولويات لاجتماع باريس لدعم الجيش اللبناني، ولأن فرنسا قلقة من تصعيد إسرائيل، فإنها تقترح آلية تحقق مما يقوم به الجيش جنوباً في عملية نزع سلاح «حزب الله».

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي لندن توجه تهماً لشخصين بالانتماء إلى «حزب الله» (الشرطة البريطانية)

بريطانيّان يحاكمان بالانتماء إلى «حزب الله» وحضور «تدريبات إرهابية»

مثل رجلان بريطانيان من أصول لبنانية أمام محكمة في لندن، الثلاثاء، بعد توجيه اتهامات لهما بالانتماء إلى جماعة «حزب الله»

«الشرق الأوسط» (لندن)

3 أولويات في «اجتماع باريس» لدعم الجيش اللبناني

 قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)
قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)
TT

3 أولويات في «اجتماع باريس» لدعم الجيش اللبناني

 قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)
قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)

على وقع مخاوف من تصعيد إسرائيلي يطيح اتفاق وقف النار مع لبنان، ينعقد في باريس، اليوم (الخميس)، اجتماع رباعي يضم ممثلين عن فرنسا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ولبنان، يتناول سبل دعم الجيش اللبناني والاطلاع على جهوده لنزع سلاح «حزب الله».

وتفيد مصادر فرنسية بأن باريس تشعر بخطر داهم محدق بلبنان، في ظل تهديدات إسرائيلية معلنة ومتواترة بالعودة إلى الحرب.

وتقول مصادر مطلعة في باريس إن اجتماع الخميس يندرج في إطار ثلاث أولويات رئيسية؛ أُولاها النظر في عمل آلية «الميكانيزم» المنوطة بها مهمة مراقبة وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، والنظر في تطويرها.

ويمثّل لجم التصعيد الإسرائيلي في لبنان الأولوية الثانية للاجتماع الذي يشارك فيه قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل الذي سيقدم عرضاً للجهود اللبنانية لحصر السلاح في يد الدولة.

أما الأولوية الثالثة فتتعلق بما ستقوله الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بخصوص خطط بلادها في لبنان.


غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار

غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار
TT

غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار

غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار

حثّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس (الأربعاء)، جميع الأطراف في اليمن على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وذلك بعد تقدم الانفصاليين في الجنوب، في تطور ينذر بتأجيج الحرب الأهلية المستمرة منذ عشر سنوات، بعد فترة هدوء طويلة، طبقاً لما أوردته وكالة «رويترز».

وأشار غوتيريش إلى أن عمليات المنظمة الدولية باتت غير قابلة للاستمرار في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتحديداً العاصمة اليمنية صنعاء، إلى جانب شمال غربي البلاد ذي الكثافة السكانية العالية.

من ناحية ثانية، نفى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقف منح تصاريح دخول السفن إلى ميناء العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج في إطار الشائعات التي تستهدف إرباك المشهد الاقتصادي والملاحي في البلاد.


إسرائيل تريد اتفاقاً مع سوريا «يخدم الطرفين»

 فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تريد اتفاقاً مع سوريا «يخدم الطرفين»

 فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، عن رغبة بلاده في إبرام اتفاق أمني مع سوريا يخدم الطرفين، لكنه قال إن أي اتفاق من هذا النوع «يجب أن يراعي الوضع بالجنوب»، في إشارة إلى رغبة تل أبيب في جعلها منطقة منزوعة السلاح.

وزعم ساعر في مقابلة مع قناة «العربية الإنجليزية»، أمس، أن تل أبيب، «ليس لها أطماع في أراضي سوريا»، مستدركاً أنها «لا تريد انطلاق أنشطة إرهابية من سوريا».

وفي الشأن اللبناني، قال ساعر إن لدى إسرائيل رغبة في «التطبيع مع لبنان»، عادّاً أن «الخلافات بسيطة، ويُمكن تجاوزها».

وتطرق وزير خارجية إسرائيل، إلى ملف غزة، زاعماً أن سلاح حركة «حماس» هو العقبة أمام الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف النار.

من جهته، قال الوسيط المقرب من الإدارة الأميركية، بشارة بحبح، لـ«الشرق الأوسط»، إن المرحلة الثانية لاتفاق غزة ستبدأ الشهر المقبل.