سارة ربيع

الثامنة إلا ربع صباحاً

أستيقظ صباحاً، أُغلِق المنبّه، وألتفتُ إلى صغيرتي التي تقضي ليلتها في معارك مع الغطاء، ومقاومة التهاب اللوزتين القاسي. أحلم كل ليلة أنها تزرقّ من البرد... أجسّ يديها، دافئة، أتمسَّك بها أكثر... لماذا لا أسقط في الأحلام بجانبها، ولا أفكر فيمَ سأرتدي اليوم؟! لا أريد الخروج، لكنني أعمل من الغرفة المجاورة خلال التسعة أشهر الماضية، وما زلت أضلّ الطريق كل صباح. تغيَّرَتْ مفردات حياتي منذ تحذيرات العاصفة التي هاجمت القاهرة في مارس (آذار) الماضي، وتابعها قرار الإغلاق في مواجهة تفشي الوباء بمصر. في شهوري الأولى كنتُ أقاوم الآثار الجانبية للتباعد الاجتماعي؛ البحث الدائم عن بدائل لما كنا نفعله.

ما فعلته العزلة!

يقف الإنسان مصدوماً أمام ضعفه، يعتقد طوال الوقت أنه مسيطر وقابض على زمام أموره بشدة، يدير دفة أيامه كما يشاء، إلى أن تأتي ظاهرة حتمية تضعه أمام نفسه، ويشاهد مقداره أمام تدابير الكون. أصعب ما تفعله الحروب مواجهة عدوّ غامض، غير مرئي، تخافه وتخشاه ولا تعرف له طريقاً للخلاص. بعد ما يقرب من شهر من العزلة والحجر المنزلي، تغيرَتْ نظرتي للأشياء، التفاصيل اليومية المملّة أصبحت مطلباً وأُمنيَة، الزحام والانتظار بالطرق...

سلام الله على المخفّين

يمر على الدنيا أناس طيبون ورائعون. تأخذنا دوامة الحياة والروتين اليومي دون أن نقول لهم كم نحن نحبهم. ننسى إننا وإياهم غير مخلدين في هذه الحياة وسنرحل شئنا أم أبينا. تخذلنا المواقف أحيانا فلا نعرف مقدار محبتهم إلا عندما نفقدهم، ثم نصاب بصدمة الفقد والرحيل دونما فرصة أخيرة للوداع. الفقد... هذا المرض اللعين الذي يصيب النفس البشرية، يأكل من أرواحنا كل يوم ولا يشبع، نحمله فوق أكتافنا ونسير به في هذه الحياة. في الموت دائما عظة وحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى.

دائرتك الاجتماعية تتغير

تقف الإنسانية حائرة أمام تفسير طبيعة العلاقات البشرية في الدائرة الاجتماعية لكل فرد في المجتمع. هل يحب الفرد أمه أكثر أم أباه؟ هل يفضل الخال على العم؟ أم العمة على الخالة؟ أيهما اقرب..أهل الأم أكثر؟ من يحمل مفتاح أسراره وحكاياته أبناء العم أم بنات الخالة؟ تهلكنا الحسابات والمعادلات، تتغير أحيانا بتغير نمط حياتنا اليومية، لكن مشاعرنا الأولى تجاه الأهل لا تغيرها الأيام.

كابتن «ميم» وقفص الخبز

في صباح اليوم ووسط زحام قاهري يتكرر بالتفصيل كل يوم ، تعبر الطريق أمامي سيدة في الخمسين من عمرها تحمل "قفص" من الخبز الطازج ، تشد بيديها علي يد طفلتها الصغيرة ويد أخرى تثبت القفص أعلي رأسها ، في قدرة عالية من الاتزان والمهارة تغلب بها لاعبي الجمباز الدوليين ، تعبر الطريق ويبتلعها الزحام وتتركني أرهن عضلات عنقي ..

سنحاربهم بالغناء..

يقول أعظم عباقرة الموسيقى لودفيغ فان بيتهوفن "الموسيقى وحي يعلو على كل الحكم والفلسفات، وتقول التجربة إن الموسيقي تعلو على كل الأزمات والتفاصيل المهلكة، تصل الشعوب ببعضها البعض بلغة روحية بالغة الشفافية تخترق الحواجز والمعابر الإسمنتية التي تفرضها الحروب والمآسي التي نعيشها في وقتنا الحالي. تحمل الصدفة لي دائما مفاتيح جديدة من التجربة ، تفتح لي مجالا جديداً لم أره من قبل ، ربما مررت عليه بسرعة وأنا ألهث وراء إنهاء مهامي ومسؤولياتي العملية والأسرية؛ ففي مساء يوم عادي إيقاعه بطيء، صادفت مشاهدة برنامج "ذا فويس كيدز" الذي يعرض على قنوات شبكة "ام بي سي"، أذهلتني تلك المواهب الرائعة من أطفال صغار ذو

سماعة وكتاب وتذكرة أتوبيس

تقول إحدى الدراسات إن الإنسان يستهلك من عمره الافتراضي أكثر من 30 يوماً، مقدار انتظاره على أرصفة القطارات والحافلات العامة. وتقول التجربة الحياتية في القاهرة ، إننا نستهلك أكثر من 4 ساعات يوميا في رحلات الذهاب والإياب من والى العمل ، وقد تزيد عدد تلك الساعات وفقاً لحالة الطقس والمرور ورضا الأم أيضا. فمن علامات رضا الأم على أبنائها، أن يكون طريقه" سالك" في شوارع المحروسة. يقبض الانتظار على الروح بيد شائكة عنيفة ، لا تعرف معنى للرحمة والإنسانية ، ولكن هناك العديد من الوسائل التي قد تبدو تافهة وبسيطة لمقاومة الانتظار والزحام ، منها قائمة موسيقية تفضلها على هاتفك ، ومعها التعرف على مجموعات الأصدق

اضحك «المرارة» تطلع حلوة

تقول الأسطورة في بلادنا العربية، إن الضغط العصبي والمشكلات والهموم، تؤدي في النهاية إلى «فقع المرارة»، ولم يجد الطب تفسيرا علميا لهذه العلاقة، ولكن العائلة والأصدقاء، أصروا على أن يعرفوا من الذي «فقع مرارتي»، والتي تستدعي حالتها جراحة لإزالتها، استهلكت شهرين أبحث في أصل الأسطورة، وأسأل طبيبي في كل مرة، فيبتسم ويخبرني أن أسرع في إجراء الجراحة، ولكن استسلامي للطب لم يكن بالسهل! فما زلنا في مجتمعنا المعاصر، المتضخم بالتكنولوجيا والأبحاث والدراسات، نخشى الطب ونفزع من ممارسيه، نصاب بالاكتئاب إذ ما فكرنا فقط أن نزور طبيبا، تؤثر تجاربنا العائلة في شعورنا تجاه المستشفيات، فنستبعد تلك وذاك لذكريات مؤلم

دع الـ«بي.دي.أف» يطرق بابك

كلما نصحني الأصدقاء بتجربة القراءة الالكترونية باستخدام صيغة الـ"بي.دي.اف"، أشعر بالرفض وأفزع من مجرد فكرة ابتعادي عن اقتناء الكتب التي أعشقها منذ الطفولة، تلك التي استهلكت فيها مصروفي الشهري في إجازات المدرسة والتي عن طريقها كونت أحلامي وأهدافي، وساهمت هي بقوة في تكوين مبادئي ومعاييري الشخصية. تلك الحالة اللاشعورية المسيطرة علي من بهجة الذهاب إلي المكتبة، وحب علاقة الصداقة الحميمة التي تجمعني بالرواية التي اقرأها الآن، اقتسم معها الطريق إلى العمل وتقضي بدورها علي ساعات زحام القاهرة الخانق. لكني لا أنكر أن القراءة الالكترونية ظلت تظهر بين الحين والآخر في مساحة من الضوء داخل رأسي، كساحر ماهر يس