أنور مشاعل
يواجه طلاب الجامعات في الشمال السوري التي تسيطر عليها المعارضة تحديات وعوائق كبيرة تعيق مسيرتهم الأكاديمية وتجبر كثراً منهم على ترك الدراسة والتوجه إلى سوق العمل. ولعل أبرز هذه التحديات هو مصير الشهادة الجامعية غير المعترف بها، إضافة الى فقدان الأمن، والخوف من المجهول، وعدم قدرة الطلاب على توفير الأقساط المطلوبة لإكمال دراستهم بسبب سوء أوضاعهم المادية.
هاجر بعض السوريين وهاجرت معهم مهنهم وحرفهم التي تعلموها وورثوها من آبائهم وأجدادهم لتكون لهم سندا وعونا في بلاد اللجوء، متكئين على هذه الحرفة أو تلك في ظل حياة قاسية أجبروا عليها في واقع جديد سبّبته الحرب. يقول علي حنكه - 60 عاماً – الذي يعمل في حرفة النقش على النحاس في غازي عينتاب التركية لـ"الشرق الأوسط": "عندما وصلنا إلى تركيا قبل خمس سنوات لم يكن لدينا شيء نملكه سوى هذه المهنة التي ورثتها عن أبي وعلمتها لأولادي على مر السنين.
يشعر الكثير من اللاجئين السوريين بالحزن على لغتهم العربية التي أصبحت الثانية لهم ولأطفالهم، بسبب ظروف الحرب والهجرة إلى بلدان تختلف فيها اللغة والعادات الاجتماعية. يقول الدكتور شاهر محمد عبد اللطيف المختص في التقانات الحيوية وتقنيات الزراعة والمقيم في برلين لـ "الشرق الأوسط": "بحكم الواقع، صارت لغة البلد الذي استقبل اللاجئين السوريين هي الأساس. هنا كان التركيز في البداية على اللغة الألمانية من أجل الاندماج في المجتمع، وبعدها جرى التفكير في تعليم أطفالنا اللغة العربية.
حوّل عدد من اللاجئين السوريين في تركيا تربية طيور الزينة بكل أشكالها وأنواعها من هواية إلى مهنة يعتاشون منها، بعدما تميزوا فيها وذاع صيتهم في مدينة غازي عينتاب التي يقيم فيها حالياً سوريون كثر. أبو محمد الذي غادر حلب قبل سنوات يقول لـ "الشرق الأوسط": "بعدما هُجرّنا من حلب واستقر بنا المقام في غازي عينتاب اخترت أن أعمل في مهنة كانت في السابق عبارة عن هواية، وهي تربية الطيور لتكون مصدر رزقي. فأنا لا أقدر على العمل في المعامل والورشات لأني أصبحت في الخامسة والخمسين، في حين أن هذه المهنة البسيطة لا تتطلّب جهدا بدنيّا كبيرا.
قلما يمرّ يوم لا نشاهد فيه أطفالاً سوريين يتسولون في شوارع مدينة غازي عينتاب التركية. منهم من يقف على الطريق صامتا، ومنهم من يلحق بك وهو يناشدك مد يد العون إليه. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد قرار الحكومة التركية إغلاق بعض المخيمات ومنها مخيم نيزيب، ودخول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الذين كانوا يقطنون المخيم الى غازي عينتاب. يقول قاسم الخالد - 14 سنة من مدينة الرقة - لـ "الشرق الأوسط": "بعد ترحيلنا من مخيم نيزيب جئنا الى مدينة غازي عينتاب، أنا وأمي وأثنان من أخوتي الصغار. والدي توفي قبل خمس سنوات، وأنا تركت تعليمي من أجل أن أعمل كوني المعيل الوحيد للعائلة.
من حلب الى ريفها، الى غازي عينتاب ثم الى إسطنبول في تركيا، وبالنهاية العودة الى الوطن... هذه قصة السوري زاهر محمد التي استمرت أربع سنوات، اصطحب فيها أمه المسنّة وبقية أفراد أسرته، وتحمل مرارة اللجوء وقسوة الظروف، قبل اتّخاذ قرار العودة... يقول زاهر محمد - 26 عاماً - ابن ريف حلب الشمالي لـ"الشرق الأوسط": "عندما قدمت إلى مدينة غازي عينتاب أواخر عام 2014 مصطحبا معي أمي واخوتي الأربعة، عشنا حياة قاسية في البداية، بعدها استطعت أن اجد عملاً في إحدى ورشات النجارة حيث أمضيت سنة، لكن فرص العمل بدأت التراجع مع تزايد كبير في أعداد السوريين اللاجئين الذين يبحثون عن باب للرزق.
في سنوات الحرب السورية السبع، ولد عدد كبير من الأطفال في مناطق المعارضة أو بلدان النزوح. هؤلاء الاطفال لا يملكون حتى الآن جنسية بلدهم لأن لا قيود تثبت هويتهم وانتماءهم إلى بلدهم، وهم بذلك أسماء على ورق لا يعطيهم أي حق من حقوق المواطَنة.
لم تضع الحرب في سوريا أوزارها بعد، ولم تنته معاناة السوريين الذين تحملوا مرارة ثمانية أعوام أجبرتهم على ما لا يطاق وخلّفت إعاقات عقلية وجسدية لكثر منهم، علماً أن معظم الإصابات وقعت في صفوف أبرياء، وخصوصاً منهم الصغار الذين لا يفهمون شيئا مما جرى ويجري. ولا تستغرب عندما ترى طفلا رضيعا لم يحبُ بعد قد فقد قدميه أو يديه أو شُوّه وجهه، ثم ينتقل المشهد الى البالغين من الرجال والنساء ممن فقدوا أطرافهم وخسروا القدرة على إعالة أسرهم وأطفالهم.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة