جذبت زيارة طه حسين للسعودية في عام 1959 أنظار الأدباء حينذاك، فتنادوا مرحبين بالضيف، ورأوا في زيارته مغنماً للثقافة السعودية، وخروجاً من محليتها إلى رحابة الثقافة العربية، ولم يتوان الضيف أن يمنح مضيفيه ما ينتظرونه من الإشادة. فالزيارة كانت استكشافاً لطه حسين، وحدثاً كبيراً عند الأدباء السعوديين سطَّروه في مقالاتهم - قبل الزيارة وأثنائها وبعدها - مقالات ومقابلات ضمَّها كتاب «طه حسين في السعودية» الذي جمع وأعد مادته محمد القشعمي.
لعل أمر الانصراف النقدي والفكري عن الاهتمام بالسرد في تراثنا، والانحياز إلى الشعر دراسة وفناً من أعقد المشكلات التي يمكن الخوض فيها؛ لتداخل الأسباب وتعددها، ففي المسار الديني، ظهرت خطورة القص في لحظة بدء جمع الحديث الشريف؛ الذي تزامن مع تكاثر القصاص في العصر الأموي، وأوائل العصر العباسي، فقد كثر الوعَّاظ والمذكِّرون الذين كانوا يستخدمون القصص في الترغيب والترهيب بأحاديث موضوعة في الغالب، مما حمل الخلفاء والفقهاء على التصدي لهذه الظاهرة، فهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسأل زرعة القاصَّ الذي اشتهر بالقص في الكوفة: علام ثبات الدين؟
لو أردنا أن نلخص العلاقة بين الشعر والسرد في تراثنا العربي لقلنا إنها علاقة مرتبكة، وتعود إشكالية هذه العلاقة المرتبكة في تكوينها إلى ثلاثة أبعادٍ: دينية، وسياسية، وثقافية، وهذه الأبعاد متداخلة التأثير، متشعبة الحضور في سياق الثقافة العربية، بدءاً بمرجعية التصور، ومروراً بمكونات الإنتاج، وانتهاء بعملية التلقي، ورغم اختلاف حقول الاشتغال في هذه الأبعاد إلا أنها مارست دوراً مؤثراً في تحديد علاقة التجاور والتباعد بين الشعر والسرد. وفي ظل هذه الأبعاد، حظي الشعر بأفضلية النوع على السرد، وأعيد تأسيس منظورنا الثقافي والنقدي وفقاً لهذه المعادلة، ولعلَّ مقولة «الشعر ديوان العرب» إحدى المقولات التي كرّست
الرواية والسينما لونان تعبيريان يتفقان ويختلفان في آن واحد. هذه ليست مفارقة، بل إنهما يلتقيان عند نقطة جوهرية تتمثل في السردية التي تصبغهما، ويختلفان من حيث تغير آلية الخطاب لا مضمونه. فهما يستخدمان السرد خطابًا ذا حمولات آيديولوجية، ويختلفان في كيفية تقديمه تبعًا لاختلاف آلية التعبير. الرواية تصوير بالكلمات، وتعبير بالمجرد، بينما السينما عين مبصرة، وتجسيد للعالم. وتبعًا لهذه الخصوصية يحدث التقاؤهما في ما يعرف بـ«Adaptation»، أو نقل الرواية إلى السينما.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة