عبد الستار حتيتة
حين تحلَّقت مجموعة من العسكريين والمدنيين للاطلاع على حاسوب تمت مصادرته من مقر لعناصر من تنظيم داعش، تبين أن محتوياته لا تخص النشاط المتطرف في بنغازي ولا في كل ليبيا فقط، لكنها أكبر من ذلك بكثير.
هذه واحدة من أخطر العمليات التي يقوم بها الجيش الوطني الليبي، رغم ضعف إمكاناته، وهي تفكيك ألوف المفخخات التي تركتها التنظيمات المتطرفة في المواقع التي مرت عليها في ضواحي مدينة بنغازي... مفخخات في العمارات... وفي الشوارع... وفي الحدائق العامة... في نوادي الأطفال... في ملاعب الكرة... وفي دورات المياه الخاصة والعامة. مفخخات تنفجر بمجرد إدارة مقبض الباب أو الضغط على مفتاح إنارة الغرفة... ومفخخات مرتبطة بما يعرف بـ«مساطر التفجير». مساطر تأخذ لون المكان الذي تزرع فيه؛ أخضر وسط العشب، وأسود في الشارع، وترابي في التراب. وكل مسطرة مرتبطة بدانة.
أعلن الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر عن تحرير مدينة بنغازي من المتطرفين والتنظيمات الإرهابية، في الصيف الماضي، لكن ما زال هناك مربع سكني يسمى «سيدي خريبيش»، قبالة البحر، يتحصن فيه مسلحون متشددون يقدّر عددهم بما بين 90 عنصراً، وفق مصادر قريبة من الجيش، و150 عنصراً بحسب مصادر على صلة بالمحاصرين. الحلقة الثانية من سلسلة التحقيقات التي تقدمها «الشرق الأوسط» عن أوكار المتطرفين في ليبيا، تسلط الضوء على هذا المربع السكني الذي انقلب رأساً على عقب، بمعنى الكلمة.
طُردت التنظيمات المتطرفة من العديد من معاقلها في ليبيا خلال الشهور الماضية، لكنها أبت أن تخرج سوى على أنقاض مدن مُحطمة وجريحة.
تركت تنظيمات متطرفة مدناً مُحطمة وجريحة.
بعد نحو ثلاث سنوات من الحرب المستعرة في شرق ليبيا وجنوبها، تنفَّس الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الصعداء ودخل مرحلة جديدة وباتت عينه على أكبر مدينتين بعد بنغازي؛ هما طرابلس ومصراتة، غربا، حيث توجد فيهما ميليشيات خطرة، وجماعات متطرفة، وأسلحة حديثة. ويعوِّل حفتر على ترتيب أوضاع العسكريين هناك للعمل تحت مظلة الجيش، وبالتالي تجنب الصدام، والتدمير، والاقتتال. وتوجد اتصالات بالفعل لتفادي هذا المصير، حسب ما كشفه لـ«الشرق الأوسط» العميد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش.
بين كميات من الملفات وهواتف التي لا تتوقف عن الرنين، وعشرات الضباط الداخلين والخارجين في مكتبه الملحق بمقر إقامته في إحدى ضواحي بنغازي، يدير العميد أحمد المسماري الذي يحظى بثقة قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، مرحلة دقيقة تتضمن محاولة مهمة لتوحيد الجيش الذي تفرقت به السبل بعد إطاحة حكم معمر القذافي في 2011. ولا تنقطع فناجين الشاي صغيرة الحجم التي تعلوها رغوة داكنة، عن الدوران حول ضيوف المكتب، من ضباط ورجال مخابرات وممثلي قبائل ومدن. ويُعرف المسماري في وسائل الإعلام بأنه المتحدث باسم الجيش، لكن مسؤولياته الأخرى وغير المعلنة كثيرة.
كشفت جولة سريعة في عدد من المدن الليبية، خلال الأسبوع الأخير، أن صوت الرصاص ولغة الرجال الممسكين بالسلاح ما زالا أقوى من نغمات الجدل الدائر حول طاولات الحوار بين عدد من الأفرقاء الليبيين في تونس.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة