حزب «البعث» السوري يتداعى

حوّل حكام سوريا الجدد المقر السابق للحزب في دمشق «مراكز المصالحة والتسوية»

بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
TT

حزب «البعث» السوري يتداعى

بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)

بعد أيام قلائل من إطاحة «هيئة تحرير الشام» في سوريا بالرئيس بشار الأسد، أعلن «حزب البعث» الحاكم تجميد أنشطته، ما يمثل تغييراً صادماً في حظوظ الجماعة السياسية، التي حكمت لأكثر من 6 عقود، حسب تقرير وكالة «أسوشييتد برس».

ولجأ الكثيرون من أعضاء قيادة الحزب إلى الاختباء، بينما فر البعض الآخر إلى خارج البلاد. وفي خطوة رمزية، حوّل حكام سوريا الجدد المقر السابق للحزب في العاصمة دمشق، إلى مركز يصطف داخله أعضاء سابقون بالجيش وقوات الأمن، لتسجيل أسمائهم وتسليم أسلحتهم، فيما يعرف بـ«مراكز المصالحة والتسوية».

في الوقت ذاته، تتصاعد الدعوات لحل «حزب البعث العربي الاشتراكي»، الذي حكم سوريا رسمياً منذ عام 1963. ويرى الكثير من السوريين - بما في ذلك أعضاء سابقون بالحزب - أن حكمه أضر بالعلاقات مع الدول العربية الأخرى، وساعد في تفشي الفساد الذي أدى إلى انهيار الدولة التي مزقتها الحرب.

من بين هؤلاء، محمد حسين علي، 64 عاماً، الذي عمل في شركة نفط حكومية، وكان عضواً في الحزب لعقود حتى استقال في بداية الانتفاضة السورية المناهضة للحكومة عام 2011، التي تحولت إلى حرب أهلية. وقال: «لا ينبغي حل الحزب فحسب، بل يجب أيضاً أن يذهب إلى الجحيم».

يذكر أن علي لم يغادر البلاد قط، وقد أكد أنه سعيد بانتهاء حكم «البعث».

هويات معتقلين في فرع أمني بدمشق بعد سقوط الأسد (أ.ف.ب)

من جهته، قال مسؤول في «هيئة تحرير الشام»، التي قادت الإطاحة بالأسد، إنه لم يجر بعد اتخاذ قرار رسمي بشأن ما يجب فعله مع «حزب البعث».

وأشار المسؤول، الذي اشترط عدم كشف هويته، لأنه غير مخول له بالتحدث عن الأمر، إلى أن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، قال إن المسؤولين الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوري على مدى العقود الماضية، سيمثلون أمام العدالة. وألمح إلى أن هذا يشمل أعضاء «حزب البعث».

أكبر تمثال لحافظ الأسد كما بدا أمس بعد نحو 3 أسابيع من إسقاطه في بلدة ديرعطية شمال دمشق (أ.ف.ب)

يذكر أن الحزب، الذي كان هدفه توحيد الدول العربية في أمة واحدة، تأسس على يدي اثنين من القوميين العرب السوريين، ميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار، عام 1947. وفي فترة ما، حكم الحزب بلدين عربيين، العراق وسوريا.

واشتعلت حالة من التنافس بين الفرع السوري تحت حكم الأسد ووالده الراحل حافظ، والفرع العراقي تحت حكم صدام حسين، الذي أطاح به الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وأصبح «حزب البعث» داخل سوريا، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً للغاية بعائلة الأسد التي تولت السلطة منذ عام 1970. وعلى امتداد عقود، استغلت العائلة الحاكمة الحزب وآيديولوجيته القومية العربية للسيطرة على البلاد.

وشغل الكثيرون من أبناء الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها آل الأسد، وظائف عسكرية عليا، وجرى استغلال عضوية الحزب كغطاء لمنحه طابعاً وطنياً، بدلاً من الطابع الطائفي.

عناصر من أجهزة الجيش والشرطة والأمن قدموا لتسوية أوضاعهم في مركز المزة بدمشق (الشرق الأوسط)

من جهته، قال عبد الرحمن علي، جندي سابق، ظل عضواً في «حزب البعث» لعقود، وحرص على القدوم إلى مقر الحزب لقطع علاقاته العسكرية به، إنه لم يكن لديه أي فكرة عن تأسيس الحزب على يد عفلق وبيطار، وذكر أنه «لطالما اعتقد أن حافظ الأسد هو المؤسس».

أضاف علي، (43 عاماً): «أشعر بالسعادة. لقد تحررنا من الخوف. حتى الجدران كانت لها آذان. لم نجرؤ على التعبير عن آرائنا مع أي شخص»، في إشارة إلى أجهزة الأمن والاستخبارات المخيفة، التي اعتقلت وعذبت الأشخاص الذين عبروا عن انتقادهم للأسد أو المسؤولين الحكوميين.

منظمة «طلائع البعث» في سوريا فرضت تجديد الولاء اليومي للحزب وقائده قبل بدء ساعات الدراسة (متداولة)

جدير بالذكر أن الكثير من السوريين كانوا ملزمين بالانضمام إلى «طلائع البعث» و«شبيبة الثورة»، الفرعان الخاصان بالأطفال والشباب بالحزب، أثناء وجودهم في المدرسة الابتدائية، وذلك بغرض التأكيد على الآيديولوجية القومية العربية والاشتراكية.

وكان من الصعب على الأشخاص الذين لم يكونوا أعضاء بالحزب، الحصول على وظائف حكومية أو الانضمام إلى الجيش أو أجهزة الأمن والاستخبارات.

صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على غلاف تقرير فوق مكتب بمقر «حزب البعث» حيث ينتظر جنود سابقون تسجيل أسمائهم في «عملية المصالحة» في دمشق الاثنين (أ.ب)

عام 2012، بعد عام من اندلاع الانتفاضة السورية، جرى إلغاء فقرة من الدستور تنص على أن «حزب البعث» زعيم الأمة والمجتمع، في خطوة سعت إلى تهدئة مطالب الجمهور بالإصلاح السياسي. إلا أنه على صعيد الممارسة العملية، ظل الحزب مسيطراً، حيث شغل أعضاؤه مقاعد الأغلبية في البرلمان والحكومة.

عناصر من أجهزة الجيش والشرطة والأمن قدموا لتسوية أوضاعهم في مركز المزة بدمشق الثلاثاء (الشرق الأوسط)

جندي سابق آخر، لم يذكر سوى اسمه الأول، غدير، خوفاً من تعرضه للانتقام باعتباره من أبناء الطائفة العلوية، قال إنه جاء من عائلة فقيرة، وانضم إلى الحزب حتى يتمكن من دخول الجيش للحصول على دخل ثابت. وقال: «لا يمكنك الحصول على أي وظيفة إذا لم تكن بعثياً».

وفي حين أن قِلة من الناس يتباكون على سقوط الحزب في سوريا، فإن البعض يخشون أن الأغلبية السنية التي تسيطر الآن على البلاد، قد تشن حملة تطهير مماثلة لتلك التي حصلت في العراق بعد سقوط صدام حسين.

وقد جرى تشكيل لجنة لاجتثاث «حزب البعث» في العراق، وكانت مهمتها الرئيسة التخلص من الموالين لصدام داخل أروقة الحكومة والمؤسسات العسكرية. واعتبرت الأقلية السنية أن هذا الأمر وسيلة لتصفية الحسابات الطائفية من قبل الأغلبية الشيعية في البلاد. وأسهم الاستياء السني والحرمان من الحقوق الذي أعقب ذلك، في صعود جماعات متطرفة في البلاد، بما في ذلك تنظيما «القاعدة» و«داعش» في العراق.

طابور أمام مركز المزة للمصالحة والتسويات أمس (الشرق الأوسط)

في سوريا، دعا بيان لـ«حزب البعث»، صدر بعد 3 أيام من سقوط الأسد، جميع الأعضاء إلى تسليم أسلحتهم وسياراتهم العامة للسلطات الجديدة.

وفي 24 ديسمبر (كانون الأول)، كان عضو الحزب والعقيد السابق في الجيش، محمد مرعي، من بين مئات الأشخاص الذين اصطفوا في المقر السابق للحزب وسلموا الأسلحة.

وقال مرعي إنه ينبغي منح الحزب فرصة أخرى؛ لأن مبادئه جيدة، لكن أسيء استغلالها على مدى عقود. ومع ذلك، أوضح أنه ربما يرغب في الانضمام إلى حزب آخر، إذا أصبحت سوريا ديمقراطية متعددة الأحزاب في المستقبل.

وقد سلم مسدسه سوفياتي الصنع «ماكاروف»، وتسلّم وثيقة تفيد بأنه يستطيع الآن التحرك بحرية في البلاد، بعد المصالحة مع السلطات الجديدة. وقال: «أريد أن أصبح مواطناً سورياً عادياً مرة أخرى، وأن أعمل على بناء سوريا جديدة».


مقالات ذات صلة

معارك الظل في سوريا... محاربة «داعش» وإعادة بناء الدولة

خاص سوريون يحتفلون في الساحات العامة بسقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2025 (الشرق الأوسط)

معارك الظل في سوريا... محاربة «داعش» وإعادة بناء الدولة

بين واجهة احتفالية مصقولة وعمق اجتماعي منهك وتحديات أمنية هائلة تواجه سوريا سؤالاً مفتوحاً حول قدرة الدولة الناشئة على التحول من حالة فصائلية إلى مفهوم الدولة.

بيسان الشيخ (دمشق)
المشرق العربي جانب من عملية تسليم جنود النظام السابق أسلحتهم لقوات الحكومة الجديدة في اللاذقية يوم 16 ديسمبر 2024 (نيويورك تايمز)

بناء الجيش أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة السورية

يتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة السورية الناشئة في إعادة بناء القوات العسكرية في البلاد.

رجاء عبد الرحيم (حلب، سوريا)
المشرق العربي جندي من وزارة الدفاع السورية خلال جولة داخل ما كانت يوماً قاعدة عسكرية إيرانية جنوب حلب (أ.ف.ب)

خفايا الانسحاب الإيراني من سوريا... أفرغوا المراكز وهربوا عبر «حميميم»

أبلغ قائد إيراني مسؤول عن ضباط وجنود سوريين يخدمون تحت إمرته أنه «بعد اليوم لن يكون هناك (حرس ثوري) إيراني في سوريا».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا وزير الخارجية السابق ديفيد لامي زار دمشق في يوليو الماضي والتقى الشرع وعدد من المسؤولين السوريين  (وزارة الخارجية البريطانية)

بريطانيا تحذف «هيئة تحرير الشام» السورية من قائمة المنظمات الإرهابية

قالت بريطانيا إنها قررت حذف «هيئة تحرير الشام» السورية من قائمة المنظمات الإرهابية، مشيرة إلى أن هذا القرار سيسمح بتعزيز التواصل مع الحكومة السورية الجديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الشرع: إعادة إعمار سوريا تكلف 900 مليار دولار وتتطلب دعماً دولياً واسعاً

الشرع: إعادة إعمار سوريا تكلف 900 مليار دولار وتتطلب دعماً دولياً واسعاً

شدد الرئيس السوري أحمد الشرع على أن إعادة إعمار البلاد ضمن أولويات الدولة، مشيراً إلى أن تكلفة هذه العملية تتراوح بين 600 و900 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)

عائلة الضابط اللبناني المختطَف: استدرجه مغترب

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

عائلة الضابط اللبناني المختطَف: استدرجه مغترب

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)

روت عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني، أحمد شكر، تفاصيل جديدة بشأن اختفائه قبل أيام، مشيرة إلى أن مغترباً لبنانياً في كينشاسا يُدعى «ع . م» تواصل مع أحمد لاستئجار شقته في جنوب بيروت، وأنه زار لبنان مراراً.

وقال عبد السلام، شقيق الضابط المختفي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المغترب طلب لاحقاً من أحمد المساعدة في بيع قطعة أرض في زحلة لِمُتموّل يُدعى سليم كساب، لكن تبين لاحقاً أنه اسم مستعار.

وفي يوم اختفاء أحمد، ذهب لمقابلة المتمول، لكن المغترب اعتذر من عدم الحضور. وأظهرت كاميرات المراقبة تحرك سيارة باتجاه بلدية الصويرة، حيث فُقد أثر أحمد؛ مما أثار الشكوك بشأن تعرضه للاختطاف، من دون وجود أدلة واضحة.

ونفت العائلة أي علاقة لأحمد بملف الطيار الإسرائيلي رون آراد المفقود منذ 1986، وأيَّ علاقة له بالأحزاب.


الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة جديدة

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)
TT

الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة جديدة

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)

أفاد وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بأن العلاقات السورية - الروسية تدخل عهداً جديداً مبنياً على الاحترام المتبادل.

وقال الشيباني، خلال اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، أمس، إن مناقشة العلاقة بين البلدين تجري بقدر أكبر من الصراحة والانفتاح، مشدداً على أن دمشق تتطلع إلى بناء علاقات متوازنة وهادئة مع جميع الدول.

والتقى الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، الثلاثاء، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتناول اللقاء سبل تطوير الشراكة العسكرية، بما يعزز القدرات الدفاعية للجيش السوري، ويواكب التطورات الحديثة في الصناعات العسكرية.

وأوردت «الوكالة العربية السورية للأنباء» أن الرئيس الروسي «جدّد موقف موسكو الرافض للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية»، وأكّد رفضه «أي مشاريع تهدف إلى تقسيم سوريا».


العراق يلاحق «مجندين» في حرب أوكرانيا

صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)
صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)
TT

العراق يلاحق «مجندين» في حرب أوكرانيا

صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)
صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)

كثّف العراق ملاحقته القضائية لمواطنين تورطوا في القتال ضمن الحرب الروسية – الأوكرانية، محذّراً من عقوبات بحق من يلتحق بقوات عسكرية أجنبية من دون موافقة رسمية.

وأكد رئيس مجلس القضاء فائق زيدان أن القانون يعاقب بالسجن كل من يشارك في نزاعات خارجية، مشدداً على تجريم شبكات التجنيد والاتجار بالبشر.

جاء ذلك بالتزامن مع عمل لجنة حكومية خاصة بمكافحة تجنيد العراقيين للقتال في أراض أجنبية، وسط تضارب بشأن أعداد المجندين.

وتتحدث تقارير صحافية عن وجود نحو 50 ألف عراقي جُندوا للقتال في صفوف القوات الروسية، في حين تشير إحصاءات غير رسمية إلى نحو 5 آلاف مقاتل يتوزعون بواقع 3 آلاف مع الجيش الروسي، وألفي مقاتل مع الجيش الأوكراني.

وكانت محكمة عراقية قد أصدرت حكماً بالسجن المؤبد بحق مدان بتجنيد مقاتلين للقتال مع روسيا.